"كعكة" السعودية.. هل بدأت خطة جيش السودان في تفكيك الدعم السريع؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

صراعات ومشاجرات ونزاع خفي اندلع بين جنود وضباط قوات الدعم السريع "الجنجويد"، رصدته وسائل إعلام سودانية، حيث تحدثت عن محاكمات لعشرات الضباط الذين أعلنوا التمرد اعتراضا على سياسات خاصة بالتفويج إلى السعودية.

القوات التي يتجاوز عددها 30 ألف مقاتل، ومجهزة بالعتاد الثقيل، شهدت مؤخرا العديد من الانشقاقات ووقائع تمرد، خاصة مع تطورها ودخول تعديلات في هرمها القيادي وفي طبيعة المهام المنوطة بها.

ويلعب قائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، دورا بارزا في أروقة الحياة السياسية السودانية حيث يعد الرجل الثاني في البلاد.

التحدي الأكبر الذي يواجه الدعم السريع، صاحبة التاريخ المثير للجدل، هو علاقتها بالجيش ورئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وذلك في إطار صراع مراكز القوى ومحاولات السيطرة عقب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير.

محاكمات بالجملة 

في 3 أبريل/ نيسان 2021، نشرت صحيفة "مونتي كاروو" خبرا عن إحالة قيادة  الدعم السريع 250 من أفرادها بقطاع وادي هور (أقصى شمال دارفور) إلى محكمة عسكرية بمدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور (غرب).

وذكرت أن السبب الرئيس لتلك المحاكمات، هو قيام قوة يقودها المقدم محمد زين بالاحتجاج على استمرار مكوثها في الصحراء لمدة 11 شهرا دون استبدالهم بقوة أخرى إضافة إلى حنث قيادة الدعم السريع بوعود سابقة لهم بتفويجهم إلى السعودية.

وأضافت أن القوة التي كانت مخولة بمكافحة عمليات التهريب بالقرب من الحدود الليبية، تركت مواقعها ونقاط ارتكاز لها، وعادت إلى منطقة الزرق، وقامت بأعمال شغب حيث أطلقت الأعيرة النارية في الهواء.

القوة احتجزت العمدة دقلو (عم حميدتي) لساعات قبل أن يرسل العميد جدو حمدان ابنشوك، قائد الدعم السريع بشمال دارفور، قوة لإخماد التمرد، وبالفعل تم القبض على 250 منهم ونقلوا جميعا إلى مدينة الفاشر.

وفي 9 مارس/ آذار 2021، وقعت مشاجرات وعراك بين جنود وضباط قوات الدعم السريع من أجل الفوز بمكان ضمن 3 كتائب، يصل تعدادهم إلى 1600 مقاتل، كان يجري تجهيزهم بمعسكر كرري انتظارا لتفويجهم إلى السعودية. 

اعترض المتمردون على الطريقة التي تم بها اختيار المرشحين للسفر إلى السعودية، معتبرين أنها تفتقد للمعايير الموضوعية والعادلة ويغلب عليها العلاقات الشخصية.

وفي 29 أغسطس/ آب 2019، نشر موقع "بيلينغكات" الاستقصائي البريطاني،  تقريرا عن العلاقة السرية الغامضة بين السعودية وعناصر قوات الدعم السريع، في السودان التي زودتها بأسلحة أوروبية.

وذكر الموقع البريطاني، أن "السلاح الذي اشترته الرياض من صربيا انتهى بأيدي قوات الدعم السريع، التي ارتكبت جرائم حرب في دارفور ويقاتل أفرادها اليوم في الحرب التي تخوضها السعودية وحلفاؤها في اليمن".

انشقاقات مستمرة

المحاكمات الأخيرة لم تكن الأولى، إذ شهدت قوات الدعم السريع انشقاقات متتالية على مستوى سائر قطاعاتها، ففي 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، تم اعتقال القيادي بالدعم السريع، علي مجوك المؤمن، الوزير السابق وأمين أمانة العلاقات الخارجية في مجلس الصحوة الثوري السوداني الذي يتزعمه الشيخ موسى هلال.

وشنت أجهزة حميدتي آنذاك حملة اعتقالات واسعة، شملت عددا من الضباط ذوي الرتب العسكرية الوسيطة، وجرى التحقيق معهم، على خلفية الاشتباه في تورطهم بمخطط يقوده مجلس الصحوة للإطاحة بالقيادة الحالية واستبدالها بأخرى موالية لموسى هلال، بحسب وسائل إعلام محلية.

كان من بين المعتقلين المقدم الهادي مختار بقل، الذي تم اعتقاله بعد تبادل لإطلاق النار بمنطقة المويلح عندما كان في طريقه إلى كبكابية (مدينة تقع في شمال دارفور).

وذكرت صحيفة الراكوبة السودانية، أن "القيادة العليا للدعم السريع بقيادة حميدتي، قامت خلال عام 2020، بتسريح قرابة 2600 جندي من أبناء قبيلة المحاميد الذين يعتقد ولاؤهم لزعيم القبيلة المعتقل الشيخ موسى هلال.

وفي 24 سبتمبر/ أيلول 2020، أعلنت العديد من مواقع الأخبار المحلية، أن جهاز استخبارات قوات الدعم السريع، اعتقل الطاهر دود محمد فرح، أحد أبناء قبيلة المحاميد، واقتادته إلى (قبو) حميدتي بمنطقة المنشية، بالعاصمة الخرطوم. 

والدود ليس شخصا عاديا في تلك البقاع، فهو ينتمي للمحاميد ويسكن منطقة غراء الزاوية بمحلية السريف بني حسين، وهم الذين يمثلون العمود الرئيس لمليشيات الجنجويد، وكانوا يدينون بالولاء لمؤسسها الأول موسى هلال، أشد أعداء وخصوم، حميدتي.

تم استيعاب الطاهر دود ضمن الترتيبات الأمنية بحامية كبكابية، تحت إشراف الجيش، وتبرز خطورته الشديدة بالنسبة لحميدتي في تلقيه تكليفات من البرهان، من قبيل أن يعمل على "تجنيد حكمدارات من عرب المحاميد في القوات البرية".

وتلقي قيادات الدعم السريع باللائمة فيما يحدث من اضطرابات وانشقاقات بين صفوفها، على قيادات في الجيش متهمة إياهم بالسعي لتفكيك الدعم السريع، وفق خطة ناعمة بإعادة استيعاب المسرحين منها وضمهم إلى الوحدات البرية بالقوات المسلحة.

دور الجيش 

الجيش كان حاضرا بقوة في انشقاقات الجنجويد، وجاء اعتقال الطاهر ددو ليكشف خطة وتعويل البرهان على قوة الجيش، وتحديدا القوات البرية، لكبح جماح ونفوذ قوات حميدتي، خاصة وأن الجيش الملقب بـ"صقور الجديان" يمتلك إمكانيات واسعة.

ويتشكل الجيش في السودان من القوات البرية التي تضم قوة عسكرية كبيرة، بالإضافة إلى الآليات الثقيلة، ومصانع المدرعات، والأسلحة والذخائر، بجانب القوات الجوية والبحرية.

وحسب موقع "جلوبال فاير باور" الأميركي المتخصص في تصنيف الجيوش والأسلحة، وفقا لإحصاء عام 2019، يأتي الجيش السوداني في المرتبة السبعين عالميا، ويضم 189 ألف جندي، بينهم 85 ألف جندي في قوات الاحتياط.

ويتضمن تشكيل القوات البرية (فرقة مدرعات - فرقة مشاة ميكانيكي - 6 فرق مشاة - لواء استطلاع - 5 سرايا قوات خاصة - 3 ألوية مدفعية - فرقة مهندسين - لواء حرس حدود)، أما على صعيد الدبابات فتمتلك نحو 410 دبابات بالإضافة إلى 403 مركبات قتالية مدرعة.

ولم يكن الجيش غائبا عن تاريخ المسرح السياسي السوداني المتوتر، حيث استولى على الحكم 4 مرات بنجاح، في انقلابات عسكرية حاسمة، وذلك خلافا للمحاولات الفاشلة المتعددة.

ومن ناحية الانتشار، توجد القوات البرية، في القيادة المركزية في (الخرطوم)، والقيادة الشرقية في القضارف، والقيادة الغربية في الفاشر، والقيادة الوسطى في الأبيض، والقيادة الشمالية في شندى، أي يشمل وجودها وخدمتها سائر البلاد.

وعن قوات الدعم السريع وقوتها مقارنة بالقوات البرية للجيش، نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية في 11 يونيو/ حزيران 2019 قائلة: "الجنرال حميدتي يدير نحو 30 ألف جندي من قوات الدعم السريع المسلحين جيدا كأنهم على أهبة الاستعداد لخوض حرب".

عصابة إجرامية

الصحفي السوداني محمد نصر قال لـ"الاستقلال": "ما يظهر من خلافات وتمرد داخل قوات الدعم السريع ما هو إلا كقمة الجبل والخلافات الداخلية أعمق بكثير، والسبب الرئيس في ذلك أنها قوات غير نظامية لها انتماءات وولاءات قبلية، وأهداف تتجاوز حفظ أمن الدولة إلى إنشاء جيوب انفصالية، وكيان مسلح مواز للجيش". 

وأضاف: "أحداث الجنينة بمدينة غرب دارفور، قبل أيام شاهدة على إجرام تلك القوات، وتؤكد تورط النظام مع هؤلاء المجرمين". 

وذكر: أنه "باستباحة الجنجويد لبعض الأحياء السكنية وإطلاق النيران على المواطنين مستخدمين في ذلك القصف المدفعي والأسلحة الثقيلة، يكون إعلان موت دولة القانون، وأنها تستخدم نفس خصائص الدولة باحتكار القوة المطلقة وإمكانية القتل في أي وقت وكل مكان".

وأردف: "مع الأسف هذه الأحداث هي نتاج لحكومة قحت (اختصار لقوى إعلان الحرية والتغيير) الضعيفة المشوهة التي كان أخطر تجلياتها تقسيم الشعب، والتساهل مع تسليح المتمردين والقوات الانفصالية، وهو نهج قديم متجدد".

وأوضح أن "تفويج الدعم السريع إلى السعودية، ومشاركتهم في حرب اليمن، وتورطهم في صراع ليبيا، كل ذلك تم بمعزل عن الجيش والدولة، إضافة إلى تسليحهم وارتباطاتهم الاقتصادية، وتحالفاتهم الخارجية، سواء مع إثيوبيا أو السعودية أو الإمارات".

وتابع: "هي قوات تعمل بشكل منفصل ومواز للدولة وهو وضع يستحيل استمراره، لأنه سيؤدي إلى نتيجتين حتميتين إما ضعف وانقسام للسودان، أو حرب أهلية طاحنة بين تلك القوات والأجهزة الأمنية، ستأكل الأخضر واليابس، ويذهب ضحيتها مئات الآلاف كما حدث في حروب سابقة مع المتمردين في كردفان وجبال النوبة".