بلينكن يلتقي حقوقي مصري.. هل بدأ التمهيد لمراجعة انتهاكات السيسي؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ثلاثة أشهر كاملة مرت على تنصيب الرئيس الأميركي جو بايدن (20 يناير/ كانون الثاني 2021)، دون أي اتصال برئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، قبل أن يفاجئ وزير خارجيته أنتوني بلينكن، مصر، بلقائه حقوقيا ومعارضا مصريا.

حسام بهجت، مدير المبادرة المصرية للحقوق، التي انتقد بلينكن في وقت سابق اعتقال ثلاثة من أعضائها، كان ضمن ثمانية مدافعين عن حقوق الإنسان من دول مختلفة، التقاهم وزير الخارجية الأميركي 20 أبريل/ نيسان 2021.

انتقد بلينكن في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 اعتقال موظفي المبادرة المصرية الثلاثة عقب لقائهم دبلوماسيين أجانب بالقاهرة، وأكد أن "لقاء الدبلوماسيين الأجانب ليس جريمة".

تجاهل الإدارة الأميركية للسيسي، والاكتفاء باتصال هاتفي مع وزير خارجيته سامح شكري 24 فبراير/ شباط 2021 للإعراب عن "قلق أميركا إزاء وضع حقوق الإنسان في مصر" بدا، على المستوى الرسمي، كرسالة أميركية واضحة تجاه نظام السيسي.

الرسالة الثانية، كانت إعراب الخارجية الأميركية 11 مارس/ آذار 2021 على لسان متحدثها "نيد برايس"، عن قلق واشنطن حيال "أوضاع حقوق الإنسان وقمع حرية التعبير والمجتمع المدني بمصر".

والثالثة، تمثلت في انضمام الولايات المتحدة إلى 30 دولة أصدرت بيانا موحدا 12 مارس/آذار 2021 يطالب مصر بإنهاء ملاحقة الناشطين والصحفيين والمعارضين بموجب قوانين مكافحة الإرهاب، والإفراج عن المعتقلين دون قيد أو شرط.

ليأت لقاء بلينكن والحقوقي "بهجت" كرسالة رابعة أشد قوة، ربما تشير لتوجه أميركي عقابي للسيسي، بعدما تحدى إدارة بايدن ونفذ اعتقالات جديدة عكس المتوقع عقب تولي بايدن.

وفي 12 يوليو/ تموز 2020 غرد بايدن معلقا على مقتل معتقل مصري من أصل أميركي في سجون النظام المصري قائلا: "لا مزيد من الشيكات على بياض لديكتاتور (الرئيس السابق دونالد) ترامب المفضل".

وحين كان بايدن نائبا للرئيس السابق باراك أوباما، لم يحضر الاجتماع الوحيد الذي جمع الرئيس الديمقراطي مع السيسي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك عام 2015. 

ماذا جرى؟

اتخذ وزير الخارجية الأميركي خطوة مفاجئة بإعلان لقائه 8 من المدافعين عن حقوق الإنسان في العالم من مصر واليمن والصين وروسيا وبنغلاديش والكونغو ونيكاراجوا والكاريبي.

الخارجية الأميركية قالت إن هدف اللقاء "تعزيز التزام أميركا بوضع حقوق الإنسان في صميم سياستها الخارجية"، وأن بلينكن أكد للحقوقيين "دعم الولايات المتحدة كان لجهودهم لبناء مجتمعات حرة ومنصفة وديمقراطية".

قالت إن بلينكن تعهد بمتابعة الحوار الوثيق مع منظمات المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان وإعطاء الأولوية لحقوق الإنسان في السياسة الخارجية الأميركية.

بلينكن كتب على تويتر يصف الاجتماع بأنه: "لقاء ملهم مع ثمانية مدافعين بارزين عن حقوق الإنسان".

أوضح: "ناقشنا التهديدات التي يواجهها المدافعون عن حقوق الإنسان كل يوم، والسبل التي يمكن للولايات المتحدة من خلالها دعم جهودهم الحيوية بشكل أفضل لتعزيز احترام حقوق الإنسان العالمية".

حسام بهجت قال عبر تويتر إن الاجتماع ناقش "واقع وتحديات العمل الحقوقي حول العالم، وتقييم سياسات الإدارة (الأميركية) الجديدة بشأن حقوق الإنسان داخل الولايات المتحدة وخارجها".

وأشار الحقوقي الصيني "تنج بياو"، ممن حضروا اللقاء، أن "بلينكن أكد أن حقوق الإنسان أولوية هذه الإدارة وأنه حريص على معرفة ما يجب على حكومته فعله وما لا ينبغي فعله للدفاع عن تلك الحقوق على مستوى العالم".

المتحدث باسم الخارجية، نيد برايس، قال في بيان إن "الحوار تركز على التحديات التي يواجهها المدافعون عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم".

كما ركز على"الطرق التي يمكن أن تقف بها الولايات المتحدة مع منظمات المجتمع المدني والناشطين الذين يعملون على تعزيز احترام حقوق الإنسان وتعزيز المعايير الديمقراطية".

سبب اللقاء؟

لقاء وزير الخارجية بلينكن بالناشط المصري ضمن حقوقيين من دول مختلفة يطرح تساؤلات حول ما إذا كان ذلك مقدمة لتحرك من "إدارة بايدن" في ملف حقوق الإنسان بعدما اتهمها الإعلام الأميركية بمهادنة السيسي وبيع السلاح له؟.

أم أنه للترتيب لما سمي "مؤتمر الديمقراطية" الذي وعد به بايدن عقب فوزه، لتعزيز الديمقراطية في العالم، خاصة أن إدارته وجهت لها انتقادات بالصمت على الانتهاكات واستمرار تعاونها مع الأنظمة الديكتاتورية.

ووعد بايدن بمؤتمر الديمقراطية خلال أبريل/ نيسان 2020 أنه خلال السنة الأولى من فترة رئاسته، سيركز -ضمن جملة أمور-على نشر الديمقراطية ومكافحة الفساد وحماية حقوق الإنسان.

يوم 18 فبراير/ شباط 2021 انتقدت هيئة تحرير صحيفة "واشنطن بوست" بايدن لأنه "يواصل العمل كالمعتاد مع الديكتاتور المفضل لترامب" بعدما وافقت إدارته على صفقة سلاح لمصر بـ 197 مليون دولار.

واشنطن بوست قالت إن كلام بايدن عن أنه لا شيكات على بياض للسيسي، مجرد كلام ويحتاج أن "يربط أقواله بأفعال".

قالت إن عليه ألا يسلح ديكتاتور ترامب ويربط أية مساعدات بوقف انتهاك الحريات وحقوق الإنسان، وأن يرد على تحدي السيسي له باستمرار الاعتقالات.

واستغربت تسليح جيش مصر بمعونة عسكرية بينما "جيش السيسي" لا يخدم المصالح الأميركية والعالمية، ويدعم متمردي (اللواء المتقاعد خليفة) حفتر في ليبيا الذين حاولوا الإطاحة وقتها بالحكومة المدعومة من الأمم المتحدة والولايات المتحدة.

تحت عنوان: "لماذا على أميركا أن تقود من جديد؟"، كتب بايدن في دورية "فورين أفيرز" عدد شهري مارس/آذار- أبريل/نيسان 2020 يستعرض ملامح السياسة الخارجية التي يعتزم انتهاجها بعد وصوله البيت الأبيض. 

قال "سأدعو زملائي من قادة الديمقراطيات حول العالم لكي يرجع تعزيز الديمقراطية أولوية على جدول الأعمال العالمي، فاليوم ترزح الديمقراطية تحت ضغط يفوق ذلك الذي رزحت تحته في أي وقت من ثلاثينيات القرن الماضي".

هدف بايدن من قمة الديمقراطية "إنعاش الروح والغاية المشتركة لأمم العالم الحر، واجتماع ديمقراطيات العالم لتمكين مؤسساتنا الديمقراطية والتصدي بصدق لأحوال الدول الآخذة بالانزلاق، وصياغة أجندة مشتركة"، حسبما ذكر.

تصريحات بايدن فتحت الباب أمام اجتهادات كثيرين عن هوية الدول التي سيتم دعوتها أو استبعادها من المشاركة، وتبعات ذلك على علاقات تلك الدول بواشنطن، حسبما كتب محمد المنشاوي من واشنطن بجريدة "الشروق" 20 ديسمبر/ كانون الأول 2020.

قد تكون دعوة حقوقيين للقاء وزير خارجية أميركا بمثابة إشارة إلى أنه سيتم دعوة ناشطي حقوق الإنسان ومنظمات مجتمع مدني، لا أنظمة لهذه القمة وقد يكون الاثنان معا.

ما قد يزعج الحكومة المصرية أكثر هو احتمالات دعوة إدارة بايدن منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال الحريات ودعم الحقوق السياسية والديمقراطية للمشاركة في القمة. 

بايدن ألمح لهذا في مقاله بمجلة فورين بوليسي الأميركية، حيث قال عن القمة الموعودة إنها "ستتضمن منظمات المجتمع المدني حول العالم التي تقف على الخطوط الأولى للدفاع عن الديمقراطية".

ضغوط على السيسي

 

التحركات الأميركية الأخيرة كانت تتوقعها القاهرة على ما يبدو. لهذا اتخذت عدة خطوات منها التعاقد مع شركة لوبي ودعاية جديدة للضغط عبر أعضاء بالكونغرس على إدارة بايدن، وفق معادلة المصالح المتبادلة.

موقع "فورين لوبي" foreign lobby الأميركي، كشف 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 أن القاهرة تعاقدت فور هزيمة ترامب، مع شركة علاقات عامة لتدعيم وتلميع موقف نظام السيسي في واشنطن.

وقع السفير المصري لدى واشنطن معتز زهران عقدا بقيمة 65 ألف دولار شهريا مع شركة "براونستاين هيات فاربر" للعلاقات العامة والقانون.

بعد أسبوعين من إعلان "تشكيل مجموعة داخل الكونغرس بشأن وضع حقوق الإنسان بمصر"، أعلنت لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب المصري "إطلاق مبادرات في الكونغرس للتحذير من جماعة الإخوان (المسلمين)، والتعريف بما ارتكبته من أفعال في مصر". 

أعلنت اللجنة 7 فبراير/ شباط 2021 إطلاق سلسلة من المبادرات والحملات، منها تنظيم رحلات إلى الكونغرس ودعوة أعضاء منه لزيارة مصر.

رئيس اللجنة النيابية طارق رضوان (عضو حركة تمرد) قال لصحيفة "الشرق الأوسط" إن الهدف "تعريفهم بالتحديات التي تواجه مصر في مجال حقوق الإنسان، والإرهاب.

و"تحذير أعضاء الكونغرس من التعامل مع الإخوان المسلمين بشكل خاص"، بدعوى أن هذا يضر بالأمن القومي الأميركي قبل المصري.

سبق أن زار وفد برلماني مصري الكونغرس في يونيو/ حزيران 2017 والتقى بالعديد من ممثلي الديمقراطيين والجمهوريين، الذين تمت دعوتهم لمراجعة مواقف تجاه حقوق الإنسان في مصر.

كما استقبل البرلمان المصري العديد من النواب الأميركيين منهم السيناتور عضو لجنة المخصصات بالكونغرس إدوارد إسبينيت، في مايو/ أيار 2019.

وقد سخر المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد، من زيارة وفد برلمان مصر لواشنطن وقال إن "أي زيارة مصرية للولايات المتحدة ستكون بلا جدوى إذا لم يتم تعديل وضع حقوق الإنسان على أرض الواقع".

عيد قال متهكما لموقع المونيتور الأميركي 16 فبراير/ شباط 2021: "مهمة لجنة حقوق الإنسان البرلمانية هي انتقاد ممارسات النظام عندما يتعلق الأمر بـانتهاكات حقوق الإنسان وليس محاولة تحسين صورته".

أكد أن "البرلمان اتهم دائما الإخوان المسلمين والمعارضة بالوقوف وراء انتقادات بعض أعضاء الكونغرس لأوضاع حقوق الإنسان في مصر لكن في الواقع، انتهاكات هذه الحقوق وسوء معاملة السجناء السياسيين واضحة للجميع".

ضمن الضغوط المصرية والترتيبات للتعامل مع إدارة بايدن كشف مسؤولون حاليون وسابقون لموقع "مدى مصر" 14 فبراير/ شباط 2021، عن خطط لإطلاق سراح معتقلين وتأكيد مكانة مصر كحليف رئيس.

أشاروا إلى توصيات للخارجية المصرية وجهت للسيسي والمخابرات تتضمن عدة تغييرات في السياسة الداخلية تهدف إلى تخفيف الانتقادات الموجهة إلى حملة القاهرة ضد المعارضة السياسية والحريات المدنية. 

من بين التوصيات تخفيف اعتقال المعارضين وإطلاق سراح شخصيات معارضة بشكل منهجي من أجل كسب ود إدارة بايدن، وهو ما لم يحدث وحدث العكس وعادت الاعتقالات.

لكن، ومع بداية شهر رمضان بدأ تنفيذ هذه الخطة على ما يبدو بإطلاق سراح معتقلين أبرزهم حازم حسني أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ومستشار الفريق أول سامي عنان، وأربعة صحفيين آخرين، أحدهم مجدي حسين الذي انتهت محكوميته.

زعم موقع "تحقيقات 180" الموالي لحركة 6 أبريل في 21 أبريل/ نيسان 2021 أن هناك تطورات في ملف المصالحة بين نظام السيسي والإخوان تتعلق بقرب إطلاق معتقلين، رغم نفي مصدر من الجماعة لـ "الاستقلال" ذلك.

نقل الموقع الذي يبث من تركيا عن "مصدر قريب الصلة بالحزب الديمقراطي الأميركي"، أن الجلسات المباشرة بين الإخوان والنظام المصري، انتهت لصدور قرار بالإفراج عن مئات من سجناء الرأي المحكوم عليهم خلال الساعات المقبلة بالعفو عن باقي مدة عقوبتهم.

تحدث المصدر عن قائمة تضم 60 معتقلا، سيفرج عنهم، منهم 37 صحفيا و23 من السياسيين كبار السن والمرضى، وفق قوله.