بعد التطبيع والاستقالات.. هذه حظوظ "المصباح" في انتخابات المغرب 2021

سلمان الراشدي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

يعيش حزب "العدالة والتنمية" المغربي "حالة غليان" ومحاولة لملمة "خدوش" توقيع رئيسه سعد الدين العثماني بصفته الحكومية على إعلان استئناف الرباط علاقتها مع إسرائيل في 22 ديسمبر/كانون الأول 2020.

التوقيع أثار أزمة داخلية لدى الحزب ذي المرجعية الإسلامية، وفتح الباب أمام "مدفع" انتقادات الأعضاء وبعض قادته، ما أثار تضاربا في المواقف بين رافض وموافق ومبرر ومتحفظ، خاصة أن الحزب من أشهر التيارات السياسية في المغرب دفاعا عن القضية الفلسطينية.

ويواجه الحزب (شعاره المصباح) انتقادات حادة، لكون أدبياته تقوم على رفض أي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل، بل حتى خصوم العدالة والتنمية وجدوها فرصة للعب على الحبلين، الأول أنه "خان مبادئه"، والثاني محاولة استقطابهم لأعضائه المستقيلين رغم قلة عددهم.

كما ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بانتقادات لـ"المصباح"، بسبب ما قيل إنه موقف "انتكاسي"، وسط حديث عن أن هذه "الورطة" ستحرمه من آلاف الأصوات من كتلته الناخبة، في الاستحقاقات البرلمانية والبلدية خريف 2021.

لحظة حرجة

منذ الانتخابات التشريعية عام 2011، فرض "العدالة والتنمية" نفسه على المشهد السياسي بتصدره لنتائج الاستحقاق وقيادة الائتلاف الحكومي للمرة الأولى في تاريخ المملكة، وتعززت هذه الصدارة في انتخابات 2016، حيث يشغل حاليا 125 مقعدا من أصل 395، كما أنه يدير مدنا كبرى مثل الرباط وفاس والدار البيضاء وتطوان وطنجة.

وبعد أن كان "المصباح" يسير بخطى تابثة نحو تصدر الانتخابات المقبلة، وفق توقعات المراقبين، "تفجر في يده" دون أن يدري، إعلان الرئيس الأميركي (السابق) دونالد ترامب في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020، اتفاق المغرب وإسرائيل على استئناف العلاقات بينهما.

وبعد توقيع العثماني، وما رافقه من سجال غير مسبوق لا زالت شظاياه تزعج الحزب الأول في المغرب، رغم تصريحاته وبياناته الرافضة للتطبيع واحتلال فلسطين، وأنه "وجد نفسه مطوقا بأمانة الإسهام من موقعه برئاسة الحكومة، في دعم المجهود الوطني (..) للدفاع عن سيادة الوطن وتكريس مغربية الصحراء".

وأمام هذه "الزوبعة"، ظهر العثماني عبر قناة "الجزيرة" قائلا: "قرار توقيعه على التطبيع لم يكن سهلا وأملته عليه المسؤولية التي يشغلها"، لكنه تلقى وابلا من الانتقادات، قبل أن يخرج رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران في بث مباشر عبر صفحته بفيسبوك ليدعم خلفه.

ورفض بنكيران، دعم الأصوات المطالبة بإقالة العثماني من منصبي رئيس الحكومة وأمين عام الحزب، غداة توقيعه على "الإعلان المشترك" مع إسرائيل والولايات المتحدة.

وفي كلمته عبر فيسبوك، قال بنكيران: "أرفض مطالب إقالة العثماني بعد توقيع الإعلان المشترك، لأن العدالة والتنمية حزب مؤسسات الذي يجتمع في أوقات محددة ويتخذ القرارات المناسبة".

وأضاف: "العدالة والتنمية لا يمكن أن يخذل بلده بخصوص قراراته الأخيرة حيال الصحراء واستئناف العلاقات مع إسرائيل، والرجل الثاني للدولة (العثماني) لا يخرج عن الرجل الأول للدولة (الملك)".

وتابع: "الحزب هو الذي يترأس الحكومة، وهو عضو في بنية الدولة التي يترأسها الملك محمد السادس، والذي يتخذ القرارات في الأمور السيادية مثل هذه (استئناف العلاقات مع إسرائيل)".

واستدرك: "من حقنا ألا يعجبنا الأمر، لكن لا يمكننا أن نقول كلاما يعني خذلان الدولة في لحظة حرجة"، داعيا أعضاء حزبه إلى الصمت حيال هذه التطورات.

ضرر نسبي

ورغم محاولة التهدئة التي سعى لها بنكيران بأسلوبه المعهود وطريقته الإقناعية، إلا أن بعض الأعضاء رفضوا ذلك وانتقدوا تصريحاته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيما طفت على الساحة الإعلامية أخبار عن استقالات هنا وهناك.

وفي 18 يناير/كانون الثاني 2021، أكد عبد العزيز أفتاتي، عضو الأمانة العامة للمصباح، أن المفكر والنائب البرلماني عن الحزب، المقرئ الإدريسي أبوزيد، قرر تجميد عضويته في الحزب بسبب التطبيع.

وشدد أفتاتي على أنه "لا أحد في حزب العدالة والتنمية راضٍ بالتطبيع ولا قابل له"، فيما أعلن 11 عضوا بالحزب في مدينة تارودانت استقالتهم، وقالوا في رسالة إلى هياكل الحزب: "لم تعد تربطنا بالعدالة والتنمية أية علاقة قانونية"، في خطوة جاءت بعد يومين من استقالة 21 عضوا في مدينة أغادير.

غير أن "العدالة والتنمية"، رد على قرار الاستقالات، في بيان، بأن بينهم أشخاص شطبت عضويتهم سابقا بسبب تأخرهم في سداد اشتراك العضوية لسنوات، مع نفي أن يكون سبب استقالتهم ذا بعد وطني (في إشارة لاستئناف العلاقات مع إسرائيل وأن الموضوع يتعلق بالشأن التدبيري المحلي).

وفي السياق، قال عضو حزب المصباح، أحمد أوسالم: "قد تكون دواعي الاستقالة العودة إلى الذات والانسحاب من العمل السياسي، وقد يكون الاستعداد إلى انتماء سياسي جديد، وقد لا يكون شيء من هذا ولا ذاك، وفي جميع الحالات فالتفكير في المستقبل يقتضي من هيئات الحزب الحرص على حفظ الود مع المستقيلين ما أمكن".

وأضاف: "قد يكون مستقيلو اليوم متحالفي الغد، وقد تسوقهم الأقدار للعودة إلى الحزب مرة أخرى كما حصل مع الكثيرين، والذي يحفظه الشخص المستقيل في ذاكرته الأخلاق التي تعاملت بها هيئات الحزب تجاهه أثناء تلك اللحظات".

أستاذ العلوم السياسية بجامعة مدينة تازة شمالي المغرب، إسماعيل حمودي، أكد أن "موضوع الاستقالات أمر مبالغ فيه، لأن بعض هؤلاء الأعضاء أقيل من الحزب سابقا، لكنه استغل السياق الراهن حيث الجدل حول تطبيع الحزب من عدمه لإعلان استقالته، بينما جرى في الأصل إقالتهم سابقا".

وأضاف: "مهما يكن، الاستقالة أو الإقالة فهي ممارسة حزبية عادية، ولا أتوقع أن تؤثر جوهريا في عمل الحزب ولا في حظوظه الانتخابية، لأنها تتعلق بمناطق معدودة ومحدودة التأثير في نفوذ الحزب وقوته الانتخابية".

واعتبر حمودي في تصريح لـ"الاستقلال" أن "الحزب ومنذ التوقيع على الاتفاق الثلاثي وحتى اليوم، طور خطابا سياسيا يميز بين مستويين: الأول، يتعلق بسلوكه الحزبي الرافض مبدئيا للتطبيع، ويشدد على أن الحزب لم يغير أي شيء من مواقفه المبدئية تجاه التطبيع، وبالتالي لن نتوقع أي علاقات مثلا بينه وبين الإسرائيليين على أي مستوى كان".

وتابع: "أما المستوى الثاني، فيتعلق بأدائه الحكومي، حيث سلوكات قياداته وتصرفاتهم مثل توقيع العثماني على الاتفاق الثلاثي تتم باسم الدولة ولمصلحتها، وإن ألحقت بعض الضرر بالحزب".

تأثير محدود

وشدد حمودي على أن "التطبيع والاستقالات لا يمكنها أن تؤثر على القوة الانتخابية للحزب، حيث أظهرت دورة المجلس الوطني (بمثابة برلمان الحزب) في 24 يناير/كانون الثاني 2021، مدى تفهم واقتناع قيادات الحزب في مختلف هيئاته بالحجج التي قدمتها الأمانة العامة".

وأكد أن "الدليل الأقوى على ذلك تصويت المجلس بنسبة 94 في المائة ضد طلب مؤتمر استثنائي، على خلفية توقيع العثماني على الاتفاق الثلاثي، وبالتالي يمكن أن نقول أن مخرجات وقرارات المجلس الوطني أظهرت قدرة الحزب على إدارة التحديات التي يواجهها".

واستدرك حمودي قائلا: "لكن لا أنفي أن هناك تراكمات وغضبا لدى بعض قواعد الحزب وقياداته من المسار الذي سار فيه الحزب منذ مارس/آذار 2017 (إعفاء بنكيران من مهمة تشكيل الحكومة)، وهو غضب واحتجاج ضد مسار كامل، ويعبر عن نفسه في كل محطة صعبة يجتازها الحزب، لكن حتى الآن يبدو تأثير هؤلاء الغاضبين محدودا، ولن يؤثر كثيرا في مستقبله الانتخابي".

وخلص المحلل السياسي إلى أن "هناك عوامل كثيرة قد تساهم في تراجع القوة الانتخابية للحزب، وتجد تفسيرها أساسا في السياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي العام الذي يعيشه المغرب، كما تجد تفسيرها في السياق الإقليمي والدولي، وهي سياقات تجعل الحزب في وضعية دفاع عن مكتسباته السابقة، أكثر من وضعية التفكير في مكتسبات جديدة".

من جهته، أكد رئيس اللجنة المركزية لشباب "العدالة والتنمية"، حسن حمورو أن "الحزب لا يزال قادرا على تصدر الانتخابات، لأن منافسيه وخصومه ضعفاء وغير قادرين على إنتاج خطاب جذاب صادق وذو مصداقية".

واعتبر أن "العدالة والتنمية لم يغير موقفه من التطبيع، وبيان مجلسه الوطني الأخير كان واضحا ووضع النقاط على الحروف (بتجديد موقفه الداعم لقضية فلسطين)، فيما توقيع العثماني على الإعلان المشترك كان بصفته رئيسا للحكومة وأمام جلالة الملك رئيس الدولة".

وشدد حمورو على أن "هناك من خصوم العدالة والتنمية من يريد دفنه وهو حي، ويستغلون هذا التوقيع ليكون كفنا له، لكن المواطنين يتمتعون بالذكاء الكافي للتفريق بين الأحداث وملابساتها، وللحزب مؤسسات قادرة على التدخل في الوقت المناسب للتصحيح والتصويب".

ولفت إلى أن "الحزب قدم نموذجا متميزا في الحياة السياسية، بحيث لم يثبت على وزرائه ومنتخبيه اختلاس المال العام أو الاغتناء من السياسة أو استغلال النفوذ".

واختتم حمورو تصريحه لـ"الاستقلال" بالقول: "ربما أخطأ الحزب في الموقف والتقدير إزاء بعض الأحداث، لكنه يبقى أكثر الأحزاب حرصا على ألا يكون جزءا من أي مشكل يواجه الدولة، وأن يكون دائما جزءا من الحل، والمواطنون متأكدون أنه ليس حزبا فاسدا رغم ما يمكن أن يسجلوه عليه من ضعف أو صمت غير مبرر بالنسبة لهم".