"لن نقبل أوضاع الماضي".. لهذا انتفض جيش السودان على حدوده مع إثيوبيا

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

تشهد ولاية القضارف السودانية وتحديدا محلية الفشقة، منذ نحو 25 عاما نزاعا حدوديا مريرا بين السودان وإثيوبيا، حيث تتمسك الخرطوم بسيادتها عليها، بينما تبعث "أديس أبابا" عصابات وميليشيات مسلحة شبه نظامية إلى تلك المناطق الخصبة، لسلبها ووضع اليد عليها، وإجلاء وقتل الرعايا السودانيين. 

"إثيوبيا" استغلت في الماضي ضعف السودان، ودخوله في حروب أهلية داخلية، وانشغال جيشه بالصراعات الدائرة مع المتمردين، وهو ما أضعف قبضته على المناطق الحدودية، فأقامت وضعا على أساس أن يستمر طويلا، وتصبح أرض منطقة الفشقة التي تصل إلى مليون فدان حق أصيل للإثيوبيين. 

ولكن الأحداث الجديدة، جاءت لتضرب بآمال حكومة "أديس أبابا" عُرض الحائط، مع تحرك حشود عسكرية سودانية إلى الفشقة، وتحرير أجزاء كبيرة منها، وإعلان الجيش السوداني عزمه استعادة كامل الأرض، وعدم القبول بالتحرشات والاعتداءات التي كانت تحدث سابقا، من قبل الجارة الإفريقية. 

نحو الفشقة 

في 21 ديسمبر/كانون الأول 2020، وبعد أكثر من عقدين على سيطرة الميليشيات الإثيوبية عليها، دخلت القوات السودانية، آخر نقطة على الحدود مع "إثيوبيا" وهي منطقة خورشيد.

جاء ذلك تزامنا مع إعلان الجيش السوداني إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة إلى الحدود مع "إثيوبيا"، ومواصلة التقدم إلى منطقة الفشقة المحتلة، من أجل استعادة الأراضي المغتصبة.

ووفقا لوكالة الأنباء السودانية الرسمية (سونا) فإن"القوات المسلحة السودانية واصلت تقدمها في الخطوط الأمامية داخل منطقة الفشقة، لإعادة الأراضي المغتصبة من ميليشيات إثيوبية، والتمركز في الخطوط الدولية وفقا لاتفاقية 1902".

ويعود تاريخ اتفاق ترسيم الحدود إلى مايو/آيار 1902. بين "بريطانيا وإثيوبيا"، وهو الاتفاق الذي غابت عنه السودان آنذاك، باعتبارها أرض محتلة تخضع لبريطانيا التي مثلتها في الاتفاقية، وخلفت ثغرات في بعض النقاط.

تسبب هذا الأمر في وقوع حوادث مستمرة، بين السودانيين والمزارعين الإثيوبيين، الذين يأتون للعمل في أراض يؤكد السودان أنها تقع ضمن حدوده. 

ويذكر، أن عصابات إثيوبية مدعومة من حكومة "أديس أبابا"، تستولي على أراضي مزارعين سودانيين في "الفشقة" بعد طردهم منها بقوة السلاح، وتتهم الخرطوم الجيش الإثيوبي بدعم هذه العصابات.

وبعد غياب استمر نحو 25 عاما، أعاد الجيش السوداني، في 30 مارس/آذار 2020. انتشاره في المنطقة المذكورة.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أكد مجلس السيادة الانتقالي، بقيادة الفريق أول "عبد الفتاح البرهان"، عدم التفريط في أي شبر من الأراضي السودانية المحتلة. 

خلفية النزاع

تعتبر منطقة "الفشقة الصغرى" التي تشهد اندلاع نزاع شرس يلوح في الأفق بين الخرطوم وأديس أبابا، إحدى المحليات الخمس المكونة لـولاية القضارف بشرق السودان، وتحتل إثيوبيا في صورة ميليشيات تابعة لها نحو مليون فدان من هذه الولاية.

و"الفشقة" عبارة عن مثلث حدودي، تقع قاعدته على الحدود الدولية بين السودان وإثيوبيا المتاخمة لإقليم الامهرا الإثيوبي، أما رأس المثلث في نقطة التقاء نهري العطبراوي والباسلام عند قرية سودانية تسمى (حلة حكومة)، حيث يجري العطبراوي من الجنوب إلى الشمال، والباسلام من الغرب إلى الشرق.

ويقع في جنوب الفشقة "جبل حلاوة" وهو جبل طولي، على النقطة الحدودية بين البلدين وفقا لترسيم 1902، حيث يقع منتصف الجبل في السودان (جهة الغرب)، ونصف في إثيوبيا (جهة الشرق)، وهو مثل واحدة من النقاط الثلاث التي أثارت الخلاف عام  2006، بين الحكومتين، وأوقفت عمل لجنة إعادة ترسيم الحدود مع جزيرة الدود وعبد الرافع.

وتستمر المناوشات بين الحين والآخر بين العصابات الإثيوبية، تحديدا "الشفتا" والميليشيات القبلية المسلحة، وبين السودانيين، وكثيرا ما تم طرد وقتل المزارعين السودانيين وعمالهم والاستيلاء على آلياتهم ومعداتهم الزراعية، من قبل تلك العصابات.

وفي يوليو/تموز 2015، اندلعت معركة "بني شنقول" عندما قامت ميليشيا أثيوبية مسلحة باعتداء غاشم على تجمعات الدفاع الشعبي السوداني بالشريط الحدودي، وتوغلت داخل عمق الأراضي السودانية، حيث تمكنت قوات الدفاع الشعبي من التصدي لها، مع وقوع خسائر بشرية بين الطرفين.

بعدها هدأت الأمور نسبيا، ولكن مع بدء موسم الخريف شنت ميليشيات أثيوبية هجمات على قرى (خور شطة - أب سعيفة - خور سعد - شنقال)، ونهبت ممتلكاتهم ومدخراتهم، واضطر المواطنون إلى هجر قراهم والزحف نحو منطقة "عطرب"، الواقعة على الطريق القومي (القضارف - القلابات)، بعد أن وجدوا أنفسهم في مواجهة جهات مسلحة، تتمتع بدرجة عالية من العتاد والمعدات القتالية، والإمداد. 

وكانت "إثيوبيا" تستغل الحروب الأهلية الدائرة في السودان والصراعات القبلية المشتعلة هناك، والتي أدت إلى إضعاف الدولة والحكومة المركزية، وانشغال الجيش في حروب مستمرة، لتفرض سيطرتها على تلك المناطق وتؤسس ميليشيات وعصابات شبه نظامية تحرم الخرطوم من أرضها وتهدد شعبها. 

عهد جديد

مع عزل الرئيس "عمر البشير"، وحدوث حلحلة لبعض الأزمات الداخلية المعقدة في السودان، خاصة النزاع القبلي والحروب الأهلية، بدأت إرهاصات عهد جديد مختلف في السياسة الخارجية، وخاصة قضايا الحدود المتنازع عليها.

 وفي 8 أبريل/نيسان 2020. قام رئيس المجلس السيادي السوداني، "عبد الفتاح البرهان"، بصحبة ضباط هيئة العمليات ومدير الاستخبارات العسكرية بزيارة الفشقة.

جاء ذلك، وسط تصاعد التوترات في المنطقة، بعد احتشاد القوات العسكرية الإثيوبية بمحاذاة الفشقة.

 وكان الجيش الإثيوبين قد توغل في منطقة "شرق سندس" بالفشقة بمساحة تقدر بـ 55 ألف فدان، وهي عبارة عن مشروعات زراعية تخص مزارعين سودانيين بالقضارف، وهو ما أثار غضب الدولة السودانية وحفزها للتقدم في حسم ذلك الملف. 

وفي 28 مايو/آيار 2020، شهدت ولاية القضارف توترات جديدة بعد تسلسل ميليشيات إثيوبية للحدود، واعتدائها على المشاريع الزراعية بمنطقة "بركة نوريت" و"قرية الفرسان"، و"منطقة الفشقة"، كما اشتبكت مع قوة عسكرية سودانية في معسكر "بركة نورين"، ما أدى إلى مقتل نقيب في الجيش السوداني وطفلة، إلى جانب جرح عدد من العسكريين والمدنيين.

وفي 5 ديسمبر/كانون الأول 2020، استرد الجيش السوداني، لأول مرة منذ زمن بعيد، مساحات زراعية في منطقة الفشقة التابعة لمحلية الفريشة على الشريط الحدودي المحاذي لإثيوبيا، وأسست ارتكازا عسكريا ثابتا هناك لحماية المواطنين السودانيين، من هجمات العصابات الإثيوبية المدعومة حكوميا. 

تطوُّر الموقف السوداني، دعا إثيوبيا إلى مطالبة جارها السودان، بـ"إنهاء تحركاته العسكرية بشكل عاجل في المناطق الحدودية المتنازع عليها".

وقال وزير الخارجية الإثيوبي "ديميكي ميكونين" في اجتماع حول المشكلة الحدودية مع الخرطوم، إن "سياسة السودان تتعارض مع الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، داعيا الخرطوم إلى الوقف الفوري لتحركاتها العسكرية الحدودية". 

وفي 24 ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلنت مصادر عسكرية سودانية أن "الجماعات الإثيوبية المسلحة والمدعومة من الجيش الإثيوبي، شنت هجوما بالمدفعية الثقيلة على الجيش السوداني في منطقة أبو طيور بالفشقة الصغرى". 

ومن جانبه أعلن قائد القوات البرية بالجيش السوداني، الفريق ركن، "عصام كرار"، أن "القوات المسلحة السودانية جاهزة لتحرير أرض السودان".

معركة شعب 

الصحفي السوداني "محمد نصر"، قال "للاستقلال" إنه "على الجانب الإثيوبي وسائر الدول التي اغتصبت حقوق الخرطوم في الماضي، أن تعلم أن أرض السودان حق لا يسقط بالتقادم، وأن استعادة الأرض المغتصبة ليست معركة الجيش السوداني وحده، بل معركة شعب له وزنه وثقله التاريخي في المنطقة". 

وأضاف: "السودان في السابق كان يعاني من ضعف دولته، وسقوطها في فخ مؤامرات دولية وإقليمية، وصراعات داخلية مريرة دمرت الأخضر واليابس، كالحرب في دارفور، وجنوب كردفان، التي سلبت مقدرات الجيش السوداني، وتسببت في ضعف سيطرته على الحدود، واستباحة أراضي السودانيين من قبل العصابات والميليشيات الإثيوبية". 

وذكر: "عندما تضرب الحكومة والقوات المسلحة تحديدا بيد من حديد على يد تلك العصابات، وتسعى إلى استعادة الأراضي المحتلة، فإن هذا يعطي ثقة لعموم الشعب أن السوداني ما زال قادر على بناء دولة قوية، وأن السودان القادم مختلف عن السابق".

وتابع: "نحن لدينا كثير من القضايا المماثلة، في القضارف والفشقة، وفي مثلث حلايب، وكلها حق أصيل للسودان لا يجب التفريط فيه مقابل السياسة أو المواءمات مع دول الجوار".

ففي الفشقة استولت "إثيوبيا" على مليون فدان لمدة 20 سنة، كانت يمكن أن تعود بالخيرات والموارد على سودانيين يعانون الفقر والحاجة، بالإضافة أن سيادة الدولة لا يعادلها شيء، حتى لو كانت هذه الأرض قاحلة، فإنها تقع ضمن زمام السودان وتستحق التضحية، وفق نصر.