يوتوبيا الشمال.. كيف يسهم السيسي في زيادة بؤس الفقراء وثراء الأغنياء؟

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"احنا شعب وانتو شعب.. رغم إن الرب واحد، لينا رب وليكو رب"، كلمات كتبها المؤلف مدحت العدل، وغناها المطرب علي الحجار، وأغضبت المصريين إثر الانقلاب العسكري الذي ضرب مصر 3 يوليو/ تموز 2013.

تلك الكلمات تعبر عن حالة الانقسام المجتمعي التي تعيشها مصر منذ 8 سنوات من الانقلاب، وتكشف مدى التباين بين شعبين أحدهما يمثل الأغلبية لكنه فقير والآخر يشكل الأقلية لكنه من الأثرياء وأصحاب النفوذ.

هذه التباينات تظهر جلية في أحاديث الملايين من بسطاء المصريين عن رغيف الخبز الذي قررت السلطات يوم 3 أغسطس/ آب 2021، رفع سعره بعد تخفيض وزنه في نفس الشهر من عام 2020.

وعلى الجانب الآخر تعج وسائل التواصل الاجتماعي في البلاد وشاشات الفضائيات بتدوينات وتغريدات وإعلانات عن النصف الثاني من المجتمع المصري، وهم أثرياء منطقة الساحل الشمالي (شمال غرب)، في مشهد أقرب لما يطلق عليه في الفلسفة القديمة "يوتوبيا"، ويقصد بها مدينة مكونة من مجتمع مثالي يزخر بأسباب الراحة والسعادة.

بعض المصريين عبروا عن غضبهم من حالة التناقض المجتمعي وانتقدوا ما يجري في مصايف وقرى الساحل الشمالي وحالة الإسراف الشديد التي يعيشها الشق الأقل عددا والأشد ثراء في المجتمع المصري.

ووفق تصنيف البنك الدولي في مايو/ أيار 2019، فإن 60 بالمئة من سكان مصر إما فقراء أو عرضة للفقر.

الكاتب والروائي المصري عمار علي حسن، قال: "من يريد معرفة أحد أسباب بلاء بلدنا فليذهب إلى الساحل الشمالي ويرى كيف تتحدث وتتصرف طبقة الأثرياء الجدد".

والساحل الشمالي منطقة ممتدة من غرب مدينة الإسكندرية إلى مدينة مرسى مطروح، مرورا بمدن الحمام، والعلمين، وسيدي عبدالرحمن، والضبعة، وفوكة، ورأس الحكمة، بطول 250 كيلو مترا.

تلك المناطق كان يغلب عليها الطابع القبلي المتدين الذي يميل إلى التيار السلفي، وهو ما بدا واضحا في فوز "حزب النور" السلفي بنسب كبيرة من مقاعد "برلمان 2012" في مرسى مطروح والإسكندرية.

تغريب وعلمنة

إلا أنه حدثت طفرة وتغيرات كبيرة في المنطقة التي يوليها النظام الحاكم أولوية شديدة ويدشن بها مشروعات عملاقة، مثل مدينة العلمين الجديدة، ومطار العلمين، وقرية رأس الحكمة السياحية، والمنتجعات الممتدة بطول الساحل.

ويقيم النظام شبكة طرق لربط الساحل بالدلتا والعاصمة الإدارية، مع تطوير طريق "القاهرة- الإسكندرية" الصحراوي بطول 160 كم، والطريق الساحلي إلى مطار العلمين، وطريق "وادي النطرون- العلمين" بطول 130 کم.

وأيضا قرر رئيس النظام عبدالفتاح السيسي في يناير/كانون الثاني 2021، تدشين قطار كهربائي بتكلفة 360 مليار جنيه، لخدمة منتجعات الساحل الشمالي، ومدن مارينا، والعلمين، وربطها بمنتجع العين السخنة بخليج السويس، والعاصمة الجديدة.

وتمتلك القوات المسلحة بالساحل الشمالي مجموعة من القرى السياحية والفنادق الكبرى، فيما يمتلك كل جهاز تابع لها مجموعة منتجعات سياحية معفاة من الضرائب على عائداتها، ما يمثل استثمارا مربحا للجيش.

تلك الطفرة الإنشائية تبعتها طفرة في ارتياد الأثرياء منتجعات الساحل الشمالي، تخللها ظهور حالة من التغريب والعلمنة يفرضها أصحاب المنتجعات والقرى السياحية على المصريين.

وبمجرد مطالعة أخبار الساحل الشمالي عبر "جوجل" تظهر مجموعة مقاطع فيديو وصور لتجمعات شباب وفتيات يبدو منها تصرفات وأوضاع وملابس يرفضها المجتمع المصري، الذي يوصف بأنه "متدين بطبعه".

وطالما تفجرت قضايا منع دخول المحجبات تلك القرى أو حضورهم الحفلات، وكذلك على طريقة شواطئ أوروبا منع إحدى مرتديات لباس البحر المحتشم "البوركيني" من نزول حمامات السباحة في قضية شغلت الرأي العام في يوليو/ تموز 2021.

كما أن حفل المغنية روبي يوم 16 يوليو/ تموز 2021، أثار الجدل بإعلان الشركة المنظمة السماح بارتداء التربون (غطاء رأس للسيدات)، ما اعتبره البعض إشارة لعدم دخول المحجبات.

المتحدث الإعلامي للشركة "المتحدة" للخدمات الإعلامية حسام صالح، عبر عن غضبه مما يجري من تغريب وعلمنة بمنتجعات الساحل الشمالي بعيدا عن عادات وتقاليد وتدين المصريين.

ممثل الشركة المسؤولة عن الإنتاج الإعلامي والفني في مصر والتابعة لجهات سيادية مصرية انتقد إحدى قرى الساحل الشمالي الشهيرة، بسبب منعه من شراء شاليه هناك بدعوى أن زوجته وابنته محجبتان.

وكتب صالح بـ"فيسبوك": "أسوأ سؤال سمعته من مبيعات إحدى قرى الساحل الشمالي المعروفة جدا.. إمرأة حضرتك أو بنتك محجبة؟ عشان ممنوع أشتري عندهم لو بنتي أو مراتي محجبيتن".

صالح، أحد الشخصيات المقربة من النظام، أكد أن "هذا السؤال أصابني بغثيان بأن بلدنا يطرح فيها سؤال مهين كهذا".

في نفس السياق تحدثت الناشطة ماجدة رشوان، عن حالة التغريب الشديدة في مجتمعات الساحل والتملص من كل ما هو مصري وتغيير اسمه إلى لغة أجنبية.

"الشبشب الزيكو اسمه سليبر، والكوتشي سنيكر، والبونيه تيربون، والمكنة بيتش باجي، والقهوة الفرنساوي كورتادو، والملاك أونرز، والمستأجر فيزيتور، والكحك دونتس"، وفق رصد رشوان تغيير مسميات الأشياء في الساحل.

وأشارت إلى حالة الإسراف الشديد، وأن مصروف الشاب الصغير 1500 جنيه يوميا، وأن المطاعم تقدم أي طعام في رغيف بألف جنيه، لافتة إلى غرابة أسماء المطاعم والوجبات والقرى.

وبينت أن "البوركيني" ممنوع بشدة، لافتة إلى حالة البذخ التي تظهر بها النساء بارتداء المجوهرات والألماس، حيث أن تذكرة دخول أماكن السهر 1500 دون طعام وشراب.

حفلات الساحل

حفلات المطربين؛ عامل آخر من عوامل الغضب الذي يثيره زوار وسكان الساحل الشمالي في مصر في مقابل ما يعانيه المصريون من أزمات اقتصادية واجتماعية وكوارث.

إقامة حفل المغنية العالمية جينيفر لوبيز، يوم 10 أغسطس/ آب 2019، بعد أيام من تفجير أودى بحياة 20 مصريا بمعهد الأورام وسط القاهرة 4 أغسطس/آب 2021، كان إحدى المفارقات المؤلمة.

وبمناسبة بلوغها 50 عاما أحيت لوبيز حفلا بمدينة العلمين بسعر تذكرة وصل إلى 5 آلاف جنيها، وفي حضور 3 وزيرات مصريات، فيما عجت حينها مواقع التواصل الاجتماعي بصور الضحايا إلى جانب صور حفل لوبيز والوزيرات الثلاث.

الحضور الجماهيري الكبير لحفلات الساحل في الوقت الذي تمنع فيه السلطات أي تجمعات جماهيرية بملاعب كرة القدم، وتفرض قيودا على الصلاة في المساجد؛ دفع ناشطين لانتقاد غياب الإجراءات الاحترازية بتلك الفعاليات.

وشهد صيف 2021، حفلات عديدة لكبار المطربين، فيما تراوحت أسعار التذاكر بين 500، و850، و1250، و2500، و3 آلاف جنيه و4 آلاف جنيه، بينما الحد الأدنى للأجور في مصر يبلغ 2400 جنيه (نحو 150 دولارا) شهريا.

وغنى في الساحل تامر حسني، وسعد الصغير، والراقصة دينا، ووائل جسار، والشاب خالد، ومحمود الليثي، والمطربة أمينة، ومحمود العسيلي، وروبي، ونيكول سابا، ومطربا المهرجانات حسن شاكوش وعمر كمال.

وتقام حفلة الفنان عمرو دياب، يوم 13 أغسطس/آب 2021، بفندق "الماسة ميوزيك أرينا" بالعلمين الجديدة، بسعر تذكرة ما بين 750 إلى 4 آلاف جنيها.

ويحيي محمد منير حفله في النصف الثاني من أغسطس/آب 2021، في "بورتو مارينا"، ثم محمد رمضان يوم 20 أغسطس/آب 2021، بسعر تذكرة يصل إلى 2000 جنيها.

الباحث الإسلامي محمد أحمد عزب، قال عبر "فيسبوك": إن الحضور الكبير لحفلات المطربين في الساحل والتي تتعدى أسعارها 4 آلاف جنيه يعطيك "انطباعا أن الشعب الذي يزأر من الفقر يدفع في سهرة هذا المبلغ بكل بساطة".

وجزم بأن بعض فقراء مصر يذهب إلى صناديق القمامة يجمع ما يصلح للأكل، وبعضهم باع أثاث بيته لينفق على صغاره، مؤكدا أن هذا التناقض ينطبق عليه أغنية علي الحجار: "إنتو شعب وإحنا شعب.. ليكو رب ولينا رب".

وبشأن أسعار إيجار فيلات وشاليهات الساحل الشمالي تواصل مراسل "الاستقلال"، مع شركة "فلاورز للتسويق العقاري"، التي أكدت أن إيجار للفيلا من 7 إلى 8 آلاف جنيه، والشاليه من 1800 إلى 2500 جنيه في اليوم الواحد.

وعن الممنوعات داخل قرى وفيلات الساحل الشمالي أكد أنها أمور يعرفها الجميع الآن وأهمها شروط نزول البحر بالملابس المخصصة لذلك، مشيرا إلى منع النزول بغير البكيني، وبخاصة حمامات السباحة.

مواقع محلية مصرية أكدت أن أسعار إيجار شاليهات الساحل الشمالي تبدأ من ألف وحتى 8 آلاف جنيه في اليوم، بينما يتراوح إيجار الفيلات بين 14 و20 ألف جنيه، فيما وصلت أسعار الإقامة بالفنادق حتى 4 آلاف لليلة.

حالة تناقض

المخرج بالتليفزيون المصري إيهاب مرجاوي، تحدث عن التكلفة الكبيرة لمنتجعات الساحل الشمالي وقارنها بدول أوروبية، مبينا أنها تعادل إقامة في ألبانيا ومالطة وقبرص وتركيا.

وقال في منشور على فيسبوك: "المقصود حبس غالبية الشعب في مكان معين وفي ظروف معيشية معينة تسهل عملية تقسيم البلاد إلى مناطق اقتصادية حسب المستوى الاجتماعي الطبقي".

وفي رؤيته لما وصلت إليه حالة التناقض الاجتماعي في مصر، يرى الباحث مصطفى خضري، أنه "نتيجة للإجراءات الاقتصادية والاجتماعية لدى النظام المصري في السنوات السابقة حدث تغير في التركيبة السكانية للمجتمع حسب الدخل".

رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر" يقول لـ"الاستقلال": "انحدرت الكثير من الأسر المصرية إلى الطبقات الأدنى اقتصاديا".

وحسب المؤشر الاجتماعي لـ"تكامل مصر" لعام 2021، يوضح أن "التركيبة السكانية للمجتمع المصري مقسمة وفق الدخل".

1.6 بالمئة من حجم السكان ينتمون للطبقة الغنية، مقابل 8.5 بالمئة ينتمون للطبقة فوق المتوسطة، و14.3 بالمئة ينتمون للطبقة المتوسطة، وفق قوله.

وتابع أن "46.9 بالمئة ينتمون للطبقة (تحت خط الفقر العالمي)، في حين ينتمي 28.7 بالمئة إلى الطبقة المعدمة (تتناول وجبتين فأقل فقط يوميا ولا تملك سكنا وليست تحت مظلة تأمين صحي حقيقي)".

 وفي إجابته على تساؤل: "كيف كانت حالة الإسراف التي يعيشها أغنياء الساحل سببا في صورة مزيفة أمام النظام عن المصريين؟"، يعتقد خضري أنه "لا يمكن اعتبار مرتادي الساحل الشمالي صورة معبرة عن المجتمع المصري".

ويلفت إلى أنه حسب قاعدة بيانات مركزه: "يوجد بالساحل الشمالي 157 قرية سياحية  تقريبا بها ما يقارب من 45 ألف وحدة  فندقية (شاليه)".

يستخدم تلك القرى (تمليك وإهداء وتأجير) نحو 400 ألف أسرة، وهؤلاء لا يمثلون إلا ما يقارب من 1.5 بالمئة فقط من المجتمع المصري، وفق الخبير في تحليل الرأي والمعلومات.

ويضيف: "وحتى أن هؤلاء لا يمثلون إلا 8 بالمئة تقريبا من الطبقات القادرة على التملك والاستئجار بالساحل (الطبقة الغنية وفوق المتوسطة والمتوسطة)".

 وبالتالي ووفق هذه البيانات: كيف كانت تلك الطبقة سببا في قرارات النظام المتواصلة برفع أسعار الوقود والسلع، وآخرها الخبز؟

يقول خضري: رصد مركز "تكامل مصر"، تلك الظاهرة من حيث حجم التناول الإعلامي وطرق الترويج والفئات السلوكية التي يتم تصديرها إعلاميا.

ووفق تقدير المركز فإنها "صورة إعلامية مزيفة قصدا، يصطنعها النظام المصري للإيحاء بأن هناك ازدهارا اقتصاديا ورفاهية يتمتع بها المجتمع المصري في عهده على غير الحقيقية".

وكذلك "لاستخدامها كغطاء للقرارات الاقتصادية والاجتماعية التي ينفذها حسب تعليمات البنك الدولي".