صراع "الدعم السريع" بالسودان.. لماذا يخشى حميدتي عودة موسى هلال؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

إعلان القبض على قائد بقوات الدعم السريع، بتهمة محاولة الانقلاب على القيادة الحالية، يعد مثار جدل في السودان، في ظل أن هذا الحدث ليس الأول من نوعه في الفترة الأخيرة.

حوادث مماثلة سبقته عندما أقدمت استخبارات قوات الدعم السريع على اعتقال عسكريين وأفراد يحيكون المؤامرات ضد محمد حمدان دقلو "حميدتي"، ويدينون بالولاء لقبيلة المحاميد وزعيمها موسى هلال.

بالعودة إلى الوراء عندما نجح الشاب الثلاثيني حميدتي في تحقيق صعود قياسي بسرعة الترقي في تراتيبية الجيش، وخلال أقل من 10 أعوام مُنح رتبة "فريق أول" مقرونة بمنصب نائب أول في المجلس العسكري، ليكون الرجل الثاني في السودان، والرجل الأقوى في آن واحد.

حميدتي ترك خلفه تركة مثقلة بالصراعات، وتباينات الولاء داخل صفوف قواته بالدعم السريع، وهم في الأساس تحالف مكون من مجموعات من القبائل العربية في دارفور، نشأت إثر أحداث الحرب الأهلية التي اندلعت مطلع القرن الحالي.

موسى هلال، وقبيلته المحاميد، كانوا أخطر ما خلفه حميدتي، وهم الذين يشكلون خطرا داهما عليه في ظل قوته ونفوذه، فرغم أن هلال أسير السجون والمعتقلات، لكن قبيلته المحاميد ومجلس الصحوة يلعبون دورا محوريا في شق صف الدعم السريع، بدعم أطراف أخرى داخل قيادة الدولة السودانية، وعلى رأسها الجيش، الذي يبارك ويدعم تلك الصراعات، للحد من قوة الدعم السريع وحميدتي.

 

حملة اعتقالات

في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، نشرت صحيفة "مونتي كاروو" المحلية، خبرا أكدت خلاله أن "استخبارات الدعم السريع اعتقلت القيادي علي مجوك المؤمن، الوزير السابق وأمين أمانة العلاقات الخارجية في مجلس الصحوة الثوري السوداني الذي يتزعمه الشيخ موسى هلال".

وقالت: "شنت قوات الدعم السريع حملة اعتقالات واسعة، شملت عددا من الضباط ذوي الرتب العسكرية الوسيطة يجري التحقيق معهم، على خلفية الاشتباه في تورطهم بمخطط يقوده مجلس الصحوة للإطاحة بالقيادة الحالية واستبدالها بأخرى موالية لموسى هلال".

كما أكدت أن "من بين المعتقلين أيضا المقدم بالدعم السريع الهادي مختار بقل، الذي تم اعتقاله بعد تبادل لإطلاق النار بمنطقة المويلح عندما كان في طريقه إلى كبكابية (مدينة تقع في شمال دارفور)".

وذكرت أن "القيادة العليا للدعم السريع بقيادة حميدتي، قامت خلال الفترة الماضية بتسريح قرابة 2600 جندي من أبناء قبيلة المحاميد الذين يعتقد ولاؤهم لزعيم القبيلة المعتقل الشيخ موسى هلال".

وفي 24 سبتمبر/ أيلول 2020، أعلنت العديد من مواقع الأخبار المحلية، أن جهاز استخبارات قوات الدعم السريع، اعتقل الطاهر دود محمد فرح، أحد أبناء قبيلة المحاميد، واقتادته إلى (قبو) حميدتي بمنطقة المنشية، بالعاصمة الخرطوم. 

والدود ليس شخصا عاديا في تلك البقاع، فهو ينتمي للمحاميد ويسكن منطقة غراء الزاوية بمحلية السريف بني حسين، وهم الذين يمثلون العمود الرئيسي لمليشيات الجنجويد، وكانوا يدينون بالولاء لمؤسسها الأول موسى هلال، أشد أعداء وخصوم، حميدتي.

تم استيعاب الطاهر دود ضمن الترتيبات الأمنية بحامية كبكابية، تحت إشراف الجيش، وتبرز خطورته الشديدة بالنسبة لحميدتي في تلقيه تكليفات من البرهان، من قبيل أن يعمل على "تجنيد حكمدارات من عرب المحاميد في القوات البرية".

وتلقي قيادات الدعم السريع باللائمة فيما يحدث من اضطرابات وانشقاقات بين صفوفها، على قيادات في الجيش متهمة إياهم بالسعي لتفكيك الدعم السريع، وفق خطة ناعمة بإعادة استيعاب المسرحين منها وضمهم إلى الوحدات البرية بالقوات المسلحة.

مليشيات "الجنجويد"

تلك الأحداث المتسارعة والمقلقة لحميدتي، تؤيد فكرة أن شبح موسى هلال رغم سجنه، يظل يطارد حميدتي في سلطته العليا وبين أبناء قواته المدججين بالسلاح.

وتبدأ القصة منذ أبريل/ نيسان 2003، عندما شنت الحركات المتمردة في دارفور الحرب على الحكومة أثناء حكم البشير، عبر عملية عسكرية نوعية استهدفت مطار مدينة الفاشر عاصمة إقليم شمال دارفور ودمروا عددا من الطائرات، ما تسبب في خسائر فادحة للنظام.

في هذه اللحظة الفاصلة أطلق البشير سراح أحد أخطر السجناء من أبناء دارفور، وهو موسى هلال، الذي كان معتقلا بتهمة قطع الطرق وقتل جنود نظاميين في شمال دارفور.

وقتها بدأت الفكرة الأولى لتشكيل مليشيات "الجنجويد" ذات السمعة السيئة، الذين سيصبحون فيما بعد قوات الدعم السريع، التي تسيطر على البلاد طولا وعرضا، والتي تأسست بحسب الحكومة لمساندة القوات المسلحة في دحر التمرد وهزيمته، لكن قوتها استفحلت وأصبحت كيانا موازيا للجيش، ويخشاها كبار قادة القوات المسلحة.

لم يكن موسى هلال شخصا عاديا، فقد كان والده زعيما لقبيلة المحاميد العربية التي تعمل في رعي الإبل والاتجار بها، وللقبيلة امتدادات عميقة في دولتي تشاد والنيجر.

أما زعيمها هلال والد موسى فقد أتى برفقة أسرته من مكان غير معروف إلى منطقة مستريحة شمال دارفور، وبعد سنوات من وصوله حصل على أرض بطريقة ما عام 1976.

كان هلال متعايشا مع الجميع، ولم تكن لديه نزعة توسعية إلى أراضي الآخرين، إلى أن توفي وخلفه ابنه موسى الذي أظهر نزوعا إلى النهب والسلب وحيازة الأراضي بقوة السلاح وقطع الطريق أمام تجار الحدود بين السودان وليبيا وتشاد.

من هنا وضع النظام السوداني بقيادة البشير، المال والسلاح والعتاد، في يد موسى هلال، وأطلقوه في مواجهة الحركات الدارفورية المسلحة المناوئة لها.

بينما عمل هو على تجنيد أبناء القبائل العربية في دارفور، خاصة أبناء قبيلته المحاميد، بذريعة أن الحركات المسلحة المكونة من أفارقة دارفور تخطط لإبادة العرق العربي والقضاء عليه.

وقتها برز نجم موسى هلال، وانزوى تحت لوائه معظم العشائر العربية في تلك المنطقة، وعاثوا في الأرض فسادا، وكانوا يوصفون بأنهم أفراد غير منضبطين، ينحدرون من قبائل عديدة، ولا يلتزمون بقواعد العرف المحلي، ويمارسون النهب المسلح، واتهموا من قبل منظمات حقوق الإنسان وعلى رأسها منظمة العفو الدولية، بارتكاب مجازر مروعة في دارفور.

صراع قديم

حميدتي الذي يتربع على عرش الدعم السريع، ويشغل منصب نائب رئيس المجلس السيادي، ويوصف حاليا بأنه أقوى رجال السودان، وأكثرهم سلطة وسطوة، كان قبل ذلك أحد الذين جندهم هلال ضمن مليشيات الجنجويد عام 2003.

سرعان ما سطع نجم حميدتي وذاع صيته، إذ أصبح من كبار قادة المليشيات بعدما وضع تحت إمرته عشرات الآلاف من المقاتلين من أبناء القبائل العربية الذين لم يتلقوا تدريبا عسكريا نظاميا، ويدينوا بالولاء المُطلق له.

كان حميدتي أكثر دهاء من موسى هلال، عندما بدأ يتقرب من البشير، ويحوز ثقته ويعمل على إبعاد هلال من مظلة النظام، وجاءت الفرصة لحميدتي، عندما جاء البشير، بهلال من دارفور إلى الخرطوم، وعينه مستشارا له، وترك الإقليم المستعر بالحروب تحت إمرة حميدتي، وتم تغيير اسم مليشيات الجنجويد إلى قوات الدعم السريع وألحقت صوريا بجهاز الأمن والمخابرات ثم لاحقا برئاسة الجمهورية مباشرة.

ولاء تلك القوات والمليشيات لم يكن للدولة ولا للنظام السياسي، وإنما للأشخاص المتنفذين مثل هلال وحميدتي، وهو ما منحها القوة والسطوة، وفي نفس الوقت حمل نقطة ضعفها واحتمالية تعرضها لانشقاقات وانقلابات كما يحدث الآن، وهو ما يثير قلق حميدتي الذي وصل إلى قمة نفوذه داخل الدولة. 

الصراع السابق بين حميدتي وهلال كان بمثابة نقلة نوعية في مسيرته، فكلاهما تحالف مع النظام، وكلاهما كانا من أدواته في قمع التمرد، لكن البشير أراد أن يجمع كل القبائل والجماعات المسلحة تحت لواء قوات الدعم السريع بقيادة "حميدتي".

ومع رفض موسى هلال التسليم والانصياع لرغبة البشير، شن حميدتي عليه حربا ضروسا، وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، استطاع أن يوقعه في الأسر، ويرسله إلى الخرطوم قيد الإقامة الجبرية.

ورغم ظهور حميدتي على هلال، لكن ظل الأخير متمتعا بطاعة قطاع من القبائل على رأسهم المحاميد، الذين يمثلون عامل الخطر الأكبر على وحدة صف قوات الدعم السريع، ويمثلون الحلقة الأضعف في الجدار الصلب الذي يمكن أن ينهار في أي لحظة إذا ما تفاقمت الأوضاع، وهو ما يجعل حميدتي وأجهزة استخباراته تطاردهم، وتضربهم بضراوة وبلا هوادة.