"الدعم السريع".. لماذا غابت عن تحرير أراضي السودان على حدود إثيوبيا؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

"أسد علي وفي الحروب نعامة"، شطر بيت شعر شهير، ردده السودانيون مؤخرا، إثر تقاعس قوات "الدعم السريع" (جنجاويد)، عن المشاركة في المعارك التي خاضها الجيش السوداني في ديسمبر/ كانون الأول 2020، لتحرير أراضيه الحدودية المحتلة من قبل عصابات إثيوبية.

في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2020، كشفت صحيفة "مونتي كاروو" المحلية، أن قائد "الجنجاويد"، نائب رئيس المجلس السيادي، الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، اعتذر عن مشاركة قواته مع الجيش السوداني، في معارك تحرير الأرض.

ونقلت الصحيفة، عن مصدر عسكري رفيع، أن "حميدتي" برر لهيئة أركان الجيش عدم المشاركة بقوة قوامها لواء مشاة في الوقت الراهن، بحجة "عدم جاهزيتها".

لكن مراقبين ذهبوا إلى أن السبب الحقيقي وراء رفض حميدتي هو إملاءات حليفته الإمارات التي ترتبط بعلاقات متميزة مع الحكومة الإثيوبية، وتسعى لعدم إضعاف موقف صديقها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.

حرب "الفشقة"

منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، وقعت اشتباكات ومعارك دامية، على الأراضي الزراعية في الفشقة، التي تقع ضمن حدود السودان، ومنذ فترة طويلة يستوطنها مزارعون إثيوبيون في صورة عصابات، مدعومة من حكومة إثيوبيا.

وتقول الخرطوم إن "ميليشيات إثيوبية" تستولي على أراضي مزارعين سودانيين بمنطقة "الفشقة"، بعد طردهم منها بقوة السلاح، متهمة الجيش الإثيوبي بدعم تلك العصابات، وهو ما تنفيه أديس أبابا وتقول إنها "جماعات خارجة عن القانون.

وسبق أن قال عسكريون سودانيون شاركوا في المعارك التي وقعت على الشريط الحدودي، إنهم تعرضوا لقصف مدفعي من الجيش الإثيوبي أثناء عودتهم من القتال.

ودخلت القوات السودانية، آخر نقطة على الحدود مع إثيوبيا وهي منطقة خورشيد، بالتزامن مع إعلان الجيش السوداني إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة، ومواصلة التقدم إلى منطقة الفشقة حيث يلتقي شمال غرب منطقة أمهرة الإثيوبية بولاية القضارف في السودان.

واعتبر رئيس مفوضية الحدود السودانية (حكومية) معاذ تنقوفي، أن أي حديث حول جعل "الفشقة" (شرق) منطقة تكامل مع إثيوبيا لحل الصراع الحدودي بين البلدين "خطير ومرفوض".

وخلال ندوة نظمت بالخرطوم تحت عنوان "السودان وإثيوبيا.. صراع حدود أم صراع وجود" قال تنقوفي: "محاولة دولة أخرى إنشاء طرق ومعسكرات ومستوطنات وتدعى أنها جزء منها فهذا مرفوض" في إشارة إلى إثيوبيا.

ولفت إلى أن موقف حكومة السودان هو "أنها لن تتخلى عن سيطرتها على أرضها، وتريد أن تضع العلامات على الحدود"، مشيرا أن ذلك "متفق عليه فنيا بين البلدين ولا رجعة عن ذلك أبدا".

وتتميز أراضي "الفشقة" بخصوبتها الزراعية الملفتة، وهي مقسمة إلى 3 مناطق: "الفشقة الكبرى" و"الفشقة الصغرى" و"المنطقة الجنوبية".

مجازر مروعة

رفْض حميدتي وتقاعس قوات الدعم السريع عن المشاركة في المعارك الأخيرة، أثار موجة عارمة من الغضب الشعبي، وبعث بتساؤلات عن جدوى هذه القوات التي طالما قاتلت ضد أهل السودان أنفسهم، وارتكبت مجازر مروعة خلال الحرب الأهلية في دارفور.

آخر المآسي التي ارتكبتها الدعم السريع، كانت إبان الثورة وتحديدا خلال فض اعتصام القيادة العامة بالخرطوم، حيث نشرت صحيفة "الجارديان" البريطانية، في 11 يونيو/ حزيران 2019، تقريرا عن وقوع 70 حالة اغتصاب على يد قوات الدعم السريع، أثناء فض الاعتصام، وفقا لشهادة أطباء.

وقالت الصحيفة: إن تفاصيل جرائم الاغتصاب التي نفذتها عناصر قوات الدعم السريع قد انتشرت خلال الأيام الأخيرة على الإنترنت، رغم القيود المفروضة على الاتصالات في السودان.

ووقع أكثر من 100 قتيل وأصيب نحو 700 شخص خلال الهجوم الذي استهدف الاعتصام يوم 3 يونيو/حزيران 2019.

أما أشهر العمليات العسكرية لقوات الدعم السريع، خلال حرب دارفور، وتحديدا الحملة الأولى التي أطلق عليها اسم "عملية الصيف الحاسم" في فبراير/ شباط 2014.

ووصف أمين تنظيم جيش تحرير السودان محمد آدم إدريس، جرائم تلك القوات ضد الشعب السوداني، عندما قال: إن "يوم مرور قوات الجنجويد على قرية يُعتبر يومها الأخير في الوجود".

"جيش مواز"

قوات الدعم السريع السودانية، يصل عددها إلى زهاء 40 ألف عسكري، تمتلك جيشا كاملا مجهزا بأعلى مستويات التسليح، وتتمتع بمعدات ثقيلة ومدرعات، بالإضافة إلى أرتال من السيارات العسكرية.

قوات "حميدتي" مزودة أيضا بجهاز استخبارات شرس، وقوات انتشار قادرة على الانسياب في سائر أنحاء البلاد، خلال ساعات معدودة، مع العصبيات القبلية، والولاءات العشائرية.

قسوة "الدعم السريع" لم تظهر أبدا في حروب خارجية، وأخطار تهدد الدولة، بل بدت غلظتهم ضد أبناء الوطن، حسب تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، الذي صدر في 9 سبتمبر/ أيلول 2015، تحت عنوان "رجال بلا رحمة".

ذكر التقرير أن "قوات الدعم السريع ارتكبت انتهاكات مروعة، بينها التهجير القسري لمجتمعات بالكامل، والتعذيب والقتل خارج نطاق القضاء والاغتصاب الجماعي".

"إضافة إلى تدمير الآبار ومخازن الغذاء وغيرها من البنى التحتية اللازمة لاستمرار الحياة في بيئة صحراوية قاسية، ونهب الثروة الجماعية للعائلات، مثل الماشية" حسب ما رواه 151 ناجيا ممن فروا من السودان إلى تشاد وجنوب السودان في مقابلات مع المنظمة.

ووفقا للتقرير، فقد تعرض الكثير من المدنيين إلى القتل على يد قوات الجنجويد عندما رفضوا مغادرة منازلهم أو تسليم مواشيهم، أو عندما حاولوا منع مقاتلي قوات الدعم السريع من اغتصابهم أو اغتصاب أفراد أسرهم.

وتضمن تقرير المنظمة الحقوقية الهجوم على بلدة "قولو"، في وسط جبل مرة، حيث سيطرت القوات على البلدة، فأحرقت المباني وقامت بعمليات نهب، وقابلت هيومن رايتس 21 شخصا، من "قولو" والقرى المجاورة لها في ذلك الوقت، وقالوا خلال المقابلات: "إنهم شهدوا عمليات قتل واغتصاب وضرب وسلب على نطاق واسع".

أجندة خارجية

الصحفي السوداني محمد نصر، يرى أن من يتخاذل عن واجبه الوطني حال مواجهة بلاده لعدو خارجي، فهو "خائن"، وقال في حديثه "للاستقلال": "هذه أبسط القواعد والتعريفات للخيانة على المدنيين والعسكريين، بمعنى أن الوطن إذا جابه تهديد خارجي، فإن على كل فرد قادر على القتال أن ينهض من فوره للدفاع عنه، ولا يحتاج هذا إلى نداء أو استدعاء".

وأضاف: "الدعم السريع، قوات نظامية تابعة للجيش السوداني، كان يجب أن تكون على أول خط القتال وتحرير الأرض، لا أن يخرج قائدها ليعلن اعتذاره عن عدم المشاركة بدعوى عدم الجاهزية، هذه ليست تدريبات عسكرية، أو مهمة تأمين داخلية، بل شبه حرب حقيقية". 

وأردف "إذا كان الجنجويد غير مستعدين للقتال، فماذا يفعلون إذا؟ وهل كانوا مستعدين وهم يحرقون القرى والمدن في دارفور؟ أو يقاتلون في القضارف وبورتسودان والخرطوم؟".

وتابع: "وإذا ذهبنا بعيدا فكانوا يقاتلون في اليمن ضمن قوات التحالف العربي، وساندوا الإمارات والسعودية في حربهم، وجاؤوا على بلادهم ليعلنوا عدم جاهزيتهم، فمن الذي سيحاسبهم ويحاسب حميدتي على تلك الفعلة النكراء؟". 

نصر قال: "الدعم السريع ليسوا جنودا نظاميين، ولم ينتموا يوما إلى القوات المسلحة وينخرطوا داخل السلك الهرمي للجيش، بل هم عصابات تطورت إلى ميليشيات ثم قوات ملحقة بالجيش، ومن السهل التفاوض معهم وجذبهم عن طريق الدعم بأشكاله المتعددة سواء بالمال أو العتاد".

وعن علاقة الإمارات بقوات الدعم السريع، واحتمالية توجيهها، أوضح نصر أنه في ظل عدم وضوح تحركات وتفاصيل حميدتي وقواته، فإنه "ليس مستبعدا عملهم وفقا لأجندة خارجية".

وختم حديثه بالقول: "هذا أمر شائع عن الإمارات التي ترتبط بعلاقات متميزة بالحكومة الإثيوبية، وتحاول أن تمنع السودان من الحصول على حقه أو تحرير أراضيه، مقابل أن لا تضعف موقف حليفها آبي أحمد، وقد تكون أبو ظبي استخدمت الجنجويد كورقة ضغط، لإنفاذ إرادتها".