بعد إنهاء المقاطعة.. هكذا بدأت إسرائيل تنفيذ أطماعها في السودان

محمد النعامي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

طوى السودان صفحة عدائه مع إسرائيل، بعد 63 عاما من المقاطعة، حيث صادق حكومة الخرطوم في 19 أبريل/ نيسان 2021، على إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل القائم منذ 1958، بموافقة مجلس السيادة السوداني.

ونص القانون الملغي على  حظر أي اتفاق من أي نوع مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل أو مع هيئات أو أشخاص يعلم أنهم ينتمون بجنسيتهم إلى إسرائيل أو يعملون لحسابها. 

كما حظر القانون الملغي الاتجار بالبضائع والسلع والمنتجات الإسرائيلية، سواء وردت من إسرائيل مباشرة أو بطريق غير مباشر، حيث عاقب القانون المخالفين بالسجن 10 سنوات مع غرامة مالية.

علاقات ودية

فور إعلان التطبيع بين إسرائيل والسودان في أكتوبر/تشرين الأول 2020، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بدء مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين وأن التطبيع سيشمل كافة المجالات بعد ما أسماه "الاختراق التاريخي الدراماتيكي للسلام".

شهدت الأشهر الأخيرة نشاطا دبلوماسيا بين الجانبين، حيث أرسلت إسرائيل عدة وفود إلى السودان منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، حيث ناقشت قضايا سياسية وأمنية واقتصادية، كان أهمها زيارة برئاسة وزير الاستخبارات الإسرائيلي إيلي كوهين في يناير/كانون الثاني 2021. 

المحلل السياسي عبد الله الكساب قال إن إلغاء السودان مقاطعة الاحتلال مجرد بداية، وأن الفترة القادمة ستشهد المزيد من التقارب في كافة المجالات، حيث تحاول إسرائيل حاليا دفع السودان إلى تقديم أكبر قدر من التنازلات وقطع مسافات أكبر نحوها في ظل حكم العسكر وحكومتهم.

وأضاف لـ"الاستقلال": "تعرف تل أبيب أن أي سلطة منتخبة ستصل سدة الحكم في السودان عبر الانتخابات الديمقراطية والشفافة عقب انقضاء الفترة الانتقالية، لن تتخذ ذات الموقف الذي يتخذه المجلس العسكري منها، بل سيكون موقفا مختلفا تماما".

وتابع: "التجارب الديمقراطية القليلة في الوطن العربي أنتجت حكومات مناهضة لدولة الاحتلال، باعتبار أنها مثلت صوتا للشعوب، وهو ما حصل في مصر عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 بصعود الرئيس الراحل محمد مرسي، وكذلك قيس سعيد رئيس تونس الذي رفع شعارات العداء لإسرائيل خلال حملته الانتخابية". 

وشدد كساب على أن الطموح الإسرائيلي يتمثل في توقيع اتفاقات إستراتيجية شاملة كاتفاقية كامب ديفيد مع مصر 1979، ووادي عربة مع الأردن 1994، مستغلا الحالة الصعبة اقتصاديا ومعيشيا في السودان، ضمن مجمل الاتفاقات التي ستبرم عقب إلغاء المقاطعة، وستحمل طابعا سياسيا أمنيا بجانب شقها الاقتصادي الذي يبدو أكثر أهمية للمجلس الانتقالي السوداني.

كان من الملاحظ تشديد وسائل الإعلام الإسرائيلية على حقيقة أن السودان الذي طبع علاقاته مع تل أبيب هو الذي احتضنت عاصمته الخرطوم مؤتمر القمة العربية في 1967، والذي أعلن فيه القادة العرب: "لا للاعتراف، لا للصلح، لا للتفاوض" مع إسرائيل.

تسليح المقاومة

اعتبرت إسرائيل السودان في ظل حكم نظام البشير مركزا مهما لنقل السلاح للمقاومة الفلسطينية، حيث اتهمت الخرطوم تل أبيب بتنفيذ غارات عام 2012 ضد مخازن أسلحة بزعم أنها معدة للمقاومة في غزة.

واحتفت إسرائيل باتفاق التطبيع مع السودان وعوائده الأمنية المرتقبة المتمثلة بقطع طريق تسليح المقاومة، حيث نشرت وزارة الاستخبارات الإسرائيلية في أكتوبر/تشرين الأول 2021، تقريرا يغطي المصالح الإسرائيلية في السودان خلال السنوات المقبلة، أبرزت فيه القضايا الأمنية والعسكرية تحديدا.

كان أبرز المصالح، هي أن الاتفاق يمنح الاحتلال فرصة التحكم في وقف إمدادات السلاح إلى غزة. ويورد التقرير بأنه "في أعقاب الاتفاق، يمكن للخرطوم المساعدة في منع تهريب السلاح في خط السودان – مصر – غزة".

وكشف تحقيق (ما خفي أعظم) الذي بثته قناة الجزيرة سبتمبر/أيلول 2020، حول سلاح المقاومة أن السودان كان الممر الأساسي للسلاح ومثل حلقة الوصل ما بين إيران وغزة.

وعرض التحقيق شهادة إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس بأن السودان كان في السابق، "إحدى الدول الوسيطة التي ساهمت في احتضان ودعم المقاومة".

من جانبه، قال المختص في الشأن الإسرائيلي، الدكتور فايز أبو شمالة، إن "إسرائيل كانت تعتبر التطبيع مع السودان أولوية، نظرا لعلاقة السودان التاريخية بالمقاومة الفلسطينية وبالأخص حركتي حماس والجهاد الإسلامي".

ووفق أبو شمالة: "صنفت إسرائيل السودان على مدار سنوات قبل إسقاط نظام البشير داعما عسكريا أساسيا للمقاومة الفلسطينية، إذ كان الممر الأساسي للسلاح الوارد للمقاومة من إيران لإيصاله لسيناء، ومنها إلى غزة، كما اتهمته إسرائيل بتدريب عناصر من المقاومة واستضافة مقاومين ومطلوبين لها".

وأضاف لـ"الاستقلال": "نظرا للدور العسكري الذي قام به السودان كان مستهدفا بالتطبيع، ولعل هذا الأمر كان من أسباب الدعم الغربي للثورة ضد البشير، وكذلك يفسر جهود الإدارة الأميركية والإمارات لتحقيق التطبيع بين تل أبيب والخرطوم، وكان أول ما تحدث عنه الأوساط السياسية في إسرائيل، عقب اتفاق التطبيع هو إنجاز أمني".

وتابع: "بالفعل سيؤدي تطبيع السودان وما يشمله من علاقات أمنية واستخبارية ضد المقاومة، بجانب الحملة التي تقوم بها مصر على الحدود مع غزة كالمنطقة العازلة والجدار الإسمنتي وإغراق الأنفاق إلى الإضرار بشكل كبير بآلية وصول السلاح لغزة".

وأوضح أبو شمالة أنه رغم هذه الضربة التي وجهت لمنابع سلاح المقاومة إلا أن الفصائل باتت تمتلك قدرات تصنيع سلاح عالية بجهد ذاتي، حيث تستخدم صواريخ محلية الصنع في المواجهات الأخيرة وأثبتت فاعليتها ضد الاحتلال، والمقاومة تعرف جيدا الظرف الإقليمي الصعب الذي يحتم عليها التكيف وتصنع سلاحها بنفسها.

الوهم الاقتصادي

ويسوق الجانب الإسرائيلي نفسه كمنقذ اقتصادي للدول المطبعة ومنها السودان، حيث قالت صحيفة معاريف العبرية: إن وزير المخابرات الإسرائيلي إيلي كوهين، عرض على المسؤولين في الخرطوم خلال زيارته في يناير/كانون الثاني 2021، تنفيذ شركات إسرائيلية مشاريع في السودان، بعد خطوات التطبيع بين البلدين.

وأكدت معاريف أن الجانبين ناقشا خلال الزيارة التعاون بين البلدين في مشروعات جزئية في مجالات الطاقة المتجددة والزراعة والصحة والطيران، حيث سيتم تنفيذ هذه المشاريع من قبل قطاع الأعمال الإسرائيلي.

بدوره، قال الخبير الاقتصادي خالد أبو عامر لـ"الاستقلال" إن السودان يمثل أرض الأحلام بالنسبة لإسرائيل من الناحية الاقتصادية، حيث يمتلك أراضي خصبة شاسعة المساحة وذات قدرة إنتاجية عالية وهو ما يمنحه تفوقا زراعيا في حال استغلت هذه الأراضي، وكذلك السودان غني بالثروات المعدنية كالنحاس والقصدير وغيرها من المعادن التي ظلت حبيسة الأرض نظرا لعدم وجود تقنيات استخراج.

وأكد أن اتفاق التطبيع سيعطي إسرائيل نفوذا كبيرا على البحر الأحمر وهو أمر مهم اقتصاديا وبالأخص في التجارة والنقل.

وأوضح أبو عامر أن السودان بحاجة للتقنيات المتطورة المملوكة إسرائيليا في مجالات الزراعة وشبكات الري وكذلك الطاقة، مستدركا، "هل ستعطي إسرائيل هذه التقنيات للسودان دون شروط؟".

"الإجابة لا، حيث ستعمل على خلق تبعية اقتصادية لها في السودان، من خلال اشتراط قيام شركات إسرائيلية بإدارة هذه التقنيات تحت مسمى حقوق الملكية، وكذلك الاحتكار لقطاعات اقتصادية بعينها، ومن المتوقع أن يصاحب هذه المشاريع اشتراطات سياسية كوضع شخصيات معينة في مناصب مهمة سواء على الصعيد الاقتصادي أو الدبلوماسي"، وفق أبو عامر.     

وأضاف: "حتى في حال ساعدت إسرائيل السودان مع هذه الشروط، فسجل العلاقات الاقتصادية ما بين تل أبيب والدول العربية يكشف أن هذه العلاقات لم تدخل أي نمو اقتصادي على هذه الدول بل كانت استفادة من طرف واحد، والأردن ومصر والدول الإفريقية المطبعة من سنين طويلة مثال واضح، عدا عن أن السياسة الاقتصادية الإسرائيلية لا تقوم على ضخ الأموال في الدول الأجنبية بل تركز على الاستثمار الداخلي".

وأكد أبو عامر أن إسرائيل تمر الآن بظروف اقتصادية صعبة عقب جائحة فيروس كورونا، حيث بلغ الدين العام فيها لأكثر من تريليون شيكل، ومن المرجح أن تستمر تداعيات الأزمة الاقتصادية بضرب الاقتصاد الإسرائيلي لخمس سنوات قادمة وهو ما يوضح أن التعويل على مكاسب اقتصادية لصالح السودان من هذه العلاقات غير وارد.