حروب الهوية.. صحيفة تركية تكشف تفاصيل أزمة الاستقالات بحزب أتاتورك

12

طباعة

مشاركة

تناولت صحيفة تركية، "الأسباب الحقيقية" لإعلان 3 نواب في البرلمان استقالتهم من حزب "الشعب الجمهوري" أكبر أحزاب المعارضة بالبلاد، في 29 يناير/كانون الثاني 2021.

وقالت صحيفة "صباح"، في مقال للكاتب باقي لاله أوغلو، إن "أعضاء البرلمان الثلاثة، الذين أطلقوا على أنفسهم اسم (قوة 29 أكتوبر/تشرين الأول)، شاركوا الرسالة التي كتبوها إلى زعيم الحزب كمال كيليتشدار أوغلو في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، مع الرأي العام قبل نحو أسبوعين، واستقالوا من الحزب بعد التأكيد على أسباب ذلك، عقب لقاء مع كيليتشدار أوغلو".

وأضافت: "من ناحية أخرى، ومع ظهور الخطاب والاستقالات، عادت النقاشات حول مكانة أتاتورك بالنسبة لحزب الشعب الجمهوري وقضية التحالفات والأصدقاء في حزب الشعب الجمهوري".

وفي مؤتمر صحفي في البرلمان بالعاصمة أنقرة، أعلن النواب، محمد علي تشيبي، وحسين عوني أقصوي، وأوزجان أوزال، استقالتهم من الحزب.

خلافات داخلية

وبحسب لاله أوغلو، فقد "اتهم النواب الثلاثة إدارة الحزب بالابتعاد عن القيم التأسيسية، واتباع سياسة تحالفية بدلا من التركيز على الحزب، واستبعاد أبنائها الحقيقين، في الرسالة التي كتبوها".

كما تم التأكيد أيضا على الانزعاج الذي تتسبب به المكانة والقوة التي يتمتع بها الأشخاص المرتبطين بـ"حركة 10 ديسمبر" داخل الحزب، حيث أصبح الشعب الجمهوري "ساحة لعب للعناصر الجمهورية الثانوية الهامشية".

لذلك، يقول كتّاب الرسائل إن "الهوية والقيم الكمالية التي يرون أنها تمثل جوهر الحزب مستبعدة، وأن هذا يتم من قبل ذوي العقلية الليبرالية اليسارية المرتبطين بـحركة 10 ديسمبر في الحزب"، وفق  لاله أوغلو.

وأضاف: "كما يرون بأنه يجب على الحزب أن يتخلى بأسرع وقت عن السياسات التي تعطي الأولوية للتحالفات والصداقات الجديدة، بالإضافة إلى التخلص من السياسات المتبعة حاليا والتي تهدف إلى جعل حزب الشعوب الديمقراطي صديقا قدر الإمكان، ووضع القيم المؤسسية في الأولوية".

ويرى الكاتب أن النزاعات بين الفصائل والجماعات في الشعب الجمهوري "لا تعتبر تطورا جديدا، فمن المعروف أن الحزب يحاول إنشاء هوية حزبية جديدة من خلال تغيير قوقعته والابتعاد عن الكمالية الصارمة منذ انتخاب كيليجدار أوغلو رئيسا عام 2010".

في المقابل، كانت الانتقادات التي تركز على أتاتورك والقيم الحزبية تأتي منذ سنوات، سواء من داخل الحزب أو من القاعدة الشعبية له.

وتابع لاله أوغلو قائلا: إن "انتقاد القيادي محرم إنجه الشديد لإدارة الشعب الجمهوري بحجج مماثلة وبدئه لحركة جديدة، يعتبر من أهم الأمثلة على هذا في الماضي القريب، فيما تعتبر الرسائل والاستقالات المذكورة أعلاه استمرارا لردود الفعل التي تكررت وتتابعت بشكل مستمر خلال السنوات العشر الماضية".

ومع ذلك، فإن التعامل مع التطورات الأخيرة على أنها صراع بسيط داخل الحزب سيكون تقييما غير شامل ولا كامل.

ورغم أن الشعب الجمهوري هو حزب مشهور بصراعاته الحزبية، "إلا أن الواقع الذي تشير إليه الرسائل، يدل على استمرارية الصراع بين جهود الحزب لبناء هوية أكثر ليبرالية من خلال ترك القيم الكمالية ورموز الحزب الموجودة لما يقرب لقرن من الزمن"، وفقا لما يراه الكاتب.

الرموز القديمة

واستطرد لاله أوغلو قائلا: "يعتبر الشعب الجمهوري، كحزب أسس الجمهورية، أكثر الأحزاب السياسية تجذرا ومؤسسية في تركيا".

وأكد أنه "رغم فشل حزب الشعب الجمهوري في الوصول إلى السلطة بمفرده منذ عام 1950، الذي أجريت فيها أول انتخابات ديموقراطية، فقد تمكن من أن يصبح أحد العناصر الفاعلة الرئيسة في السياسة التركية لما يقرب من مائة عام، بقاعدته الثابتة إلى حد ما واستمراريته التي حافظ عليها خلال التاريخ".

ويعزى سر هذا النجاح، وفق لاله أوغلو، إلى "تحول أتاتورك إلى شخصية كاريزمية لا يمكن المساس بها، وتكاد تعتبر قدسية، بالإضافة لربط وتحديد المنظور الذي يعرف بقيم الجمهورية، بهذه الكاريزما باعتبارها هوية سياسية، وقد استعانت جميع المواقف السياسية لحزب الشعب الجمهوري والتي تغيرت على مر السنين، بهذه الكاريزما لتقوية ذاتها".

وأضاف: "لذلك، أدت هوية حزب الشعب الجمهوري الذي تم ربطه وتحديده بأتاتورك إلى تكوين بعض الرموز وردود الفعل التي تشكلت في القاعدة الشعبية وداخل الحزب بشكل طبيعي". 

ولفت الكاتب إلى أن" قداسة أتاتورك ومبادئه التي لا يمكن المساس بها جعلت من الإلزامي على مسؤولي الشعب الجمهوري أن يربطوا السياسة التي ينفذونها بأتاتورك بطريقة أو بأخرى بشكل تتقبلها القاعدة وأعضاء الحزب". 

وقد أدى ذلك إلى تشكل منطقة سياسية محدودة لم يتم تحديد حدودها من قبل قادة الحزب بل برموز الحزب الراسخة وردود الأفعال المحتملة. ومع ذلك، فإن هذه السياسات المحدودة جعلت منه الحزب الأكثر عراقة ونشاطا في تركيا وإن كانت غير كافية لحملها إلى السلطة. لكن هذا كان كافيا بالنسبة لحزب الشعب الجمهوري، الذي كان بأفكاره ورموزه وردود أفعاله قادرا على أن يفرض سلطته ووصايته داخل الدولة. وفقا للكاتب التركي.

وأردف: ومع ذلك، فإن النجاح الذي حققه حزب العدالة والتنمية في صراعه مع أصحاب الوصاية أجبر الشعب الجمهوري على البحث عن منافذ جديدة، الأمر الي دفع كيليجدار أوغلو، الذي أصبح رئيسا للحزب بعد دينيز بايكال، لتبني مهمة بناء هوية جديدة للشعب الجمهوري".

الهوية الجديدة

وأوضح لاله أوغلو أن "تقييد حزب الشعب الجمهوري بالكمالية باعتبارها الهوية السياسية الوحيدة بعد أن فقد الدعم الذي كان يأتيه من سلطته ووصايته، والتي فشلت ضد حزب العدالة والتنمية، دفعت كيليجدار أوغلو إلى السعي لبناء هوية جديدة للحزب".

وأشار إلى أن ذلك أدى لتقارب بعض الأشخاص في الحركة، والذين تجمعوا لتأسيس "حزب ديمقراطي اجتماعي حديث وموحد وجديد" باسم "حركة 10 ديسمبر" كبديل للشعب الجمهوري، الذي فقد هويته الديمقراطية الاجتماعية في هذا التاريخ، 10 ديسمبر/كانون الأول 2005.

وبينما خفف الحزب موقفه العلماني والأتاتوركي الصارم في ظل إدارة كيليجدار أوغلو، وصل أشخاص مثل برهان شيناتالار وسليمان تشلبي وإبراهيم كاب أوغلو وأوغوز كان ساليجي وأخيرا جانان قفطانجي أوغلو الذين بدأوا حركة 10 ديسمبر أو كانوا قريبين منها إلى مناصب مهمة في الحزب.

ونوه لاله أوغلو بأن "الهدف الأول لكيليجدار أوغلو كان يتمثل في تغيير التصور السلبي لحزب الشعب الجمهوري التي ثبت عند شرائح كبيرة في المجتمع، ويمكن القول أن بناء الهوية الجديدة بدأ مع الإدراك بأن حزب الشعب الجمهوري لن يستطيع تحقيق ذلك بالرموز التقليدية وردود الفعل الموجودة".

واعتبر أن "أعضاء الحركة المعنية استولوا على السلطة في إدارة الشعب الجمهوري فكريا وإن لم يكن عدديا، ولهذا يضطر الحزب إلى مواجهة المشاكل والأزمات التي تنشأ باستمرار داخل الحزب.. فكما رأينا في الاستقالات الأخيرة، لا تزال الرموز وردود الفعل التي تعود إلى ما قبل قرن من الزمان، حية داخل حزب".

وأوضح ذلك بالقول: إن "القضايا العديدة التي ترغب هوية الحزب الجديدة أن تتجنبها من مناهضة الحجاب إلى قراءة الأذان باللغة التركية، ومن قداسة أتاتورك إلى العلمانية والقومية الصارمة، تستحوذ على الشعب الجمهوري كحالة من الأزمات المستمرة التي تنبثق من داخل الحزب، الأمر الذي يجعله مضطرا لمواجهة ماضيه".

ولفت إلى أن "أزمة الخطابات والاستقالات الأخيرة تعتبر نتيجة للصراع بين إدارة الحزب التي تريد بناء هوية جديدة لحزب الشعب الجمهوري والرموز التقليدية وردود الفعل التي لا يمكنها تبني هذه الهوية الجديدة".

واستدرك لاله أوغلو قائلا: إنه لمن الطبيعي أن تثور ردود الفعل عند حدوث مثل هذا التغيير الجذري في حزب عمره مائة عام ويرتبط اسمه وشعاره وكل تاريخه بأتاتورك، ومع ذلك، لن تنتهي هذه الأزمات دون أن يواجه حزب الشعب الجمهوري ماضيه ورموزه بشكل واضح وينتقد نفسه بشكل حقيقي".