تصاعد المناوشات.. هل يندلع صدام بين البيشمركة والحشد الشعبي بالعراق؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فصل جديد من فصول الصراع بين قوات الحشد الشعبي والبيشمركة الكردية أشعله تصعيد الهجمات التي تستهدف مطار أربيل في إقليم كردستان العراق، وذلك بعد قصف قاعدة أميركية داخل المطار بطائرة مسيرة مفخخة في 14 أبريل/نيسان 2021.

أصابع الاتهام وجهت إلى فصائل الحشد الشعبي الموجودة قرب الإقليم، حيث طالبها رئيس حكومة كردستان، مسرور بارزاني، بالانسحاب فورا من هذه المناطق، وأكد عبر "تويتر" أن "الهجمات محاولة سافرة لتقويض أمننا الداخلي وتعاوننا مع التحالف الدولي".

بارزاني توعد عبر سلسلة تغريدات على "تويتر" في 15 أبريل/نيسان 2021، بمحاسبة من وصفهم بأنهم "جماعات خارجة على القانون"، بالقول: "أؤكد لشعب إقليم كردستان أن أعضاء الجماعة الإرهابية المسؤولة عن هذا الهجوم سيحاسبون على أعمالهم".

وفي ظل التحول الجديد بالهجمات التي تستهدف أربيل، إذ أنها لأول مرة تحدث عن طريق طائرة مسيرة، برزت تساؤلات عن مدى تطور الصراع بين إقليم كردستان والفصائل الموالية لإيران، المتمثلة بالحشد الشعبي، وهل تصل إلى مرحلة الصدام بين الطرفين؟

تصاعد المناوشات

على خلفية تعهدات بارزاني وقصف مطار أربيل الذي لم يوقع أي إصابات بشرية، تعرض مقر تابع للواء 30 في الحشد الشعبي بمنطقة برطلة على حدود محافظة نينوى، إلى قصف بواسطة صاروخين،  في 15 أبريل/نيسان 2021، ما أسفر عن إصابة عنصر في "الحشد".

عقب ذلك بيومين، أفادت مواقع محلية عراقية بأن مجموعة صواريخ سقطت على مقر تابع للحشد الشعبي في قضاء داقوق بمحافظة كركوك، أودت إلى إصابة 5 عناصر أمن، بينهم اثنين من الجيش العراقي".

وفي ظل تضارب الأنباء بخصوص الجهة التي تقف وراء تفجير منطقة الحبيبية شرق بغداد في 16 أبريل/نيسان 2021، والذي أدى إلى مقتل 4 أشخاص وإصابة 17 آخرين، فإن البعض اتهم الأكراد بتنفيذه.

"تفجير الحبيبية" تبناه تنظيم الدولة في بادئ الأمر وقال إن "الهجوم الذي وقع في معقل الشيعة ببغداد أسفر عن مقتل وإصابة 20 شخصا"، حسبما ذكرت وكالة "رويترز" في 16 أبريل/نيسان، لكن تقارير أخرى صدرت في اليوم ذاته، تفيد بأن التفجير ناجم عن تفجير عرضي خلال نقل إحدى المليشيات شحنة متفجرات، وفقا لنتائج التحقيقات التي أجرتها قوات الأمن بشأنه.

وفي 18 أبريل/نيسان 2021، وقع تفجير في أربيل أثناء مرور عجلة قرب مادة "تي إن تي" الكيميائية كانت موضوعة على قارعة طريق في منطقة سيدكان ما أدى إلى تعرض سائق العجلة إلى جروح خطيرة، بحسب تصريح صحفي لمدير بلدة سيدكان، إحسان جلبي. 

يأتي قصف مطار أربيل، بعد شهرين من هجوم صاروخي وقع في 15 فبراير/شباط 2021 وتبنته مليشيا عراقية موالية لإيران تطلق على نفسها اسم "سرايا أولياء الدم"، والتي وصفته بأنه عملية "نوعية" وضربة "قاصمة" ضد "الاحتلال الأميركي، حيث اقتربنا من قاعدته بمسافة 7 كيلومترات".

وفي 16 فبراير/شباط 2021، أعلن "البنتاغون" أن 14 صاروخا استهدف قاعدة أميركية في أربيل تضم قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، 4 منها أصابت مبان، وأسفرت عن مقتل متعاقد مدني وإصابة 5 أميركيين بينهم جندي.

لكن سلطات أربيل الأمنية، عرضت في 3 مارس/آذار 2021، اعترافات مصورة لشخص قدم على أنه أحد منفذي الهجوم الصاروخي الذي استهدف المطار، مؤكدا أنه ينتمي إلى "كتائب سيد الشهداء" الموالية لطهران ويتزعمها أبو آلاء الولائي.

طريق اللاعودة

وبخصوص مدى تطور التصعيد بين الطرفين، قال الخبير السياسي العراقي عدنان السراج: إن "استهداف مطار أربيل، وما تبعه من رد كردي على قوات الحشد الشعبي في برطلة، وكذلك تهديد مسرور بارزاني، وما حصل من تفجير في مدينة الصدر، كلها تنصب في خدمة المشروع الذي يراد منه عدم خروج العراق باستقرار سياسي أو طريقة للتعايش السلمي".

السراج رأى في حديث لـ"الاستقلال" أن "ذلك كله لن ينتهي إلا بإيجاد حوارات وتفاهمات تنعكس بالضرورة على أرض الواقع، ويجب أن تتفق الأطراف كلها على القضايا المصيرية، ومنها بقاء القوات الأميركية من خروجها".

ويعزو مراقبون سبب الهجمات على مطار أربيل، إلى الصراع الأميركي الإيراني الحاصل على الأرض العراقية، والذي بلغ ذروته بمقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي أبي مهدي المهندس، بغارة أميركية قرب مطار بغداد الدولي في 3 يناير/كانون الثاني 2020.

وأشار السراج إلى أن "الكاظمي دوما يسعى إلى تطويق هكذا أزمات بالبيانات، وحتى اللقاءات السياسية التي يجريها تفتقد إلى عنصر الصرامة والمعلومة القوية التي يستطيع من خلالها مواجهة القوى المتهمة بالوقوف وراء هذه العمليات، وكذلك ليس لديه القدرة على وضع حد لتصريحات بارزاني وقصف قواته للواء الحشد الشعبي في برطلة".

وتابع: "ستبقى هذه القضية رهينة بميزان فرض القوة في المنطقة، بين البيشمركة والحشد الشعبي"، لافتا إلى أن "المواجهات بين الطرفين لم تكن الأولى، فالأكراد لا يريدون أن يكون وجود للحشد الشعبي في المناطق المتاخمة للإقليم، لأنهم يعلمون أن الحشد لا يركن إلى المشاريع والبرامج التي تأتي بها حكومة الإقليم".

ونوه إلى أن "ما حصل من توترات سابقة في مدن سنجار وطوز خرماتو وخانقين والآن في برطلة، يشير إلى أن التوتر بين البيشمركة والحشد الشعبي قد وصل إلى طريق اللاعودة، لذلك لا بد من حوارات ولقاءات سياسية للجم هذه الأمور، لكن الكاظمي غير قادر على ذلك".

من جهته، قال قصي عباس النائب في البرلمان العراقي عن تحالف "الفتح" الذي يعتبر الجناح السياسي للحشد الشعبي، إن قصف مقر اللواء 30 (الحشد الشبكي) في محافظة نينوى، جاء "كرد فعل" على استهداف مطار أربيل الأخير.

وأضاف عباس خلال تصريحات صحفية في 15 أبريل/ نيسان 2021 قائلا: "اطلعت على موقع الحادث، وفعلا من خلال الاستطلاع تبين أن الصاروخ كان موجها من إقليم كردستان"، مؤكدا أن "التحقيقات مستمرة من أجل التوصل إلى الجهة المطلقة للصواريخ فيما إذا كانت تابعة للبيشمركة أو غيرها".

حرب خفية

في المقابل، رأى الباحث في الشأن السياسي، أحمد المنصوري، خلال تصريحات صحفية في 15 أبريل/نيسان 2021، أن "إقليم كردستان في وضع لا يحسد عليه كونه أصبح أحد الأهداف للمليشيات الموالية لإيران، مثلما تفعل مع السفارة الأميركية في بغداد والقواعد العسكرية في عموم العراق".

وتابع المنصوري، قائلا: "لكن الفارق بين إقليم كردستان وحكومة بغداد، أن أربيل لن تبقى صامتة حيال زعزعة أمنها الداخلي، فهي تضم استثمارات أجنبية وعربية كبيرة، ولا يمكن التفريط بها، لذلك أتوقع ردا عسكريا على الهجمات".

ورأى أن "الرد العسكري ربما يكون بضربة جوية موجعة تنفذها قوات التحالف الدولي بمعلومات من الأجهزة الأمنية الكردية، كما حصل في المرة السابقة عندما كانت الضربة في سوريا ضد كتائب حزب الله العراقي في فبراير/شباط 2021".

ولفت الباحث إلى أن "الأحزاب السياسية في إقليم كردستان والسلطات في أربيل لن يسمحوا بأن تحول المليشيات أراضيهم إلى منطقة للصراع الإيراني مع الولايات المتحدة، فالأمور أمامهم مكشوفة، ويعرفون من يستهدفهم ولماذا".

وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي الكردي طارق جوهر: إن "موضوع الاستهداف حساس جدا، والتي تكررت أكثر من مرة خلال المدة الأخيرة بسبب انتشار السلاح بيد المليشيات والجماعات المسلحة غير القانونية، وهذا الموضوع أثر على زيادة التوتر في المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل".

ولا يستبعد جوهر "وجود أطراف خارجية (لم يسمها) تسعى إلى ذلك التصعيد؛ حتى تحقق أهدافا سياسية، وخلق مشاكل جديدة بين بغداد وأربيل؛ ولا يتوصلا إلى تطبيق الاتفاقيات بينهما".

وحمل المحلل السياسي الكردي، حكومة الكاظمي "مسؤولية إنهاء الفجوة بشكل سريع بين الجيش العراقي والبيشمركة، وإعادة العمل بالتنسيق العسكري والأمني الذي كان سائدا في السابق، خاصة إدارة ملف المناطق المتنازع عليها".

ورأى أنه "لا يمكن السيطرة على هذه المناطق وفرض الأمن فيها دون لجنة ومراكز مشتركة بين البيشمركة والجيش، لذلك كلما تمكن الجيش والحكومة العراقية من السيطرة على الملف الأمني ووضع السلاح بيد الدولة والضغط على المليشيات وتقليص عددها، تقلصت هذه العمليات التي تزعزع الاستقرار والأمن".

وأعرب جوهر عن اعتقاده بأنه "لا تزال هناك إمكانية للسيطرة على الوضع، لكن بحاجة إلى تحرك سريع من حكومة الكاظمي التي تتحمل المسؤولية كاملة في توفير الأمن وزيادة التنسيق والتعاون بين الجهات الأمنية في بغداد وأربيل".