العصر الذهبي.. كاتب تركي يروي حكاية القدس في عهد العثمانيين

12

طباعة

مشاركة

نشرت وكالة "الأناضول" التركية مقالا للكاتب والباحث في شؤون القدس والمسجد الأقصى، "موسى بيتشكي أوغلو" قال فيه: إن "الحكم العثماني في القدس بدأ في ديسمبر/كانون الأول 1516. وانتهى بعد 501 سنة في ديسمبر 1917".

وأضاف أن "حقبة حماية القدس التي استمرت لخمسة قرون بدأت مع الحملة المصرية التي قادها السلطان سليم الأول الملقب بـ"ياووز" أي الصارم الشجاع".

وأكد "بيتشكي أوغلو" أن "مدينة القدس، ذات الأهمية الكبيرة في تاريخ الحضارة العالمية وتاريخ الأديان، تتمتع بمكانة مقدسة في الأديان السماوية بشكل غير قابل للجدال".

وشدد على أن "الحكم الإسلامي تمكن من إدارة القدس بسلام، ولم يقتصر العيش بسلام في القدس على المسلمين فحسب، بل تمكنت المجتمعات غير المسلمة أيضا من العيش بسلام خلال فترة الحكم الإسلامي، وقد حافظت السيادة الإسلامية على مقدسات غير المسلمين وضمنت بقائها حتى أيامنا هذه".

وتابع قائلا: "لقد تمكنت جميع الأديان والطوائف من العيش بسلام في القدس خلال حكم الدولة العثمانية الذي بدأ عام 1516. كما انتهت النزاعات بين غير المسلمين في ظل حكم الدولة العثمانية بالعدل والسلام فيها. فقد كانت إدارة الدولة العثمانية، التي كانت تأخذ دور الوسيط العادل وذا السيادة في النزاعات، قادرة على حلها".

وذكر أن من أفضل الأمثلة على ذلك: "حل الصراع في كنيسة يوم القيامة التي تعتبر أقدس مكان بالنسبة للعالم المسيحي، بمرسوم في عهد السلطان عبد المجيد. وهذه المعايير المنصوص عليها في هذا المرسوم يتم الحفاظ عليها كما هي حتى اليوم".

وأوضح "بيتشكي أوغلو" أن "القوانين المتبعة تجاه الأماكن المقدسة بالنسبة لغير المسلمين، والتي لا تزال سارية المفعول حتى اليوم، تشير إلى مدى عدالة الدولة العثمانية ومدى إيجادها للحلول الفعالة".

وتابع: "من المهم هنا أن نلاحظ أن موقف الدولة العثمانية العادل والوسيط فيما يتعلق بغير المسلمين بدأ مع دخول السلطان سليم الأول إلى القدس وقرار استمرارية الأمان والامتيازات التي منحها الحكام المسلمون سابقا للبطاركة الأرمن واليونانيين". وفقا للكاتب التركي.

كما نوه "بيتشكي أوغلو" إلى أن "انتهاء الاستقرار والسلام بانتهاء الحكم العثماني في المنطقة، تجعلنا نحوّل انتباهنا لا إراديا إلى القيم التي فقدناها كما توجهنا لحماية رموزنا التاريخية أيضا".

السلطان الحازم

وبحسب "بيتشكي أوغلو"، فإن "السلطان سليم الأول هو ابن السلطان بايزيد الثاني ووالد السلطان سليمان القانوني، أما والدته فهي عائشة خاتون".

ولد السلطان سليم الأول في "ولاية أماسيا" عام 1470. عندما كان والده بايزيد الثاني واليا فيها، وعندما جاء إلى إسطنبول مع إخوته في سن الحادية عشرة، رأى جده فاتح للمرة الأولى والأخيرة.

وتابع بيتشكي أوغلو: "جاء السلطان سليم الأول إلى إسطنبول عام 1481. مع والده الذي تولى العرش، وتم تعيينه واليا لطرابزون في عام 1487. واستمر في ذلك حتى عام 1510. وقد أبلغ سليم الأول الذي كان مسؤولا إداريا ورجل دولة بمعنى الكلمة، المركز الإداري عن التهديدات القادمة من الشرق".

وقد كان "سليم الأول" يحظى بإعجاب والده خاصة بعد انتصاره على المملكة الجورجية في عام 1508. عندما كان واليا، حيث نجح "ياووز" الذي كان قد حصن القلعة وخطوط الدفاع على الحدود، في زعزعة القوة التي كانت تتكون من 10 آلاف جندي والتي أرسلها الصفويون في ولاية إرزنجان.

وفي إشارة إلى انتصارات السلطان في عهده الذي استمر قرابة 8 سنوات، ذكر الكاتب أن "ياووز نظم 3 حملات كبرى انتصر فيها على الصفويين والمماليك، حيث تحرك باتجاه الصفويين في 20 مارس/آذار 1514، وعاد في 11 يوليو/تموز 1515. منتصرا بعد الحملة التي استمرت لمدة 16 شهرا".

عقب ذلك، تحرك نحو مصر في 24 أبريل/نيسان 1516. وحقق انتصارا كبيرا في معركة "مرج دابق" بالقرب من كيليس، شمال حلب.

وبعد انتصاره في معركة "الريدانية" في يناير/كانون الثاني 1517، مكث "ياووز" في مصر لفترة ليعود بعدها إلى إسطنبول في 25 يوليو/تموز 1518، بعد 25 شهرا من مغادرته إسطنبول.

وعقب عودته إلى القصر دون أي احتفال في 25 يوليو، انتقل إلى "أدرنة" في اليوم التاسع من وصوله إسطنبول عندما سمع عن بدء التجهيزات للحملة الصليبية للبابوية.

واستدرك قائلا: "لكن الحملة الصليبية التي لم تتم بسبب وفاة الملك المجري عام 1519، ذهب إلى إسطنبول في أبريل 1519. وتحرك مرة أخرى إلى أدرنة في 18 يوليو 1520. وفي طريقه إليها مرض السلطان سليم الأول، وتوفي في تشورلو مساء 21 سبتمبر".

إرث تاريخي

واعتبر بيتشكي أوغلو أن "السلطان سليم الأول، الذي تحرك باتجاه مصر مع جيشه بعد انتصاره في مرج دابق، وصل إلى الرملة نهاية ديسمبر/كانون الأول، ورغم أنه نُصح بعدم الذهاب تحرك السلطان سليم باتجاه القدس مع 1500 جندي".

ووصل إلى القدس في 31 ديسمبر/كانون الأول. وأعطى الأمان للبطريرك الأرمني سيركيس الثالث والبطريرك اليوناني أتاليا على غرار عمر بن الخطاب وصلاح الدين أيوبي.

وجاء السلطان "سليم الأول" إلى المسجد الأقصى وصلى ركعتين في قبة الصخرة، ثم جاء إلى مسجد القبلة وأدى صلاة المغرب فيها. وصلى ركعتين بعدها وقام بمناجاة طويلة، وفقا للكاتب التركي.

وتابع: "ثم عاد إلى خيمته بعد أداء صلاة العشاء، وإعطاء البقشيش وتوزيع الطعام. وغادر ياووز الذي ذهب إلى المسجد الأقصى مرة أخرى في صباح اليوم التالي وصلى فيها، إلى الرملة، وقد قام بزيارة مسجد الخليل قبل انتقاله إلى مصر".

ويرى بيتشكي أوغلو أنه "يجب تقييم نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس عقب اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، بالتزامن مع 6 ديسمبر 2017، الذكرى المئوية لفقدان الإمبراطورية العثمانية للقدس (ديسمبر 1917)، على أنها مواجهة تاريخية ضد أمتنا".

واستطرد قائلا: "لقد اجتمعت منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول في نفس الأسبوع وتم اتخاذ قرار بأن القدس عاصمة فلسطين بالإجماع، لإرسال رسالة مفادها أنه لا يمكننا إهمال القدس كنوع من الرد على الانتقام التاريخي، وانعكاس لتقاليد دولتنا المتجذر ومسؤوليتنا عن الحضارة".

ولفت الكاتب إلى أنه "يمكننا أن نرى حقيقة أن القدس لا يمكن اعتبارها مكانا عاديا من الناحية الاجتماعية أو السياسية انطلاقا من واقع إشغالها لحيز مهم في سياسات القوى الحاكمة العالمية في القرن الـ21". 

وأردف قائلا: "لقد مكنتنا السيادة العثمانية في القدس، التي بدأت مع السلطان سليم، من ترك صفحة مشرقة في تاريخ العالم باسم المسلمين وباسم أمتنا كإرث تاريخي".

وأكد "بيتشكي أوغلو" أن "الظلم والقسوة التي تعيشها القدس اليوم تزيد من شوقنا للعهد العثماني الذي بدأ مع السلطان سليم الأول، كما توفر مجالا لفهم أفضل للعدالة العثمانية".

وشدد على أن "السلطان سليم الأول، الذي أطلق الخدمات المقدمة إلى القدس نيابة عن أمتنا، يستحق الذكر في قضية القدس كل 31 ديسمبر/كانون الأول".

وختم "بيتشكي أوغلو" مقاله بالقول: "يجب أن نحيي ذكرى السلطان سليم الأول، الذي يشكل الحلقة الأولى من سلسلة خدمات الأتراك للقدس في أماسيا، المدينة التي ولد فيها، وفي طرابزون حيث كان واليا، وفي إسطنبول حيث حكم، وفي مسجد ياووز سليم في الفاتح حيث يوجد قبره".