لصالح أبوظبي والرياض.. لماذا هربت شركات تكنولوجيا واتصالات من مصر؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

جاء اختيار شركة "آبل" الأميركية للسعودية مقرا لأكاديميتها الجديدة في الشرق الأوسط، ومن ورائها اختيار عملاق التجارة الإلكترونية والحوسبة السحابية "أمازون" الأميركية للإمارات، كمقر لمراكز البيانات الجديدة، صادما في مصر.

اختيار الشركتين العملاقتين الأميركيتين صدم بعض الأوساط المصرية المتخصصة في تلك المجالات، إذ إن دلالات الاختيارات، تعني اضمحلال مصر في هذا السوق الذي تصدرته سابقا لسنوات. 

عندما اندلعت ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 في مصر، وسقط معها نظام حسني مبارك بعد حكم دام أكثر من 30 عاما، كان قطاع الاتصالات والتكنولوجيا الرقمية، الذي شهد تطورا ملحوظا قبل ذلك التاريخ، يرى آخر أيام ازدهاره.

ذلك القطاع سقط بفعل فاعل، إذ قام نظام مبارك في آخر أيامه بقطع الاتصالات عن الشركات الرئيسة والمواطنين، لتبدأ سلسلة الاضمحلال والسقوط.

وزير الاتصالات حينذاك طارق كامل، فهم تلك الحقيقة إذ أكد أن "مصر ستواجه مشكلة كبيرة فى جذب استثمارات أجنبية فى هذا القطاع".

وأضاف: "هناك حاجة لإعادة صياغة الرسائل التي سنوجهها للعالم الفترة المقبلة، لاستعادة الثقة فى مناخ الاستثمار المصري".

الوزير كشف أن "خسائر مصر جراء القطع المتعمد لوسائل الاتصالات، على مدى الأيام الماضية تجاوزت 90 مليون دولار". 

مر عقد كامل من الزمن على هذا الحدث، ولم تستفق مصر من خسائرها، التي زادها اضطراب الأوضاع السياسية والأمنية تحت مظلة حكم رئيس النظام عبدالفتاح السيسي.

القبضة الأمنية والاستخباراتية المحكمة التي يحكم بها السيسي مصر، ساهمت في تأخر قطاع الاتصالات الرقمية والحوسبة، وهجرة كثير من العقول ومهندسي البرمجة  المصريين إلى الخارج. 

تراجع ونجاح!

البداية كانت في 26 مايو/ أيار 2021، عندما أعلنت شركة "أمازون ويب سيرفيسز"، إحدى شركات "أمازون دوت كوم" الأميركية، اعتزامها فتح منطقة لمراكز بياناتها في الإمارات بالنصف الأول من عام 2022.

وبحسب الشركة تتألف منطقة البنية التحتية الجديدة لـ"أمازون ويب سيرفيسز الشرق الأوسط"، من ثلاث مناطق لتوفير الخدمات، وبهذا ستصبح المنطقة الثانية لمراكز بيانات الشركة بالشرق الأوسط بعد المنطقة الحالية بالبحرين. 

الخبر الثاني في 7 يوليو/ تموز 2021، إذ قررت "آبل" افتتاح أول أكاديمية لها للمطورين "Apple Developer Academy"، بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الرياض، بعد شراكة مع الاتحاد السعودي للأمن السيبراني. 

 

في الوقت ذاته تراجعت مصر بشكل كبير في هذا القطاع، خاصة أن القبضة الأمنية، والأوضاع الاقتصادية، أدت لإحجام شركات أجنبية عن الاستثمار، إلى جانب تكبد مراكز الاتصالات خسائر ضخمة.

يأتي هذا جنبا إلى جنب مع ضعف أداء الشركات المحلية والأجنبية عموما في السوق المصري.

في 6 مايو/ أيار 2021، أعلن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في مصر، مضاعفة الغرامات بحق شركات الاتصالات التي تقدم خدمات ذات جودة سيئة، مع النصف الثاني من 2021.

تلك الخطوة جرت محاولة لحث شركات الاتصالات على تحسين جودة خدماتها السيئة إلى درجات بعيدة.

الجهاز الحكومي أوضح أنه، بإجراء اختبارات لقياس جودة شبكات الهواتف المحمولة التابعة لشركات الاتصالات سجلت أداء سيئا ببعض المناطق بالربع الأول من 2021، ومؤشرات الأداء على غير المستوى المطلوب.

منحنى مجال تكنولوجيا المعلومات، وشركات الاتصالات المصرية، بدأ في النزول عقب التواطؤ مع النظام المصري من خلال التجاوب غير المشروط مع الإجراءات الحكومية في قطع خطوط الإنترنت والاتصالات في أوج الثورة ضد نظام مبارك.

رغم أن الشركات عللت فعلتها بأنها لم يكن لديها خيار بسبب اشتداد القبضة الأمنية، لكن الأمر أفقد ثقة المستثمرين في السوق المصري، بالإضافة إلى مساهمته في هجرة أرباب القطاع، والعقول الفذة إلى الخارج.

خسارة كبيرة 

المهندس المصري المتخصص في الاتصالات، أحمد محمود، كتب في 23 يوليو/ تموز 2021، عبر "فيسبوك"، أنه "خلال شهرين وقع حدثان مهمان في مجال التقنية بالشرق الأوسط.

"الأول أن (أمازون) قررت فتح 3 مراكز بيانات ضخمة لخدمات الحوسبة السحابية، أكبر وأهم قطاع بيجيب (يأتي) لأمازون بفلوس (أموال) حاليا"، وفق محمود.

وأضاف: "وأحدهم في دبي بالإمارات، بالإضافة للمراكز الموجودة حاليا تبع أمازون في البحرين، وهؤلاء سيقومون بتغطية الشرق الأوسط بأكمله بطاقة عمل أكبر من الحالية".

وأكد أن آبل ستفتح أول مقر لأكاديمية إعداد المطورين، الخاصة بها في الشرق الأوسط، في الرياض، لتأهيل خريجي الجامعات لسوق البرمجة وعلوم الحاسب، مثل الـ(ITI) في مصر لكن أكبر. 

"دون مبالغة، لو كان طارق كامل (وزير الاتصالات المصري الأسبق)، وأحمد نظيف (رئيس وزراء مصر الأسبق)، موجودين كما كانا من 2005، إلى 2009، لكان الحدثان القائمان على أرض مصرية"، وفق محمود. 

المهندس المصري جزم بأنه "لم يكن لدي أدنى شك أن الذين أخذوا قرار أمازون وآبل لإقامة المؤسسات بالسعودية والإمارات، أنهم فكروا ولو مرة في مصر، ثم استبعدوها من حساباتهم بحكم الوضع البوهيمي القائم". 

"مع كامل التأكيد على جرائم أحمد نظيف في قطاعات متعددة أثناء فترة رئاسته للوزراء، إلا أن قطاع الاتصالات والتكنولوجيا، الذي شيد خلال عهده لن يتكرر مرة أخرى على المدى القريب"، بحسب قوله.

ولفت إلى أن "تلك الفترة الأفضل لمصر في هذا المجال، أخرجت مهندسين (سوفت وير) على درجة عالية من الخبرة، وغالبيتهم العظمى يعملون حاليا خارج البلاد". 

"خسارة كبيرة الحقيقة، ومحزن لأولئك الذي عايشوا أيام ازدهار السوق المصرية، قبل ما الكاكي (العسكري)، يجيب عاليها واطيها حاليا"، أعرب المهندس المصري عن حزنه.

وختم بالقول: في ظل هذا الوضع "أصبح أكثر مجال تكنولوجيا، يأتي بالأموال إلى مصر هو صناعة محتوى (التيك توك)، وقنوات الروتين اليومي".

 

ثقة ضائعة

مهندس البرمجيات المصري أحمد حسام الدين، يقول: "عندما نؤرخ لقطاع البرمجة والحوسبة في مصر، نعتمد على فترتين رئيستين، الأولى قبل عام 2011، والعشر سنوات قبل ذلك التاريخ".

ويذكر لـ"الاستقلال" "كيف تم تدشين القطاع وازدهاره، بإنشاء القرية الذكية في مصر عام 2001، والتي ضمت مئات الشركات الحكومية، والخاصة، والأجنبية، المرتبطة بصناعة الاتصالات".

وكذلك "تدشين جامعات وأكاديميات متخصصة في تخريج آلاف الطلاب سنويا، ما جعل مصر بؤرة مركزية في الشرق الأوسط، في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات"، حسب تقديره.

المهندس المصري يضيف أن "فكرة الريادة تخطت إلى تصدير العقول والخبرات، وهو الأمر الذي اختلف حاليا، فالعقول والخبرات لا يتم تصديرها، بل تهرب خارج السوق بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية". 

ويعتقد أن "قطع مبارك الاتصالات في 2011، مع اندلاع ثورة 25 يناير، مثل حلقة مفصلية في تاريخ القطاع داخل مصر، وكان بداية الاضمحلال الحقيقي، مع خروج شركات كبرى من مصر".

"تبعه انعدام ثقة المستثمرين في هذا المجال بالبلد والحكومة، مع تخوفات كبرى تعلقت بسوق العمل في مصر"، وفق حسام الدين. 

ويؤكد أن "هذا الوضع استمر حتى الآن، مع تغول أجهزة الأمن على القطاع بالمراقبة والتتبع".

"فضلا عن جزئية أساسية جاءت عقب تعويم الجنيه، وهي انخفاض دخل المهندسين والفنيين في السوق الذي تأثر بالوضع الاقتصادي"، وفق المتخصص المصري.

ويوضح أن "نظراءهم في الخارج يحصلون على ما يقارب 5 إلى 10 أضعاف من بالداخل، وهذا أدى بطبيعة الحال إلى خروج المتميزين منهم، وترك مصر بلا عودة".