خدمة لإيران.. كيف انتقل "حزب الله" للمرحلة الثانية من دعم نظام الأسد؟

مصعب المجبل | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

ما زال "حزب الله" اللبناني يأخذ دور الراعي الرسمي لمشاريع إيران طويلة الأمد في سوريا، وذلك بعد انتقال الحزب للمرحلة الثانية من دوره الوظيفي في التدخل إلى جانب قوات النظام السوري لقمع الثورة الشعبية.

آخر المهمات التي كلف بها "حزب الله" في سوريا، تجنيده نحو 250 شابا من مدينة حمص وباقي المحافظات، وإرسالهم إلى البادية السورية لحراسة خط النفط الإيراني، وهو خط النفط الخام الواصل بين مدينتي كركوك (العراق) – بانياس (طرطوس)، وفق ما أكده "المرصد السوري لحقوق الإنسان".

ويأتي أنبوب النفط من العراق إلى حمص عبر محطات "T2" في محافظة دير الزور التي توجد فيها مليشيات إيرانية أجنبية و"T4" بحمص والبادية السورية، أي أن الأنبوب واقع ضمن خارطة النفوذ العسكرية الإيرانية الكاملة.

وكشف المرصد في معلومات نشرها 28 مايو/أيار 2021، أن عملية التجنيد للمرتزقة من قبل "حزب الله"، جرت عبر جمعية "خيرية" في الظاهر وبدعم مبطن وكامل من قبل المليشيات الموالية لإيران وعلى رأسها "حزب الله".

وأوضح المرصد كذلك أن عمليات التجنيد جرت منذ مارس/آذار 2021، مبينا أن المهمة ستقتصر تحديدا على حماية وحراسة خط النفط من الحدود السورية - العراقية حتى حمص وسط البلاد.

أزمة خانقة

وتأتي هذه الخطوة، في ظل مساعي إيران الجديدة لتوريد النفط إلى سوريا بطرق بعيدة عن الناقلات النفطية التي تتعرض لصعوبات كبيرة قبل وصولها إلى السواحل السورية، نتيجة العقوبات الأميركية سواء لتزويد مليشياتها أو إمداد نظام الأسد بالنفط بشكل مستمر؛ لسد النقص الهائل في المحروقات الذي يعاني منها منذ 3 سنوات.

وتحتضن مدينة بانياس الساحلية على البحر المتوسط مصفاة للنفط، يعتمد عليها النظام في تفريغ حمولات ناقلات النفط الإيرانية الخام من أجل تكريره.

كما يعتمد نظام بشار الأسد على التوريدات النفطية التي تزوده بها الدول الداعمة له وعلى رأسها إيران، حيث تشكل قلة تلك التوريدات بسبب تشديد العقوبات الأميركية بموجب قانون "قيصر" أزمة خانقة بالمحروقات في مناطق نفوذه.

وقدر وزير النفط في حكومة الأسد، بسام طعمة، خسائر قطاع النفط في سوريا منذ عام 2011 بـ91.5 مليار دولار.

وكانت وكالة "سبوتنيك" الروسية كشفت في أكثر من مناسبة، أن ناقلات النفط الإيرانية باتت تصل إلى سوريا برفقة وحماية البوارج الروسية وبشكل مباشر بعد خروجها من قناة "السويس"، وذلك "ضمانا لحمايتها من أي اعتداء أو عملية قرصنة".

وأعيد فتح خط كركوك-بانياس للمرة أولى في نوفمبر/تشرين الثاني 2000، بعد توقف استمر 18 عاما قبل أن يغلق مجددا أثناء الاجتياح الأميركي للعراق في مارس/آذار 2003.

وكانت سوريا تستورد من العراق قبل الاجتياح، حوالي 200 ألف برميل نفط يوميا "بأسعار تفضيلية".

لكن تكليف طهران لـ"حزب الله" بتأمين مرتزقة محليين بهدف حماية خط النفط المشار إليه، يصب في خانة توسيع الحزب من وجوده على الأراضي السورية، إذ لم يكتف بالحضور العسكري بل انتقل إلى تنظيم العمليات اللوجستية والخدمية التي تسهل على إيران تمرير المشاريع التي رسمتها وترسمها في سوريا. 

وتدخل "حزب الله" بقوة إلى جانب قوات الأسد في سوريا بأمر مباشر من المرشد الإيراني علي خامنئي منذ عام 2012، مرسلا العناصر لمنع سقوط الأسد ومساعدته على قلب المعادلة العسكرية لصالحه، إذ تشير التقديرات إلى أن الحزب خسر 2000 من مقاتليه وأصيب الآلاف منهم مع تعرض بعضهم لإعاقات جسدية دائمة.

وفي 15 أكتوبر/تشرين الأول 2018، صنف المدعي العام الأميركي جيف سيشنز، حزب الله اللبناني كواحد من 5 مجموعات تعتبر من "أهم التهديدات الإجرامية المنظمة العابرة للحدود".

ومنذ انتهاء العمليات العسكرية في غالبية الأراضي السورية وبرود الجبهات خاصة بعد معارك ريفي حلب وإدلب مطلع 2020 التي شاركت فيها مليشيات إيرانية، ركز "حزب الله" على تثبيت حضوره بشكل يخدم المصالح الإيرانية.

وافتتح الحزب عددا من المكاتب له في مناطق نفوذ نظام الأسد عبر تسهيلات يقدمها له شخصيات محسوبة على التيار الإيراني في سوريا من داخل الدائرة الضيقة للنظام.

وكيل إيران 

وفي حديث لـ"الاستقلال"، قال المحلل المختص في الشأن الإيراني، معن الشريف: إن "حزب الله نجح في زرع مكاتب له بعدد من المحافظات السورية لتجنيد المرتزقة المحليين في مهمات مختلفة، بحيث يسهل الحزب عبر وكلاء محليين عمليات التجنيد خدمة فقط للمشاريع الإيرانية في سوريا".

وألمح الشريف إلى أن "مهمة حماية خط النفط القادم من العراق بات واضحا أن طهران كلفت به الحزب لكونه قريبا من المجتمع السوري وله مندوبون وسماسرة يتبعون له ويسهلون عليه عمليات الإقناع والإغراء لتجنيد الشباب".

وشدد على أن "الحزب يستغل عوامل كثيرة، أبرزها العوز الاقتصادي والرغبة في حصول الشباب على أي بطاقة أمنية تحميهم من أي اعتداء من قبل أجهزة النظام السوري تحت أي ظرف وإعفاؤهم من الخدمة الإلزامية في صفوف قوات الأسد".

وشرح المختص بالشأن الإيراني كيفية آلية تجنيد هؤلاء الشباب بقوله: إن "حزب الله يدفع للمجند راتبا شهريا قدره 150 دولارا مقابل المشاركة في مهمة الحماية للنفط".

وكذلك "منح هؤلاء مناوبات تتمثل بعمل لمدة 15 يوما متواصلة واستراحة لمدة 15 يوما مع ضمان نقل مجاني بحافلات خاصة من المدن إلى نقاط الحراسة وحصول هؤلاء على سلل غذائية شهرية مع تقديم طعام كامل يومي خلال فترة المناوبة".

ويبدو أن إيران بات يرهق كاهلها تزويد النظام السوري بالنفط الخام عبر ناقلات النفط التي تتبع أساليب التفافية طويلة ومكلفة حتى تصل إلى سوريا بسبب العقوبات الأميركية.

لذلك تسعى طهران إلى إعادة تفعيل خط كركوك-بانياس للخلاص من الشركات التجارية التي تطلب مبالغ كبيرة فوق التكلفة المعتادة للنفط مقابل تحمل مخاطرة شحنه إلى سوريا، وخاصة في ظل تعرض الناقلات الوطنية الإيرانية للعقوبات الأميركية والأوروبية.

حماية مشاريع إيران

وفي هذا السياق، اعتبر الباحث في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية، نوار شعبان، أن إعادة تشغيل الأنابيب من العراق إلى سوريا "يفيد إيران أكثر من النظام السوري".

وأوضح لـ"الاستقلال" أن "الضخ سيبدأ عندما تبت إيران بالموضوع ويصبح لوجستيا هناك قدرة من الجانب العراقي على إعادة الضخ وقدرة من الجانب الإيراني على حماية الأنابيب وحصول ترتيبات معينة مع الجانب الروسي".

وذهب شعبان إلى أن "إيران لديها رغبة في حماية مشروعها في سوريا والمنطقة الجغرافية التي تعمل بها مشاريع طهران المختلفة وليس حبا في نظام الأسد، بل خوفا على مصالحها التي يقوم النظام بدور الحماية لها".

وكان رئيس "هيئة الحشد الشعبي" العراقي فالح الفياض، التقى مع الأسد، في 6 مايو/ أيار 2021 حاملا رسالة من رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي تضمنت العلاقات الثنائية بين البلدين، والمستجدات على الصعيدين السياسي والأمني.

وربط كثير من المراقبين زيارة الفياض لـ"وجود بعض الإشكاليات الأمنية واللوجستية" من الجانبين السوري والعراقي تتعلق ببدء الضخ والتي تعمل إيران على تجاوزها.

وتفيد تقارير إعلامية أن إيران بحاجة إلى أنبوب كركوك-بانياس؛ لتجنب العقوبات الأميركية، خاصة أن الأنبوب أحد العناصر المهمة في التكامل الأوراسي في شبكات نقل النفط والغاز، ما سيؤدي إلى إنشاء نظام لإمداد الطاقة إلى أوروبا، مستقل عن الولايات المتحدة.

كما أن إيران تحاول تجنب مضيق هرمز الذي كلما توترت العلاقة بين واشنطن وطهران، تبدأ الأخيرة بالتهديد بأن المضيق الذي يمر عبره ثلث إمدادات العالم "لن يكون آمنا" إذا تعرضت لهجوم وأنها قادرة على إغلاقه "متى شاءت".

وتتطابق رؤية كثير من المراقبين من أن إعادة تشغيل خط كركوك - بانياس، هو نتيجة لتوافق روسي إيراني مشترك حول هذه الجزئية على الأراضي السورية، خاصة أن وسائل إعلام روسية لمحت إلى ذلك بشكل غير مباشر، حيث ذكرت في أغسطس/آب 2019 أنه يمكن لموسكو المشاركة في ترميم طريق "كركوك بانياس".

ويأتي ذلك عقب توقيع شركة "روس نفط" اتفاقية مع وزارة الطاقة والمياه اللبنانية، حصلت بموجبها الشركة الروسية على إمكانية إدارة وتشغيل محطة لتخزين المنتجات النفطية في ميناء طرابلس على البحر الأبيض المتوسط المتصل بخط أنابيب كركوك بانياس.

وهذا ما رآه المحلل السياسي العراقي عمر عبد الستار، في حديث لـ"الاستقلال"، من أن محاولات إيران لإعادة تشغيل الخط المذكور، تأتي "في ظل حقبة الرئيس الأميركي بايدن والانفتاح المتوقع منه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين الراعي لنظام الأسد".

وربط عبد الستار  خط النفط "مع الحديث عن صفقة معابر وإلغاء إعفاء لشركة أميركية تعمل في حقول نفط بمناطق سيطرة قوات (قسد) بسوريا".