وسائل الإعلام الجزائرية.. هل غيّرت جلدها أم تنفست الصعداء؟

زياد المزغني | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

منذ 22 فبراير/شباط 2019 اليوم الأول للحراك في الجزائر، استقبل الآلاف من المتظاهرين، طواقم القنوات التلفزيونية المحلية والصحف والإذاعات الخاصّة منها والعمومية بهتاف "صحفيين يا شياتين (يا من تقومون بتلميع النظام)".

ورغم التعدد الشكلي لهذه المنابر الإعلامية إلا أنّها ظلت لعقود حبيسة لخطاب مؤيّد للسلطة، محظورة على جزء واسع من مكونات الشعب الجزائري المختلفة مع النظام الحاكم.

هذا الانتقاد الشديد دعّمه تعاطي وسائل الإعلام الجزائرية مع الحراك الرافض للعهدة الخامسة للرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، ومحاولتها وأده بالتحذير منه والتحذير من دعاته وتمرير خطاب السلطة الذي بدأ مستهزئا من الحراك ومن ثم مخوفا منه.

إلا أنّ الخطاب الإعلامي بدأ يشهد تغييرا ملحوظا في تغطيته للأحداث مع تحقيق الحراك عددا كبيرا من أهدافه أهمها استقالة بوتفليقة من منصبه، والإطاحة بعدد من رموز النظام، حيث بدأ خطابها يشهد انفتاحا على عدد من رموز وقيادات المعارضة الجزائرية.

تضييقات مادية وتشريعية

تحتل الجزائر المرتبة 141 عالميا في تصنيف "مراسلون بلا حدود " في نسخة العام 2019 من التصنيف العالمي لحرية الصحافة، وذكرت المنظمة في تقريرها أنّه "في ظل سياق يتّسم بعدم الاستقرار، فإنّ حرية الإعلام مهدّدة في الجزائر".

ويضيف التقرير "تواصل السلطات تضييق الساحة الإعلامية من خلال دعاوى قضائية ضدّ الصحفيين، مما يجعل الصحافة الجزائرية غير قادرة على الاضطلاع بمهامها تحت الضغط القضائي. وقد عرفت الجزائر، طيلة 2018، موجة اعتقالات غير مسبوقة استهدفت الصحفيين بداعي نشر أخبار زائفة".

وضعيّة حريّة الصحافة في الجزائر كانت تعتبر أفضل بكثير من عدد من الدول العربية، إلا أنّ الجزائريين يعانون بأشكال متعدّدة من التضييقات وتغييب المعلومة عن الشعب، ومحاصرة الصحفيين بعدد من التشريعات.

التقرير الصادر عن المرصد العربي للصحافة أكد أنّ "هذا التراجع في حرية الإعلام يعود إلى اعتماد مصطلحات قانونية فضفاضة وغامضة وغير دقيقة توسّع صلاحيات السلطة التنفيذية وتفرض قيودا إضافية على الصحافة منها تغيير نظام التصريح المعتمد في بعث (تأسيس) وسيلة إعلامية بنظام الترخيص".

في المقابل تعيش عدد من المؤسسات الإعلامية المستقلة وضعيات مادية صعبة ضاعف منها سياسات المحاباة التي يمارسها النظام تجاه عدد من وسائل الإعلام بسبب خطّها التحريري، حيث أكّد نفس التقرير "غياب مقياس واضح لتوزيع إعلانات القطاع العام بين وسائل الإعلام. فعدم الوضوح من شأنه أن يغدق الإشهار العمومي على الصحف الموالية للحكومة ويحرم من الأصوات المعارضة".

هذه التضييقات التشريعية والمادّية والملاحقات جعلت من وسائل الإعلام لعبة هينة في يد النظام الحاكم، دعمها تعدديّة شكلية خاصّة على المستوى التلفزيوني، الذي بقي مملوكا لعدد من رجال الأعمال المقربين من النظام أو جهات داخله.

في خدمة النظام

لم يكن مستغربا من القنوات التلفزيونية العمومية والخاصّة في الجزائر وقوفها في وجه الحراك الشعبي الرافض لاستمرار بوتفليقة في سدّة الحكم، هذا الحراك الذي تطوّر للمطالبة لإسقاط النظام واستبعاد كافّة رموزه، ومن بينهم أصحاب هذه القنوات التي صنعت لخدمة النظام ورئيسه منذ العام 1999.

لوموند الفرنسية نشرت في عددها الصادر 23 مارس/آذار 2019  تقريرا بعنوان "في الجزائر.. القنوات التلفزيونية الرئيسية تنتمي للأقلية المقربة من بوتفليقة"، رصدت فيه العلاقة بين هذه القنوات وباعثيها وبين النظام الحاكم في الجزائر، والمنافع المتبادلة بينها.

التقرير ذكر أنّ من بين هؤلاء رجل الأعمال علي حداد، الذي جمع مليارات من مشاريع الأشغال العامة التي تمنحها الحكومة، والاستثمارات في وسائل الإعلام وترأس "منتدى رؤساء المؤسسات" أو ما عرف في الجزائر بـ " الكارتل المالي"، وهي جمعية أعمال كبرى يؤيد قادتها الرئيس منذ فترة طويلة. كما موّل حداد حملات بوتفليقة الانتخابية، وأسس قناتي "دزاير تي في" و"دزاير نيوز"، لدعم حملة الرئيس عام 2014، وأيدتا بقاءه بقوّة في سدة الحكم لولاية خامسة.

التقرير أكد أنّ حدّاد يعتبر من أكثر الشخصيات قربا من السعيد بوتفليقة الشقيق الأصغر للرئيس المستقيل، والذي يتهم (السعيد) بإدارة البلاد بعد تدهور الحالة الصحية لبوتفليقة إثر جلطة دماغية منذ العام 2014، هذا القرب مكنه من امتيازات صنعت له ثروة هائلة في سنوات قليلة.

وأكدت وسائل إعلام جزائرية اعتقال علي حداد البالغ من العمر 54 عاما أثناء محاولته مغادرة البلاد في اتجاه تونس يوم 31 مارس/آذار 2019.

وكشفت الصحيفة الفرنسية أن مدير قناة "النهار"، أنيس رحماني، كان قد دعم معارضة بوتفليقة في انتخابات عام 2004، قبل أن يصبح بين عشية وضحاها مؤيداً قوياً له بعد إعادة انتخابه رئيسا للجمهورية.

ولعب أنيس الرحماني دورا مهما في الصراع بين أجنحة الحكم في الجزائر، خاصّة في المعركة بين الرئاسة ورئيس جهاز المخابرات البشير طرطاق ورئيس جهاز المخابرات المقال الجنرال توفيق الذي أقاله بوتفليقة في سبتمبر/أيلول 2015، ليقطع حبل الود مجددا بين شقيق الرئيس السعيد والرحماني الذي اتجه لدعم الجنرال توفيق، ووصلت الأزمة إلى درجة نشر مقال يقارن بين الجنرال طرطاق والجنرال توفيق دفع السلطات إلى اعتقال الصحفي صاحب المقال لساعات.

في عام 2015، اشترى رجل الأعمال المعروف محيي الدين طحكوت، قناة "نوميديا نيوز"، وهو أحد المقربين من رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى الذي أقيل على خلفية الحراك الشعبي، كما شهد العام نفسه سقوط "القناة الجزائرية وان" في يد أيوب ولد زميرلي، وهو من أثرياء أقطاب العقارات والصناعات الزراعية الذين يتمتعون بمزايا المقربين من النظام.

الأستاذ بالمدرسة الوطنية العليا للصحافة وعلوم الإعلام بالجزائر، بلقاسم مصطفاوي قال في تصريح لـ "لوموند" "بشأن مالكي هذه القنوات التجارية، "إن الروابط التي تجمعهم مع النظام كانت تمثل لهم الأمان، إلا أن رياح التغيير التي هبت على الجزائر وتأثيراتها على النظام والمحيطين ببوتفليقة قلبت الحسابات، وجعلت الكثير منهم يقفزون من السفينة بعد أن بدت لهم نهاية النظام قريبة، إنهم سيعودون لممارسة نفوذهم بطريقة أخرى".

تغيير الخطاب

ومع تطوّر الأحداث في الجزائر، واتجاه النظام في مسلسل التنازلات المتتالية التي بدأت بإقالة الحكومة، ثم إعلان بوتفليقة استقالته من منصبه، شهدت السياسة الإعلامية للقنوات الجزائرية تغييرا واضحا في خطابها، إذ انتقلت من الصمت التام تجاه الاحتجاجات إلى النقل المباشر للتظاهرات بما فيها التلفزيون الحكومي، ومع ذلك ما لازالت هذه القنوات محلّ نقد وتشكيك من قبل الجماهير المنتفضة في شوارع الجزائر.

الصحفي خالد درارني ممثل منظمة "مراسلون بلا حدود" في الجزائر قال لوكالة الأنباء الفرنسية "تلك هي نتيجة كراهية المتظاهرين للقنوات الإخبارية الخاصة الرئيسية (النهار والشروق ودزاير نيوز) لأنهم تجاهلوا تمامًا التظاهرات الأولى في 22 شباط/فبراير وفي الأيام التالية لها".

وأضاف درداني "منذ ذلك الحين تحاول القنوات تصحيح الخطأ بتغطية التظاهرات، لكنهم في الوقت نفسه ينقلون اتهامات بأن الاحتجاجات جزء من مؤامرة وكل ما يمكن أن يضر بصورة الحراك".