تمهيد للقادم.. ما أبعاد زيارة رئيس الاستخبارات الإسرائيلي إلى السودان؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

تفاجأ إيلي كوهين، أول وزير إسرائيلي يزور السودان رسميا، بالحماس الذي شاهده في العاصمة الخرطوم، بعد تطبيع العلاقات بين الجانبين برعاية أميركية.

كوهين وزير الاستخبارات الإسرائيلي، قال أثناء زيارته للسودان في 25 يناير/كانون الثاني 2021: "في العادة، نبادر نحن ونضغط حتى نتقدم في العلاقات مع نظرائنا العرب، لكن هذه المرة جاءت المبادرة من الخرطوم"، وأردف "دخلناها تساورنا مشاعر قلق وتحسب، وخرجنا بشعور من الاطمئنان". 

كوهين لم يدخل الخرطوم خالي الوفاض، بل حمل معه هدية، عبارة عن سلال تحتوي على خضراوات وفواكه من المزارع الإسرائيلية في القدس المحتلة، في إشارة إلى سعي إسرائيل استغلال أرض السودان الخصبة الشاسعة والمليئة بالخيرات، أما وزير الدفاع السوداني ياسين إبراهيم فمنح ضيفه بندقية من طراز "إم 16". 

زيارة الوزير الإسرائيلي بعثت بتساؤلات عن تفاصيل التطبيع القائم؟ وما وراء تلك البعثة ومستهدفاتها؟ خاصة أن السودان يمر بظروف صعبة وتوترات حدودية مع إثيوبيا، بالتوازي مع أزمات المرحلة الانتقالية. 

وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أعلن السودان تطبيع علاقته مع إسرائيل، لكن قوى سياسية وطنية عدة، عبرت عن رفضها القاطع تلك الخطوة، من بينها أحزاب مشاركة في الائتلاف الحاكم.

أبعاد الزيارة 

وعن تفاصيل الزيارة، أعلنت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية في 25 يناير/ كانون الثاني 2021، أن "كوهين التقى رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح ‎البرهان، ووزير الدفاع، ومسؤولين آخرين، وناقش معهم عددا من القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية".

وأوردت الهيئة العبرية أن "مسؤولين إسرائيليين في هيئات مختلفة، رافقوا كوهين، في الزيارة، واجتمعوا مع نظرائهم في الخرطوم". 

ومن أبرز مكاشفات تفاصيل الزيارة المثيرة للجدل، ما تحدث عنه، المراسل والمحلل السياسي الإسرائيلي شمعون آران، الذي قال: "المسؤولون السودانيون استعرضوا أمام البعثة الإسرائيلية تقدم الإجراءات في ‎السودان لإلغاء قانون المقاطعة ضد إسرائيل، ووقعوا مذكرات تفاهم في المجالات السياسية والأمنية".

وكانت أخطر النقاط التي طرحت وتناولتها وسائل إعلام إسرائيلية، ودولية "إمكانية ضم إسرائيل إلى مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن"، في خطوة تفسر السعي الحثيث لدى الحكومة العبرية في سرعة تطبيع العلاقات مع السودان، الذي يمثل قوة جغرافية ومخزن موارد عظيم في المنطقة. 

وكشفت وكالة الأناضول التركية أن "الزيارة التي لم يعلن عنها رسميا في السودان، ناقشت ترتيبات فتح السفارات بين البلدين في أقرب وقت"، بالإضافة إلى "تعميق التعاون الاستخباراتي".

مقاومة التطبيع

وكرد فعل شعبي على تقدم العلاقات الإسرائيلية السودانية، ظهر خلال الفترة الماضية على الساحة السياسية ما يعرف بـ "القوى الشعبية لمقاومة التطبيع"، وهي التي أحرقت يوم 17 يناير/ كانون الثاني 2021، علم إسرائيل أمام مقر مجلس الوزراء السوداني في وسط الخرطوم، احتجاجا على توقيع اتفاق التطبيع. 

تنامى هذا الرفض، وسط أنباء عن اعتزام المجلس السيادي السوداني، إلغاء قانون "مقاطعة إسرائيل"، وهو الذي تطرق إليه أيضا كوهين، خلال زيارته الأخيرة للسودان. 

ويعد قانون مقاطعة إسرائيل، من أقدم القوانين المناهضة للتطبيع مع دولة الاحتلال في السودان، وعليه ارتكزت السياسة السودانية على مدار عقود.

إذ صدر القانون عام 1958 أثناء حكم رئيس الوزراء، عبد الله خليل، التابع لحزب الأمة القومي، في وقت قوة وانتشار تيار القومية العربية، والدعم العربي للقضية الفلسطينية، وقبل أن تبرز إلى الساحة بعد ذلك دعوات الاعتراف والتطبيع.

القانون يتكون من 7 مواد رئيسة تمنع جميعها كافة مظاهر التواصل مع إسرائيل، بما يشمل عقد اتفاقيات من أي نوع مع هيئات أو أشخاص مقيمين في تل أبيب، أو مع هيئات أوأشخاص يعلم أنهم ينتمون بجنسيتهم إلى دولة الاحتلال أو يعملون لحسابها.

كما يحظر القانون التعامل مع الشركات والمنشآت الوطنية والأجنبية، التي لها مصالح أو فروع أو توكيلات عامة في إسرائيل، ومنع دخول البضائع والسلع والمنتجات الإسرائيلية وما في حكمها من السلع والمنتجات التي يعاد شحنها من تل أبيب أو التي تصدر من دولة أخرى لصالح الكيان.

وبالمقابل، منع القانون تصدير السلع والمنتجات السودانية إلى إسرائيل والبضائع التي تدخل أراضي السودان أو تمر عبرها. وقد حدد القانون عقوبات لمن يخالف تلك المحاذير بالسجن لمدة تصل إلى 10 سنوات أو بالغرامة التي تحددها المحكمة، أو بالعقوبتين معاً، إضافة لمصادرة الأشياء المضبوطة.

ويذكر أنه في الثاني من فبراير/ شباط 2020، رفعت "مجموعة الاعتصام للمحاماة والاستشارات" السودانية، دعوى جنائية ضد عبدالفتاح البرهان، بسبب "مخالفته لنصوص قانون مقاطعة إسرائيل"، في أعقاب لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. 

لماذا السودان؟ 

السودان من البلاد المؤثرة في العمق العربي والإقليمي، ويختلف تطبيعها مع دولة الاحتلال عن غيرها، وهو ما دلل عليه في 18 أغسطس/ آب 2020، المتحدث الرسمي السابق باسم الخارجية السودانية حيدر بدوي، عندما فاجأ الجميع بإعلان "عزم بلاده تطبيع العلاقات مع إسرائيل".

وعن طبيعة التطبيع قال بدوي: "إسرائيل ستستفيد من السودان، ونحن سنستفيد منها ويجب التعامل بندية، هي ستستفيد منا فائدة عظيمة. تطبيعنا معها سيكون مختلفا ومن نوع فريد ولا يشبه الدول الأخرى".

الحكومة الإسرائيلية تدرك أن السودان يختلف عن الإمارات والبحرين (سبقاه في تطبيع العلاقات)، وأن السلام معه له نسق آخر من حيث الدلالة المعنوية والاقتصادية والإستراتيجية في الشرق الأوسط وإفريقيا. 

السودان ليس بلدا ضئيل الحجم بكثافة سكانية قليلة، بل هو من أكبر الأقطار العربية بمساحة تصل إلى قرابة 2 مليون كلم، وعدد سكان يصل إلى 33 مليون نسمة.

ويمتلك السودان أراض زراعية ضخمة، حتى أنه يسمى بـ "سلة غذاء العالم". ويعتبر القطن، والسمسم، والفول السوداني والصمغ العربي من أهم موارده الزراعية.

 كما أن السودان الدولة الأولى في العالم المنتجة للصمغ العربي بنسبة تصل إلى 80 بالمئة من الإنتاج العالمي. 

وتقدر الأراضي الزراعية ذات الترب الخصبة في البلاد بحوالي 200 مليون فدان، وكذلك يتميز السودان بثروة حيوانية ضخمة تجعله من أكبر أقطار إفريقيا امتلاكًا لها. 

وتقدر هذه الثروة كالتالي: 26 مليون رأس من الأغنام، 25 مليون رأس من الماعز، 22.7 مليون رأس من الأبقار، 35 مليون رأس من الإبل، 35 مليون دجاجة. ويتوافر في السودان ثروة سمكية كبيرة توجد بالمسطحات المائية المقدرة بحوالي 42 مليون متر مربع.

أما من حيث الموقع، فيحتل السودان الجزء الشمالي الشرقي من قارة إفريقيا، ما يجعله بوابة محورية لقلب القارة، ومنفذا هاما للربط بين دول وسط وجنوب القارة وشمالها.

تلك المعطيات كانت ذا مأخذ اعتباري لساسة إسرائيل وهم ينظرون إلى السودان، ويحاولون أن يحققوا الاستفادة القصوى على جميع المستويات.

 

شراكة آثمة

يرى الزبير كمال، الناشط السياسي السوداني، أن "دولة الاحتلال استغلت الأوضاع الداخلية، والمرحلة الانتقالية في السودان، لتطبيع العلاقات، ووضع موطئ قدم لها في البلد الذي استعصى عليها كثيرا". 

وأضاف: "الظرف الإقليمي الراهن، من انزلاق دول عربية نحو التطبيع، خفف من القيود، وأزال جدران الخوف والحذر لدى الحكومات والأنظمة التي تحاول أن ترسخ نفسها من خلال إقامة علاقات علنية مع إسرائيل".

وساعد على ذلك وجود إدارة دونالد ترامب التي كانت تضع هذه النقطة كعامل أساسي قبل بدء أي خطة أو حوار، وهذا ما حدث مع قادة السودان الجدد، وفق قول الناشط. 

وأكد: أن "جميع أطراف النظام ومكوناته المدنية والعسكرية شركاء في التطبيع، بل إنهم كانوا يتسابقون إليه، أيهم أقدر وأفضل في عقد الاتفاقيات، من اللقاء السري بين عبد الفتاح البرهان ونتنياهو، إلى دعم (رئيس الوزراء السوداني عبدالله) حمدوك الخطوة، ومن كان لديه اعتراض قدم استقالته، وغادر الجمع".

وقال الناشط السوداني: "إسرائيل ككيان ستستفيد من السودان وموارده، وتستغله على مستوى الأمن والاستخبارات، وسيكون بوابتها قرب منطقة المضايق على البحر الأحمر، وإلى وسط إفريقيا".

 أما نظام الحكم في السودان دون الشعب، فسيجد ضالته في إسرائيل بأن يضمن لنفسه داعما دوليا، يفتح له أبواب السياسة الخارجية، بحسب كمال.

وأردف: "يمكن أن ننظر إلى عبد الفتاح السيسي (رئيس النظام) في مصر. انقلب على الحكومة الديمقراطية وأغلقت في وجهه أبواب المجتمع الدولي، فذهب إلى تطوير علاقته بتل أبيب حتى تساعده، على حساب الشعب المصري، وهو ما يحدث تماما مع السودان".