الانتخابات الإسرائيلية.. دلالات النتائج والسيناريوهات المتوقعة

12

طباعة

مشاركة

المحتويات

تمهيد

- لماذا جرى التبكير بالانتخابات، وما العوامل المؤثرة فيها؟

الانتخابات الحالية وطريقة تشكيل الحكومة

العلاقة بين الاستطلاعات والنتائج

- السيناريوهات المحتملة

 – حكومة برئاسة نتنياهو

 – حكومة برئاسة لبيد

 – الذهاب لانتخابات خامسة

تأثير الانتخابات الإسرائيلية على المنطقة. 

هل النظام البرلماني نظام مناسب؟

- خاتمة


تمهيد

تعقد انتخابات الكنيست الإسرائيلي مرة كل 4 سنوات طبقا للقانون الإسرائيلي، بهدف أن تستمر الحكومة التي تفرزها الانتخابات لفترة تؤدي لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الدولة.

إلا أننا حين نقارن عدد الحكومات الإسرائيلية التي تشكلت منذ قيام إسرائيل وحتى يومنا هذا سوف نجد أن ذلك الهدف المنشود قلما تحقق، إذ تداول على السلطة منذ قيام الدولة 35 حكومة، بمعدل حكومة كل عامين تقريبا.

شهد العامان الأخيران جمودا سياسيا كبيرا ما أدى لعقد 3 انتخابات برلمانية لم تفلح في حلحلة الجمود، ما أدى لإجراء الانتخابات الرابعة في أقل من عامين، فهل تؤدي هذه الانتخابات إلى شيء جديد، أم تظل الأزمة تراوح مكانها؟.

هذه الورقة تحاول الإجابة عن هذا السؤال، كما تحاول أن تبحث في السيناريوهات المحتملة لتشكيل حكومة جديدة ومدى تأثير كل سيناريو على القوى السياسية من ناحية، وعلى المواطن والدولة من ناحية أخرى.

- لماذا جرى التبكير بالانتخابات، وما العوامل المؤثرة فيها

الانتخابات الإسرائيلية التي جرت 23 مارس/آذار 2021 هي الرابعة خلال عامين (الانتخابات السابقة كانت في 9 أبريل/نيسان 2019، 17 سبتمبر/أيلول 2019، 2 مارس/آذار 2020).

وقد فرضت الانتخابات نتيجة المأزق السياسي الذي ترك الدولة بدون ميزانية وطنية أثناء تفشي جائحة كورونا، وبعد سلسلة من الخلافات بين بنيامين نتنياهو وبيني غانتس زعيم كتلة أزرق أبيض وشريك نتنياهو في الحكومة ما أدى لفشلهما في الاتفاق على الميزانية وقضايا أخرى كثيرة.

كثير من السياسيين كانوا يتوقعون فشل هذا التحالف الذي تشكل في أعقاب الانتخابات الأخيرة (مارس/آذار 2020) بين الليكود وأزرق أبيض.

ما حدث أن التحالف لم يحل الأزمة، بل قام فقط بتأجيلها، حيث اتسم العمل بين الحزبين في المجلس الوزاري بالصراع، وانعدام الثقة بين شركاء الائتلاف.

وبالنسبة لتحالف أزرق أبيض فإن الحزب قد دخل الانتخابات السابقة تحت شعار إزاحة نتنياهو من السلطة، لكنه خالف ما انتخب على أساسه ودخل في ائتلاف مع الليكود ثم استمر في الائتلاف رغم كل الصعوبات، ما أدى إلى انهيار الحزب وإفلاسه السياسي، وتراجع نتائجه في هذه الانتخابات ليحصل على 8 مقاعد فقط، بدلا من 33 في الانتخابات الماضية.

اتفاق تقاسم السلطة بين نتنياهو وغانتس كان يقضي بأن يتولى الأول منصب رئيس الحكومة أولا، ثم يعقبه الثاني الذي كان يفترض أن يتولى رئاسة الحكومة في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، لكن الوضع المتأزم بين الاثنين أدى إلى الذهاب إلى انتخابات مبكرة مع بقاء حكومتهما كحكومة تصريف أعمال.

من الواضح أن نتنياهو كان يتصرف انطلاقا من مصلحته الشخصية، فقد كان يفترض طبقا لاتفاق تشكيل الحكومة أن تكون خطة الميزانية لعامين، إلا أن نتنياهو فضل لاحقا أن تكون عاما واحدا فقط، ما أدى لتقويض التخطيط الاقتصادي طويل الأمد، وتعطيل تطوير مشاريع البنية التحتية الكبرى. 

يضاف إلى ذلك أن حالة الجمود الناتجة عن هذه الخلافات أدت إلى تأخير تعيين كبار المسؤولين في الدولة، بما في ذلك المدعي العام، وكبار المسؤولين التنفيذيين في وزارتي العدل والمالية.

واقع الحال أن نتنياهو على أتم الاستعداد للدخول في انتخابات وراء أخرى ليظل في منصب رئاسة الوزراء لما يمنحه له ذلك المنصب من حصانة أمام الملاحقات القضائية بسبب قضايا الفساد المتهم بها. 

في هذا السياق يقول جايل تلشير "لا أعرف أي شخص جاد يقول إن إسرائيل ستخوض جولة جديدة من الانتخابات لأي سبب غير مصالح نتنياهو الشخصية".

نتيجة لما سبق أصبح الصراع الأكبر بين القوى السياسية في إسرائيل يتمحور حول سؤال رئيس هو من مع نتنياهو، ومن ضده؟ ثم يأتي بعد ذلك صراع الأيديولوجيات في مرتبة ثانية. ومما لا شك فيه حاليا أن ثمة رغبة كبيرة في التخلص من نتنياهو المستمر في منصبه منذ 2009 نتيجة لأسلوبه السياسي الاستقطابي، الذي عمق الانقسامات والصراعات الاجتماعية، إلى جانب الاتهامات الموجهة له بالفساد، واعتماده على القوى السياسية المتطرفة وخاصة الأحزاب الدينية واليمين الديني القومي.

هذا الأمر ظاهر تماما في كتابات كثير من الكتاب والسياسيين الإسرائيليين من كافة التيارات، حتى سطرت الكاتبة اليسارية نيفا لنير في جريدة هآرتس قبل الانتخابات بيومين مقالا بعنوان "فترة أخرى لنتنياهو؟ كارثة لإسرائيل".

وفي مقالتها تحض لنير الناخبين على عدم البقاء في المنازل يوم الانتخابات، والتصويت بكثافة للتخلص من نتنياهو، دون أن يكون هناك أي حديث عن أيديولوجيا اليسار في مقالتها. 

وهو نفس ما فعلته ليلك سيجان في مقالتها ظهيرة يوم الانتخابات (23 مارس/آذار 2021) بعنوان "يجب تجنب الأخطر، اذهب للتصويت أولا اليوم، ثم عد للنحيب غدا" لم تركز فيه سوى على ضرورة التخلص من نتنياهو دون التطرق لأي أفكار أيديولوجية. 

يلاحظ طوال الأشهر الأخيرة ومنذ الإعلان عن موعد الانتخابات المبكرة تراجع حديث الأيديولوجيا عند كثير من الكتاب والسياسيين من أجل هذا الهدف.

وبسبب أن القضايا الداخلية كانت صاحبة التأثير الأكبر في الانتخابات كما كان لجائحة كورونا تأثير كبير في تراجع شعبية نتنياهو رغم أن إسرائيل من أكثر دول العالم مسارعة في تطعيم مواطنيها، حيث تم تطعيم حوالي 50 بالمئة من السكان بجرعة واحدة على الأقل وهو ما لم يحدث في أي دولة من دول العالم.

كان نتنياهو يأمل في أن يؤدي ذلك إلى دعمه في الفوز بالانتخابات بنسبة مريحة، إلا أن ذلك لم يشفع له حيث رأى كثير من الناخبين أن نتنياهو قام بتسييس كثير من القرارات المرتبطة بالجائحة.

منها مثلا وضع حد أقصى لبعض الغرامات لمخالفة لوائح مكافحة الفيروس أقل بكثير مما أوصى به خبراء الصحة العامة.

ويعتقد المراقبون أن ذلك كان بمثابة رشوة انتخابية للمتدينين المتشددين (الحريديم) الذين خرقوا إجراءات الإغلاق التي كانت تهدف للحد من انتشار الفيروس، حيث كان نتنياهو يحتاج لدعم الأحزاب الدينية والحريدية ليبقى في منصبه رئيسا للوزراء.


الانتخابات الحالية وطريقة تشكيل الحكومة

يعتمد النظام الانتخابي في إسرائيل على التمثيل النسبي، حيث يتناسب عدد المقاعد الذي تحصل عليه كل قائمة بالكنيست مع عدد الناخبين الذين صوتوا لها شريطة أن يتخطى الحزب عتبة 3.25 بالمئة من عدد الأصوات على الأقل، ووفق هذا النظام يصوت الناخبون لقائمة الحزب وليس لشخص بذاته في القائمة. كانت نسبة الحسم أو العتبة سابقا 1 بالمئة فقط، ثم تغيرت في انتخابات 1992 إلى 1.5 بالمئة، ثم إلى 2 بالمئة عام 2006، ثم إلى وضعها الحالي 3.25 بالمئة في انتخابات 2015. 

هذا يعني أن أقل حزب يدخل الكنيست ينبغي أن يكون له 4 مقاعد على الأقل، وإلا فإن ما حصل عليه من أصوات الناخبين يضيع سدى.

وفي أعقاب الانتخابات يقوم رئيس الدولة (رأوفين ريفلين حاليا) باختيار أحد الأشخاص لتشكيل الحكومة، وقد جرت العادة أن يكون هذا الشخص رئيس الحزب الفائز بأكبر عدد من المقاعد (نتنياهو)، وإن كان من حق الرئيس أن يمنح هذا الحق لأحد رؤساء الأحزاب الآخرين (ربما يائير لبيد) إن كان في اعتقاده – أي الرئيس - أن فرصته أكبر في تشكيل الحكومة.

ويمنح الرئيس 4 أسابيع لمن يقع عليه الاختيار لإنجاز المهمة، تمدد لـ 4 أسابيع أخرى إن لم يتمكن من تشكيل الحكومة، فإن فشل للمرة الثانية يختار الرئيس شخصية أخرى للمهمة ويمنحه فترة بعد فترة كل منهما 4 أسابيع، فإن فشل ذلك أيضا يختار الكنيست شخصية ثالثة، فإن فشل ذلك أيضا يحل الكنيست نفسه ويتم الدعوة لانتخابات جديدة.

وقد تمتد هذه العملية لستة أشهر كاملة، تظل فيها الحكومة التي كانت موجودة قبل الانتخابات قائمة كحكومة تصريف أعمال.


العلاقة بين الاستطلاعات والنتائج

طوال الفترة الماضية كانت أكثر استطلاعات الرأي تضع الأحزاب تبعا لموقفها من استمرار نتنياهو أو رفضها له: وتشتمل الكتلة الموالية لنتنياهو على (حزب الليكود والأحزاب الدينية شاس، ويهدوت توراه، والصهيونية الدينية).

وكانت آخر الاستطلاعات تقدر المقاعد التي يمكن لهذه الكتلة أن تفوز بها بـ 49 مقعدا (طبقا لاستطلاع صحيفة معاريف بتاريخ 19 مارس/آذار 2021) بما يعادل 40.83 بالمئة من إجمالي مقاعد الكنيست، أو بـ 51 مقعدا (طبقا لاستطلاع القناة 12 الإخبارية بنفس التاريخ) بما يعادل 42.50 بالمئة.

أما الأحزاب المعارضة التي تجتمع حول إزاحة نتنياهو فتشتمل على أحزاب ("يوجد مستقبل" وهو حزب وسط ليبرالي بزعامة الإعلامي السابق يائير لبيد، و"أمل جديد" وهو حزب يميني بزعامة جدعون ساعر المنشق عن الليكود من عدة أشهر، و"القائمة المشتركة للأحزاب العربية"، و"حزب إسرائيل بيتنا" وهو حزب يميني قومي بزعامة أفيجدور ليبرمان، و"حزب العمل" وهو حزب يساري بزعامة ميراف ميخائيلي، و"حزب أزرق أبيض" وهو حزب وسط ليبرالي بزعامة بيني غانتس، و"حركة ميرتس" بزعامة نيتسان هوروفيتس وهي حركة يسارية). كانت التوقعات تشير إلى فوز هذه الكتلة متباينة الأيديولوجيات طبقا لاستطلاع معاريف بـ 57 مقعدا بما يعادل 47.50 بالمئة من إجمالي مقاعد الكنيست، أما استطلاع القناة 12 الإخبارية فتوقع فوزها ب 56 مقعدا بنسبة 46.67 بالمئة.

ويأتي حزب يمينا اليميني بزعامة نفتالي بينيت بعدد 10 مقاعد في استطلاع معاريف (8.33 بالمئة) وبـ9 مقاعد في استطلاع القناة 12 (7.5 بالمئة)، ثم أخيرا القائمة الموحدة العربية للتغيير الديمقراطي العربي "رع م" برئاسة منصور عباس الذي يشغل منصب نائب رئيس الحركة الإسلامية الشق الجنوبي في فلسطين الداخل منذ عام 2010 بعدد 4 مقاعد (3.33 بالمئة) في الاستطلاعين، والتي كانت قد انفصلت عن القائمة المشتركة للأحزاب العربية.

في الواقع كانت غالبية الاستطلاعات ترجح عدم قدرة أي من الأطراف على حسم الانتخابات بما يؤدي لتشكيل حكومة ائتلافية بأغلبية مستقرة تستمر لسنوات أربع، بل إن احتمالية إجراء انتخابات جديدة خلال هذه العام وربما بعد 6 أشهر تبدو هي الأكثر احتمالا. 

كان من المتوقع طبقا لاستطلاعات الرأي أن يتمكن 11 أو 12 حزبا من دخول الكنيست وتجاوز عتبة الـ3.25 بالمئة (في الكنيست السابق كان هناك 8 قوى فقط). 

كان حزب الليكود الحاكم يتصدر استطلاعات الرأي، بأقل من 30 مقعدا وإن ارتفع في آخر الاستطلاعات ليصل إلى 30 أو 32 مقعدا، (مقارنة ب 36 مقعدا في الانتخابات السابقة)، يأتي بعده حزب "يوجد مستقبل" بـ18 مقعدا، ثم حزب "أمل جديد" بـ13 مقعدا، ثم حزب "يمينا" بـ11 مقعدا، ثم "القائمة العربية المشتركة" بـ9 مقاعد، ثم "حركة شاس" الحريدية التي تمثل اليهود الشرقيين بـ8 مقاعد، ثم حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المدعوم من اليهود ذوي الأصل الروسي بـ7 مقاعد، ثم حزب "يهدوت توراه" الحريدي الذي يمثل الحريديم الغربيين بـ7 مقاعد، ثم حزب العمل بـ6 مقاعد، ثم حزب "الصهيونية الدينية" من أقصى اليمين بـ4 مقاعد، ثم حركة ميرتس اليسارية بـ4 مقاعد. أما حزب أزرق أبيض الموجود حاليا في الائتلاف الحاكم والذي كان قد حل ثانيا في الانتخابات السابقة فإنه يتأرجح حول عتبة دخول الكنيست أم لا.

كانت هذه التوقعات المحتملة فإذا قارناها بالنتائج شبه النهائية يتبين التالي:

1 – استطلاعات الرأي وإن أصابت في بعض التوقعات فإنها أخطأت كذلك في عدد من النقاط، فقد أصابت تقريبا في توقع عدد الأحزاب التي تتمكن من تجاوز عتبة دخول الكنيست، إذ تمكن 13 حزبا من دخول الكنيست متجاوزا التوقعات بقليل، وصح توقعها بالنسبة لحزب الليكود (30 مقعدا)، كما أن استطلاع القناة 12 الإخبارية أصاب في توقع عدد مقاعد الكتلة المعارضة لنتنياهو.

وأخطأت الاستطلاعات في توقع تفاصيل مقاعد الأحزاب بشكل دقيق، إذ توقعت فوز أزرق أبيض بـ4 أو 5 مقاعد، أو ربما عدم قدرته على تجاوز نسبة الحسم، بينما في الحقيقة حصل الحزب على 8 مقاعد، كما أعطت الاستطلاعات للأحزاب الدينية الثلاثة (شاس، يهدوت هتوراه، الصهيونية الدينية) 19 مقعدا، بينما في الواقع فازت الأحزاب الثلاثة ب 22 مقعدا وهذا رفع نسبة الكتلة المؤيدة لنتنياهو إلى 52 مقعدا بدلا من 49 حسب استطلاعات الرأي. 

مثل هذه الأخطاء وغيرها تشير إلى احتمالية تحول الهدف من عملية استطلاع الرأي نفسها، ليصبح هدفها التأثير على الرأي العام وتوجيهه، وليس رصد الواقع كما هو. 

2 – النتيجة الحالية وإن جاءت أفضل مما كان يتوقعه نتنياهو، حيث ارتفعت مقاعد كتلة الليكود ومعه الأحزاب الدينية إلى 52 مقعدا، إلا أنها وضعته في مأزق، فعدد مقاعد كتلته إضافة لمقاعد حزب "يمينا" 59 مقعدا فحسب، وهذا العدد لا يكفي لتمرير الحكومة في الكنيست، إذ يحتاج نتنياهو لـ61 مقعدا من أجل ذلك.

4 – تعكس النتيجة الحالية هيمنة شبه تامة لقوى اليمين في إسرائيل، إذ تمكنت قوى اليمين مجتمعة من الفوز بـ 72 مقعدا ما يصل إلى 60 بالمئة من مقاعد الكنيست، وهو ما يؤشر على اتجاه عام في إسرائيل نحو اليمين وهو مستمر منذ عقود، ويزداد رسوخا بمرور الوقت، لكن رغم هذه الهيمنة فإن وجود بعض قوى اليمين في معسكر (لا لنتنياهو) مثل "أمل جديد" بقيادة ساعر، و"إسرائيل بيتنا" بقيادة ليبرمان لن يجعل من إمكانية تشكيل اليمين لحكومة إسرائيلية أمرا سهل المنال.

3 - وفقا للنتائج فإن ما حصل عليه عرب 48 من مقاعد (10 مقاعد للقائمتين العربيتين) يعد خسارة كبيرة مقارنة بما حصلوا عليه في الانتخابات السابقة حينما كانوا جميعا ضمن قائمة عربية موحدة (15 مقعدا)، فبينما يمثل العرب نسبة 20 بالمئة من إجمالي السكان فإنهم لم يحصلوا في هذه الانتخابات إلا على 8.3 بالمئة فقط من عدد المقاعد، وفسر ذلك على أنه نتيجة إحجام الناخبين العرب عن التصويت بسبب حالة التفكك التي أصابت القائمة العربية المشتركة، وهو ما عبرت عنه عايدة توما سليمان النائبة العربية عن القائمة المشتركة في مقابلة لها مع قناة كان الإخبارية الإسرائيلية.

كما ألقى أعضاء القائمة المشتركة باللائمة على القائمة العربية الموحدة، حيث عزت هبة يزبك (القائمة المشتركة) سبب انخفاض التمثيل العربي في الكنيست هذه المرة إلى انشقاق منصور عباس عن القائمة المشتركة وخوضه الانتخابات بقائمة منفصلة.

ورغم ذلك فإنه من المتوقع أن تكون القائمة العربية الموحدة (رع م) بمقاعدها الأربعة التي حازتها رقما مهما للغاية في اللعبة السياسية في إسرائيل هذه المرة.

4 – يلاحظ كذلك أن زيادة عدد الأحزاب التي تمكنت من دخول الكنيست جاء على حساب الأحزاب الكبرى، فقويت الأحزاب الصغيرة، مقابل ضعف في القمة، وهو ما قد يؤثر على إستراتيجية نتنياهو ولبيد في تشكيل الحكومة.

وقد ذهب محررو الشؤون السياسية في القناة 12 الإخبارية إلى أن اختيار أنصار نتنياهو ومعارضيه التخلي عن إستراتيجية التنافس وجها لوجه بين الكبار التي عادة ما كانت تزيد من قوة الأحزاب الكبيرة على حساب الأحزاب الصغيرة، وتبنيهم إستراتيجية دعم الأحزاب الصغيرة من أجل الحفاظ على الكتلة، أدى إلى إضعاف جميع الأحزاب الكبيرة معا (نتنياهو ولبيد وغانتس)، كما أنه أعطى الفرصة لحزبي اليسار العمل وميرتس الصغيرين حاليا لمضاعفة مكاسبهما بفوزهما معا بـ13 مقعدا، مقابل 7 مقاعد فقط لأحزاب اليسار الثلاثة (العمل، جسر، وميرتس) في الانتخابات السابقة.

و"غيشر (جسر)" هو حزب أسسته أورلي ليفي أبكسيس (ابنة القيادي السابق في حزب الليكود دافيد ليفي) التي انشقت عن حزب "إسرائيل بيتنا" عام 2016، بسبب عدم إدراج المواضيع الاجتماعية والاقتصادية في المطالب الرئيسة لحزبها في إطار المفاوضات بين "إسرائيل بيتنا" و"الليكود".

خاض الحزب للمرة الأولى انتخابات نيسان 2019، ولم ينجح بتخطي نسبة الحسم، واتفق مع "حزب العمل" بزعامة عمير بيرتس، لخوض انتخابات الكنيست في أيلول 2019 تحت كتلة "العمل – غيشر" برئاسة عمير بيرتس وأورلي ليفي أباكسيس".


السيناريوهات المحتملة

لم يقل المشهد في إسرائيل في ظل هذه النتائج شبه النهائية تعقيدا عن الانتخابات السابقة، بل ربما كان أكثر تعقيدا، فزيادة عدد الأحزاب والقوائم التي تمكنت من تجاوز عتبة دخول البرلمان (13 حزبا) يزيد المشهد غموضا، وتضعنا النتائج المعلنة أمام عدد من السيناريوهات المحتملة:

1 – حكومة برئاسة نتنياهو:

في الأيام التي سبقت الانتخابات كانت استطلاعات الرأي ترجح فوز حزب "يمينا" بزعامة بينيت بـ10 مقاعد، ولذلك وجدنا من الخبراء من يرشح بينيت ليكون مفتاحا للحل بالنسبة لنتنياهو إذا قرر الانضمام إلى حكومة برئاسة زعيم الليكود، فبينيت الذي كان يرغب في خلافة نتنياهو على منصب رئاسة الوزراء، لم يسبق أن أعلن معارضته للدخول في حكومة برئاسة نتنياهو، كما أنه من الناحية النظرية يصعب أن يختار بينيت الانضمام إلى حكومة ائتلافية بقيادة لبيد (زعيم حزب يوجد مستقبل) تضم هذا الطيف الواسع من الأحزاب متعددة الأيديولوجيات التي تتراوح من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.

يشار كذلك إلى أن بينيت لم يرتكب نفس الخطأ الذي ارتكبه غانتس بإعلانه قبل الانتخابات السابقة أنه لن يضع يده في يد نتنياهو ما جعله يحتل المركز الثاني في الانتخابات لكنه خالف وعده وشارك في حكومة نتنياهو، ما كان سببا في الفشل الكبير الذي مني به حزبه أزرق أبيض في الانتخابات الأخيرة بحصوله على 8 مقاعد فقط مقابل 33 في الانتخابات السابقة، وإن عد ذلك إنجازا لغانتس مقارنة بما توقعه البعض لحزبه من عدم تجاوز عتبة دخول الكنيست.

وإذا نظرنا لمجموع المقاعد التي حصلت عليها كتلة نتنياهو إضافة للمقاعد التي حصل عليها بينيت (59 مقعدا) فإن بينيت وحده في هذه الحالة لن يتمكن من حل مشكلة نتنياهو الذي يحتاج 61 مقعدا لكي يوافق الكنيست على حكومته.

وخلال الساعات الماضية وبعد أن ظهر حصول القائمة العربية الموحدة على 4 مقاعد تناول الإعلام الإسرائيلي إمكانية دخولها ضمن الائتلاف الذي يقوده نتنياهو، في ظل تصريح منصور عباس رئيس القائمة ذات المرجعية الإسلامية الذي قال "نحن مستعدون للتباحث مع الطرفين، ولسنا في جيب أحد، فمن يستطيع تشكيل الحكومة ويرى أنه سيكون رئيس الوزراء القادم، فإن كان لديه اقتراح نجلس ونتحدث ونسمع". 

هذا الأمر - إن حدث – سيكون المرة الأولى طوال تاريخ الانتخابات الإسرائيلية التي يكون فيها لحزب عربي ذي خلفية إسلامية إمكانية التأثير على السياسة الإسرائيلية.

إلا أن فكرة انضمام عباس لائتلاف حاكم برئاسة نتنياهو تقابلها صعوبات كثيرة ما يجعلها أمرا مستبعدا وإن لم يكن مستحيلا. وأثارت فكرة انضمام عباس لائتلاف يقوده نتنياهو ردود فعل واسعة داخل معسكر نتنياهو، إذ غرد ميكي زوهر عضو الليكود ورئيس الائتلاف في الكنيست على صفحته بتويتر قائلا: "علينا أن نفعل أي شيء، أي شيء، لتجنب الذهاب لانتخابات خامسة، ويجب أن نستنفد كل الإمكانيات السياسية الممكنة من أجل تشكيل حكومة تعمل لمصلحة كل مواطني إسرائيل، لأن هذا هو المهم الآن لدولتنا".

في نفس السياق، صرح تساحي هنجبي الوزير في حكومة الليكود بإمكانية أن تكون القائمة العربية جزءا من الائتلاف الجديد، وفي مقابلة معه قال بوضوح "نحن في الليكود مستعدون للدخول في مباحثات مع عباس، حتى وإن كان في المعارضة، فما المانع أن يصوت لصالح الحكومة دون أن يكون جزءا منها أو من الائتلاف، فهذا على الأقل أفضل من الذهاب لانتخابات خامسة".

لكن مثل هذه الدعوات تمثل خطرا على الليكود منفردا وعلى الائتلاف ككتلة يمينية متماسكة، يدل على ذلك ردود الفعل الغاضبة ردا على تصريحات زوهر وهنجبي من داخل حزب الليكود.

فقد هاجم شلومو قرعي عضو الكنيست عن الليكود الوزير هنجبي بقوله "يأتي ليلقي كل مبادئ الليكود جانبا، أيريد أن يقيم حكومة من خلال داعمي الإرهاب، ما الذي سيحدث عندما تلقى علينا الصواريخ، هل سنضطر حينها لأخذ موافقة منصور عباس لتنفيذ عملية ضد غزة، هذا رجل لا مكان له أبدا في حكومة يمينية، يا للخزي".

يشار هنا إلى أن نتنياهو تحدث قبل الانتخابات بأسبوع عن أنه لن يحتاج للقائمة العربية، وأنه لن يعتمد على من يريد إسقاطه، وأن القائمة العربية لن تكون الصوت رقم 61 لتمرير حكومته.

ورغم ما أعلنه منصور عباس، وتصريحات بعض أعضاء الليكود بإمكانية التباحث بين الطرفين لتمرير حكومة برئاسة نتنياهو، إلا أن ذلك تقابله مخاطر تهدد تماسك الائتلاف الذي يقوده نتنياهو، وقد عبر بتسلئيل سموطريتس رئيس الصهيونية الدينية (فائز ب 6 مقاعد) على صفحته بفيسبوك عن رفضه المطلق لقيام حكومة تحظى بتأييد منصور عباس بقوله "داعمو الإرهاب الذين يرفضون قيام وجود دولة إسرائيل كدولة يهودية ليسوا شريكا شرعيا لأي حكومة إسرائيلية"، ودعا سموطريتس كلا من جدعون ساعر، ونفتالي بينيت إلى تنسيق المواقف مع قوى اليمين والانضمام لحكومة برئاسة نتنياهو.

2 – حكومة برئاسة لبيد

تعد مشكلة التجانس هي المشكلة الأهم لمعسكر "لا لنتياهو" الذي يتقدمه حزب "يوجد مستقبل" برئاسة يائير لبيد، فإذا قارنا هذا المعسكر بالكتلة المحيطة بنتنياهو من حيث التجانس، نجد أن كتلة نتنياهو أكثر تجانسا من الناحية السياسية، حيث جربت التعامل فيما بينها من قبل، فضلا عن أنها كلها باستثناء "أزرق أبيض" تنتمي لليمين.

ورغم أن معسكر "لا لنتنياهو" لديه عدد مقاعد أكبر (57 مقعدا)، إلا أنه يواجه صعوبات كثيرة أيضا، أولها كما أشرنا الاختلاف الأيديولوجي الكبير، فنحن نتحدث عن تحالف يجب أن يتكون من 5-6 مجموعات على الأقل، جميعها بأيديولوجيات مختلفة تماما (من اليمين المتطرف إلى اليسار الليبرالي)، ويجب أن يلبي تشكيلها طموحات 3 قادة على الأقل يريد كل منهم أن يصبح رئيسا للحكومة (لبيد، ساعر، بينيت)، مما يجعل هذا السيناريو مستبعدا.

لكنه إن حدث فسوف يكون بمثابة اختراق في السياسة الإسرائيلية: وسيعني نهاية عهد نتنياهو (ربما للأبد بسبب مشاكله القانونية وقضايا الفساد)، وسيفتح الطريق أمام سياسة مختلفة إلى حد كبير.

أما الصعوبة الأخرى فتتعلق بعدد المقاعد التي يملكها معسكر "لا لنتياهو"، إذ يبقى لبيد في حاجة لخمسة مقاعد أخرى وهنا عليه أن يقنع أحد الحزبين الواقفين على الحياد من هذه الثنائية، إما حزب "يمينا" بقيادة بينيت، أو "القائمة العربية" برئاسة منصور عباس، ويبدو الأخير أقل صعوبة مع احتمالية أكبر للانضمام لمثل هذا الائتلاف في ظل تصريحاته بأنه على استعداد للتواصل مع كل الأطراف، وفي ظل ما أعلنه مراسل صحيفة هآرتس حاييم ليفنسون على حسابه بتويتر من وجود لقاء رباعي بين بينيت وساعر وليبرمان ولبيد، وقيام لبيد بالاتصال بعباس تبدو الجهود حثيثة لتحقيق هذا السيناريو رغم صعوبته.

3 – الذهاب لانتخابات خامسة

ورغم أن تصريحات كافة القوى السياسية دون استثناء تتفق على ضرورة تجنب الذهاب لانتخابات خامسة، إلا أنه لا يمكن استبعاد هذا السيناريو أيضا، إذ إن تجنب مثل هذا الخيار مرهون بمدى المرونة التي يمكن أن تبديها هذه الأحزاب، ومقدار التنازلات من أجل الوصول لحكومة تحقق الاستقرار السياسي، وتتخلص من حالة الجمود، وتوفر على المواطن مشقة الذهاب لانتخابات جديدة، وتوفر على الدولة في الوقت نفسه التكلفة المالية الكبيرة المستمرة بلا طائل.

والحقيقة أن الأصعب ليس تشكيل الحكومة، بل استمرارها، فنظريا تبدو فرصة نتنياهو في تشكيل الحكومة صعبة للغاية، إلا لو انفصل بعض الأعضاء المنتخبين عن حزب "أمل جديد" المنشق أصلا عن الليكود وعادوا للانضمام لحزب الليكود. 

وكما أن احتمالية نجاح لبيد في تشكيل حكومة – في حال تكليفه – تبدو ممكنة نظريا، إلا أن استمرارها لفترة طويلة يبدو أمرا مستحيلا، ويحتاج إلى معجزة.

ولذلك فإن الأغلب أن تذهب إسرائيل إلى انتخابات خامسة بالفعل إما نتيجة الفشل في تشكيل حكومة من الأساس وهذا قد يكون بعد 9 شهور تقريبا، يظل نتنياهو خلالها رئيسا لحكومة تصريف أعمال، وتجري الدعوة لانتخابات خامسة في غضون 6 أشهر.

أما إن تشكلت حكومة فإن موعد الانتخابات المبكرة سيبقى مرهونا بمدى قدرة أعضائها على تأجيل خلافاتهم. ويرجح ذلك أنه قلما تمكنت حكومة إسرائيلية منذ قيام إسرائيل حتى يومنا الحالي من إكمال دورتها كاملة.


تأثير الانتخابات الإسرائيلية على المنطقة

كان ملاحظا في هذه الانتخابات أن السياسة الخارجية لم تكن ذات أهمية كبيرة في الحملات الانتخابية، حيث التركيز بالأساس على قضايا داخلية (كأزمة كورونا، والصحة، وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية، ومدى قدرة الحكومة على التعامل مع الوضع الطارئ)، فالرأي العام حول أداء رئيس الوزراء غامض، إذ تأثر مؤيدوه بتذبذب أدائه وتسييس إدارته للأزمة. 

ورغم النجاح الذي حققه نتنياهو في عملية التطعيم حيث حصل حوالي 50 بالمئة من السكان على جرعة واحدة على الأقل من التطعيم، إلا أن ذلك لم يشفع له عند الناخب الإسرائيلي.

كذلك فإنه رغم نجاح نتنياهو الكبير في سياسته الخارجية في ملف التطبيع، وفتح آفاق خارجية جديدة مع العالم العربي تخدم إسرائيل على المستوى السياسي والاقتصادي إلا أن ذلك أيضا لم يدفع الناخب الإسرائيلي لإعطاء نتنياهو أغلبية مريحة تساعده في بقائه رئيسا للوزراء لفترة جديدة.

ومن الواضح أن من أسباب تراجع حزب الليكود هو الضغوط التي نتجت عن الجائحة، فتراجع حزبه من 36 مقعدا في آخر كنيست ليفوز هذه المرة ب (30 مقعدا فقط) وإن احتفظ بالمركز الأول في الانتخابات.

يبدو أن الانتخابات في إسرائيل وللمرة الرابعة لن تحل أزماتها السياسية، وربما لن تحلحل الجمود السياسي، وتبقى كل الخيارات المتاحة بعد النتائج المعلنة خيارات سيئة، ولعل أفضل ما يعبر عن حالة اليأس السياسي موقف الكاتبة الإسرائيلية ساراي مكوفر بليكوف التي رأت أن الناس في أي بلد آخر غير إسرائيل عادة ما يستيقظون في اليوم التالي للانتخابات على صباح مليء بالأمل، وتوقع شيء جديد، لكن في إسرائيل وبعد الانتخابات الرابعة في عامين تبدو كل الخيارات قاتمة. 

فإسرائيل أمام خيارين فإما يتمكن نتنياهو ومعه الحريديم والصهيونية الدينية الأشد تطرفا من تشكيل الحكومة دون أن يكون لديهم شيء غير وعودهم السابقة التي دمرت الاقتصاد، أو نكون أمام الخيار الآخر برؤوسه الثلاثة التي لكل منها تصوره وأيديولوجياته الخاصة، رأس يمينية ومؤيدة للدين يقودها جدعون ساعر (أمل جديد)، ونفتالي بينيت (يمينا)، ورأس للوسط الليبرالي العلماني يقودها يائير لبيد (يوجد مستقبل)، ورأس لليسار لحزبي العمل وميرتس.. إن مثل هذه الحكومة لن تتمكن من العمل معا، وسوف يمزق بعضها بعضا.

أما إذا انتقلنا للسياسة الخارجية فإن التغيير المحتمل الوحيد في حال نجح معسكر "لا لنتنياهو" هو عودة شكلية للمفاوضات مع السلطة الفلسطينية، دون أن ينجز الفلسطينيون شيئا من وراء المفاوضات، إذ إن ذلك مرهون بقدرة الفلسطينيين على انتزاع مكاسب سياسية، لن توفرها لهم حالة الضعف العربي الراهنة.


هل النظام البرلماني نظام مناسب؟

ثمة مشكلة كبيرة تعيشها القيادة السياسية الإسرائيلية الحالية سواء في الائتلاف الحاكم، أو في أحزاب المعارضة، فأحزاب المعارضة مجتمعة ترى فقط أن مشكلة إسرائيل تكمن في شخص نتنياهو، وأن التخلص منه سوف يعالج الأزمات القائمة.

وحقيقة الأمر أن ثمة أزمة كبيرة في إسرائيل مستمرة منذ نشأة الدولة، فقلما تمكنت حكومة إسرائيلية من إكمال مدتها القانونية (4 سنوات). وبسبب طبيعة النظام الانتخابي في إسرائيل، فإنه لم يحدث في إسرائيل منذ تأسيسها – بل يكاد يكون من المستحيل – حصول حزب واحد منفردا على النسبة المطلوبة (50% +1، 61 مقعدا) لتشكيل الحكومة بمفرده. وجدير بالذكر أن 6 برلمانات فقط من أصل 23 منذ عام 1948 تمكنت من استكمال مدتها القانونية (4 سنوات).

ونتيجة لهذا الوضع فإنه في كثير من الأحيان تتمكن الأحزاب الصغيرة من فرض كلمتها أو تحقيق مكاسب كبيرة لكي تقبل بالدخول في ائتلاف حكومي مثلما تفعل الأحزاب الدينية عادة. وعادة ما يؤدي هذا الأمر لحالة من الجمود السياسي وتعطيل اتخاذ قرارات مهمة تتعلق بإدارة الدولة، مثلما هو الحال في بقاء إسرائيل بدون ميزانية خلال الحكومة الائتلافية الحالية بين نتنياهو وغانتس، أو خلو بعض مناصب إدارة الدولة نتيجة اختلاف شريكي الائتلاف.

ولطالما حاول بعض السياسيين وبعض القوى السياسية طرح إمكانية تغيير هذا النظام بسبب مثل هذه المشكلات المتكررة دائما، ومن أجل وجود استقرار سياسي.

وكان الصحفي الإسرائيلي أيال ليفي قد عرض للأزمات التي مرت بها إسرائيل نتيجة تبنيها هذا النظام الانتخابي، كما عرض للآراء المقترحة لتغيير هذا النظام، إما بالاقتراع المباشر لمنصب رئيس الوزراء كما كان متبعا في تسعينيات القرن الماضي (في انتخابات 1996، 1999، ثم تم إلغاؤه في مارس/آذار 2001، ليعود بعدها مرة أخرى العمل وفق نظام القوائم المعمول به حاليا)، مع إدخال تعديلات عليه تعطي لرئيس الوزراء المنتخب إمكانية تشكيل حكومة وإن لم يفز حزبه بالمركز الأول، وفي حال لم يحظ بموافقة الكنيست على تشكيلته الحكومية، يقوم بتشكيل حكومة كفاءات تستمر عامين فقط. 

والبعض اقترح أن يكون سحب الثقة منه بأغلبية كبيرة من الكنيست تصل إلى 70 أو 73 عضوا حسب الآراء المتباينة، وذلك حتى لا تضطر البلاد لدخول هذا العدد من الانتخابات في أقل من عامين كما يحدث حاليا. 

ثمة مقترح آخر بأن تتحول البلاد إلى النظام الرئاسي، وسبق أن قدم مشروع قانون إلى الكنيست عام 2006 أثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان، يناقش قضية الفصل بين السلطات والتحول إلى النظام الرئاسي.


خاتمة

المشاكل السياسية في إسرائيل لن تنتهي، وهي مستمرة في ظل نظامها السياسي الحالي، وهو نظام يرهق الدولة سياسيا وقانونيا واجتماعيا، ويضعفها دون أدنى شك، إلا أن الحريات المصاحبة له تظل رغم ذلك الضامن للدولة كي تظل قائمة وسط بيئة عربية أضعف لا يسمح لها أن تمارس حقها في التناقل السلمي للسلطة.