العرب ينتجون 1.1 بالمئة من الكتب عالميا.. لتراجع القراءة أم زيادة القمع؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أمام رغبة القارئ العربي في المعرفة إلا أنه يواجه رفقة صناع الكتاب "حصارا" من الأنظمة الحاكمة، عبر الرقابة المشددة وارتفاع الضرائب والرسوم، لتوجه سهام اللوم المستمر إلى "المتلقي العربي" بأنه "لا يقرأ".

ورغم هذه المعيقات فإن دراسة لـ"اتحاد الناشرين العرب" اطلعت عليها "الاستقلال"، قالت: إن "العرب يقرؤون عكس ما هو شائع، لكن حركة وصناعة النشر في العالم العربي تعاني بشدة لأسباب عدة".

هذه المعلومة الموثقة بالدراسة، تتعارض مع ما تشيعه تقارير أجنبية عن أن "العرب لا يقرؤون"، ومنها مجلة "إيكونوميست" في 18 يونيو/حزيران 2016.

الدراسة المثيرة، والتي تعد الأولى من نوعها التي يصدرها اتحاد الناشرين العرب بالتزامن مع معرض القاهرة للكتاب بنسخته الـ52، في 27 يونيو/حزيران 2021، وترصد صناعة النشر العربية بالأرقام والإحصاءات من 2015 وحتى 2019.

وأظهرت الدراسة أن 20 دولة عربية أنتجت 315 ألف كتاب في 5 سنوات، أقلها كان عام 2015 حيث أنتج 54 ألف نسخة، وأكثرها في 2019 الذي أصدرت فيه الدول العربية قرابة 70 ألف كتاب.

واحتلت مصر المرتبة الأولى من حيث عدد الكتب المنشورة خلال السنوات الخمس بنحو 115 ألفا، من مجموع قرابة 315 ألف كتاب عربي.

الأرقام تبين تراجعا عربيا في تأليف العرب للكتب، وتشير أنه لولا "فن الرواية"، الذي لا يزال هو "المحفز الأقوى حاليا لاستمرارية حراك النشر العربي"، لتدهور الوضع أكثر.

الاتجاه العام للنشر في الوطن العربي هو النمو المتزايد في حركة نشر الرواية لا المؤلفات السياسية ولا العلمية.

ورغم أن "السياسة وموضوعاتها تظل تشد القراء مع إيقاعها المتسارع"، إلا أن الازدهار النسبي للكتب السياسية يقتصر على أدب السيرة الذاتية والأحداث السياسية في الوطن العربي، والحنين إلى القادة السابقين، بحسب الدراسة.

قصر الكتب السياسية المتداولة، على السير الذاتية القديمة، لا الأحداث المعاصرة، سببه ربما خشية الكتابة الحرة عن الحياة السياسة منذ الثورات المضادة التي أعقبت الربيع العربي (عام 2011)، وما أعقبها من قمع.

تراجع الكتب الإسلامية

تستهدف دراسة "اتحاد الناشرين العرب"، الوقوف على حالة النشر من حيث "الازدهار والعثرات" وتحديات حركة النشر العربية بين 2015-2019.

ويبدو اتحاد الناشرين غاضبا في دراسته من القوانين العربية المكبلة لحركة النشر، لكنه لم يشر صراحة لشكوى ناشرين من آلة القمع الحكومية التي تعرقل الإبداع والنشر.

ويرى أن التحدي الأكبر لحركة النشر في الوطن العربي هو عدم الاعتراف بالنشر كصناعة، بسبب تعامل القوانين العربية مع الصناعات على أنها منتجات ملموسة فقط (سلعة استهلاكية).

وتعاتب الدراسة، الأنظمة العربية، لأنها "لا تفهم" أن عملية النشر "صناعة ثقيلة"، بسبب عدد الأطراف المتداخلة فيها وكمية التجهيزات التي يحتاجها الكتاب الواحد.

فعملية النشر تضم أطرافا متعددة وتحتاج لتجهيزات مركبة، تضم مدير الإنتاج (الناشر)، والمصحح اللغوي، والإخراج الفني، والطباعة، وقد يستغرق إنتاج الكتاب الواحد عاما كاملا، وكل هذا تأثر بفعل تراجع صناعة النشر.

مع ذلك، شهدت حركة نشر الرواية المطبوعة ازدهارا ملحوظا، لأن "الأجيال الجديدة التي اعتادت الدردشة على شبكة الإنترنت تعتبر الرواية عالما آخر موازيا من الحكايات يجذبهم".

وأكد عدد من مسؤولي دور النشر والقراء وبائعي "سور الأزبكية" الشهير بمعرض القاهرة الدولي للكتاب الحالي لـ"الاستقلال" أن معظم القراء يتجهون إلى "شراء وقراءة الروايات".

وتشير الدراسة إلى تراجع كبير في الكتب الإسلامية خلال الفترة بين 2015 و2019، مقارنة بالسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، ودخول فاعلين جدد مثل الأزهر ومجلس حكماء المسلمين ووزارات الأوقاف العربية. 

وتؤكد على أن أزمة الكتاب في العالم العربي "تأتي بصورة أساسية من خلل منشئه"، وهو قلة عدد المكتبات العامة في الأحياء والمدن والقرى، مشددة على ضرورة وجود "مشروع عربي لإقامة وتعزيز المكتبات الوطنية".

وتخلص الدراسة إلى نفي أن العرب لا يقرؤون عكس ما يشاع، بدليل أن حجم القراءة العربية زاد في التسع سنوات الأخيرة، كما ارتفع حجم الكتب المنشورة، خاصة الروايات وكتب الدراسات الإنسانية.

النشر يموت

قبل نشر الدراسة، كشف اتحاد الناشرين العرب أن استبيانا أشرف عليه في 20 يونيو/حزيران 2020، وشارك فيه 292 ناشرا من 16 دولة عربية، أظهر أن صناعة النشر في الوطن العربي "مهددة بالانهيار".

وبحسب الاستبيان، هناك 74 بالمئة انخفاض في مبيعات الكتب، و75 بالمئة من الناشرين أوقفوا نشاطهم، و34 بالمئة من العاملين بالنشر تم الاستغناء عنهم.

رئيس لجنة التطوير المهني في اتحاد الناشرين العرب، هيثم حافظ، كشف أن الاستبيان بين أن نسبة مبيعات المعارض العربية بلغت 53 بالمئة من إجمالي مبيعات الناشرين، وهذا يوضح حجم الضرر الذي وقع على الناشرين نتيجة إلغاء معارض الكتب بسبب فيروس كورونا.

لذلك مثلت نسبة مبيعات الكتب الورقية من خلال المنصات الإلكترونية 15 بالمئة، ونسبة مبيعات الكتب الإلكترونية 10 بالمئة، من مجموع مبيعاتهم.

وقال حافظ: إن "نسبة الانخفاض في المبيعات خلال عام 2020 بلغت 74 بالمئة، واضطر 75 بالمئة من الناشرين المشاركين في الاستبيان لوقف التعامل مع المؤلفين، ما أثر على حركة الإبداع الفكري والأدبي".

وكانت نسبة الذين اضطروا لوقف التعامل مع المصممين والمراجعين اللغويين والمترجمين وتجار الورق ما بين 50-67 بالمئة، مما أثر على الوظائف المتعلقة بصناعة النشر.

بسبب ذلك، بلغت خسائر قطاع النشر في العالم العربي خلال الربع الأول من 2020، أكثر من 20 مليون دولار، وتوقع في حينها اتحاد الناشرين العرب ارتفاع الرقم لأكثر من 100 مليون نهاية 2020.

هذه الخسائر دفعت "اتحاد الناشرين العرب" إلى توجيه رسالة في 4 أبريل/نيسان 2020 إلى "أصحاب الجلالة والسمو وفخامة الرؤساء العرب" تلتمس منهم "تضمين قطاع صناعة النشر ضمن حزم الدعم المختلفة" بسبب جائحة كورونا.

وهجر المهنة بسبب خسائر كورونا وحدها 35 بالمئة من صناع النشر، بحسب تأكيد رئيس اتحاد الناشرين العرب، رئيس الدار المصرية اللبنانية، محمد رشاد.

وخلال استضافته في برنامج "حديث القاهرة" على قناة "القاهرة والناس"، في 7 يوليو/تموز 2021 أكد رشاد أنه "في عام 2020 انخفض إنتاج الكتاب والناشرين 75 بالمئة بسبب تداعيات أزمة كورونا".

وأوضح أن "دولا تعتمد في دخلها القومي على صناعة النشر كلبنان بنسبة 5 بالمئة من الدخل القومي".

فيما كشف رئيس تحرير جريدة الشروق، عماد الدين حسين، في مقال نشره 10 يوليو/تموز 2021 عن انخفاض مبيعات الكتب في معرض القاهرة للكتاب الـ52 الحالي، بنسب تتراوح بين 50 بالمئة و70 بالمئة، مقارنة بمعرض يناير/كانون الثاني 2020، بسبب تقليص عدد الزوار خشية انتشار كورونا.

صناعة تضيع

خلال مؤتمر عقد بصحيفة "أخبار اليوم" عن صناعة النشر، في 20 ديسمبر/كانون الأول 2014، قال رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، أحمد مجاهد: "الوطن العربي ينتج 1.1  فقط من الإنتاج العالمي".

وأوضح أن عنوانا واحدا يتم نشره في مصر لكل 5000 مواطن، مقابل عنوان لكل 500 مواطن في بريطانيا، أي أن نصيب المواطن المصري من القراءة هو 14 سطرا في العام، وفقا لإحصائية "دار الكتب".

وبين أن متوسط طباعة دار النشر في مصر لأي كتاب يقدر بحوالي 1000 نسخة بينما المتوسط في بريطانيا هو 85 ألف نسخة للكتاب الواحد، رغم أن عدد الناشرين المصريين 503، وبعضهم طبع 50 ألف نسخة من بعض الكتب.

ويبلغ حجم إجمالي صناعة النشر العربي 4 مليارات دولار، نصيب مصر منها 204 ملايين دولار سنويا، بحسب دراسة لمعرض "فرانكفورت" الدولي للكتاب 2015، مقابل 28 مليار دولار لحجم صناعة النشر الأميركي فقط.

ووفق تقرير لاتحاد الناشرين الدوليين صدر عام 2012، بلغ حجم صناعة نشر الكتب، بمختلف أشكالها، 151 مليار دولار، ما يعني أن حجم الصناعة العربية لا يتجاوز 2.6 بالمئة من العالم.

وسبق لرئيس اتحاد الناشرين المصريين، عادل المصري، أن حذر في معرض كتاب 2017 من "شبح غلق دور النشر أبوابها"، مشيرا إلى أن 60 دارا للنشر توقفت عن دفع الاشتراك السنوي للاتحاد (700 جنيه)، ما يشير لتوقفهم عن العمل.

وطبقا لدراسة صادرة عن "مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار" التابع لمجلس الوزراء المصري عام 2013، تحت عنوان "ماذا يقرأ المصريون؟"، يقدر عدد الأسر المصرية التي يقوم أحد أفرادها بقراءة الكتب نحو 2.2 مليون أسرة.

وأوضحت الدراسة، أن 65 بالمئة من الشباب الذين يواظبون على القراءة يهتمون بقراءة الكتب الدينية تليها الكتب العلمية والتاريخية بنسبة 36 بالمئة و34 بالمئة على التوالي.

وجاء في تقرير التنمية الثقافية السنوي الرابع لعام 2012، الذي أصدرته مؤسسة الفكر العربي، أن الفرد العربي يقرأ بمعدل ربع صفحة كتاب فقط في العام، مقابل 11 كتابا يقرأها الأميركي، و7 كتب هي حصة البريطاني سنويا.

ويشير التقرير إلى أن عدد كتب الثقافة العامة التي تنشر سنويا في العالم العربي لا تتجاوز 5 آلاف عنوان، أما في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، فيصدر سنويا، نحو 300 ألف كتاب.

ويبرر رئيس اتحاد الناشرين العرب، رشاد، هذا التراجع في صناعة النشر العربية بعدة أسباب، أبرزها ضعف الاهتمام بتنمية عادة القراءة لدى الأفراد منذ الصغر، وارتفاع نسبة الأمية، وعزوف المتعلمين والمثقفين عن القراءة.

وبحسب مقال كتبه 18 مايو/أيار 2021 حول صناعة النشر، يرى رشاد أن هذا التراجع سببه أيضا "تعاظم أجهزة الرقابة وتشددها، وتفشي ظاهرة تزوير الكتب، والارتفاع المستمر في الضرائب والرسوم على مستلزمات إنتاج الكتاب".

وقال: إن ثورات الربيع العربي أخرجت العراق وسوريا واليمن وليبيا وتونس من سوق الكتاب العربي، وأثرت بشكل كبير في تراجع صناعة النشـر.

إلا أن هذا لم يمنع الحراك الثقافي فليبيا نشر بها 1008 كتاب عام 2015 وأقامت 15 معرضا للكتاب في الفترة من 2015 حتى 2019.

حصار الإبداع

أهم نتيجة خرجت بها دراسة اتحاد الناشرين العرب، كانت التأكيد على أن عملية تدهور صناعة الكتاب ترجع لرفض دور النشر العربية – عكس الأجنبية – نشر إبداعات الأجيال الجديدة على نفقتها.

وشددت على أن هذا يؤدي في النهاية لـ"قتل الإبداع" الذي هو عنوان الثقافة، ويحبط ويجهض المبدعين الشباب العرب.

ويتراوح عدد دواوين الشعر المنشورة على نفقة المؤلفين في مصر، بين 65 بالمئة إلى 80 بالمئة على مدار السنوات منذ 2015 حتى 2019، وفي المغرب 45 بالمئة.

لكن واقع الحال يشير أيضا إلى سعي أنظمة الانقلابات والثورات العربية المضادة لقتل حرية الإبداع عبر القمع والحصار كما هي حالة مصر.

وبخلاف اعتقال المبدعين والمفكرين، صدرت مجموعة قرارات حكومية بإغلاق مؤسسات ثقافية ومكتبات عامة ومصادرة الكتب واعتقال كتاب وأصحاب دور النشر، مما أثار مخاوف حول مستقبل صناعة النشر وحرية الإبداع.

وفي 17 أغسطس/آب 2017، تم التحفظ على مكتبة "ألف" ALEF التي تمتلك 37 فرعا في جميع أنحاء مصر، من قبل لجنة "التحفظ على أموال الإخوان".

وبعد عامين من الحصار، أعلنت المكتبة في بيان 29 ديسمبر/كانون الأول 2019، غلق الـ37 فرعا لمكتباتها "ألف"، وتسريح أكثر من 250 موظفا، بعد نحو 10 أعوام من افتتاحها.

عزا متابعون التحفظ على أموال الشركة المالكة لمكتبات "ألف" إلى عدم دفع مالكها أي مبالغ أو تبرعات لصندوق "تحيا مصر"، الذي أطلقه رئيس النظام عبد الفتاح السيسي لجمع المليارات من رجال الأعمال، وشهدت الفترة الماضية تنكيلا بمن رفض الدفع.

وسبق هذا إغلاق وتشميع 6 من مكتبات "الكرامة" التابعة للناشط الحقوقي جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، في 10 ديسمبر/كانون الأول 2016.

وفي 15 فبراير/شباط 2018 سجنت محكمة مصرية خالد لطفي، مؤسس دار نشر "تنمية"، 5 سنوات بتهمة إفشاء أسرار عسكرية لتوزيعه النسخة العربية من كتاب "الملاك: أشرف مروان" للمؤلف الإسرائيلي يوري بار جوزيف. 

ويروي الكتاب قصة أشرف مروان صهر الرئيس المصري أنور السادات ويقول: إنه كان عميلا لإسرائيل، وصدرت النسخة الإنجليزية من هذا الكتاب بعنوان “الملاك: الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل".

وسبق ذلك مداهمة الأجهزة الأمنية، أواخر سبتمبر/أيلول 2017، مكتبة "البلد" المملوكة لفريد زهران، رئيس الحزب المصري الديمقراطي (معارض) بشارع محمد محمود وسط القاهرة، وإغلاقها بالشمع الأحمر بدعوى أنها بلا ترخيص. 

كما اعتقل عام 2017، مدير توزيع شركة "الدار" للنشر، أيمن عبد المعطي، وأدرج اسمه في قضية بتهمة "الانضمام إلى جماعة إرهابية".

ووضعت الحكومة عبر "الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية"، قوانين جديدة لتسجيل الكتب الجديدة، تتضمن توقيع الكاتب إقرارا أنه "مسؤول عن كل ما ورد في كتابه ويتحمل عواقب كل ما جاء به!".