متحدث الجنائية الدولية لـ"الاستقلال": يمكن ملاحقة السيسي والأسد بشرط

12

طباعة

مشاركة

في 4 مارس/آذار 2021، أعلنت المحكمة الجنائية الدولية، فتح تحقيق في جرائم حرب بالأراضي الفلسطينية المحتلة، حسب ما أعلنت المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا في بيان رسمي.

بيان المحكمة الدولية أوضح أن التحقيق سيغطي الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة، التي ارتكبت منذ 13 يونيو/ حزيران 2014 في حرب غزة.

وفي 2018، قدمت فلسطين طلب إحالة إلى "الجنائية الدولية" لملف جرائم إسرائيلية تضمن 3 قضايا وهي: الاستيطان، والأسرى، والعدوان على غزة بما فيه انتهاكات "مسيرة العودة وكسر الحصار" الحدودية.

"الاستقلال" التقت المتحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية الدكتور فادي العبد الله للتعرف على حيثيات قرار المحكمة وتداعياته والعراقيل التي قد تعوق عملها على أرض الواقع خاصة في ظل رفض تل أبيب للقرار.

العبد الله تحدث أيضا عن اعتزام المحكمة فتح تحقيق حول جرائم أميركية ضد المدنيين في أفغانستان، لافتا إلى أن مصر وسوريا واليمن دول غير منضمة للمحكمة الجنائية وبالتالي لا يمكن التحقيق في أي جرائم ترتكب على أراضي تلك الدول إلا بقرار من مجلس الأمن، كما تناول الحوار قضايا أخرى.

المحكمة والفلسطينيين

  • كيف ترى تصريحات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، التي يهاجم فيها المحكمة ويتهمها بالانحياز لصالح الفلسطينيين في أعقاب إعلان المدعية العامة للمحكمة استعدادها فتح تحقيق بشأن ارتكاب جرائم حرب من قبل اسرائيل؟

المحكمة الجنائية الدولية، كما هو معروف مؤسسة قضائية، وبهذه الصفة فهي لا تعلق على التصريحات السياسية، وإنما تقوم بعملها بشكل مهني وقانوني.

  • وما موقف المحكمة في العموم ضد هذا النوع من السلوك من قبل بعض القادة المعترضين على قرارتها مثل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي لم يتوقف عند الهجوم على الجنائية الدولية، بل فرض عقوبات على المدعي العام للمحكمة "فاتو بنسودا"؟

الولايات المتحدة الأميركية أصلا لم تنضم لنظام روما منذ البداية، لكنها في مراحل من عمل المحكمة ساعدت في تسليم بعض المتهمين، كما صوتت لصالح فتح تحقيق في ليبيا ضد جرائم السيد "سيف الإسلام القذافي" والسيد "محمود الورفلي" بينما امتنعت عن التصويت في دارفور.

بل إن إدارة ترمب وقعت عقوبات على المدعي العام للمحكمة السيدة "فاتو بن سودا" بعد أن أعلنت عن استعداد المحكمة لفتح تحقيق في جرائم حرب ضد المدنيين في أفغانستان.

كما أن موقف المحكمة رافض لفرض هذه العقوبات وتدعو إدارة الرئيس جو بايدن لرفعها، وهناك دول كثيرة تطالب برفع هذه العقوبات والمحكمة تشكر لهم موقفهم الداعم للمحكمة.

  • بالنسبة للوضع في فلسطين.. ما موقف المحكمة من اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في عدوان 2014 وما قبلها؟ وما إمكانية ملاحقة زعماء إسرائيل في المحافل الدولية؟

فلسطين انضمت لنظام روما في 2015 ومن ثم تقدمت فلسطين بطلب للتحقيق في عدد من الوقائع التي حدثت ضد المدنيين الفلسطينيين من قبل إسرائيل.. فقررت المدعية العامة أن تفتح تحقيقا أوليا، وأن تسأل القضاة عن الإطار الجغرافي الذي تمارس المحكمة الولاية القضائية عليها في فلسطين.. وبالتالي القضاة بتوا في طلب المدعية العامة بأنه بالاستناد إلى قرارات الأمم المتحدة فإن فلسطين كعضو مراقب بالأمم المتحدة أصبحت منضمة للمحكمة الجنائية، وبأن جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967 بما فيها القدس الشرقية تخضع لولاية المحكمة الجنائية.

  • فلسطين انضمت إلى نظام روما منذ 2015.. هل يسهل ذلك محاكمة رموز الحكومات الإسرائيلية التي ارتكبت انتهاكات ضدهم في 2008 وما بعدها؟ أي بأثر رجعي ولا تسقط الجرائم بالتقادم حال ثبت ارتكابها؟

المدعية العامة أعلنت أن هناك "أساسا معقولا" للاعتقاد بأن جرائم ارتكبت من جانب أفراد من قوات الدفاع والسلطات الإسرائيلية خلال حرب غزة عام 2014، وقررت فتح تحقيق في شأن الجرائم التي وقعت على الأراضي الفلسطينية ضد المدنيين أو من قبل مواطنين فلسطينيين.

  • هل للمحكمة ولاية على الشخصيات التي تتمتع بحصانات كرؤساء دول أو حكومات أو وزراء في حالة وقوعهم تحت ولاية المحكمة؟ 

وفقا لنظام روما وللقانون الدولي فإنه لا حصانة لأحد أمام المحكمة الجنائية الدولية متى توافرت شروط اختصاصها، يكون هناك أوامر بالقبض على الشخصيات التي يتم إدانتها حتى لو تعلق الأمر برؤساء دول، فليس هناك حصانات في مسألة الجرائم المرتكبة.

جرائم السيسي

  • هناك تقارير دولية أقرتها لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة أدانت وقائع القتل خارج إطار القانون بالتصفية الميدانية والإخفاء القسري من قبل نظام الجنرال عبد الفتاح السيسي في مصر.. كما ارتكب جرائم الإبادة والتهجير لأهالي سيناء وهدم قرى بأكملها منذ 2013 .. هل يمكن أن تكون مادة صالحة لمقاضاة السيسي ورجاله أمام المحكمة الجنائية؟

دول مثل الصين ومصر وسوريا واليمن والعراق لم تنضم إلى نظام روما الأساسي، ولم تقدم أي من حكوماتها إعلانا بقبول اختصاص المحكمة، ولم يصدر مجلس الأمن قرارا بشأنها لإحالة أي جرائم قد يدعى بارتكابها فيها أمام المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي فإن المحكمة لا تملك اختصاصا قضائيا للتحقيق في شأن أي جرائم يزعم ارتكابها على أراضي هذه الدول من قبل مواطنيها.

  • لكن تقدم محامو حزب "الحرية والعدالة" المصريين بمذكرة لرفع دعوى أمام الجنائية الدولية ضد نظام السيسي على ما ارتكبه بحق المدنيين في فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة بالقوة المفرطة، وإقرار حكومته بقتل نحو 900 مواطن في يوم واحد بشهادات وفاة رسمية مسجلة بوزارة الصحة، إلا أن المحكمة رفضت طلبهم.. لماذا؟

المحكمة لا يمكن أن تنظر في الجرائم، إلا إذا كانت هناك صلاحية مسبقة وولاية قضائية لها أو من خلال إحالة مجلس الأمن الجرائم إلى المحكمة.. وأيضا النظر في الادعاء يجب أن يكون موجه من حكومة الدولة المعنية وهو ما لم يحدث في الحالة المصرية لذلك لم تنظر المحكمة في طلبهم، لأن أية ادعاءات بوقوع جرائم تصل إلى المحكمة ينبغي لنا أن نبحث أولا هل للمحكمة اختصاص بالنظر فيها من عدمه.. ففي الحالة المصرية يصعب البدء لعدم وجود ولاية قضائية للمحكمة ولا يمكن إطلاق أي تكييف قانوني من قبل المحكمة على ما حدث في مصر.

تهجير السوريين

  • كيف يمكن ملاحقة رأس النظام السوري على ما ارتكبه من جرائم تمثلت في قتل نحو مليون مواطن، وتهجير أكثر من 12 مليونا آخرين، وتدمير البنية التحتية في عموم البلاد.. فلماذا لم يمثل أمام المحكمة حتى الآن؟

عندما يكون هناك ادعاءات بوقوع جرائم خطيرة فمقاربة المحكمة تبنى على أساس قانونها المنبثق من نظام روما الأساسي وفي حالات سوريا واليمن ومصر فهي دول غير منضمة، والمحكمة لا تمتلك اختصاصا في هذه الحالة والاستثناء الوحيد أن يكون هناك طلب بفتح تحقيق فيما حدث من مجلس الأمن كما حصل في ليبيا والسودان.

  • تقدم محام فرنسي في مارس 2017 برفع دعوى أمام الجنائية ضد النظام السوري نيابة عن مهجرين سوريين بالأردن، وقام بتقديم مذكرة تربط بين ما تعرض له السوريين وأقلية الروهنغيا في ميانمار.. فما مصير تلك الدعوى؟

في موضوع الروهنغيا في بورما نجد أن جرم التهجير وقع على أرض دولة منضمة للمحكمة وهي بنغلاديش، ولذلك قبلت بالدعوى المدعية العامة، ووافق قضاة المحكمة لوجود ولاية قضائية لها، والشروط متوافرة في قضية بورما.. وهو ما لم يتوفر في سوريا أو اليمن ومصر. 

كما أن هناك بحث لحالة ما إذا كان هناك جرم من عدمه بالنسبة للقضية المرفوعة من المهجرين السوريين في الأردن لأن الأخيرة موقعة على نظام روما ومازالت المحكمة تبحث في ذلك.

ليبيا واليمن

  • ما موقف المحكمة من ممارسات الضابط "محمود الورفلي" في ليبيا ضد المدنيين والموثقة بالصوت والصورة، ومن قبله جرائم "سيف نجل القذافي"؟

بداية أعربت المدعية العامة للمحكمة عن أسفها لحقيقة أن الأفراد الذين صدرت بحقهم أوامر بالقبض مثل السيد "سيف القذافي" والسيد "محمود الورفلي" لا يزالون مطلقي السراح، ولا يزال هذا يمثل عقبة رئيسة تمنع المحكمة من السعي لتحقيق العدالة الفعالة لضحايا الجرائم الفظيعة التي ارتكبت في ليبيا على مدار سنوات.

كما أن قرارات الجنائية الدولية سارية المفعول ولا تسقط بالتقادم، وتؤكد الاشتباه بحق "الورفلي" الذي يزعم أنه أعدم 43 مدنيا بصفته قائد لواء الصاعقة في 21 سبتمبر/أيلول 2020، وأن الاتحاد الأوروبي فرض بحقه عقوبات اقتصادية. 

وتظل المحكمة عند قرارها بضرورة تسليمهما، وذلك بموجب قرارات مجلس الأمن التي فرضت على السلطات في ليبيا ضرورة التعاون مع الجنائية الدولية، وطالبت السيد عقيلة صالح على وجه الخصوص في الشرق الليبي إلى اتخاذ جميع الخطوات اللازمة وتكثيف الجهود لاعتقال وتسليم السيد الورفلي.

وبالمثل، لم تنفذ مذكرات توقيف بحق السيد "سيف الإسلام القذافي" والسيد "التهامي محمد خالد" الذي لا يزال في مصر، وحثت بن سودا جميع الدول ذات الصلة، بما في ذلك مصر على ضمان تسليم الهاربين المطلوبين للمحكمة دون تأخير.

  • المقابر الجماعية في ترهونة، والألغام المنتشرة في منازل المدنيين في طرابلس من قبل قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر هل تضعه وقواته تحت طائلة قانون الجنائية الدولية؟

يجب طمأنة ضحايا الجرائم الفظيعة في ليبيا إلى أنه رغم وقف إطلاق النار وتوقيع اتفاق، فإن الأفراد الذين يزعم أنهم مسؤولون عن جرائم خطيرة تقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية سيعتقلون على الفور ويسلموا أنفسهم للمحكمة لمواجهة اتهامات بجرائمهم المزعومة.

كما  تعمل المحكمة مع السلطات الوطنية فيما يتعلق بهذه المقابر الجماعية التي تشير التقارير إلى اكتشاف أكثر من 100 جثة، وكان العديد منهم معصوبي الأعين ومقيدي الأيدي، وذلك بفضل جهود حكومة الوفاق الليبية بالعمل للحفاظ على الأدلة على هذه الجرائم. 

ولا شك أن المدعية العامة للمحكمة تؤكد على أن استخدام الألغام والأجهزة المتفجرة المرتجلة في المنازل بالمطابخ وغرف النوم والطرقات كوسيلة لمهاجمة المدنيين بشكل عشوائي يعتبر جريمة بموجب نظام روما الأساسي، ورغم التحديات التي تفرضها جائحة كورونا، فقد أرسلت المحكمة بعثتي تحقيق حاسمتين إلى ليبيا لجمع أدلة إضافية لتعزيز قضايانا.

  • وماذا عن موقف المحكمة مما يحدث في اليمن؟ وهل تقدم أي من الأطراف المتحاربة بشكاوى أمام المحكمة؟

كما سبق وأكدنا أن اليمن ليس ضمن الدول الأعضاء بالمحكمة ولذلك لا ولاية للمحكمة على ما يجري على أراضيه إلا بتكليف من مجلس الأمن وهو ما لم يحدث كما في الحالة المصرية والسورية.

شروط الاختصاص

  • هل يجوز للمحكمة الجنائية الدولية مباشرة قضايا وجرائم وقعت قبل تاريخ إنشائها؟

المحكمة الجنائية الدولية أنشئت باتفاقية دولية اسمها نظام روما الأساسي، دخلت حيز النفاذ مطلع يوليو/تموز 2002، ولا يجوز للمحكمة ملاحقة أي جريمة سابقة على هذا التاريخ، أو جرم سابق على تاريخ دخول النظام حيز النفاذ بالنسبة إلى الدول التي تنضم إليه بعد عام 2002، ووجود المحكمة كان حلما منذ مطلع القرن العشرين وبعد انتهاء الحرب الباردة استطاع العالم أن يجتمع ويقرر إنشاء محكمة جنائية دائمة.

والمحكمة الجنائية الدولية هي محكمة مستقلة ودائمة تقوم بعملها القانوني البحت وفقا لنظام روما الذي صادقت عليه حتى الآن 123 دولة، وبخلاف محاكم أخرى، فأولوية الملاحقة لا تعود إلى المحكمة الجنائية، بل هي محكمة ملاذ أخير، إذ وفقا لمبدأ التكامل لا يسعها التحقيق إلا إذا كان القضاء الوطني غير قادر أو غير راغب في إجراء ملاحقات جدية.

  • لكن أكثر من 70 دولة غير موقعة على اتفاق روما، فكيف تمتلك المحكمة الصلاحية عندما تقع جرائم في تلك الدول؟

المحكمة أنشئت باتفاقية دولية ونحن نحترم بشكل مطلق اختيارات كافة الدول، ونسعى لإثبات مهنية وجدية المحكمة لإقناع كافة الدول بفائدة الانضمام للمحكمة.. ولكن في النهاية هذا قرار يرجع لاختيار كل دولة والنخب الموجودة بها.

ويتيح نظام روما للمحكمة أن تلاحق جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وجرم العدوان، إذا ارتكبت هذه الجرائم على أراضي دولة منضمة إلى نظام روما أو قبلت بهذا النظام، أو ارتكبت على أيدي مواطنين من هذه الدولة، الاستثناء الوحيد على هذا الشرط هو عندما يحيل مجلس الأمن الوضع إلى المحكمة بقرار ملزم وفقا للفصل السابع، مثلما حصل في شأن دارفور في السودان، وليبيا.

  • ما هي طبيعة عمل المحكمة، وطبيعة علاقاتها بالمحاكم الدولية ومتى تتدخل، وما الفرق بينها وبين محكمتي نوربرج وطوكيو؟

الفرق أن محاكم طوكيو أنشأها منتصرون لملاحقة مهزومين.. بينما هذه المحكمة أنشئت لكي تكون دائمة، وانضم إليها طواعية 123 دولة وهي تسبق حدوث النزاع، بل وتردع في الأساس ويمكنها التدخل بحيادية تامة.. وهي مستقلة عن المحاكم الخاصة بيوغوسلافيا السابقة وبرواندا، وإن كانت تستفيد من التقدم القانوني الذي أنجز من خلال هذه المحاكم.

  • البعض يقول إن المحكمة تخضع في النهاية للضغوط والمصالح السياسية الدولية،  فما ردكم؟

المحكمة تخضع لنظام روما والشروط المبينة فيه وهي شروط الاختصاص ولا تختلف قبل عن الآن والقرارات التي تصدر معللة ويمكن الاضطلاع عليها ومتابعة إجراءات المحكمة التي تعمل بشكل قانوني ومهني.

  • إذا كان هناك شخص تعرض للاعتداء عليه أو عائلته هل له أن يتقدم بدعوى للمحكمة الجنائية؟

أخيرا يمكن لأي شخص أو منظمة تملك معلومات قد تفيد المدعي العام أن ترسلها إلى مكتب المدعي العام الذي يدرسها ويقرر على أساسها ما إذا كان هناك إمكانية للشروع في التحقيق أم لا، بناء على الأدلة والقانون الواجب التطبيق.

كما أن المحكمة لا تفتح تحقيقا إلا بطلب من مجلس الأمن.. وبالنظر في مصلحة العدالة أو تحقيق مصلحة المجني عليهم يفتح بناء على طلب دولة منضمة أو مجلس الأمن أو بناء على رغبة المدعية العامة بن سودا بعد أخذ إذن من قضاة المحكمة.

الكلمات المفتاحية