موقع إيطالي: احتجاجات فلاحي الهند قد تطيح بحكومة مودي الثانية

12

طباعة

مشاركة

يتواصل منذ 3 أشهر، تدفق عشرات الآلاف من الفلاحين في الهند إلى العاصمة دلهي، احتجاجا على 3 قوانين مثيرة للجدل تتعلق بـ"السياسة الزراعية"، يرى الفلاحون أنها ستزيد من إفقارهم.

وقال موقع "مركز تحليل العلاقات الدولية" الإيطالي: إن "هذه الاحتجاجات المستمرة، باتت تشكل أكبر التحديات، ليس فقط من الناحية العددية ولكن أيضا من الناحية السياسية، التي تواجهها حكومة ناريندرا مودي في ولايتها الثانية (بدأت عام 2019)".

وأوضح أن "احتجاج الفلاحين وهتافهم بشعار (نحو دلهي)، اتخذ  شكل مسيرة إلى العاصمة، بمشاركة عشرات الآلاف، رفضا لـ 3 قوانين أصدرتها حكومة مودي في 20 سبتمبر/أيلول الماضي، من شأنها أن تحدث ثورة في القطاع الزراعي الهندي بأكمله".

تمرد حقيقي

وذكر الموقع الإيطالي أن هذا الإصلاح يتكون من 3 قوانين، أولا، "تعزيز ظروف المزارعين واتفاقية لحماية ضمان الأسعار والخدمات الزراعية"، ويهدف إلى  السماح للمزارعين بالتواصل مع تجار الجملة والتجزئة والمصدرين، وما إلى ذلك، على قدم المساواة دون تدخل وسطاء، وتحديد أسعار المنتجات الزراعية حتى قبل جمع المحصول. 

ويتعلق مشروع القانون الثاني بتعديل قانون السلع الأساسية، ويهدف إلى زيادة الاستثمارات الموجهة نحو تحديث المرافق اللازمة للقطاع الزراعي بما في ذلك تحديث سلسلة الإمداد الغذائي، فضلا عن إنشاء بيئة سوق تنافسية وتجنب إتلاف المنتجات الزراعية الناتج عن عدم وجود مرافق تخزين مناسبة. 

وثالثا، مشروع قانون ترويج وتسهيل التجارة وتجارة المنتجات الزراعية، للرفع من ظروف جذب استثمارات القطاع الخاص لبناء سلاسل التوريد والبنية التحتية الزراعية، وتوجيه توريد المنتجات الزراعية الهندية إلى الأسواق المحلية والدولية.

وبينما توصف هذه الإصلاحات من قبل الحكومة بأنها "ضرورية" من أجل جذب المزيد من الاستثمارات، يملك المزارعون تصورا مختلفا تماما عنها ويتهمون الحكومة بعدم استشارتهم بشأن التغييرات.

وفي هذا الإطار، أوضح الموقع أن الحكومة الهندية تحاول تجاهل انتقادات الفلاحين، من خلال إعادة التأكيد على أن القوانين الجديدة ستؤدي إلى "زيادة رفاهية المزارعين بفضل تبسيط القطاع الزراعي الهندي بأكمله وفتح المجال أمام استثمارات خاصة ضخمة".

في المقابل، يعتقد العديد من النشطاء وممثلين عن الفلاحين، والفلاحين أنفسهم أن هذه القوانين ستسبب في زيادة فقرهم، كما يشتكي معارضو القوانين المعنية من أنها صدرت لمنفعة حصرية لبعض الشركات الكبيرة المرتبطة بمصالح خاصة وشخصية بالعالم السياسي.

وبحسب الموقع الإيطالي، أبرز هؤلاء، موكيش أمباني وغوتام أداني، أصدقاء قدامى وأنصار مودي.

وتبلغ ثروة أمباني، أغنى رجل في الهند وآسيا، 88.8 مليار دولار، ويدير شركة "ريلاينس إندستريز"، إحدى أكبر التكتلات الهندية وأكثرها نفوذا، ولها مصالح محددة وعميقة في قطاعات متعددة، بما في ذلك الزراعة. 

بدوره، وجهت اتهامات للملياردير أداني، صاحب مجموعة شركات "أداني"، في عدة مناسبات بتلقي مزايا من مودي؛ لزيادة شبكة شركاته في البلاد.

ويصف الموقع الإيطالي هذه الاتهامات بـ"المهمة والقائمة على أسس سليمة"، وعلى عكس ما تأمله الحكومة، وأعاد اتحاد الفلاحين الذي نظم الاحتجاجات ضد القوانين الثلاثة المعنية، الحديث عنها، واتهم مودي وحكومته بفرض قوانين "ملائمة" لفائدة "الأصدقاء الصناعيين".

عواقب كارثية

وبحسب الموقع، يتمثل الخطر الحقيقي لهذه  القوانين في الرفع من نسبة البطالة وزيادة الديون على صغار الفلاحين، الذين قد يضطرون إلى بيع ممتلكاتهم لمجموعات كبيرة ستهتم بشكل مباشر بالإنتاج و تسويق البضائع.

ويرى أنه "إذا لم يتم التوصل إلى حلول بسرعة، فإن الاستياء المتزايد للفلاحين، الذي يتخذ سمات تمرد حقيقي، يمكن أن يحدث تمزقا اجتماعيا يصعب إعادة بنائه".

وأضاف: أن "الاستياء قد يتسبب أيضا في عواقب كارثية على مستقبل البلاد بأكملها وخاصة على الحكومة التي يقودها حزب بهاراتيا جاناتا، صاحب الأغلبية البرلمانية".

وذكر الموقع أن "أكثر من 60٪ من سكان الهند يرتبطون بشكل مباشر وغير مباشر بالقطاع الزراعي، ويمثل الفلاحون دائما خزانا أساسيا من الأصوات لكل حزب".

وأوضح أن "إصلاح القطاع الزراعي لطالما كان جزءا من أجندة مودي منذ ولايته الأولى في 2014، ولكنه اضطر إلى سحب (مؤقتا) اقتراح لتخفيف قوانين حيازة الأراضي، خوفا من وقوع نتائج سياسية عكسية خطيرة في أعقاب الاحتجاجات الحاشدة في جميع أنحاء البلاد".

ورغم هذه الخطوة، أكد الموقع أن معاناة المزارعين في المناطق الريفية الهندية لم تهدأ، بل على العكس من ذلك، تفاقمت تماما وأدت إلى اندلاع أعمال عنف واسعة النطاق، على غرار ما حدث عام 2017 في مدينة ماندسور الواقعة بولاية ماديا براديش وسط الهند.

وفي أحداث 2017، قُتل العديد من المزارعين بنيران الشرطة، إثر احتجاجهم للمطالبة بإلغاء الديون الكبيرة وزيادة أسعار المحاصيل.

وبداية 2018، أعقبت الأحداث التي وقعت في ماندسور، احتجاجات لآلاف الفلاحين في ولاية ماهاراشترا، تحولت إلى مسيرة نحو مومباي.

ولتهدئة المحتجين، أعلنت الحكومة الفيدرالية تلبية مطالب الفلاحين، لكنها لم تعمل على تنفيذ الحل الذي اقترحته مما أدى إلى زيادة استياء الفلاحين في جميع أنحاء البلاد.

قوة انتخابية

وعلى الرغم من أن الفلاحين في الهند، يمثلون قوة انتخابية كبيرة لا يستطيع أي حزب تحمّل تبعات فقدانها، إلا أن الانتصار الانتخابي الساحق لحزب بهاراتيا جاناتا في برلمانيات 2019، سمح لرئيس الوزراء مودي بسن سلسلة كاملة من السياسات والإصلاحات غير القابلة للتحقيق، بما في ذلك الإصلاح المتعلق بالقطاع الزراعي.

واعتبر الموقع أن "هذه القوانين كانت في وقت مبكر من سبتمبر/أيلول الماضي، سببا للعديد من الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد. لكنها تختلف عن الاحتجاجات الحالية بوقوعها على مستوى محلي داخل كل ولاية".

وتابع: "لذلك حاولت الحكومات الفيدرالية حل المشكل بشكل مستقل، وقد أدى فشل المفاوضات، التي شملت الحكومة المركزية وكل حكومة فيدرالية على حدة، والفلاحين والجمعيات التي تمثلهم من جهة أخرى، في الأشهر الثلاثة الماضية، إلى إثارة غضب المزارعين ودفعهم إلى مسيرة مباشرة نحو العاصمة".

ويأتي معظمهم من الولايات الشمالية الست للهند، وهي هاريانا، أتر براديش، تشهاتيسجاره، وأوتاراخاند، وهيماشال براديش، وبشكل أساسي من بنجاب، وهي الولاية التي تمثل لوحدها مخزن الحبوب الرئيسي للهند.

وكانت بنجاب في مقدمة من ثار على مشاريع القوانين الثلاثة لحكومة مودي، وقام المحتجون فيها بشل حركة السكك الحديدية لمدة شهرين تقريبا.

وقال الموقع الإيطالي: إن "ردود الفعل السياسية في البنجاب، حيث فاز حزب بهاراتيا جاناتا خلال انتخابات الولاية الأخيرة لعام 2017 بثلاثة مقاعد فقط من أصل 117، لم تتأخر طويلا".

وبعد أيام قليلة من المصادقة على القوانين المعنية، أعلن حزب "شيروماني أكالي دال"، أحد أقدم حلفاء حزب "بهاراتيا جاناتا"، مغادرته التحالف الحاكم، مبررا ذلك بأنه "عدم الاستمرار في دعم حزب بهاراتيا جاناتا في سياساته ضد الفلاحين وضد ولاية بنجاب".

وفي 26 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقعت أولى الاشتباكات بين الآلاف من الفلاحين والشرطة قرب حدود العاصمة، وكما كان متوقعا، وصف بعض أعضاء الحزب الحاكم وأنصاره، الفلاحين الذين احتجوا على أنهم "عناصر مناهضة للقومية"، وهو اتهام يوجه لأي شخص ينتقد حكومة مودي، وفق الموقع الإيطالي.

وأوضح أن "ولاية مودي الثانية تنتهي عام 2024 وبالتالي لا يزال الطريق طويلا، ولكن إذا لم تتم السيطرة على الوضع في الوقت المناسب، فإن المعارضة المتزايدة ضد حكومته من جبهات داخلية متعددة يمكن أن تقوض المستقبل السياسي لمودي وحزب بهاراتيا جاناتا بأكمله.

وختم الموقع الإيطالي تقريره بالقول: "لم يعد مجرد استخدام ورقة القومية كافيا لاحتواء معارضة متنامية بشكل متزايد، والتي يعد احتواؤها ضروريا لضمان بقاء الحزب على رأس البلاد".