ضربات الظل تستعر.. إلى أين يتجه التصعيد بين حميدتي وجنرالات السودان؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تثير تحركات قائد قوات الدعم السريع في السودان، الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي" الجدل، خلال الفترة الأخيرة، وسط توترات وقلاقل عن خلافات متصاعدة بينه وبين جنرالات الجيش. 

أسبوع ساخن شهده السودان، وسط عاصفة من التصريحات والبيانات الرنانة أطلقها حميدتي، مدافعا عن قواته، وموجها اتهامات إلى جهات بعينها لم يحددها، ولكن تم ترجيح مقصده بقادة الجيش وكبار رجال المجلس العسكري. 

تفاعل مع تصريحات قائد الدعم السريع، المشهد السياسي برمته، وتناقلتها وسائل الإعلام حاملة موجة انتقادات شديدة ضده وضد قواته، المتهمة بفض اعتصام القيادة العامة للقوات المسلحة، الذي خلف عشرات القتلى من المدنيين.

وفي 3 يونيو/ حزيران 2019، اندلعت "مجزرة الخرطوم" التي تعرف إعلاميا بـ "فض اعتصام القيادة العامة"، حين اقتمت قوات بزي عسكري يرجح، بحسب شهود الواقعة، أنها "قوات الدعم السريع" مقر الاعتصام المدني، وخلفت أكثر من 100 قتيل، ومئات الجرحى، وفقا لرواية قوى الحرية والتغيير (قائدة الحراك الشعبي آنذاك).

وتعقد الدولة السودانية لجنة تحقيق خاصة بفض الاعتصام، تسعى إلى إعلان المتهم الحقيقي ومحاكمة المتورطين، في ظل الاتهامات الموجهة لقوات الفريق أول حميدتي. 

تلك الحالة خلفت تساؤلات عن طبيعة الأزمة بين القوتين العسكريتين الأكبر في البلاد، وإلى أين يمكن أن يصل الخلاف بينهما؟ وهل يمكن أن تنضوي قوات الدعم السريع بشكل كامل، وتذوب في الجيش؟ أم ستظل على وضعيتها المتفردة؟ 

تصريحات حميدتي

وقف "حميدتي"، مخاطبا الجموع، خلال تأبين القيادي في حركة جيش تحرير السودان مبارك نميري، يوم الجمعة الموافق 4 يونيو/ حزيران 2021، وتحدث على نحو غير مسبوق، بكلمات شديدة وحاسمة، لها ما وراءها. 

قال: "أنا الوحيد الذي وقفت مع الشعب. جميعهم كانوا يخططون لفض الاعتصام"، ثم اتهم جهات بعينها "أنها عملت على شيطنته والتقليل من شأنه، والنيل من سودانيته، ورتبته العسكرية". 

وأعلن بكلمات حاسمة، حملت مسحة غضب: "أنا الشخص الوحيد في اللجنة الأمنية، الذي اعترض على مخططات منسوبي النظام السابق"، وأضاف: "لولا أنا لكان (الرئيس السابق عمر) البشير حتى الآن حاكما، نحن من قمنا باعتقاله ووضعه في الإقامة الجبرية".

وكشف عن "تململ وسط الأجهزة الأمنية والعسكرية من تأدية واجباتهم خوفا من استهدافهم"، في إشارة منه إلى سجن بعض العسكريين، على خلفية اتهامهم بقتل المتظاهرين. 

وتساءل عن ذنبه ليتم شيطنته، وتابع"هؤلاء يرون المناصب القيادية حصريا على جهات معينة وأشخاص بعينهم". وزاد "عن بكرة أبيهم كانوا مجتمعين لفض الاعتصام، وأنا من دعمت الشعب، والآن أصبحت عدوا للشعب".

وتابع: "اختصروا دوري في أن أكون مقاتلا في الخلا أقابل ناس الحلو (رئيس الحركة الشعبية المتمردة في ولاية جنوب كرفان) ومنى مناوي (رئيس حركة تحرير السودان)". 

واختتم حميدتي حديثه منتقدا الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، حيث وصفها بالمضطربة، واتهم المثقفين بقيادة حملة عنصرية.

السودان يشتعل

لم تقف تصريحات قائد قوات الدعم السريع عند هذا الحد، بل تسارعت وتيرة الأحداث يوم 7 يونيو/ حزيران 2021، عندما أعلن رفضه القاطع، دمج قواته في الجيش، في تحد بالغ لتوحيد مختلف الحركات والفصائل المسلحة، تحت قيادة موحدة خلال الفترة الانتقالية.

وقال حميدتي: "الدعم السريع مكون بقانون مجاز من برلمان منتخب، وهو ليس كتيبة أو سرية حتى يضموها للجيش، إنه قوة كبيرة". 

تسببت هذه التصريحات في استنتاج وقوع خلاف شديد بين حميدتي وقادة الجيش، لا سيما قائد المجلس السيادي، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذي يعد بمثابة الحاكم الفعلي في البلاد. 

وقد أوردت صحيفة "سودان تربيون" المحلية، في 6 يونيو/ حزيران 2021، أن توتر العلاقة بين قادة الجيش والدعم السريع يعود لعدة أسباب، أهمها رفض حميدتي دمج قوات الدعم السريع في الجيش.

فيما ذهب الكاتب السوداني "الفاتح جبرا" إلى أبعد من ذلك، حين دون عبر موقعه الرسمي بتاريخ 8 يونيو/ حزيران 2021، قائلا: "أعتقد بأن القصة أضحت واضحة وضوح الشمس وهي أن هناك (عكة كبيرة) بين الرجل (حميدتي)، ورئيسه (البرهان)".

 وتابع: "ما أن تبدأ التساؤلات عن ما وراء تلك التصريحات النارية من سعادة الفريق حميدتي، حتى يسارع إعلام الجهتين بنفي وجود أي مشاكل بينهما وأن الأمور كلها تمام التمام ولكن الشواهد تكذب تلك البيانات".

وأضاف: "ها هو الجيش يطوق القيادة العامة بسياج ويمنع الاقتراب منها والمسألة وصلت مرحلة استعراض القوة كتلك التمارين الصباحية التي تجوب الشوارع في العاصمة بقيادة برهان بلاغات شخصيا لأول مرة منذ أن أتى للحكم بعدما تم بيع الثورة له من قبل أحزاب الهبوط  الهزيلة المتواطئة". 

الصحفي "زهير السراج" كتب عبر صحيفة "الجريدة" السودانية، عن الأزمة بالقول: "الوضع الشاذ لقوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي، ويسيطر عليها سيطرة كاملة بدون أن يكون للدولة والقوات المسلحة أي سيطرة عليها، هو ما تحدثنا عنه كثيرا وطالبنا بتغييره".

وما لم يتغير هذا الوضع الشاذ، سيظل (حميدتي) في نظر الشعب قائدا لقوة عسكرية فوق القانون ويمكنها في أي وقت من الأوقات أن تثير الفوضى في البلاد!، وفق رأيه الذي أورده يوم 8 يونيو/ حزيران 2021.

 

مفارقات القوة

تصاعد وتيرة الغضب، واستعراض القوة بين الجيش والدعم السريع، يضع السودان على المحك، لا سيما وأن قوات الدعم السريع السودانية، يصل عددها إلى زهاء 40 ألف عسكري، تمتلك جيشا كاملا مجهزا بأعلى مستويات التسليح، وتتمتع بمعدات ثقيلة ومدرعات، بالإضافة إلى أرتال من السيارات العسكرية.

قوات "حميدتي" مزودة أيضا بجهاز استخبارات شرس، وقوات انتشار قادرة على الانسياب في سائر أنحاء البلاد، خلال ساعات معدودة، مع العصبيات القبلية، والولاءات العشائرية.

وفي 11 يونيو/ حزيران 2019، نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية عن تلك القوات، قائلة "الجنرال حميدتي يدير قوات الدعم السريع المسلحين جيدا كأنهم على أهبة الاستعداد لخوض حرب".

على الجانب الآخر وحسب موقع "جلوبال فاير باور" الأميركي المتخصص في تصنيف الجيوش والأسلحة، وفقا لإحصاء عام 2019، يأتي الجيش السوداني في المرتبة السبعين عالميا، ويضم 189 ألف جندي، بينهم 85 ألف جندي في قوات الاحتياط.

ويتضمن تشكيل القوات البرية (فرقة مدرعات - فرقة مشاة ميكانيكي - 6 فرق مشاة - لواء استطلاع - 5 سرايا قوات خاصة - 3 ألوية مدفعية - فرقة مهندسين - لواء حرس حدود)، أما على صعيد الدبابات فتمتلك نحو 410 دبابات بالإضافة إلى 403 مركبات قتالية مدرعة.

لم يكن الجيش السوداني غائبا عن تاريخ المسرح السياسي السوداني المتوتر، حيث استولى على الحكم 4 مرات بنجاح، في انقلابات عسكرية حاسمة، وذلك خلافا للمحاولات الفاشلة المتعددة.

ومن ناحية الانتشار، توجد القوات البرية، في القيادة المركزية في (الخرطوم)، والقيادة الشرقية في القضارف، والقيادة الغربية في الفاشر، والقيادة الوسطى في الأبيض، والقيادة الشمالية في شندى، أي يشمل وجودها وخدمتها سائر البلاد.

 

أم المعارك

وصف الصحافي السوداني، محمد نصر، في حديثه مع الاستقلال، طبيعة الصراع الكامن بين الجيش وقوات الدعم السريع بـ "أم المعارك" التي سيتوقف عليها مستقبل السودان لعقود طويلة قادمة. 

وقال: "النبرة التي تحدث بها حميدتي باعتباره الرجل الأوحد الذي أنقذ الثورة، وحال دون المذابح، وأن البقية الباقية من قيادات الجيش كانوا تحت إمرة البشير، تؤكد حجم الخلافات العميقة بين المكون العسكري المنقسم في الأساس بين قوتين نافذتين، تمتلكان كما هائلا من الأسلحة والمعدات". 

وأردف: "الحديث عن الصدام بين الجيش والدعم السريع، هو قديم متجدد، ويتوقعه ساسة السودان منذ فترة كبيرة، بل قبل الثورة نفسها وأثناء حكم البشير وحكومة الإنقاذ". 

وأضاف: "إذا رجعنا إلى مهد القصة فإن البشير استعان بالدعم السريع، الذين هم مجرد مجموعات متمردة في دارفور، يدعون (الجنجويد) من أجل حماية نفسه ونظامه من الانقلابات العسكرية، ولعمل توازنات قوى على الساحة السياسية والعسكرية، ولكن الجنجويد كانوا أشبه بالمارد الذي تضخم والتهم البشير نفسه، ثم يستعد لالتهام الجميع". 

وشدد الصحافي السوداني: "الدولة في السودان لا يمكن أن تتحمل صدام الجيش بالدعم السريع الذي لن يستطيع احتواءه أو السيطرة عليه مع الأسف الشديد".

وقال: "لو ضربنا مثلا بالجماعات المسلحة مثل الحركة الشعبية لتحرير السودان، وحركة تحرير السودان بجناحيها، بالإضافة إلى العدل والمساواة، فضلا عن الحركات الموجودة في دارفور، كل تلك الفصائل والجماعات لا تستطيع الدولة السودانية كبح جماحها ودخلت معها في حروب طويلة، دفع الشعب ثمنها خاصة المدنيون". 

واستطرد: "ما بالنا بقوة كبيرة مجهزة بالأسلحة الثقيلة والمتطورة، وبعشرات الآلاف من المقاتلين مثل الدعم السريع، ترفض وقائدها الانخراط في إطار الجيش أو تحت مظلته، فضلا عن انتشارها الواسع في الخرطوم وسائر المدن حاليا". 

وأردف: "مع ذلك الطريق يسير إلى اتجاه مسدود، فلا يوجد دولة في العالم تتحمل وجود قوتين متكافئتين على هذا النحو، ولن يكون للسودان مستقبل حقيقي بهذه الطريقة، فنحن أمام مشكلة معقدة بشكل كبير، وكل الطرق تؤدي إلى صدام حتمي سيقع عاجلا أم آجلا".