خطة الغرب في نقل أصول روسيا المجمدة إلى أوكرانيا.. ما سر قلق السعودية؟

إسماعيل يوسف | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

لطالما حذر خبراء اقتصاد عرب ومسلمون الدول العربية والإسلامية من رهن أصولها النقدية في مشاريع ومصارف الدول الغربية، خشية استيلاء الأخيرة عليها حال حدوث أي خلاف معها، وأخيرا ظهرت تطورات خطيرة ترجح هذا السيناريو.

فمع تواصل الحرب في أوكرانيا، تبادلت أوروبا وأميركا من جانب، وروسيا من جانب آخر، تجميد أصول كل بلد، ولأن الأصول الروسية أكبر، بدأت أوروبا تخطط بطلب أميركي، للتصرف في هذه الأصول ونقلها لأوكرانيا لتعمر بها ما خربه الروس.

هذا التفكير الغربي في الاستيلاء على الأصول الروسية المجمدة ونقلها لأوكرانيا، أرعب دول الخليج العربي وخاصة السعودية.

إذ بلغ حجم الأصول الاحتياطية للسعودية في الخارج خلال مايو/أيار 2024 قرابة 460 مليار دولار، بحسب البنك المركزي السعودي، أغلبها في الغرب، بحسب موقع "أرقام" الاقتصادي في 17 يونيو/حزيران 2024.

دفع هذا السعودية لتهديد الدول الصناعية السبع الكبرى بأنها ستسحب أصولها من أوروبا وخاصة فرنسا إذا قرر الاتحاد الأوروبي مصادرة الأموال الروسية والمقدرة بـ 300 مليار دولار لصالح أوكرانيا، وفق وكالة "بلومبيرغ" الأميركية في 9 يوليو/ تموز 2024.

قصة التهديد

"بلومبيرغ" أكدت نقلا عن مصادر وصفتها بالـ"مطلعة"، أن السعودية ألمحت للدول الغربية أنها ستسحب أصولها وستبيع بعض حيازاتها من الديون الأوروبية، إذا قررت مجموعة السبع مصادرة الأصول الروسية المجمدة.

قالت إن وزارة المالية في المملكة أبلغت بعض نظرائها في مجموعة السبع بمعارضتها لفكرة الاستيلاء على أصول روسيا المجمدة في الغرب، لدعم أوكرانيا، ونقلت الوكالة الأميركية عن مصدر مطلع أن الرياض تعد هذا "تهديدا مستترا" للسعودية أيضا مستقبلا.

وسبق أن قال خبراء لمجلة "بوليتيكو" الأميركية في 2 أبريل/نيسان 2024، إن السعودية والصين وإندونيسيا ودولا أخرى تتخوف من أن تكون أصولها في أوروبا هي التالية في قائمة المصادرة، بعد روسيا، إذا فقدت حظوتها لدى الغرب.

لكنهم عدوا المخاوف التي تبديها هذه البلدان "مبالغا فيها"، لأن مصادرة أوروبا أصول أي دولة لديها "سيقوض ثقة المستثمرين في النظام المالي للاتحاد الأوروبي".

دبلوماسي عربي قال لـ"الاستقلال"، إن التهديد السعودي لا يهدف للدفاع عن روسيا، وهدفه ضمان الأموال السعودية في الدولة الغربية في حالة جرت اختلافات مع أوروبا مستقبلا في قضايا حيوية.

إذ تخشي المملكة أن تفعل معها الدول الصناعية الشيء نفسه وتجمد أرصدتها وقد تستولي عليها، وهو أمر سبق أن تم تهديد السعودية به عقب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 واتهام سعوديين بالمشاركة فيها.

لضخامة الأصول السعودية في الغرب، يتوقع محللون اقتصاديون أن يؤدي هذا التهديد السعودي لتراجع الاتحاد الأوروبي عن قرار مصادرة الأموال الروسية خشية اندفاع السعودية وبقية دول العالم لسحب أموالها في الغرب. 

لذا قالت  "بلومبيرغ" إن تهديد السعودية "يسلط الضوء على نفوذها المتزايد على المسرح العالمي والصعوبة التي تواجهها مجموعة السبع في حشد الدعم من دول الجنوب لأوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي".

وفي 8 مايو/أيار 2024، توصلت دول الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق "مبدئي" لاستخدام الأصول الروسية المجمدة لديها لتسليح أوكرانيا، وفق وكالة الأنباء الفرنسية.

وأعلنت الرئاسة البلجيكية للاتحاد الأوروبي، توصل دول الاتحاد الـ27 إلى اتفاق على استخدام عائدات الأصول الروسية المجمدة في الاتحاد والتي تبلغ حوالي 210 مليارات يورو، لتسليح أوكرانيا. 

وقبل هذا اقترحت المفوضية الأوروبية في مارس/آذار 2024 خطة تهدف إلى استخدام عوائد وفوائد هذه الأصول الروسية الضخمة في الغرب والتي تقدر بما بين 2,5 إلى 3 مليارات يورو سنويا، لصالح كييف وشراء أسلحة لها.

فيما حذر الكرملين الاتحاد الأوروبي من استخدام عائدات الأصول الروسية المجمدة لتسليح أوكرانيا ما سيدفع هذه الدول لدعاوى قضائية على مدى عقود، وهو ما سيكون وفقا لموسكو بمثابة "سرقة".

حرب تجميد الأصول

عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا، استعرت "حرب تجميد الأصول" المالية بين روسيا والغرب، بعد فرض العقوبات الغربية على موسكو.

ولحل المشكلة، اقترحت وزارة المالية الروسية تبادل الأصول المجمدة للمستثمرين الغربيين والروس، بإبدال أصول المستثمرين الروس التي جمدتها الدول الغربية بسبب العقوبات بأموال مستثمرين أجانب محجوزة داخل روسيا.

لكن الولايات المتحدة والدول الأوروبية تجاهلت العرض، بسبب الحجم الضخم لأصول روسيا ورغبتها في حرمان الكرملين منها في الحرب.

وجمد الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول السبع وأستراليا حوالي 280 مليار دولار من أصول البنك المركزي الروسي على شكل أوراق مالية ونقد، من خلال مؤسسة المقاصة الأوروبية "يوروكليار" التي تتخذ من بلجيكا مقراً لها.

ومعظم هذه الأموال المجمدة موجودة حاليًا في أوروبا، حيث سحب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجزء الأكبر من أصول البنك المركزي الروسي من الولايات المتحدة في عام 2018، وذلك بعد جولات سابقة من العقوبات الأميركية.

أيضا فرضت عقوبات على شخصيات روسية بارزة أدت إلى تجميد ما يقدر بنحو 58 مليار دولار إضافية من الأصول، بما في ذلك المنازل واليخوت والطائرات الخاصة، في مارس 2023 وفقًا لبيان صادر عن وزارة الخزانة الأميركية.

وتقدر وزارة المالية الروسية حجم الأصول المجمدة من قبل الغرب بما يتراوح بين 300 مليار و350 مليار دولار، وهو ما يقارب نصف احتياطيات روسيا من الذهب والنقد الأجنبي، في صورة ذهب نقدي وسندات دين وعملات.

ورغم أنه من الناحية القانونية لا تزال هذه الأموال مملوكة لروسيا فإنه لا يمكنها التصرف فيها بسبب العقوبات.

بالمقابل، تشكل الولايات المتحدة أكبر مستثمر في الاقتصاد الروسي، حيث بلغت استثماراتها 8.9 بالمئة من إجمالي الاستثمارات المتراكمة أو 39.1 مليار دولار من أصل 441.1 مليارا من إجمالي الاستثمارات في روسيا.

ويقول البنك المركزي الروسي إن الحجم الإجمالي للاستثمار الأجنبي في الاقتصاد الروسي بلغ بدءا من مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2021 نحو 1.18 تريليون دولار.

وأكثر من نصف هذه الأموال (679 مليار دولار) هي أسهم في الأعمال التجارية، و392 مليار دولار أخرى هي جميع أنواع الديون: السندات والقروض والسلف التجارية.

أما الباقي فهو عبارة عن نقد وودائع وحقوق سحب خاصة لصندوق النقد الدولي واستثمارات أخرى.

ومنذ أن ردت السلطات الروسية على العقوبات الغربية لمنع سحب رؤوس الأموال للدول الأوروبية وأميركا إلى الخارج أصبحت هذه الأموال محجوزة بالفعل داخل روسيا.

ومع تصاعد الحرب والدمار في أوكرانيا، تصاعد الحديث في أوروبا والولايات المتحدة عن مصادرة الأصول الروسية المجمدة وتوجيهها إلى أوكرانيا لدواعي إعادة البناء دخلت حرب تجميد الأصول بين الجانبين إلى مرحلة أخطر هي المصادرة.

قلق سعودي

كانت الرياض تشعر بالقلق إزاء الجهود الغربية الرامية إلى الاستيلاء على أصول الكرملين منذ عدة أشهر. 

وفي 2 أبريل/نيسان 2024، ذكرت مجلة "بوليتيكو" أن السعودية والصين وإندونيسيا، مارسوا ضغوطا على الاتحاد الأوروبي ضد مصادرة أصول الكرملين.

وقالت إن تهديد المملكة ببيع ديون الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يمثل عرضاً جدياً للقوة والاستعداد من جانب السعودية لاستخدام ثقلها الاقتصادي للتأثير على صناع السياسات الغربيين.

ونقلت "بوليتيكو" عن ثيودور كاراسيك، وهو مستشار بارز في شركة "جلف ستيت أناليتيكس" للاستشارات، إن تصعيد حرب أوكرانيا، واحتمال هزيمة روسيا "يتعارضان مع مصالح دول الخليج".

أوضح أن "دول الخليج لا تريد أن ترى روسيا تتفكك"، لأن الخليج لديه استثمارات في روسيا.

وأضاف أن استخدام الأصول الروسية لإعادة بناء أوكرانيا قد يقوض طموحاتها في لعب دور قيادي في إعادة إعمار البلاد بعد الحرب.

ومع ذلك، نفت وزارة المالية السعودية في 9 يوليو 2024 تقديم تهديدات لمجموعة السبع إزاء هذه القضية.

وجاء في بيان أرسل من وزارة المالية السعودية: "لم يتم توجيه مثل هذه التهديدات، علاقتنا مع مجموعة السبع وغيرها هي علاقة احترام متبادل، ونحن نواصل مناقشة جميع القضايا التي تعزز النمو العالمي وتعزز مرونة النظام المالي الدولي".

وقال أحد المسؤولين السعوديين لوكالة "بلومبيرغ" إنه ليس من أسلوب الحكومة إطلاق مثل هذه التهديدات، لكنها ربما أوضحت لأعضاء مجموعة السبع العواقب النهائية لأي مصادرة.

وقبل ذلك، وفي 3 مايو 2024، قالت مصادر صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، إن دول مجموعة السبع، بدأت تتراجع وتقر بشكل منفصل، بتخليها عن فكرة مصادرة الأصول الروسية المجمدة.

نقلت عن مصادر أن الدول الغربية "تبحث عن أساليب أخرى للحصول على تمويل" لأوكرانيا من الأموال الروسية، مبينة أن السبب الرئيس لتخلي دول الاتحاد الأوروبي عن مصادرة الأصول الروسية المجمدة هو "الخوف من إجراءات الرد".

وفي 28 أبريل أكد الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن قرار المصادرة المحتمل للأصول الروسية، سيكون بمثابة "المسمار الأخير" في نعش النظام الاقتصادي للدول الغربية.

قال إن موثوقية الغرب في أعين المستثمرين "ستتلاشى بين عشية وضحاها" حال اتخاذهم قرار مصادرة الأصول الروسية المجمدة.

وتخشى العواصم الأوروبية في المقام الأول أن تؤدي مصادرة الأصول الروسية إلى تضرر الاقتصاد الوطني، خاصة صناديق الثروة السيادية، والبنوك المركزية، والشركات، بعد امتناع مستثمري القطاع الخاص من الجنوب العالمي عن الاستثمار في الأصول الأوروبية.

إرباك المشاريع

وفي حين تعاني المشاريع الكبرى التي وضعها ولي العهد محمد بن سلمان من عقبات مالية وعزوف الاستثمار الأجنبي عنها، ما جعل الصندوق السيادي السعودي يتحمل أعباءها ويعاني من استنزاف مالي ضخم.

تخشي المملكة إرباك المزيد من مشاريعها حال تعرض أموالها في الغرب لأي تهديد بالتجميد، مثلما قد يحدث للأصول الروسية من تهديدات غربية. 

وتستثمر المملكة أموال صندوقها السيادي في مشاريع غربية عدة، وتسعي للاستفادة من عوائدها في مشاريعها الكبرى مثل نيوم وغيرها، وحال تعرضها للتهديد بالتجميد سيعني هذا توقف هذه المشاريع.

ويبدو أن المملكة بدأت تتحسب لذلك أو تتحرك لتدارك الاستنزاف المالي لصندوق الثروة السيادي عموما.

فقد ذكرت وكالة "بلومبيرغ" في 11 يوليو/تموز 2024 أن من المرجح أن تخفض السعودية مليارات الدولارات من الإنفاق على بعض أكبر مشاريعها التنموية، وتعلق خططا أخرى.

ونقلت الوكالة عن أشخاص مطلعين، طلبوا عدم الكشف عن هويتهم، أن لجنة حكومية يقودها ابن سلمان، على وشك الانتهاء من مراجعة شاملة للمشاريع الضخمة، بما في ذلك مشروع نيوم الضخم.

وقالت المصادر إن من المتوقع أن يتم تخصيص أموال أقل بنسبة 20 بالمئة من الميزانية المستهدفة لهذا العام لمشروع نيوم، فيما جرى تعليق خطط المملكة الرامية لإطلاق شركة طيران جديدة.

وتشمل المشاريع الأخرى التي جرى تقليصها، وفقا لبلومبيرغ، مشروع "ساحل القدية"، وهو مشروع سياحي وترفيهي في جدة تبلغ ميزانيته المحتملة 50 مليار دولار.

وتقول الوكالة إن هذه التخفيضات تمثل "تحولا في أولويات السعودية"، التي أعلنت في وقت سابق عن مشاريع استثمارية تكلف نحو 1.25 تريليون دولار.

مثل مشروع ذا لاين وهو عبارة عن ناطحات سحاب متوازية مغطاة بالمرايا تمتد على مسافة 170 كيلومترًا بين التضاريس الجبلية والصحراوية

وقلصت المملكة طموحاتها المتعلقة بمشروع "نيوم"، الذي يعد الأكبر ضمن خطط ابن سلمان الرامية لتنويع اقتصاد البلاد بعيدا عن النفط، وفقا لما نقلت وكالة "بلومبيرغ" عن أشخاص مطلعين على الأمر.

قالت إن انخفاض أسعار النفط وضعف إقبال الاستثمار الأجنبي وما لا يقل عن ثلاث سنوات أخرى من العجز في الميزانية الوطنية يعني أنه يجب على السعودية الآن أن تقرر ما الذي يجب التركيز عليه أولا وبأي وتيرة.

وكانت السعودية قالت في ديسمبر/كانون اول 2024 إن بعض المشروعات ستتأجل أو يتم تسريعها بعد أن قامت الحكومة بمراجعة قدرتها على تمويل التزاماتها دون التأثير على تصنيفها الائتماني.