"زاد الطين بلة".. هكذا يضاعف حزب الله حصار لبنان باستيراد وقود الأسد

مصطفى العويك | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أعلن أمين عام "حزب الله" اللبناني حسن نصرالله 19 أغسطس/ آب 2021، أن السفينة الأولى المحملة بالوقود تنطلق من إيران وأنها تبحر خلال ساعات إلى لبنان، فيما كشف أن الأولوية ستكون لـ"المازوت" لارتباطه الوثيق بحياة اللبنانيين. 

نصرالله، أعلن أيضا عن إبحار سفن أخرى في القريب العاجل، لكنه في نفس السياق حذر الأميركيين والإسرائيليين من التعرض للسفينة، مؤكدا أنها أرض لبنانية. 

تلك الخطوة غير مفاجئة، إذ سبق لنصرالله الحديث عن هذه القضية في لقاءات وخطب منذ يوليو/ تموز 2021، كان آخرها 18 أغسطس/ آب 2021، عند اجتماعه بمشايخ وقراء السيرة الكربلائية.

مراقبون أكدوا أن قرار استقدام بواخر النفط من إيران اتخذه "حزب الله" منفردا دون إذن الحكومة والسلطات اللبنانية، كما تقتضي القوانين المرعية الإجراء.

ووجهوا انتقاداتهم لنصرالله، معتبرين أن قراره يعد استخفافا بالدولة ومؤسساتها، ويعرض لبنان لعقوبات دولية، خاصة في ظل فرض عقوبات أميركية على طهران ومنعها من تصدير النفط.

كما ربط منتقدوا نصرالله بين خطوته وبين مناشدة رئيس الجمهورية ميشال عون المجتمعين الدولي والعربي لإغاثة لبنان والتخفيف من آثار الأزمة الاقتصادية والنقدية التي تفتك بالشعب، وتكاد تقضي على الدولة.

كلام نصر الله، قابلته رئاسة الجمهورية ومجلس النواب، والحكومة، بصمت تام يوحي بالقبول، أو الخوف من إبداء رد فعل، إزاء تصرف الحزب الذي يعتبره كثيرون ذراعا إيرانية تؤثر على القرار السياسي في لبنان.

قرار حزب الله بالاستيراد من إيران، يأتي في ظل انشغال الرئيس ميشال عون في مفاوضات تشكيل الحكومة مع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، كما أن عون نفسه حليف هام لـ"حزب الله".

لذا لم يكن مفاجئا صمت رئاسة الجمهورية، الأمر الذي ينسحب أيضا على "التيار الوطني الحر" الذي يرأسه جبران باسيل صهر الرئيس عون، أضف إلى ذلك أن حزب الله يمتلك مع حلفائه أكثرية مجلس النواب. 

أما رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب القادم من خارج عالم السياسة، فينأى بنفسه عن تطورات الساحة السياسية، ويعد الأيام للخروج من السراي الحكومي (مقر رئاسة الحكومة).

ردود الفعل السياسية المعارضة، انحصرت في قوتين سياسيتين رئيستين: هما "تيار المستقبل" السني وحزب "القوات" المسيحي، والاثنان يعدان من المقربين من دول الخليج العربي، ويعارضان أي تقارب بين لبنان وإيران. 

زعيم "تيار المستقبل" (20 نائبا) سعد الحريري، انتقد خطوة حزب الله، واعتبر إرسال إيران سفنا لبلاده، "إعلانا خطيرا يزج بالبلاد في صراعات داخلية وخارجية".

تبعه أحد أشد معارضي "حزب الله" رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع (15 نائبا)، الذي اعتبر بدوره أن "حزب الله" يحاول الآن السيطرة على عملية صناعة القرار الاقتصادي ضد رغبة الشعب اللبناني.

من جهته شن رئيس حزب الكتائب المعارض سامي الجميل، هجوما حادا ضد نصر الله، معتبرا عبر "تويتر" أنه لا يفك الحصار عن لبنان بل بسببه سوف يأتي الحصار.

 

 

في حين انقسم اللبنانيون بين مرحب بالخطوة ورافض لها، ومن مستبشر بانفراجة إلى مستهجن لتوجه "حزب الله".

وشكر الناشط في "تويتر" الدكتور موريس، خيرات طهران وبركاتها، قائلا: "إيران بحق جديرة بتسمية جمهورية الخير، ولن ننسى أن نشكر الحزب.. ".

 

 

في المقابل، قالت المغردة إلسا ياغي: لا نريد لا نفطا ولا أوكسجينا منكم، اتركونا ونحن ندبر حالنا، مطالبة بـ"رفع الاحتلال الإيراني عن لبنان".

 

 

ورأى مغردون أن مشكلة نقص الوقود في لبنان لن تحل عبر استقدام بعض البواخر من إيران، إنما عبر محاربة التهريب الذي أنهك اللبنانيين، وحرمهم من المشتقات النفطية وسائر السلع الحياتية الرئيسة.

والسؤال: "هل تعتبر خطوة "حزب الله" خرقا من الدولة اللبنانية للعقوبات الأميركية على إيران؟ وهل يتعرض لبنان لعقوبات دولية؟

جدار العقوبات

بسبب برنامجها النووي؛ تخضع إيران منذ 2018، لعقوبات قاسية، وصفتها وزارة الخارجية الأميركية بأنها الأشد التي عرفها التاريخ، إذ تشمل قطاع النفط الإيراني وكذلك البنك المركزي. 

تلك العقوبات يخضع لها كل من يعقد صفقات مع شركات نفط إيرانية، بشراء وحيازة وبيع ونقل وتسويق البترول والمنتجات البترولية، مع منح إعفاءات لبعض الدول، ليس من بينها لبنان (كالعراق). 

النظام الإيراني يحاول دائما الالتفاف على العقوبات بطرق عديدة، مستغلا بعض الثغرات في نظام العقوبات.

ومنها عقود تبادل مع بعض البلدان بالعملة المحلية، والتعامل بنظام المقايضة الذي يتفادى التبادل النقدي، والتعاون مع مؤسسات مالية وبنوك صغرى، لا تقيم ارتباطا مباشرا مع الاقتصاد الأميركي. 

لكن واشنطن واجهت تلك المحاولات بمزيد من التشدد والصرامة، بإصدار حزم عقوبات جديدة، تعالج ثغرات نظام العقوبات، وفرض عقوبات على أشخاص وكيانات غير إيرانية، تلعب دور الوسيط ومساعدة طهران للتهرب من العقوبات. 

في هذا الإطار، كان لافتا إصدار وزارة الخزانة الأميركية في أغسطس/ آب 2021، عقوبات على شخص عُماني سهل بيع وشحن النفط الإيراني، وعلى شركتين في الإمارات، لتقديمهما خدمات لوجستية لشركة الطيران الإيرانية.

تلك العقوبات التي شملت أطرافا تنتمي لدول حليفة لواشنطن؛ تأتي في وقت تخوض فيه الإدارة الأميركية جولات تفاوضية مع إيران لإبرام اتفاق جديد بشأن الملف النووي، الأمر الذي يعتبر مؤشرا على مدى تشدد أميركا في تطبيق العقوبات. 

عدد من الكيانات والجمعيات المرتبطة بـ"حزب الله"، تخضع لعقوبات أميركية، بالإضافة إلى بعض رجال الأعمال اللبنانيين الذين يقدمون تسهيلات للحزب.

قفزة في المجهول

هذا الأمر وفق مراقبين يشكل عائقا يمنع الشركات والكيانات التجارية والمستشفيات اللبنانية من شراء المازوت الإيراني خوفا من تعرضهم لعقوبات أميركية كسالفة الذكر.

جريدة "الأخبار" اللبنانية المقربة من "حزب الله" في 21 أغسطس/ آب 2021، نقلت عن "حزب الله"، أن الباخرة ستقدم هبة إلى الدولة اللبنانية، وحال أعرضت عنها، سيوهب المازوت إلى المستشفيات والأفران ومولدات الأحياء.

وفي 20 أغسطس/ آب 2021، نشرت صحيفة "الشرق الأوسط" تقريرا حذر فيه خبراء من تداعيات استيراد النفط الإيراني، على حركة التحويلات والاعتمادات والشحن من لبنان وإليه، وامتناع المؤسسات المالية العالمية والمصارف الدولية عن التعاون معه.

ووفقا لتقرير الصحيفة، قال رئيس منظمة "جوستيسيا" الحقوقية، الدكتور بول مرقص: إنه يمكن للبنان طلب الإعفاء من هذه العقوبات من وزارة الخزينة الأميركية، مع تبرير مقنع عن الحاجة الحيوية للدولة اللبنانية لهذه الخدمات.

في حين رأى الخبير بالقانون الدولي شفيق المصري، أنه طالما أن العقوبات الأميركية مطاطة وغامضة، فلا يمكن الجزم كيف ستتصرف واشنطن إزاء إعلان حزب الله هذا، وما إذا كانت ستفرض عقوبات على الدولة اللبنانية.

وأضاف لـ"الشرق الأوسط": "البواخر الإيرانية وصلت إلى فنزويلا أي الحديقة الخلفية لأميركا وهي لم تتحرك، كما أن بواخر أخرى تصل إلى سوريا تحت أنظار واشنطن".

من هذا المنطلق يعد استيراد "حزب الله، نفط إيران قفزة في المجهول، ربما تؤدي لفرض عقوبات صارمة على الدولة اللبنانية، تزيد أوضاع المعيشة تدهورا؛ حتى ولو لم تمنح الدولة "حزب الله" الإذن بالاستيراد، باعتبارها متواطئة بالحد الأدنى.

تنفيس الغضب

ويرى مراقبون أن استيراد "حزب الله" نفط إيران، يشكل استعراضا سياسيا، يصور فيه شحنات طهران بطوق نجاة للخروج من أزمة "طوابير الذل" كما يصفها نصر الله نفسه، ويسعى بها لشد عصب بيئة "حزب الله" الموالية، وتنفيس الاحتقان الشعبي. 

أضف إلى أن اختيار الحزب ذكرى "كربلاء" للإعلان عن الشحنات الإيرانية لم يكن عبثيا، لما لهذه الذكرى من أهمية استثنائية في الوجدان الشيعي.

ومنذ نهاية 2019، واظب نصر الله على التأكيد أن جماهير "حزب الله" في مأمن من الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، وأن الحزب كفيل بتأمين السلع الأساسية لهم، إلا أن الواقع يشي بعكس ذلك تماما. 

إذ إن مناطق نفوذ "حزب الله"، خاصة محافظتي "الجنوب" و"البقاع"، تعاني مثل سائر المدن اللبنانية من تداعيات الأزمة، وتنتشر طوابير المازوت والبنزين والخبز؛ الأمر الذي أدى إلى ظهور حالات اعتراض شعبية اتخذت أشكالا عديدة.

اعتراضات الجماهير بلغت ذروتها في الآونة الأخيرة، مع قيام بعض الشبان بطرد نائب "حزب الله" حسين الحاج حسن من إحدى الحسينيات، والتعرض بالضرب لمراسل قناة "المنار" في مدينة النبطية.

 كما قام بعض الشبان من عشيرة "آل زعيتر"، المرتبطة بـ"حزب الله"، بقصف إحدى محطات البنزين بمنطقة "الكفاءات" جنوب العاصمة بقذائف صاروخية، رغم أنها لا تبعد كثيرا عن مقرات الحزب الرئيسة. 

على الرغم من إعلان نصر الله انطلاق باخرة المازوت من إيران، إلا أن هذه الخطوة يعتريها الغموض، إذ لم يكشف عن الآليات التنفيذية لها، وفي أي ميناء سترسو، وكيفية تسديد ثمنها، وهل هو بالعملة المحلية أم بالدولار؟

وفي حزيران/ يونيو 2021، تحدث نصر الله في ذكرى تأسيس قناة "المنار" الناطقة باسم "حزب الله"، عن استيراد النفط من إيران عبر ميناء بيروت.

 وقال: "سنذهب إلى إيران، ونحصل على البنزين بالليرة اللبنانية، ونأتي به إلى ميناء ‏بيروت، ولتمنع الدولة اللبنانية البنزين عن اللبنانيين عندئذ". 

إلا أن موقع "العربية نت"، نقل 19 أغسطس/ آب 2021، عن مصادر مطلعة، أن الحزب عدل عن قراره، بعد تلقيه نصائح من أحد حلفائه بعدم استخدام ميناء بيروت لتجنيب الدولة اللبنانية كأس العقوبات، وتفريغ الشحنة في ميناء "بانياس" السوري.

من بعدها يجري نقل الشحنة للأراضي اللبنانية، بواسطة صهاريج تعبر من إحدى النقاط الحدودية التي يسيطر عليها "حزب الله".

صحيفة "الشرق الأوسط" نقلت عن مصادر في وزارة الطاقة اللبنانية، 20 أغسطس/ آب 2021، أن الوزارة لم تتلق أي طلب رسمي للحصول على إذن باستيراد النفط الإيراني إلى لبنان، سواء برا أو بحرا.

وبشأن طريقة الدفع، وبعد أن كرر نصر الله إن إيران مستعدة لقبول الدفع بالعملة اللبنانية التي فقدت أكثر من 90 بالمئة من قيمتها في عامين، نفت وكالة "نور نيوز"، المقربة من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني ذلك.

الوكالة نقلت عن مصادر إيرانية قولها: إن "شحنات الوقود الإيراني، ليست هبة ولم تشترها الحكومة اللبنانية، وإنما اشتراها عدد من التجار اللبنانيين، وسددوا ثمنها".

تأزيم لا حل

وفي هذا الإطار، يتساءل نائب رئيس "تيار المستقبل" الدكتور مصطفى علوش: "إذا كانت إيران لا تعاني من مشاكل في تصدير مشتقاتها النفطية، فلماذا لا تصدر لحليفها النظام السوري؟".

يضيف لـ"الاستقلال": "وذلك بدلا من جعل لبنان وجهة لعمليات تهريب المحروقات غير الشرعية نحو سوريا بغطاء حزب الله".

ويؤكد أن "أساس مشكلة لبنان وجود (حزب الله)، ولولاه لتحرر البلد من خطر العقوبات الدولية، وكانت مشاكله السياسية والأمنية أخف وطأة". 

"حزب الله يستغل حاجة اللبنانيين، لإيهامهم أنه قادر أن يفعل ما يعجز عنه الآخرون"، وفق تعبير علوش.

ويرى الصحفي اللبناني جوني فرنسيس أن مبادرة حزب الله ستزيد المشاكل الداخلية في لبنان، وتعمق الانقسامات.

يضيف لـ"الاستقلال": "لبنان لم يعد لديه القدرة على التحمل، ولا على الدخول أكثر في حرب المحاور الإقليمية، وما يفعله الحزب إمعان في إغراق لبنان في النيران الملتهبة إقليميا".