"القوائم الحرة".. هل تؤثر على نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية بالجزائر؟

وهران - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تراهن السلطة في الجزائر على "القوائم الحرة" في الانتخابات التشريعية المنتظرة في 12 يونيو/حزيران 2021، التي ترشح فيها شباب غير منتمين لأي من الأحزاب السياسية التقليدية، من أجل استقطاب الناخبين.

حاولت برامج القوائم الحرة أن تأتي بالجديد، من قبيل "الوسطية في الممارسة السياسة" و"إسماع صوت الشباب"، بهدف "استرجاع ثقة الناخب في مؤسسات البلاد، خاصة في البرلمان".

اعتبر مرشحو هذه القوائم الانتخابات التشريعية فرصة للشباب لإحداث التغيير بعد أن كان البرلمان "حكرا على أصحاب المال الذين اتخذوا من حصانتهم مطية لتحقيق مصالحهم الضيقة دون الالتفات لانشغالات المواطنين".

منح قانون الانتخابات الجديد، الذي جرت المصادقة عليه في مارس/آذار 2021، مساحة لهؤلاء، وهي المرة الأولى في الجزائر التي يسمح فيها لغير منتمين للأحزاب المشاركة في الانتخابات.

بحث عن الشرعية

46 قائمة، هو عدد القوائم التي تلقتها السلطات المختصة لأحزاب سياسية وأحرار بالجزائر للمشاركة في الانتخابات التشريعية المقررة في 12 يونيو/حزيران.

ووفق ما قال منسق مندوبية السلطة الوطنية للانتخابات في الجزائر العاصمة، بدر الدين فكاير، في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية، يتعلق الأمر بـ"29 قائمة ترشح لأحزاب سياسية و17 قائمة لمترشحين أحرار".

تجري الحملة الانتخابية للانتخابات المبكرة في أجواء توتر، تميزت بقمع غير مسبوق لأحزاب المعارضة التي قررت المقاطعة.

في سياق سياسي هش، بعد أشهر قليلة من حل المجلس الشعبي الوطني (البرلمان)، دعا رئيس النظام عبد المجيد تبون الجزائريين إلى صناديق الاقتراع لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة. 

"فجر التغيير"، هو الشعار الذي اختارته "الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات"، بينما تجد البلاد نفسها في مأزق سياسي، حيث تتبع مظاهرات الحراك بعضها كل يوم جمعة، فإن التجديد السياسي هو في صميم كل المطالب.

تشكل هذه الانتخابات التشريعية مهلة رمزية لرسم ملامح الجزائر ما بعد بوتفليقة، فهذه هي المرة الأولى التي يصوت فيها الجزائريون منذ أن انزاح الرئيس المخلوع عن حكم البلاد، بعد ما يقرب من عشرين عاما في السلطة. 

صوت الجزائريون بالفعل في ديسمبر/كانون الأول 2019 لانتخاب رئيسهم، لكن سرعان ما تم الطعن في انتخاب عبدالمجيد تبون، رئيس الوزراء السابق لعبد العزيز بوتفليقة.

بالنسبة لحزب "جبهة التحرير الوطني"، و"التجمع الوطني الديمقراطي"، وهما حزبا الأغلبية، فإن القضية الرئيسة في الاقتراع هي الحصول على شرعية جديدة بعد انتخابات مثيرة للجدل، إذ يود تبون قلب صفحة بوتفليقة، ويشجع على تجديد الحياة السياسية بشعار جزائر جديدة "أساسها اختيارات الشعب" حيث كل المواطنين "متساوون".

صادقت الجزائر على نظام انتخابي جديد في 10 مارس/آذار 2021، والهدف المعلن منه هو وضع حد للفساد المستشري، بينما يدعو الحراك إلى تجديد شامل للحياة السياسية الجزائرية.

قال المتحدث للإعلام في جبهة التحرير الوطني، محمد عماري، إن القوائم ستشكل "وفقا لمعايير جديدة وبعيدا عن الممارسات القديمة"، في حين قرر حزب "جبهة القوى الاشتراكية"، عميد المعارضة الجزائرية، عدم تقديم أي قوائم في يونيو/حزيران.

أعلن الحزب في بيان أن "شروط إجراء الانتخابات التشريعية غير مستوفاة".

انضمت جبهة القوى الاشتراكية بذلك إلى صفوف أولئك الذين قرروا عدم المشاركة، إلى جانب حزب العمال والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، الثلاثة ينتقدون "خارطة طريق" النظام الذي نظم هذه الانتخابات المبكرة دون مراعاة مطالب الحراك.

وترى جبهة القوى الاشتراكية أن الانتخابات ليست استجابة كافية "للأزمة متعددة الأبعاد في الجزائر"، وقد تحدث مقاطعة هذه الأحزاب أزمة إذ تحتل  (مجتمعة) 34 مقعدا من أصل 462 في المجلس.

من جهتها، أكدت الحركة الاجتماعية من أجل السلام، أول حزب معارض في البرلمان، مشاركته في الانتخابات لكنه رفض أن يكون جزءا من حكومة رئيس الوزراء عبد المجيد تبون.

وكان دافع الحزب الإسلامي، حسب رئيسه، عبد الرزاق مقري "الحفاظ على مصلحة الوطن وتحقيق تطلعات الشعب". 

شبح المقاطعة

خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة في 2019، قرر 60 بالمئة من الجزائريين المسجلين في القوائم الانتخابية عدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع.

فقط 23.7 بالمئة من الجزائريين المسجلين صوتوا في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 في الاستفتاء على الإصلاح الدستوري، وهي نسبة منخفضة لاستفتاء اعتبر نقطة تحول رئيسة.

لذلك يخيم شبح الامتناع الهائل عن التصويت على هذه الانتخابات التشريعية، التي يتم تقديمها كاختبار للسلطة، في حين يأمل الرئيس في إقبال يتراوح بين "40 إلى 50 بالمئة مثل المعدلات المحققة على نطاق عالمي".

ينص القانون الأخير،  على أحكام بالسجن تصل إلى 20 عاما بتهمة تقويض سير الاقتراع، وإحداث اضطرابات في عمليات التصويت، وتدمير أو إزالة صناديق الاقتراع.

اعتقل رئيس التجمع الدستوري الديمقراطي، محسن بلعباس، يوم 14 مايو/أيار 2021، بينما كان يستعد للانضمام إلى مسيرة الحراك وسط العاصمة الجزائر.

النائب عثمان عزوز، عن التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، اعتقل في نفس الوقت من أجل استجوابه بشأن "العلاقات المزعومة بين التجمع  والقوى الأجنبية الكبرى والمنظمات الدولية"، وفي بيان نشره الحزب على موقع "فيسبوك"، اعتبر أنها "الممارسات الشائعة للشرطة السياسية".

ازداد عشية بدء الحملة الانتخابية التي ستنتهي في 9 يونيو/حزيران، الضغط على الأحزاب السياسية والمتظاهرين في الشارع، لذلك تبدو هذه الانتخابات المبكرة، التي كان من المفترض إجراؤها في عام 2022، كمحاولة من النظام لإخضاع المعارضة ووضع حد للحراك. 

تتنافس ما يقرب من 1500 قائمة، يبدو أكثر من نصفها مستقل، على الانتخابات المقبلة، وفقا للهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات، وتعطي التعديلات التي أدخلت على قانون الانتخابات مزايا للمرشحين المستقلين (مساعدة 300 ألف دينار) واللوجستيات.

يرى مراقبون أن القوائم المستقلة هي "الحل المثالي" للهروب من "مرشح السلطة" و"إغراء" الناخبين، وفي ظل غياب حملة على الأرض للمقاطعة، فإن الاحتجاج يكتسب زخما على مواقع التواصل الاجتماعي.

يعتقد أستاذ العلوم السياسية بجامعة عنابة بالجزائر، فؤاد منصوري، أن نسبة المشاركة سوف تكون متوسطة، وليست ضعيفة مثلما كان الشأن في الانتخابات على دستور نوفمبر 2020 وهذا لعدة اعتبارات، أهمها أن التشريعيات مستقطبة للأصوات.

وتابع منصوري في حديث "للاستقلال": بمشاركة مميزة من عدد معتبر من القوائم الحرة خاصة، إضافة إلى مشاركة حزبية قوية هذا ما من شأنه أن يرفع من نسبة المشاركة، ويجعلها متوسطة ولكن أفضل بكثير من نسبة المشاركة الأخيرة.

منفذ السلطة

القوائم الحرة، وفق منصوري، يغلب عليها ما يمكن أن نطلق عليه "الطبقة المتوسطة من أساتذة جامعيين وأساتذة تعليم عموما وموظفين وكوادر".

وأوضح: هناك مجموعة لا بأس بها لها برامج في الشق الاقتصادي والاجتماعي تطرح بدائل لتجاوز الأزمة، وهي بذلك تشكل قوة اقتراح حقيقية مما يجعلها جاذبة لشريحة مهمة ويشجعها في النهاية على التوجه إلى فعل الانتخاب.

ويرى منصوري، أنه "بشكل آخر هو توجه نحو فئة غير متحزبة لما تركته الأحزاب السياسية من اتجاه سلبي نحوها، سببه موسمية العمل الحزبي المرتبط فقط بالمواعيد الانتخابية، أي ابتعادها عن النضال اليومي والجواري المرتبط بحياة المواطن اليومية وبالشأن العام عموما".

وزاد المتحدث أن هذا الأمر نفر الكثير من الشرائح من فعل الانتخاب.

استطرد منصوري قائلا: وجود القوائم الحرة هو تشجيع لشرائح معينة للتعبير عن صوتها ورأيها، معتبرا أن من مصلحة السلطة السياسية وجود هذه القوائم الحرة للرفع من نسبة المشاركة.

من جهة أخرى، تابع أستاذ العلوم السياسية: ستشكل وسادة داعمة لبرنامج رئيس الجمهورية بحكم التلاقي في فكرة التغيير، وهذا ما أرجحه.

وواصل: "أما وإن خرج تيار يحمل فكرا مغايرا وبالتالي منهجية تغيير مغايرة، ففي هذه الحالة سيكون هناك تعايش بين سلطتين، والذي يهم المجتمع هو تسطير البرامج الناجعة وتنفيذها على أرض الواقع". 

وفي هذه الحالة، يوضح المتحدث، يمكن لهذه القوائم المساهمة في تغيير المشهد السياسي من الداخل، وهذا يعتمد أولا على مدى واقعية برامج القوائم الحرة ومدى انخراط المواطن في العملية السياسية.