طلب مساعدة من نظام الأسد.. مَن افتعل أزمة الأكسجين في لبنان؟

مصطفى العويك | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بلا سابق إنذار، عانى لبنان نهاية مارس/آذار 2021، نقصا حادا في غاز الأكسجين الطبي، الذي يكثر استعماله هذه الأيام، لمعالجة المصابين بفيروس كورونا، وكاد يشهد "كارثة صحية مدوية".

ولحل هذه الأزمة، حط وزير الصحة اللبناني في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن، التابع لحزب الله، في العاصمة السورية دمشق، في 24 مارس/آذار 2021.

لم ينتظر حسن تحسن أحوال الطقس لتفرغ الباخرة القادمة إلى لبنان حمولتها من الأكسجين، فسارع الى دمشق لطلب المساعدة، في خطوة سياسية أكثر منها صحية.

وهناك التقى نظيره السوري حسن الغباش (دون وجود للعلم اللبناني) الذي أعلن في مؤتمر صحفي مشترك مع حسن، عن تزويد لبنان بـ75 طنا من الأكسجين على مدى 3 أيام، بما لا يؤثر على توافر تلك المادة في سوريا.

وأرجع الغباش سبب ذلك إلى ما أبلغه إياه نظيره حسن، من فقدان مستشفيات لبنان ومرضى كورونا لمادة الأكسجين، وإمكانية أن تشهد بيروت وباقي المناطق اللبنانية "كارثة صحية مدوية".

وشكر حسن سوريا قائلا: "تشاركنا بمحطات كثيرة مشرفة واليوم نتشارك بالتصدي لوباء كورونا ولحفظ أرواح المرضى".

هذا المشهد أشعل جدلا كبيرا بين الأحزاب اللبنانية، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وانقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض.

وأطلق جمهور "حزب الله" حملة شكر للوزير حسن ولرئيس النظام السوري بشار الأسد، تحت وسم "شكرا سوريا" و"سوريا أوكسجين لبنان"، ترافقت مع حملة إعلامية من إعلام الحزب تحت نفس العناوين.

في حين اعتبر بعض المعارضين أن هذه الخطوة مفتعلة من قبل حزب الله بهدف إعادة تطبيع العلاقات بين لبنان والنظام السوري. وذهب آخرون إلى حد رفض الأكسجين السوري حتى ولو كان الثمن الموت. 

فهل كانت المستشفيات اللبنانية تعاني فعلا من انقطاع الأكسجين؟ وبالتالي أمام كارثة صحية حقيقية؟ أم أن زيارة وزير الصحة التابع لحزب الله هي استمرار لحملة يقودها الحزب منذ سنوات للانفتاح على النظام السوري، وتطبيع العلاقات معه؟

علاقات ملتبسة

منذ استقلال البلدين في أربعينيات القرن الماضي، كانت العلاقة بينهما ملتبسة وإشكالية على اختلاف أنظمة الحكم فيهما.

واعتبرت دمشق أن لبنان "قطعة مسلوبة من الجسد السوري"، فحدث نتيجة ذلك العديد من المناوشات السياسية بين الطرفين، وصلت إلى حد القطيعة أحيانا.

وعلى خلفية اندلاع الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، دخلت القوات العسكرية السورية إليه بطلب من الفصائل المسيحية، وبقيت هناك لسنوات طويلة، مع ما يعني هذا البقاء من تدخل في المعارك سلبا وإيجابا. 

بعد انتهاء الحرب وتوقيع اتفاق الطائف في السعودية 1989، وبدعم دولي وعربي، أحكم النظام السوري سيطرته على مفاصل الحكم في لبنان بعد أن نفى وسجن معارضيه.

وجرت في تلك الفترة عمليات اغتيال طالت قادة سياسيين ورجال دين ومفكرين، وجهت أصابع الاتهام فيها إلى سوريا. وسادت في تلك الفترة مقولة "شعب واحد في بلدين"، للدلالة على الهيمنة السورية على القرار اللبناني.

وشكلت عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005، نقطة تحول أساسية في العلاقة بين البلدين.

واتهم اللبنانيون النظام السوري بارتكاب الجريمة، وخرجت على الفور القوات العسكرية السورية من لبنان، نتيجة للضغوط الدولية المكثفة لتطبيق القرار الأممي 1559 (الذي نص على بسط الحكومة اللبنانية سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية، وخروج الجيش السوري منها).

وانقطعت العلاقة كليا بين الدولتين، إلا أن منسوب التنسيق بين دمشق وحلفائها في لبنان أخذ في الارتفاع، خاصة بعد أن نظم حزب الله مظاهرة مليونية تحت اسم "شكرا سوريا" في الثامن من مارس/آذار عام 2005. 

عام 2010 تدخلت السعودية في شخص ملكها الراحل عبد الله بن عبد العزيز، وأجرت مصالحة بين بشار الأسد وسعد الحريري نجل الراحل رفيق.

إلا أن هذه المصالحة لم تعمر إطلاقا، ولم ينتج عنها تقدم سوى فرض التمثيل الدبلوماسي على سوريا، بحيث أصبح للبنان سفيرا في دمشق للمرة الأولى منذ الاستقلال. 

ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، التزم لبنان شكليا بقرار الجامعة العربية بمقاطعة نظام الأسد لكنه أبقى على التمثيل الدبلوماسي بين البلدين وكذلك العلاقات التجارية، وأرسل حزب الله مقاتليه إلى دمشق دفاعا عن الأسد.

ويسعى حزب الله جاهدا، ومعه حلفاء الأسد في لبنان، إلى إعادة العلاقات بين البلدين إلى ما كانت عليه من قبل، أي أن يتقدم رأي سوريا على رأي اللبنانيين في الداخل، وأن تكون أوامرها نافذة دون أي نقاش. 

نقص الأكسجين

وفي هذا الجو الملتبس من العلاقات، ظهرت أزمة نقص الأكسجين في لبنان، وأدخلت في اللعبة السياسية، مخلفة وراءها توترات عديدة بين القوى السياسية المختلفة.

لوجستيا، يحتاج لبنان يوميا إلى 120 طنا من مادة الأكسجين، كانت تؤمن عبر مصنعين: "شركة شهاب للأوكسجين" و"شركة سوال air liquid"، التي تمتلك مصنعا في سوريا.

ومع تزايد الطلب على المادة بسبب جائحة كورونا، كانت الشركتان تعملان على تأمين النقص من خارج البلاد.

ونفى نقيب المستشفيات الخاصة، سليمان هارون (القطاع الخاص في لبنان يتوفر على أكثر من 75 بالمائة من المستشفيات) في تصريح لقناة "الجديد" المحلية، في نفس اليوم الذي زار فيه وزير الصحة سوريا، "وجود أزمة أوكسجين".

وأكد في تصريحه بـ25 مارس/آذار أن في لبنان مصنعين لإنتاج المادة يلبيان الطلب، لكنه تراجع عن كلامه في اليوم التالي، وذلك لأنه كاد أن يثير أزمة دبلوماسية بين سوريا ولبنان دون قصد، حسب قوله.

وفي تقرير نشره موقع "الحرة"، قال مدير شركة "سوال" فؤاد حداد إن "لبنان لم يكن يعاني من أزمة أو كارثة، لكننا كنا قريبين منها بسبب ارتفاع الطلب على الأكسجين الذي تضاعف 6 مرات وبسبب تأخر عملية الاستيراد بفعل سوء الأحوال الجوية".

في حين أوضح نائب المدير العام لشركة "شهاب للأوكسجين"، خالد هدلا، وهي الشركة التي تنتج الكمية الأكبر، في تصريح للوكالة الوطنية للإعلام أن "هناك أزمة أوكسجين في لبنان، وأن الشركة لديها إنتاج يكفي للمستشفيات التي تتعامل معها فقط".

وتواصل موقع "الحرة" مع مستشفيات عدة في لبنان لسؤالها عن الأكسجين، فنفت مستشفيات "الحياة" و"أوتيل ديو" و"قلب يسوع" في بيروت أن تكون واجهت أية أزمة انقطاع أو انخفاض في مخزون المادة.

ومن طرابلس إلى عكار وصيدا وزحلة وبعلبك كذلك في مستشفيات الضاحية الجنوبية لبيروت، أكد الجميع عدم وجود أي أثر لأزمة الأكسجين.

وفي السياق نفسه، نفى اثنان من مديري المستشفيات الحكومية اللبنانية مزاعم وجود نقص بمادة الأكسجين في لبنان، مؤكدين أن "لديهما بكفاية ولم يتأثر".

وقال الدكتور فراس الأبيض، المدير العام لمستشفى رفيق الحريري الجامعي في بيروت، لوكالة "سبوتنيك" إن لدى المستشفى "موارد أوكسجين تكفي لعدة أيام"، مؤكدا أن "الكمية المتوفرة تكفي حتى ترسل لنا الشركة دفعة جديدة". 

بدوره، أكد الدكتور جان حمصي، المدير العام لمستشفى "إلياس الهراوي" الحكومي في مدينة زحلة أن "الوضع على ما يرام، ولم نطلب دفعة جديدة، وأعتقد أن لدينا ما يكفي من الأكسجين لليوم وغدا".

وقال الطبيب محمد الكوش لـ"الاستقلال"، إن الأمر "مجرد تأخير بتفريغ حمولة الباخرة بسبب الطقس، فيما المعامل اللبنانية تنتج الأكسجين بالكمية المعتادة وبإمكانها تعويض أي نقص قد يطرأ خلال الأيام الثلاثة التي تحتاجها الباخرة لتفريغ حمولتها".

وأضاف: "هذا أمر وارد ويحصل خلال عملية الاستيراد وليس خارجا عن المألوف ولا يهدد البلاد بكارثة كما عبر وزير الصحة". ويضع الصحفي صهيب جوهر في حديث لـ"الاستقلال"، ما يجري في إطار "البروباغندا السياسية على حساب الأمن الصحي للبنانيين".

استعراض إعلامي

ويقول جوهر: "لم تكن هناك أزمة أوكسجين، بل إن وزير الصحة استغل تأخر الشحنات القادمة من تركيا، وذهب إلى دمشق للقيام باستعراض إعلامي يظهر سوريا بصورة الدولة المثالية التي في عز أزماتها تمد يد العون للآخرين، وهذا يصب تجييره في صالح نظام الأسد".

وهذا ما أكده نائب وزير الحكومة اللبنانية ووزير الصحة الأسبق، غسان حاصباني في تصريح لـ"الجزيرة نت"، إذ أشار الى أن "الكمية بحد ذاتها ضئيلة ولا تستحق كل هذه الأهمية مما يعني أن "الدلالة السياسية للزيارة تتفوق على الصحية".  

واستدعت زيارة حسن الى دمشق، غضبا واستنكارا كبيرين في بيروت. وغرد النائب الأسبق فارس سعيد (من أشد المعارضين لحزب الله ورفع الأخير دعوى قضائية ضده خلال أبريل/نيسان، قائلا: "إلى بشار الأسد، نرفض حتى الأكسجين منك، هوانا غير هواك". وأثارت التغريدة تعليقات كثيرة بين مؤيد ومعارض. 

ولفت جوهر إلى أن "الوزراء التابعين لحزب الله أو المؤيدين له يعمدون إلى اختلاق أعذار لتبرير زياراتهم إلى دمشق من أجل لقاء رموز من النظام في سياق تثبيت نوع من التعاون بين النظام ووزراء لبنانيين".

ويشير الباحث اللبناني سامر زريق إلى أنه "مع سيطرة النظام على معظم المدن السورية، زار وزراء من لبنان سوريا، بقرار من قياداتهم الحزبية دون موافقة حكومية، والهدف هو محاولة فرض التطبيع الرسمي".

وقال زريق لـ"الاستقلال"، إن وزير خارجية لبنان الأسبق جبران باسيل (حليف حزب الله، وصهر الرئيس اللبناني ميشال عون)، "طالب أكثر من مرة في اجتماعات جامعة الدول العربية بإعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري".

فيما يرى جوهر أن "الزيارة الأخيرة لوزير الصحة، تأتي استمرارا لجهود حزب الله في توريط لبنان بالانفتاح على النظام السوري"، خاصة أنها "تلت زيارة قام بها وزير الشؤون الاجتماعية رمزي مشرفية، بتاريخ 6 مارس/آذار (2021)، لبحث موضوع النازحين السوريين، ما يؤكد أن مسألة الأكسجين كانت مجرد ذريعة لا أكثر".

 ويقول زريق: "الحملة الإعلامية الضخمة التي قامت بها وسائل إعلام الحزب لتسويق الحدث تؤكد أن الأمر يتعدى ذلك بكثير، سيما أن أي وزير لبناني غير مخول دستوريا عقد اتفاقيات مع دول أخرى".

ويؤكد المحامي عمر خضر لـ"الاسقلال"، أن "الدستور اللبناني حصر عملية توقيع الاتفاقيات الخارجية، برئيس الجمهورية (الميشال عون)، وليس بالوزير المختص".

وقد خلف هذا الأمر الدستوري العديد من السجالات المحلية، ما دفع الوزير حسن إلى التأكيد  في حديث صحافي، على عدم توقيعه أية اتفاقية مع نظيره السوري"، مكتفيا بالقول إنه "اتفاق شفهي فقط".