الحراك يحاصر قايد صالح: الشعب والجيش يد واحدة

ادريس ربوح | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

كانت الجمعة التاسعة من الحراك الشعبي في الجزائر جمعة المطالبة بأفعال بدل إطلاق التصريحات من طرف الفريق أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش الشعبي الوطني ودعوته بحسم موقفه وعدم الاكتفاء بالرسائل والتعهدات بشأن العصابة دون المرور إلى القرارات الملموسة؛ وعلى رأسها ذهاب الباءات المتبقية وهي رئيس الدولة بن صالح عبد القادر والوزير  الأول بدوي نورالدين ورئيس المجلس الشعبي الوطني بوشوارب معاذ، وهذا كعربون تقدمه قيادة الجيش للحراك ليثق في مسعاها، في الذهاب نحو انتخابات رئاسية حرة ونزيهة تكون فاتحة لانتقال ديمقراطي حقيقي ترافقه وتضمنه المؤسسة العسكرية. 

فالسؤال المطروح من طرف الحراك: هل نثق في الجيش في اقتلاع نظام بوتفليقة والذهاب إلى نظام ديمقراطي أم لا؟

الجيش الشعبي الوطني كان ولا يزال القوة الأساسية والنواة الصلبة للنظام السياسي، الذي قاد الجزائر منذ استعادة سيادتها الوطنية في 5 يوليو 1962، ومن أجل بناء الثقة مع القادم الجديد للساحة السياسية في الجزائر ألا وهو الحراك الشعبي المعبر عن رغبة الشعب الجزائري في التكفل بمصيره يحتاج إلى تحويل الخطابات والرسائل إلى أفعال وقرارات. 

فخطاب 16 أبريل2019، يقول فيه قايد صالح إن هناك عدة خيارات للحل لكن الشعب الجزائري يريد منه الذهاب في طريق واحد، طريق الشعب عوض طريق النظام الذي يريد أن يحافظ على نفسه. كما فعلها عقب انتفاضة أكتوبر 1988 ليكررها مرة أخرى بعد نتائج انتخابات ديسمبر 1991، إذ ألغى هذه النتائج  ودفع الرئيس الشاذلي بن جديد للاستقالة ليدخل البلاد في فراغ دستوري سهل للنظام أن يلتف على الإرادة الشعبية ويقمع القوى السياسية التي أفرزتها تلك الانتخابات، ويدخل البلاد في مرحلة انتقالية ثم أزمة سياسية وأمنية عانى الجميع جيشا وشعبا من نتائجها المأساوية.

فالشعب الجزائري يريد من جيشه وقيادته بالخصوص أن يقوم بدور تاريخي في مرافقة الانتقال الديمقراطي، دون التدخل في معادلة الحكم، وذلك بالسماح للجزائريين باختيار رئيسهم القادم بكل حرية، والقضاء على آلة التزوير التي عاثت فسادا وتلاعبا بجميع الانتخابات التي شهدتها الجزائر منذ نوفمبر 1995 وإلى غاية آخر انتخابات في سنة 2017.

هذه الآلة الإجرامية ممثلة في الإدارة التي أشرف عليها رؤساء الحكومات ووزراء الداخلية المتعاقبون، والذين لم تكن لهم الجرأة على الأقدام على أفعالهم لولا الدعم والحماية التي كانوا يتلقونها من المؤسسة العسكرية وبالخصوص رئيس دائرة الاستعلام والأمن بالجيش، إذ كان المشرف والمسؤول الأول على ذلك طيلة 25 سنة من قيادته لهذه الدائرة الحساسة، التي كانت تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في الحياة السياسية الجزائرية؛ الإعلام وعالم المال، بل وفي تسيير الوزرات وهذا ما شرحه الكثير من المسؤولين كرئيس الحكومة الأسبق سيد أحمد غزالي والوالي السابق لولاية وهران ثاني أكبر المدن الجزائرية بعد العاصمة؛ حيث فضحوا جزءا من جبل الجليد الذي ينتظر قدوم ربيع الجزائر ليكشف عن كل حقائقه.

في مقابل، جهود التقارب التي تبذل من طرف الحراك الشعبي والجيش الشعبي لبناء الثقة بينهما على أسس صحيحة بعد ستة عقود من سيطرة المؤسسة العسكرية على القرار السياسي، واستبعاد الإرادة الشعبية من أي دور سياسي في البلاد.

يعيش هذا التقارب عملية تشويش وعرقلة من طرف شبكة المصالح بقيادة الفريق المتقاعد محمد مدين المدعو توفيق، هذه الشبكة التي لم تستوعب خروجها من الحكم وصناعة القرار السياسي للبلاد، وهي شبكة من الأحزاب السياسية والمؤسسات الإعلامية ورجال المال والمنظمات المدنية والإداريين المنتشرين في مختلف الوزرات ومؤسسات الدولة. وبدأت بالتآمر على الحراك والجيش في نفس الوقت بضرب أية جهود لتجسير التعاون وبناء الثقة بينهما. 

وتحركت مختلف أدوات الفريق المتقاعد في الأحزاب السياسية والصحافة ومنظمات المجتمع المدني ورجال المال، وحتى في المواقع الرسمية للدولة لتعطيل تنفيذ ما يطالب به الحراك الشعبي قيادة الجيش من تنحية لرموز نظام بوتفليقة وتفرعاتها في مختلف مؤسسات الدولة، بل وصل الأمر إلى تحالف معلن كشف عنه الرئيس الأسبق اليمين زروال، بمناسبة العرض الذي قدمه له السعيد بوتفليقة عن طريق محمد مدين لتلتقي شبكة توفيق مع شبكة السعيد؛ وهما شبكتان تم نسجهما طيلة وجودهما في الحكم في العشرين سنة الأخيرة، ويشتركان في تواجدهما في العديد من الأحزاب السياسية والمؤسسات الإعلامية وعالم المال وأصحاب النفوذ في دواليب السلطة.

أمام هذا الوضع وتأرجح الثقة بين الحراك والجيش، اضطرت المؤسسة العسكرية أن تمر للسرعة الأعلى لتبرهن للحراك في جمعته التاسعة إرادتها الفعلية في ترجمة خطاباتها ورسائلها على أرض الواقع؛ وذلك بالمرور إلى مجموعة من القرارات. بدأتها بإنذار الفريق المتقاعد رئيس دائرة الاستعلامات والأمن (المخابرات الجزائرية) الفريق محمد مدين، وذلك بالكف عن أي مساعٍ وتحركات رفقة أتباعه المحليين وحلفائه في الخارج للتآمر على الحراك الشعبي ومحاولة الدفع بالأمور نحو التأزيم. في محاولة لإعادة تجربة المرحلة الانتقالية المشؤومة في بداية التسعينات من القرن الماضي، إذ كان الجنرال محمد مدين المدعو توفيق أحد مهندسي الانقلاب على الإرادة الشعبية في جانفي (يناير) 1992.

هذا الإنذار قرأته مختلف مؤسسات الدولة، وبالخصوص القضاء بضرورة التحرك ليبدأ مباشرة التحقيق في قضايا الفساد وتبديد المال العام. ولأول مرة في تاريخ الجزائر يتم استدعاء الوزير الأول  السابق أحمد أويحيى ووزير المالية الحالي، الذي كان محافظا لبنك الجزائر في سابقة انعشت الحراك الشعبي وعززت مساعي بناء الثقة مع المؤسسة العسكرية، ليتلوها مباشرة تحرك الاستئناف العسكري وحبسه لقادة النواحي العسكرية الأولى والثانية سعيد باي وحبيب شنتوف، في إشارة واضحة لمتابعة الشبكتين سواءا كانوا مدنيين أو عسكريين.

كما باشرت اللجنة القانونية لمجلس الأمة إجراءات رفع الحصانة البرلمانية على مجموعة من الوزراء السابقين المتمترسين بعضويتهم في الغرفة الأولى للبرلمان، وعلى رأسهم نائب رئيس مجلس الأمة الحالي ووزير التضامن السابق جمال ولد عباس والوزير سعيد بركات؛ حيث توجه لهم تهم فساد وتبديد المال العام في فترة استوزارهما على رأس وزارة التضامن. 

تسارُع الأحداث وجرأة القرارات التي استهدفت رموز نظام بوتفليقة بجناحيها جناح التوفيق وجناح السعيد، ساهمت بشكل كبير في إحساس نشطاء الحراك بضرورة مواصلة الضغوط على قيادة الجيش لمزيد من الإجراءات القضائية والسياسية التي تمكنهم من إعطاء ثقتهم في المؤسسة العسكرية لمرافقتهم في عملية الانتقال الديمقراطي. 

وأمام هذا الحصار الإيجابي الذي يمارسه الحراك تجاه الجيش للمضي قدما في التزاماته المعلنة في خطابات قايد صالح، استنفر أيتام التوفيق والسعيد جميع قواهم للتشويش على مسار بناء الثقة بين الحراك والجيش. وأعلنت الأمينة العامة لحزب العمال التروتسكي (حزب اشتراكي يتبنى أفكار ليون تروتسكي الشيوعي)، لويزة حنون، بأن الجزائر لا تنتمي إلى الأمة العربية في محاولة يائسة بائسة للتلهية عن المعركة الحقيقية للشعب الجزائري؛ معركة الحريات والديمقراطية وتكريس دولة القانون.

ليصاحبها في نفس التوقيت أتباع الحركة الانفصالية في منطقة القبائل وخروجهم للشارع رافعين مطالب انفصالية، في محاولة أخرى لتحريف النقاش والرأي العام الوطني والدولي عن جوهر ما يحدث في الجزائر  وحراكها الشعبي الطامح لتحقيق انتقال ديمقراطي حقيقي في بلاده، بدءا بانتخاب رئيس جمهورية في أقرب الآجال. لتفتح بعد ذلك جميع الملفات في جو من الهدوء وبعيدا عن ضغوط اللحظة التاريخية الحاسمة التي تمر بها الجزائر. فالمعركة الحالية هي معركة حريات واستعادة الشعب الجزائري لمصيره دون تدخل داخلي أو خارجي.