يعده البرهان لمواجهة نفوذ حميدتي.. تعرف على جيش الظل في السودان

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

من قبل قال المفكر السوداني عبد الله علي إبراهيم: "الجيش هو الفيل داخل غرفة السياسة السودانية"، وهي عبارة مقصدها أنه المتحكم الرئيسي من وراء الستار، وهو الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها رغم عدم رؤيتها بادية في ظاهر الأحداث على مسرح الأحداث في السودان.

هذا ما يدركه جيدا الخصمان اللدودان المتحالفان إلى الآن، القائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد محمد حمدان دقلو "حميدتي"، قائد قوات الدعم السريع المنتشرة في العاصمة ومحيطها، مسببة قلقا عارما لقادة الجيش والدولة، لقوة عددها وعدتها.

من آن إلى آخر تظهر إحداثيات تؤشر أن قادة الجيش يتحركون لتحجيم ذلك النفوذ، أو خلق قوة موازية تستطيع كبح جماحهم في حالة انفلات الأوضاع، ولم يجدوا قاعدة أفضل من القوات البرية داخل الجيش للعب ذلك الدور، وقاموا بعمليات تجنيد جديدة، في طور إعادة الهيكلة، وضموا لها بعض القبائل والقادة الميدانيين القادرين على صناعة الفارق.

تحرك الجيش الأخير أثار حفيظة حميدتي وجهاز الاستخبارات الخاص بالدعم السريع، فقاموا باعتقال أحد الذين وكل إليهم البرهان مهام محددة، وهو الطاهر دود.

قبيلة المحاميد

في 24 سبتمبر/ أيلول 2020، أعلنت العديد من مواقع الأخبار السودانية، أن جهاز استخبارات قوات الدعم السريع، اعتقلت الطاهر دود محمد فرح، أحد أبناء قبيلة المحاميد، واقتادته إلى (قبو) حميدتي بمنطقة المنشية، بالعاصمة الخرطوم. 

والدود ليس شخصا عاديا في تلك البقاع، فهو ينتمي للمحاميد ويسكن منطقة غراء الزاوية بمحلية السريف بني حسين، وهم الذين يمثلون العمود الرئيسي لملشيات الجنجويد، وكانوا يدينون بالولاء لمؤسسها الأول موسى هلال، أشد أعداء وخصوم، حميدتي.

تم استيعاب الطاهر دود ضمن الترتيبات الأمنية بحامية كبكابية، تحت إشراف الجيش، وتبرز خطورته الشديدة بالنسبة لحميدتي في تلقيه تكليفات من البرهان، من قبيل أن يعمل على "تجنيد حكمدارات من عرب المحاميد في القوات البرية السودانية".

دود مكلف أيضا باستقطاب "كبار القادة الهاربين من الدعم السريع لصالح التجنيد الجديد" وهذا هو تحديدا ما دفع حميدتي للإجهاز عليه واعتقاله سريعا.

حمدوك حرك قوة خاصة تابعة لجهاز الاستخبارات الخاص بقوات الدعم السريع، من مدينة الفاشر عاصمة دارفور، لتصل إلى نقطة تفتيش جبل الأولياء لتجبر الطاهر دود على النزول من المركبة التي كان يستقلها تحت تهديد السلاح، وتذهب به إلى مقر حمدوك في المنشية.

*استخبارات الدعم السريع تعتقل احد ابناء المحاميد وتقتاده الى (قبو) حميدتي بالمنشية* اعتقلت استخبارات قوات الدعم السريع...

مونتي كاروو‎ paylaştı: 23 Eylül 2020 Çarşamba

"صقور الجديان"

اعتقال الطاهر ددو كشف خطة وتعويل البرهان على قوة الجيش، وتحديدا القوات البرية، لكبح جماح ونفوذ قوات حميدتي، خاصة وأن ذلك الجيش الملقب بـ "صقور الجديان" يمتلك إمكانيات واسعة.

ويتشكل الجيش في السودان من القوات البرية التي تضم قوة عسكرية كبيرة، بالإضافة إلى الآليات الثقيلة، ومصانع المدرعات، والأسلحة والذخائر، بجانب القوات الجوية والبحرية.

وحسب موقع "جلوبال فاير باور" الأميركي المتخصص في تصنيف الجيوش والأسلحة، وفقا لإحصاء عام 2019، يأتي الجيش السوداني في المرتبة السبعين عالميا، ويضم 189 ألف جندي، بينهم 85 ألف جندي في قوات الاحتياط.

ويتضمن تشكيل القوات البرية (فرقة مدرعات - فرقة مشاة ميكانيكي - 6 فرق مشاة - لواء استطلاع - 5 سرايا قوات خاصة - 3 ألوية مدفعية - فرقة مهندسين - لواء حرس حدود)، أما على صعيد الدبابات فتمتلك نحو 410 دبابات بالإضافة إلى 403 مركبات قتالية مدرعة.

ولم يكن الجيش غائبا عن تاريخ المسرح السياسي السوداني المتوتر، حيث استولى على الحكم 4 مرات بنجاح، في انقلابات عسكرية حاسمة، وذلك خلافا للمحاولات الفاشلة المتعددة.

ومن ناحية الانتشار، توجد القوات البرية، في القيادة المركزية في (الخرطوم)، والقيادة الشرقية في القضارف، والقيادة الغربية في الفاشر، والقيادة الوسطى في الأبيض، والقيادة الشمالية في شندى، أي يشمل وجودها وخدمتها سائر البلاد.

وعن قوات الدعم السريع وقوتها مقارنة بالقوات البرية للجيش، نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية في 11 يونيو/ حزيران 2019 قائلة: "الجنرال حميدتي يدير نحو 30 ألف جندي من قوات الدعم السريع المسلحين جيدا كأنهم على أهبة الاستعداد لخوض حرب".

 

مجلس الصحوة 

لم يكن الجيش النظامي وحده هو سلاح البرهان، في إطار تجاذباته مع حميدتي، فقد كشف اعتقال الطاهر دود عن كونه ضابط تواصل، مع خصوم قائد قوات الدعم السريع الرئيسيين، وهم المجلس الصحوي الثوري السوداني، الذي حاول دود تجنيد قادة منهم واستمالتهم إلى الجيش، كما ذكرت وسائل إعلام محلية.

المجلس الذي تأسس في يناير/ كانون الثاني 2014، ويسيطر على مدن عدة من بينها كتم، كبكابية وسرف عمرة، هو عبارة عن مليشيا مسلحة في دارفور، بقيادة القبائل العربية السودانية، وتحديدا المحاميد، والزعيم موسى هلال، المعتقل لدى حميدتي.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، تم اعتقال موسى هلال من قبل نظام البشير، وجرت عملية اعتقاله ومقتل عدد من أنصاره على يد قوات الدعم السريع التي يقودها خصمه حميدتي، ويومها عاد الأخير بهلال مكبلا ذليلا إلى الخرطوم، ما خلق حالة ثأرية لا تنتهي بين تلك الأطراف. 

وتأتي استعانة البرهان بأطراف من المحاميد، لتغولها وحجم تأثيرها الواسع، فهي قبيلة عربية متفرعة من قبيلة الزغاوة العربية السودانية الأكبر في شمال دارفور، ويتزعمها موسى هلال، ابن الزعيم التاريخي للقبيلة هلال عبد الله.

وتشتهر المحاميد بأنها كانت تزود مليشيا الجنجويد (الدعم السريع) بالقوات، قبل أن يغدر حميدتي بقطاع منهم، ويخون موسى هلال، لصالح الرئيس المعزول عمر البشير.

محاولة استمالة المحاميد والاعتماد عليهم، يمثل محور قلق عارم لحميدتي، الذي يقوي جبهته لفرض سيطرته على الحكم، باعتباره الرجل الأقوى وأحد المرشحين لقيادة البلاد.

 زعيم المحاميد، موسى هلال

صراع شرس

الصحفي السوداني محمد نصر، قال لـ"الاستقلال": "الإشكالية بين الدعم السريع والجيش تأخذ أشكالا متعددة، ولكن استخدام سلاح القبائل يمثل خطرا عارما، وإمكانية إضافية لاندلاع حرب أهلية في حالة انفلات الأوضاع، فالقبائل لا يخضعون إلى سيطرة مركزية، وينتشرون في بقاع كثيرة داخل البلاد، بالإضافة أن هناك ما يعرف بشبكة الارتباطات القبلية، فكل مجموعة من القبائل تجمعها أورمة واحدة من الأنساب والمصاهرات".

وأضاف: "ومع ذلك لا يمكن أن يستمر وضع كهذا طويلا، فإما أن يحسم الأمر الدعم السريع بقيادة حميدتي، ويبتلعون الجيش، أو يحدث العكس وينتفض الجيش بمختلف مكوناته، ويحدد نفوذ ووجود الدعم السريع، وهذه المعادلة صعبة، وبسببها ستراق كثير من الدماء".

وتابع: "لا نغفل دور القوى الخارجية في إذكاء ودعم ذلك الصراع، فعلى سبيل المثال نرى الإمارات تفتح أبوابها لجميع الأطراف، وتمد هؤلاء بالمال والسلاح، وتستقبل الآخرين وتعطيهم التعهدات، ما جعل جميع المحاور مستعدة لأخذ زمام المبادرة لقلب الأوضاع، والإطاحة بالحكومة الضعيفة، وأرى أن السبب الوحيد لاستمرار حكومة عبد الله حمدوك الهزيلة، هو وجود صراع أكبر وأشرس يلوح في الأفق".