ما بعد التهدئة.. إلى أين تتجه دفة علاقات القاهرة مع أنقرة والدوحة؟

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

خلال أسبوع واحد، شهدت علاقات مصر مع تركيا وقطر تطورات لافتة، أثارت تساؤلات وتكهنات بشأن الخطوات التالية المحتملة لتوثيق علاقات القاهرة مع الدولتين بعد سنوات من القطيعة.

فبعد نحو 4 سنوات من أزمة سياسية بين مصر وقطر، وحوالي 8 سنوات من أزمة مصرية مع تركيا؛ يبدو أن العلاقات وبدافع من التطورات السياسية الدولية والإقليمية؛ ستشهد مرحلة جديدة تعيدها إلى مربع التوافق والوئام السياسي.

ففي 12 أبريل/نيسان 2021، أجرى أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني اتصالا هاتفيا برئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، للتهنئة بشهر رمضان؛ هو الأول بهذا المستوى منذ المقاطعة الخليجية المصرية لقطر 5 يونيو/ حزيران 2017.

كما أنه الأول بعد توقيع اتفاق المصالحة الخليجية في قمة "العلا" بالسعودية 5 يناير/ كانون الثاني 2021.

موقف لافت ثان، تمثل في اتصال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، بنظيره المصري سامح شكري، 10 أبريل/ نيسان 2021، كأول تواصل بهذا المستوى بين البلدين منذ الانقلاب العسكري بمصر منتصف 2013، والذي رفضته أنقرة ونتج عنه تجميد العلاقات وسحب سفيري البلدين.

بعد إعلان أنقرة في مارس/ آذار 2021، استئناف اتصالاتها الدبلوماسية والمخابراتية مع مصر بملفات ليبيا، وترسيم الحدود البحرية بشرق المتوسط؛ أعلنت وزارة الخارجية التركية، عن الاتصال الذي جاء للتهنئة بشهر رمضان، ما اعتبره مراقبون نهاية لتوتر دام 8 سنوات.

وزير الخارجية المصري من جانبه، أكد في 12 أبريل/ نيسان 2021، أن اتصال تشاووش أوغلو جاء في إطار تصريحات وإشارات ولفتات تركية موضع تقدير حول أهمية مصر وضرورة تصويب المسار، مشيرا إلى ضرورة حدوث انتقال من مرحلة المؤشرات السياسية لتحديد إطار العلاقة وكيفية إدارتها.

وبشأن إغلاق تركيا لقنوات المعارضة المصرية من إسطنبول، أكد شكري، أن الأمر المهم يتمثل بـ"الفعل في حد ذاته"، مشددا على أهمية مراعاة القانون الدولي بهذا الشأن.

ووسط أحاديث المسؤولين الأتراك المتواصلة منذ مطلع 2021، عن اتصالات مخابراتية بين الجانبين وعلى مستوى وزارتي الخارجية وقرب توافق على ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، كانت القاهرة تترفع عن التأكيد على تلك المعلومات وتطالب بأن تتوافق تصرفات تركيا "مع المبادئ المصرية" لتطبيع العلاقات.

وإزاء الضغوط المصرية، طلبت أنقرة في مارس/ آذار 2021، من فضائيات المعارضة المصرية الثلاثة (مكملين والشرق ووطن) التي تبث من إسطنبول تخفيف حدة الانتقادات الموجهة لنظام القاهرة، كما عرضت أنقرة المساعدة بحل أزمة السفينة البنمية التي أغلقت قناة السويس 26 مارس/ آذار 2021.

اتصال تشاووش أوغلو، وتعليق شكري عليه، يؤكدان وفق مراقبين وصول علاقات البلدين لنقطة دفء بعد قطيعة، وتوافق يحقق الهدوء بشرق البحر المتوسط المضطرب.

ويخفف هذا الدفء من صراع البلدين في ليبيا والذي ساندت فيه أنقرة حكومة فائز السراج الشرعية بطرابلس، وساندت القاهرة لسنوات الجنرال خليفة حفتر بطبرق.

 وبشأن الحدود البحرية، أبرمت تركيا اتفاقا لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا وعقدت مصر اتفاقا آخر مع اليونان، يتعارض كلاهما مع الآخر.

ومؤخرا ظهرت للعلن بعض المؤشرات الإيجابية بينها تقديم رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، 8 أبريل/ نيسان 2021، الشكر للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على جهوده خلال رئاسته مجموعة الثماني الإسلامية.

التصريحات الإيجابية بدأها المسؤولون الأتراك وقادها أردوغان، منتصف مارس/ آذار 2021، عندما غازل المصريين بقوله إن "الشعب المصري لا يختلف معنا".

تشاووش أوغلو، سبق أردوغان، بالقول مطلع آذار/مارس 2021: "يمكن التفاوض مع القاهرة لتوقيع اتفاقية لتحديد مناطق الصلاحية البحرية شرقي المتوسط"، مثمنا احترام مصر الجرف القاري التركي باتفاقيتها مع اليونان.

"عهد جديد"

الموقف الثالث، جاء بإعلان وزير الخارجية التركي، 14 أبريل/ نيسان 2021، أن زيارات متبادلة سيتم إجراؤها مع مصر، واجتماعات بمستوى نواب الوزراء والدبلوماسيين في إطار عملية رأب الصدع المستمرة منذ أشهر، دون تحديد موعد لذلك.

وأكد أن "عهدا جديدا" من العلاقات يبدأ بين تركيا ومصر، مشيرا إلى أن تعيين سفير "سيطرح على جدول الأعمال" خلال تلك المحادثات.

تشاووش أوغلو، عاود الحديث في 15 أبريل/ نيسان 2021، معلنا عبر قناة "إن تي في" التركية عن زيارة وفد تركي إلى القاهرة مطلع أيار/ مايو 2021، استجابة لدعوة مصرية.

 الوزير التركي، أعلن أيضا عن اجتماع آخر سيجمعه بوزير الخارجية المصري بعد تلك المحادثات، مؤكدا أن "مصر بلد مهم للعالم الإسلامي وإفريقيا وفلسطين"، واستقرارها وازدهارها مهمان للجميع.

الكاتب الصحفي حسن حافظ، لفت إلى أهمية حديث تشاووش أوغلو عن مرحلة جديدة بالعلاقات مع مصر، وجلوس نائبي وزراء الخارجية بالبلدين قريبا، بالتوازي مع وقف بعض برامج قنوات المعارضة بإسطنبول، وحديث شكري الإيجابي عن مكالمة نظيره التركي، فضلا عن الحديث الهاتفي بين السيسي وأمير قطر.

وأكد عبر صفحته بـ"فيسبوك"، أن "كلها مؤشرات على أن الانفتاح المصري على تركيا وقطر يمضي قدما"، مشيرا إلى رغبة أنقرة الشديدة للانفتاح على القاهرة.

وتوقع بقاء اختلافات في بعض الملفات الإقليمية، مشيدا بوجود اتفاق على اعتماد الخط السياسي بالملف الليبي.

ويرى الصحفي المصري أن تلك التقاربات "فرصة ذهبية للنظام المصري ليعيد النظر في سياسات الداخل"، داعيا النظام لطرح مساحة أكبر من الحرية وإنهاء ملف الموقوفين بحكم قانون الحبس الاحتياطي.

المحامي الدولي المصري محمود رفعت قال معلقا على حديث تشاووش أوغلو، عن عهد جديد من علاقات تركيا ومصر؛ بقوله: "أغلب الظن أن السيسي وأردوغان التقوا بالفعل الأسابيع الماضية بلقاء غير معلن بأحد الدول الخليجية".

المعارض المصري من الخارج أضاف عبر "تويتر"، أن "ملامح المرحلة القادمة تتبلور بأن الشرق الأوسط يعود تدريجيا لقواعد ما قبل 2011".

الباحث في شؤون الشرق الأوسط يفغيني ساتانوفسكي، قال لصحيفة "فزغلياد" الروسية حول حاجة أردوغان إلى التقرب من مصر إن أنقرة لم تستفد من خلافاتها مع القاهرة،  بل تتعرض لخسائر اقتصادية، ولذا يحاول الرئيس التركي بعد فساد العلاقات مع بعض الدول، تطبيع العلاقات المتضررة مع القاهرة.

وأضاف ساتانوفسكي أنه بالنظر للعلاقات السيئة مع مصر، وأوروبا، وأميركا فإن ما لدى أنقرة لا يكفي لتكون قوة إقليمية كبرى؛ لذلك "يجب على أردوغان أن يفعل شيئا حتى لا يبقى وحيدا".

تغير سلوك الإمارات

الباحث والأكاديمي المصري، الدكتور محمد الزواوي، يعتقد أن التقارب المحتمل والاتصالات دفع الأطراف الثلاثة إليها؛ سلوك الإمارات الحالي بتغيير شبكة تحالفاتها، والخطوة التي اتخذتها بتعميق التحالف الإستراتيجي مع إسرائيل ومشروعات الطاقة بين الجانبين متخطية مصالح القاهرة بقناة السويس وتسييل الغاز وتصديره لأوروبا.

المحاضر بمعهد الشرق الأوسط بجامعة سكاريا التركية، أكد في حديثه لـ"الاستقلال"، أن "التقارب المصري مع قطر وتركيا يمكن إرجاعه إلى التغير الرئيس بالعلاقة مع الإمارات".

وأوضح أنه "بالنظر للحاجة المصرية لحليف خليجي يمده بالمال يمكن أن تملأ قطر فراغ الإمارات والسعودية حال تحول الدولتين لتصدير نفطيهما عبر أنبوب يصل ميناء إيلات ثم عسقلان ومنه لأوروبا".

وأشار إلى ضرورة وجود "حليف خليجي يمول مشروعات مصر، وحال عجز الموازنة يضع إيداعات نقدية بالدولار، ومن ثم فإن القاهرة يجب أن يكون لديها حليف خليجي قوي".

الأكاديمي المصري قال: "لا نريد القفز إلى استنتاجات؛ ولكن هذا هو تفسير التقارب المصري القطري".

ولفت إلى أن "محور أنقرة أكبر مستهلكي الغاز بالمنطقة؛ قد تتخذه مصر بديلا عن تصدير الغاز عبر خط إسرائيل قبرص اليونان إيطاليا؛ باستخدام خط الغاز العربي الواصل إلى حمص وعبر تركيا إلى أوروبا؛ وهذا ما يمكن تفسير التطورات الجديدة وفقه".

الكاتب والمحلل السياسي المصري عزت النمر، يعتقد أن "الواقع الإقليمي والدولي أحد أسباب عديدة تهيئ لمرحلة تبريد الخلافات أو بالأحرى تطبيع العلاقات بين الدول، وهو ظاهر بالحالة المصرية، والتركية والقطرية". 

وفي حديثه لـ"الاستقلال"، ذكر أن "المنطقة تعيش بتأثير تغير صانع القرار الأميركي، خاصة مع غموض إدارة جو بايدن تجاه مفردات الإقليم وتشابك العلاقات بينها، مما قد يغير صورة التموضع السياسي للأطراف لاستيعاب الواقع الجديد".

"كذلك هناك ارتدادات طبيعية نتجت جراء المصالحة الخليجية، وربما تتجاوز الشأن الخليجي، بما يمس الفواعل الرئيسة بالمنطقة والإقليم، مما ينتج حالة جديدة تتجاوز منطلقات العلاقات قبل المصالحة"، وفق النمر.

وتابع: "لا ننكر كذلك جائحة كورونا وتأثيراتها الاقتصادية، ما يدفع حكومات الإقليم - خاصة مصر وتركيا- لمحاولة تقليل آثارها، بتبريد بعض الخلافات واعتماد المصالح الاقتصادية كرافعة لتطبيع العلاقات السياسية، وتجاوز حالة الاستقطاب وربما المقاطعة بين الشعوب وما لها من تأثير على السياحة والاستهلاك، ومن ثم الاقتصاد".

ويعتقد أنه "على ذات النسق يعتبر تغريد الإمارات خارج سرب العلاقات الحميمة ومغالاتها بالتطبيع، فضلا عن سياسات أبوظبي الحقودة ضد قطر والخائنة لمصر بملفات متعددة قد تدفع الدوحة لتحييد القاهرة خاصة وأن السيسي يسهل شراؤه بقليل من المال أو كثير"، وفق تعبيره.

الكاتب والمحلل السياسي لفت أيضا إلى أن "خيانات أبوظبي المتكررة لمصر بملفات عديدة ربما توارب الباب لنظام السيسي لتطبيع علاقاته بأنقرة بحثا عن مصالحه".

مكاسب عديدة

وأشار إلى أن "السياسة التركية براغماتية، والرئيس التركي أعلن بمؤتمر حزبه الأخير تصفير المشكلات مع دول الجوار وبالأخص مصر"، ملمحا إلى أن التقارب التركي المصري يهدف إلى العديد من المكاسب.

أولا: نيل أعلى مكاسب من ثروات شرق المتوسط، خاصة بعد ما اعترفت مصر بالحدود البحرية التي أرسلتها تركيا للأمم المتحدة.

ثانيا: تهدئة أوضاع الداخل الليبي لصالح مغانم اقتصادية تطمح لها أنقرة بعد اتفاقيات وقعتها الحكومة الليبية بأنقرة مؤخرا.

ثالثا: براغماتية أنقرة؛ لا تريد فقد السوق المصري - 100 مليون مستهلك- مع تخوفها من التأثير المصري على المزاج العربي والخليجي عبر الفن، وتأثير ذلك على المستهلك والسائح العربي والخليجي.

وعن الجانب المصري أعرب النمر، عن أسفه لأنه "مهيض الجناح قليل المطالب، خاصة بعدما أصبح بلا حليف حقيقي، بعد فشل تحالفاته الحالية وانصراف السعودية لمصالحها وخيانات الإمارات وتجاوزها لمصالح مصر، فضلا عن تجاهل اليونان وقبرص وإسرائيل تماما له، باتفاقية الربط الكهربائي.

وقال: "لا ننسى كذلك أن مصر مأزومة بملف السد الإثيوبي، ما يجعل مطالبها تتلخص بمحاولة إسكات الصوت المعارض والفاضح لعجز السيسي ونظامه بهذا الملف الحيوي".

مع كل هذه الأسباب المتشابكة يتوقع النمر، تطبيع العلاقات ولو من حيث الشكل، بغض النظر عن القناعات والمضامين، معلنا عن تصوره أن "المرحلة القادمة سيحكمها البحث عن المصالح الإستراتيجية لتركيا، وتلك الضيقة لنظام الانقلاب وليس مصر".

وختم بالقول: "ستظل المتغيرات على الأرض وديناميكيات الواقع الإقليمي والدولي هي من تحدد المستوى النهائي لهذه العلاقات، سواء التلاقي الكامل وعودة السفراء أو انتكاسات تهدم ما تم".

مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والإستراتيجية، الدكتور ممدوح المنير، قال إن "تركيا وقطر تسعيان لتصفير مشكلاتهما مع محيطهما العربي، وأهمها الأزمة المصرية والانقلاب العسكري ووجود السيسي بالحكم".

المنير، أكد في حديثه لـ"الاستقلال"، أنه "رغم أن التقارب بينهما لا يمكن أن يتم إلا على حساب الثورة المصرية؛ إلا أننا لا يمكن أن نلوم أحدا غير أنفسنا".

وأوضح أن "تركيا وقطر فتحتا أذرعهما للمعارضة المصرية طيلة 8 سنوات تقريبا، ومحصلة الفعل الحقيقي لهذه المعارضة (صفر كبير) إن لم يكن بالسالب".

ويرى أن "المعارضة المصرية أثبتت أنها جواد خاسر لا يمكن الرهان عليه، وتحول مع الوقت لجواد مريض يبحث فقط عن لقمة عيش. بالتالي تخلت الدولتان عن دعم المعارضة وتحول الملف لشكل إنساني بحت "، وفق تعبيره.

وأوضح أنه "لا يمكن التنبؤ بمستوى تطور العلاقات لكنها بالحالة التركية ستظل تحت سقف مستوى الرئاسة لأن هذه آخر ورقة أخلاقية يحتفظ بها أردوغان بالقضية المصرية.

وبالنسبة لقطر فالوضع سيكون أكثر تقدما نظرا لاحتياج النظام للاستثمارات القطرية وهو ما تعيه الدوحة.

ويعتقد الباحث المصري أن النقطة الأخطر تكمن في مدى إقدام الدولتين على تسليم قيادات المعارضة للنظام، موضحا أن "هذا سيكون صعبا، وربما إن وصلنا لهذه النقطة يكون المطلوب هو مغادرتهم إسطنبول والدوحة".