حلول اقتصادية.. "جون أفريك" ترسم خارطة نهوض دول المغرب العربي

12

طباعة

مشاركة

أكدت صحيفة فرنسية أنه سيكون من الخطأ العودة إلى "الوضع الذي كان قائما" قبل بداية جائحة كورونا، مشددة على أن تسريع الإصلاحات "أصبح مسألة وجود" بالنسبة لتونس والمغرب والجزائر وموريتانيا وليبيا.

وأوضحت "جون أفريك" أنه "رغم اختلاف الوضعيات، إلا أن البلدان المغاربية تواجه تحديات اجتماعية واقتصادية متشابهة، زيادة الفرص الاقتصادية للشباب والنساء، والحد من هيمنة القطاع العام، وخلق مساحة أكبر للمبادرة لدعم الاقتصاد".

لحظة محورية

ورغم متوسط ​​معدل النمو الذي تجاوز 3 بالمائة خلال العقد الماضي، فإن حوالي واحد من كل 3 شباب مغربي عاطل عن العمل حاليا، حيث ضرب كورونا البلاد بشكل مباشر، وعطل بشدة قطاع السياحة وغيرها.

وقبل الأزمة، كان النمو في موريتانيا يتسارع، بينما انخفضت مديونيتها، وقد كان للوباء عواقب اقتصادية واجتماعية خطيرة، نظرا لمحدودية قدرة النظام الصحي وضعف آليات الحماية الاجتماعية.

في تونس، كان متوسط ​​النمو أقل من 2 بالمائة، وظل وزن القطاع العام في الاقتصاد كبيرا، حيث تجاوزت كتلة أجور الوظيفة العمومية 15 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، وتسبب الوباء في أسوأ ركود منذ الاستقلال حيث يبحث واحد من كل ثلاثة شبان عن عمل.

وفي الجزائر، كانت قبل الأزمة تعاني من تباطؤ في النمو (حوالي 1 بالمائة منذ 2017)، ومعدل بطالة مرتفع، وتدهور في وضع الميزانية، وعدم يقين كبير في أعقاب أحداث الحراك، فيما أجبرت إجراءات الحجر الصحي وانهيار عائدات النفط الحكومة على خفض الإنفاق لاحتواء عجز الميزانية.

أخيرا، في ليبيا، حيث يحتدم الصراع منذ سنوات، يحتاج مليون شخص إلى مساعدات إنسانية، فيما جعل الفيروس إلى جانب انهيار أسعار النفط، الوضع الإنساني "مقلقا للغاية".

وفي قراءة لهذا الوضع، قالت "جون أفريك": "في حين أن الإصلاحات كانت بطيئة منذ فترة طويلة، فقد أثبت الوباء أن التغيير السريع ممكن، ففي المغرب، تمت إزالة الطابع المادي من الإجراءات الإدارية وتسريع الإنتاج الوطني للكمامات، وفي الجزائر، ازدهرت منصات التعليم الافتراضي".

وأضافت أنه "في تونس، تحولت بعض المصانع من إنتاج قطع غيار السيارات إلى إنتاج أقنعة واقية باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد، أما في ليبيا، طورت شركة ناشئة تطبيقا للهاتف المحمول يربط بين الأطباء والمرضى الذين يعيشون في مناطق معزولة".

واعتبرت الصحيفة الفرنسية أن "هذا الوقت هو وقت الاختيار بالنسبة للمنطقة، فيمكنها إما البناء على هذه النجاحات وإرساء الأسس لعقد اجتماعي جديد، أو العودة إلى الإصلاحات البطيئة".

وشددت على أنه "نظرا لمحدودية حيز الميزانية المتاح للمبادرة تحت تصرفها، فإن البلدان المغاربية لا تستطيع تحمل تأخير الإصلاحات، وإن العودة إلى الوضع الذي كان قائما في السياسة العامة من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض النمو واتساع هوّة التفاوتات، مما قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية".

واستدركت قائلة: "على العكس من ذلك، فإن النظر إلى هذا الوباء باعتباره لحظة محورية من شأنه أن يؤدي إلى نمو أكثر قوة وخلق فرص عمل ونمو أخضر وشامل، والعديد من الإصلاحات التي كانت مطلوبة في الماضي، أصبحت مسألة بقاء اقتصاديا للمنطقة".

وستعمل المؤسسات والإدارة المالية المناسبة على تعزيز المساءلة والشفافية في المالية العامة والكفاءة والقدرة على تحمل الديون، كما سيسمح إلغاء الإعفاءات والمعاملة التفضيلية في المسائل الضريبية للجميع بالمساهمة في المالية العامة بطريقة عادلة.

ولهذه المكاسب إمكانات كبيرة: في المغرب، على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي إصلاح ضريبي كبير إلى زيادة الإيرادات لتصل إلى 2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي على المدى المتوسط، وفق الصحيفة الفرنسية.

زخم إيجابي

سيؤدي توسيع آليات الحماية الاجتماعية المستهدفة وإزالة الإعانات غير الفعالة إلى حماية الفئات الضعيفة والحد من عدم المساواة، حيث سلط كورونا الضوء على ضعف تغطية الحماية الاجتماعية في العديد من البلدان، مما أعاق تقديم المساعدة الحيوية للأسر الأكثر ضعفا في الوقت المناسب.

لذلك من الضروري أن تجهز البلدان نفسها بقواعد بيانات تمكنها من تحديد جميع الأسر ذات الأولوية، وتحسين استهداف المستفيدين، وتشجيع التحويلات الإلكترونية، تقول "جون أفريك".

ولفتت الصحيفة إلى أن "هناك حاجة إلى إعادة هيكلة المؤسسات العامة، مع إصلاحات تتعلق بالمنافسة، والإطار التنظيمي وسوق العمل، من أجل الحد من المخاطر التي تتعرض لها المالية العامة وتكافؤ الفرص أمام جميع الفاعلين الاقتصاديين وتعزيز الابتكار".

وأكدت أن "التحول الرقمي والتحول البيئي للمنطقة سيسمحان بالاستفادة من التطورات الجديدة التي ستظهر في أعقاب الوباء، وهذا يتطلب إصلاحات هيكلية طموحة وجيدة التنسيق، فضلا عن اختيار مناسب للاستثمار العام".

وفي منطقة تعتمد على الزراعة، يجب أن يكون المرء مستعدا أيضا لمقاومة آثار تغير المناخ، وسيشجع التحول إلى اقتصاد جديد مدفوع رقميا القطاع الخاص على الاستثمار، ويخفف من ثقل القطاع العام في اقتصادهم، ويشجع التنويع.

أخيرا، يتطلب تحسين الحوكمة إنشاء مؤسسات تتسم بالكفاءة والشفافية، وهناك بالفعل بعض التقدم في هذا المجال: على سبيل المثال، تعمل تونس على تحسين معايير شفافية الميزانية، وفقا لـ"جون أفريك".

ولضمان تكافؤ الفرص لجميع الفاعلين الاقتصاديين، سيكون من الضروري تحديث الإطار التشريعي والتنظيمي "الذي يحكم حقوق الملكية، وتعزيز إجراءات الإفلاس والممارسات التنافسية".

وشددت الصحيفة على أن "المنطقة لديها الفرصة لإثارة زخم إيجابي للتغيير ووضع نفسها في طليعة الانتعاش الاقتصادي في إفريقيا". 

وختمت "جون أفريك" مقالها بالقول: إن "المكاسب المحتملة من العمل الحازم كبيرة، وبدء حوار يشمل جميع أصحاب المصلحة على المستوى الوطني، ضروري لتنفيذ إصلاحات طموحة من شأنها أن تساعد بلدان المغرب العربي على الخروج أقوى من الأزمة، بدعم من المجتمع الدولي"