إدريس ديبي.. عسكري وصل لحكم تشاد عبر انقلاب فمات مقتولا بعد 30 عاما

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد نحو 3 عقود من توليه الحكم، قتل الرئيس التشادي إدريس ديبي 20 أبريل/نيسان 2021، عقب إصابته في عملية عسكرية نفذتها وحدات من الجيش التشادي على متمردين مسلحين في إقليم كانم شمال البلاد.

ونقل التلفزيون الرسمي في تشاد أن الرئيس ديبي (68 عاما) كان يقود بنفسه تلك العملية التي نفذها الجيش التشادي قبل 4 أيام ضد "جبهة التناوب والتوافق"، وهي حركة متمردة على الحدود التشادية الليبية شمالي البلاد.

شكوك تدور حول حقيقة مقتل ديبي، حيث تذهب مزاعم إلى تصفيته من قبل مقربين، حيث نقلت قناة الجزيرة عن جوناثان أوفي أنسا رئيس تحرير مجلة أفريكا بريفينغ (Africa Briefing) قوله إن ما يجري في تشاد هو انقلاب عسكري، وإنه لا يستبعد أن يكون ديبي قتل على يد أحد جنرالاته.

ورأى أن إعلان الجيش عن مقتله خلال المعارك مع الحركات المسلحة ليس منطقيا بعد أن قالت السلطات إنها نجحت في صد المتمردين عن العاصمة نجامينا.

نظام ملكي

ورغم أن الدستور ينص على أن يتولى رئيس البرلمان منصب الرئيس بشكل مؤقت بعد شغور المنصب، سواء بوفاته أو عجزه عن أداء مهمته، إلا أن انقلابا عسكريا نفذه الجيش، من أجل ما سماها "ضمان وحدة البلاد واستقراره".

وتشكل المجلس العسكري بقيادة نجل ديبي، الجنرال محمد كاكا الذي يقود الحرس الرئاسي، وقال  المتحدث باسم الجيش الجنرال عازم برماندوا أغونا في بيان تلي عبر الإذاعة الوطنية إنه "تم تشكيل مجلس عسكري بقيادة نجله الجنرال محمد كاكا إدريس ديبي إيتنو"، وأضاف أن "المجلس اجتمع على الفور وأعلن ميثاق انتقال السلطة".

وأعلن الجيش اتخاذه سلسلة إجراءات من بينها إدارة المجلس العسكري الانتقالي لشؤون البلاد لمدة 18 شهرا، وإعلان ميثاق مرتقب بشأن حل البرلمان والحكومة، والعمل على تشكيل حكومة ومؤسسات انتقالية تشرف على تنظيم انتخابات. 

كما أعلن المجلس حظر التجول في كل أنحاء البلاد بين 6 مساء و5 صباحا بالتوقيت المحلي، وإغلاق جميع منافذ البلاد البرية والبحرية حتى إشعار آخر، ودعا في الوقت نفسه "جميع التشاديين في الداخل والخارج إلى الحوار".

من جانبها، أكدت قوات التمرد في تشاد أنها تواصل طريقها للعاصمة نجامينا بعد ساعات من إعلان الجيش مقتل ديبي، وتشكيل مجلس عسكري لقيادة البلاد في فترة انتقالية.

وتعهد المتمردون بالوصول إلى نجامينا، ورفضوا "رفضا قاطعا" تشكيل المجلس العسكري الانتقالي برئاسة نجل إدريس ديبي.

وقال الناطق باسم جبهة التناوب والتوافق، كينغابي أوغوزيمي دي تابول، "نرفض رفضا قاطعا المرحلة الانتقالية وننوي مواصلة الهجوم".

وأضاف "تشاد لا يحكمها نظام ملكي، يجب ألا يكون هناك انتقال للسلطة من الأب إلى الابن. قواتنا في طريقها إلى نجامينا؛ لكننا سنترك ما بين 15 إلى 28 ساعة لأبناء ديبي، كي يدفنوا والدهم وفق العادات".

بدورها، قالت "مجموعة العمل والعدل" المعارضة إن تشاد ليست مملكة ولا يمكن انتقال السلطة بين أعضاء الأسرة الحاكمة، مضيفة أن "قوات المقاومة الوطنية" تتجه في هذه اللحظة نحو العاصمة.

30 عاما

كانت المواجهات بين الجيش التشادي والمتمردين قد شهدت توترا في الأيام الأخيرة، حيث سقط  نحو 300 قتيل من المتمردين وأسر نحو 150 آخرون، ما دفع السفارة الأميركية في تشاد إلى التحذير من هذه التحركات التي كانت تزحف باتجاه العاصمة نجامينا، ودعت دبلوماسييها غير الأساسيين إلى مغادرة البلاد، قائلة إن تلك الجماعات باتت قريبة من العاصمة.

وفي 19 أبريل/نيسان 2021، أعلنت وسائل الإعلام التشادية فوز ديبي برئاسة البلاد، عقب حصوله على نحو 79.3 بالمئة من أصوات الناخبين، في الاقتراع الرئاسي الذي جرى 11 أبريل/نيسان 2021.

وحسب الناطق باسم حملته الانتخابية، محمد زين بادا، كان من المفترض أن يلقي ديبي خطابا للمواطنين بعد إعلان نتائج الاقتراع الأولية، لكنه توجه إلى جبهة القتال حيث تخوض قوات الجيش حربا ضد مسلحي "جبهة التناوب والتوافق" المتمردة، بعد اقتحام مجاميع منهم، في 11 أبريل/نيسان 2021، حدود البلاد قادمين من جارتها الشمالية ليبيا.

وتعد هذه هي المرة السادسة التي يفوز فيها ديبي بالانتخابات منذ توليه الحكم عام 1990، عقب تمرد قاده ضد الرئيس حسين حبري في ديسمبر/كانون الأول 1990، عندما كان ضابطا في الجيش.

كانت الفترة الأولى لحكم ديبي في ديسمبر/كانون الأول 1990، ثم انتخب في يوليو/تموز 1996، وأعيد انتخابه في مايو/أيار 2001 ، ثم مايو/أيار 2006، ثم أبريل/نيسان 2011 ومرة أخرى في 10 أبريل/نيسان 2016، ثم في 20 أبريل/نيسان 2021.

ويعد ديبي الرئيس الرابع لتشاد منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، حيث نجح في الحفاظ على منصب الرئاسة، ويحيط نفسه بمسؤولين من إثنية "الزغاوة" التي ينتمي إليها، والذين يتولون المناصب الرئيسة في قيادة الجيش، كما شكل تحالفا سياسيا يدعم مشروعه السياسي.


 
حليف فرنسا

حظي ديبي أثناء سنوات حكمه بدعم مطلق من فرنسا، منذ سيطرته على الحكم في تسعينيات القرن الماضي، وخلال العقود الماضية تمكن ديبي من تركيز السلطة بيده بدعم فرنسي، كما قام بتعديل الدستور لكي يتسنى له ترشيح نفسه للرئاسة لعدة مرات.

وعن سبب الدعم الفرنسي له، نقلت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية عن الباحثة التشادية كيملا ماناتوما، في جامعة باريس أن ديبي فهم باكرا أن تشاد تحتل موقعا إستراتيجيا ومركزيا بالنسبة للمصالح الفرنسية، فهي من جهة، يمكن أن تصمد بوجه التوسع الليبي، كما أنها قادرة على منع تمدد حرب دارفور إلى الغرب.

تضيف الصحيفة عن الباحثة التشادية أن "تشاد مؤهلة للعب دور فاعل لاحتواء مسلحي تنظيم (بوكو حرام) المتطرف شرق نهر النيجر، وشمال الكاميرون، وفي نيجيريا، وأثبت ديبي كفاءته في الحرب بمنطقة السواحل الإستراتيجية لفرنسا، وأثبت أنه قادر على لعب أدوار مفيدة بالنسبة لباريس، وهو في كل هذه الأدوار يشكل ورقة رابحة بيد فرنسا".

كان ديبي قد وفر مساعدة مهمة وثمينة جدا لفرنسا عندما أرسل قواته لإنقاذ مالي، وعاصمتها باماكو من سيطرة تنظيم الدولة والجماعات المتطرفة الأخرى مطلع عام 2013، بحسب الصحيفة.

قائد الانقلاب

ولد إدريس ديبي في 18 مايو/أيار 1952، في منطقة فادا شمالي تشاد، لأسرة مسلمة تنحدر من عشيرة البديات وهي أحد أفرع قبيلة الزغاوة. 

درس إدريس في صباه بمدرسة قرآنية (الكتاب)، ثم انتقل للدراسة في مدرسة فرنسية في بلدته فادا، ثم المدرسة العربية الفرنسية بمدينة أبيشي (وسط)، ثم حصل على البكالوريوس في العلوم من كلية ليسيه جاك مودينا بمدينة يونغور التشادية.

التحق بمدرسة الضباط في العاصمة نجامينا، وسرعان ما سافر إلى فرنسا لتلقي التدريب في الطيران العسكري، ليعود بعدها إلى تشاد نهاية سبعينيات القرن الماضي، وهو يحمل شهادة احترافية في الطيران.

تدرج ديبي في مناصبه العسكرية حتى أصبح القائد العام للجيش، ثم عين مستشارا عسكريا لرئاسة الجمهورية في عهد الرئيس حسين حبري، وشارك بعدة معارك ضد متمردين تشاديين وضد القوات الليبية على الحدود بين الدولتين عام 1987.

لم تدم سنوات الود بين ديبي ورئيس الجمهورية حسين حبري، فسرعان ما برز خلاف بين الرجلين مطلع أبريل/نيسان 1989، ما دفع حبري لاتهام ديبي بالتحضير لانقلاب مع ضباط آخرين، وهو الأمر الذي دفع إدريس ديبي للفرار إلى دارفور ثم إلى ليبيا.

في تلك الفترة عرض القذافي مساعدة عسكرية على ديبي للاستيلاء على السلطة في مقابل إطلاق سراح أسرى ليبيين، يعتقلهم حبري في سجونه منذ اندلاع الحرب في 1987 بين البلدين.

وبالفعل فقد حضر ديبي لانقلاب عبر تشكيل ما سمي حينها "الحركة الوطنية للإنقاذ"، وتلقى دعما من السودان وليبيا، أسفرت في نهاية المطاف عن تنفيذ انقلاب ناجح على رئيس الجمهورية حسين حبري.

وكان حبري متورطا بتنفيذ تصفيات واسعة النطاق، وتحدثت عنها منظمة هيومن رايتس ووتش عن انتهاكات ضد الإنسانية من بينها عمليات قتل لمعارضين سياسيين، وتعذيب ممنهج واعتقالات تعسفية، وعمليات تطهير عرقي، وهو ما أدين به من قبل محكمة العدل الدولية لاحقا في 2016.