بين التكنوقراط والثلث المعطل.. كيف يمكن حل أزمة تشكيل حكومة لبنان؟

منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يخيم السجال السياسي بين الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري على مشهد تشكيل الحكومة لتظل الأزمة تراوح مكانها منذ نحو أربعة أشهر في ظل تمسك كلا الجانبين بموقفهما. 

الحريري المكلف منذ 22 أكتوبر/تشرين الأول 2020 بتشكيل حكومة جديدة يتمسك بأن تضم 18 وزيرا كلهم من التكنوقراط بعيدا عن المحاصصة والأحزاب السياسية.

في المقابل يواجه الحريري موقفا متصلبا من الرئيس عون الذي يتمسك بشروط تتضمن حكومة مؤلفة من 20 وزيرا بإضافة وزير من الطائفة الكاثوليكية وآخر درزي محسوب على حزب النائب طلال أرسلان رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني (درزي) بالإضافة إلى وزارتي الداخلية والعدل.

بحيث يحصل عون على الثلث المعطل داخل الحكومة بشكل غير مباشر، بحسب ما نشره موقع لبنان 24 الإخباري في 13 فبراير/شباط 2021. 

وينص الدستور اللبناني على أن أي حكومة يستقيل ثلث أعضائها تسقط حكما، وبالتالي عندما يمسك رئيس الجمهورية بثلث أعضاء هذه الحكومة وفي أي خلاف سياسي حول قرار معين إن لم يكن ما يريده الطرف الذي يملك الثلث المعطل سوف يطلب من وزراءه الاستقالة وهنا يحدث الابتزاز السياسي. 

وبين هذا وذاك يعيش الشارع اللبناني واقعا مؤلما لا يرتقي إلى مستوى الاهتمام من الطبقة السياسية التي ما زالت تتصارع فيما بينها للحصول على حصتها في التشكيلة الحكومية المرتقبة.

جولة خارجية

حاول الحريري كسر الجمود المحيط بتشكيل الحكومة وأجرى جولة خارجية ضمت كل من تركيا ومصر والإمارات وفرنسا لاستعراض مستجدات الموقف وترميم علاقات لبنان العربية والخارجية وحشد الدعم اللازم والتأييد الدولي لمشروعه بتشكيل حكومة اختصاصيين غير سياسية والضغط على الرئيس ميشال عون للموافقة على خطته.

ويأتي هذا وسط ضغوط عربية ودولية متزايدة على الأطراف اللبنانية لحل خلافاتهم والاتفاق على تشكيل حكومة إنقاذ لإجراء إصلاحات أساسية للإفراج عن مليارات الدولارات من المساعدات الخارجية الموعودة للبلد الذي يعاني من ضائقة مالية.

يرى رئيس تحرير جريدة لبنان عربي الإلكترونية الكاتب الصحفي مصطفى العويك أن الجولة التي أجراها الحريري في الخارج جاءت بعد انسداد الأفق الداخلي وبتنسيق مع الفرنسيين أصحاب المبادرة الوحيدة في لبنان حاليا.

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أطلق مبادرة لحل الأزمة اللبنانية في أعقاب انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020، تنص على تشكيل حكومة جديدة من مستقلين على أن يتبعها مجموعة من الإصلاحات الإدارية والمصرفية.

وقال العويك في تصريحات لـ "الاستقلال": "إن الجولة تأتي ضمن سياق البحث عن كيفية إعادة لبنان إلى خريطة الاهتمام العربي، وإعادة الاعتبار لبيروت سياسيا واقتصاديا وتشجيعهم على الاستثمار في لبنان الذي يعاني من عزلة عربية نتيجة المواقف السياسية للتيار الوطني الحر (بزعامة جبران باسيل صهر عون) وجماعة حزب الله الشيعية". 

وعبر عن اعتقاده بنجاح الجولة حتى وان كانت لم تنعكس على عملية تشكيل الحكومة، مشيرا إلى أن "العقد الداخلية التي يتمسك فيها الرئيس وحزبه ومن خلفه حزب الترهيب والتخويف (حزب الله)  تشكل عائقا أمام عملية تأليف الحكومة".  

على الجانب الآخر يرى الكاتب الصحفي اللبناني عبدالله قمح أن الفشل قد احتل مكانة متقدمة في جولة الحريري الخارجية معتبرا أنها لم تحدث أي نوع من الإيجابيات.  

وقال في مقال نشره موقع "ليبانون ديبايت" في 13 فبراير / شباط 2021 إن الحريري لم يستطع تحقيق أي اختراق نوعي يمكن إسقاطه على ملف تأليف الحكومة لتعزيز موقعه.  

وأضاف قمح: "حتى زيارته الفرنسية لم تأت بالنتيجة المرجوة فالإليزيه تعامل معها على أنها عابرة وتحت سقف التنسيق لا أكثر". مدللا على ذلك بعدم وجود أي بيان رسمي وواضح حول نتائج هذه الجولة. 

أما مصطفى علوش نائب رئيس تيار المستقبل (زعيمه سعد الحريري)، فقد دافع عن جولة الحريري وقال إن الزيارات الخارجية هي محاولات لتشبيك العلاقات ودعم لبنان على مختلف المستويات، مشددا على أنه إن لم يكن هناك حلحلة من قبل الرئيس عون سينتهي العهد (فترة حكم الرئيس) بدون حكومة. 

ونفى علوش في تصريحات لوكالة الأناضول في 10 فبراير / شباط وجود أي نية لدى الحريري للتراجع أو الاعتذار عن تشكيل الحكومة. 

أزمة القصر

تتمحور الأزمة بين الحريري وعون حول نقطة واحدة وهي "الثلث المعطل" الذي يتمسك به الرئيس فيما يرفضه رئيس الوزراء المكلف لكون هذا الشرط يكبل يديه في تطبيق قراراته وتفقده السيادة على الوزراء.

وبعد عودته من جولته الخارجية إلى بيروت التقى الحريري بعون في 12 فبراير/ شباط في قصر بعبدا في خطوة رآها البعض محاولة لتليين المواقف إلا أن التصريحات والبيانات التي خرجت عقب اللقاء أكدت تمسك كلا الطرفين بالمواقف السابقة. 

وخلال كلمة بمناسبة الذكرى الـ 16 لاغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في 14 فبراير / شباط 2005 كرر الحريري تمسكه بعدم التنازل عن رفضه لحصول أي طرف على الثلث المعطل في تشكيلته الحكومية. 

وأضاف الحريري: بعد 14 جولة تشاور ومحاولات إيجاد الحلول مع الرئيس عون، قدمت له اقتراح تشكيلة من 18 وزيرا اختصاصيين غير حزبيين قادرين أن ينفذوا الإصلاحات المطلوبة لوقف الانهيار وإعادة الإعمار من دون أن تضم الثلث المعطل"

لم يتأخر رد القصر على تلك التصريحات واتهم عون الحريري بأنه حاول من خلال التشكيلة الحكومية فرض أعراف جديدة خارجة عن الأصول والدستور وأن كلمته تضمنت مغالطات كثيرة فيما يخص التشكيلة التي قال رئيس الوزراء المكلف إنه قدمها لرئيس الجمهورية.

يقول عضو المكتب السياسي لتيار المستقبل زياد ضاهر إن تصريحات الحريري الأخيرة كشفت بالدليل القاطع أين يكمن الكذب "عندما أشار إلى لائحة قدمها له رئيس الجمهورية تشمل مجموعة أسماء تطاول كافة الحقائب والمناصب والطوائف".  

وقال الحريري إنه اختار من الأسماء التي قدمها له الرئيس عون ضمن تشكيلته الحكومية المؤلفة من 18 وزيرا 4 وزراء. 

وأضاف ضاهر في تصريحات لتلفزيون العربي في 14 فبراير / شباط: "وإذ برئيس الجمهورية يتمنع عن ذلك لأنه يريد ثلث الحكومة، فدستوريا عندما يسيطر طرف سياسي وحيد على ثلث الحكومة يعرض الحكومة وقراراتها ورئيسها والدولة اللبنانية إلى الابتزاز".

وأشار ضاهر إلى أن هدف الحريري هو وضع حل جاد يخرج اللبنانيين من أزمتهم من خلال تطبيق المبادرة الفرنسية التي نصت على تشكيل حكومة غير حزبية لا يملك أي طرف سياسي السيطرة عليها ومؤلفة من اختصاصيين تذهب إلى الإصلاحات. 

وأفاد بأن الحريري لديه ثلاثة شروط أساسية وغير ذلك فهو منفتح على كافة النقاشات.

 وقال إن هذه الشروط هي "تشكيل حكومة اختصاصيين لا حزبيين، وأن تكون الحكومة من 18 وزيرا وليس أكثر من ذلك لأن أساس الخلاف مع عون على هذا الوزير الذي يعطيه ثلث الحكومة ويصبح مجال الابتزاز مفتوحا، أما الشرط الثالث هو البدء في الإصلاحات وخاصة الإصلاح السياسي".  

مفاتيح الحل

يرى الصحفي اللبناني عبد الرحمن صلاح أن جولة الحريري الخارجية الأخيرة تشكل جزءا من تنشيط علاقاته الدولية الواسعة التي عرف بها من قبله والده رئيس الوزراء الراحل رفيق. 

وأشار في تصريحات لـ "الاستقلال" إلى أن الحريري في حاجة إلى تفعيل علاقاته في ظل التحديات التي يواجهها سواء على مستوى تشكيل الحكومة أو على مستوى التغيرات التي تحدث في مزاج المجتمع الإقليمي بعد دخول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض.

واعتبر أن مفتاح حل الأزمة مرتبط بشكل أساسي بالعلاقات الأميركية الإيرانية وأنه من الصعب أن تتنازل إيران في أي من ملفات المنطقة ما لم تتحصل على صفقة شاملة على هذا المستوى. 

وأضاف صلاح: "أما على المستوى المحلي فإن حل الأزمة بين القوى السياسية (إذا افترضنا وقوعه في الأمد القريب) لا يعني حل الأزمة الأساسية التي خرج بسببها الناس إلى الشارع في 2019، فالناس تظاهرت عندما كان جميع الفرقاء السياسيين في حكومة واحدة".

والآن عودتهم إلى الحكومة سواء بشكل مباشر، أو غير مباشر، لن يقدم شيئا جديدا للأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها البلد ما لم تحصل عملية إصلاح جذرية وعميقة، وفق صلاح.

ويعتبر العويك أن أسباب الأزمة الداخلية ليست حقيقية بقدر ما هي واجهة لعملية خطف لبنان وقراره من المحور الإيراني واستخدام ورقة الحكومة كورقة ضغط في المفاوضات المفترضة بين إيران والولايات المتحدة حول الملف النووي وأن الحل سيكون مرهونا بما ستنتهي إليه المفاوضات بينهما. 

ورفض العويك التحليلات التي تقول بأن الإشارات التي أرسلتها إدارة بايدن حول الملف النووي وتعيينها شخصية مقربة من إيران لتتولى عملية التفاوض تعني تسليم لبنان إلى محور الممانعة بشكل كامل.

وأوضح أن "إدارة بايدن دعمت المبادرة الفرنسية ورفدتها بدفع سياسي قوي وأنه من المنتظر أن تكون نتائجه مرضية في الداخل اللبناني".

وشدد على أن الأزمة اللبنانية استعصت على الحل بسبب الكيدية السياسية والطائفية المقيتة ونظام المحاصصة وأن لبنان يحتاج فعلا إلى إعادة الاعتبار للدستور أو اتفاق الطائف الذي يمتلك كل الحلول لمشاكل لبنان الآنية "فكل ما نحتاجه فقط هو تطبيق بنوده ومواده لا الحديث عن تعديلها قبل تطبيقها".

وأضاف: "كل بنوده قابلة للتطبيق ولا تحتاج إلا إلى إرادة الفرقاء الحقيقية لتنفيذها، لكن هؤلاء أعجز من اتخاذ قرارات تخدم المصلحة الوطنية العليا وتعيد الاعتبار للقانون والدولة والمؤسسات، لأنه متى فعلوا ذلك فقدوا أوراق تسيدهم على الناس". 

وأكد أنه لن تكون هناك حكومة في لبنان ما لم تحظ بالرضى العربي، "وهذا ما يفعله الحريري ضمن المبادرة الفرنسية، لكن ساكن بعبدا في مكان آخر للأسف".