اضطهاد الصين للأقليات المسلمة.. كيف تحول إلى ورقة سياسية دولية؟

12

طباعة

مشاركة

تحتفظ آسيا الوسطى بمكانتها في التاريخ والحاضر كواحدة من أكثر المناطق التي تشهد اختلافات سياسية نظرا لموقعها الإستراتيجي المميز.

من المناطق التي تشهد مثل هذه الاختلافات، تركستان الشرقية التي بدأت قضيتها بعد احتلال الصين لها في القرن الثامن عشر بعد أن كانت منطقة تأسست فيها العديد من الدول التركية مثل الغوك ترك والإيغور.

وفي هذا الصدد تقول صحيفة "ستار" التركية: إنه "بعد اضطرابات واسعة حدثت في المنطقة، ضمت الصين منطقة سنجان إليها وبدأت في تطبيق سياسات صارمة لمحو ثقافة ودين الإيغور ودفعهم لقبول الحكم الصيني وسياساته".

وأضافت في مقال للكاتب صلاح الدين تشاكيرغيل: "أن تدخل النظام الشيوعي الصيني وقمعه واضطهاده للمسلمين ليس بالأمر الجديد".

وأردف: كنت قد نشرت في صحيفة "مللي" في الأعوام 1976ـ1977 ما رواه الراحل عيسى يوسف ألب تكين، قائد المسلمين الذين أسسوا دولة مستقلة في تركستان الشرقية عام 1949 والذي لجأ إلى تركيا قادما من الهند عقب هزيمته بعد تسعة أشهر.

وتابع: "كان ألب تكين يبكي عما عانوه من اضطهاد رهيب خاصة بعد هزيمتهم، في فترة الاضطرابات التي لم يكن فيها ماو (تسي تونغ رئيس الحزب الشيوعي الصيني) والشيوعيون قد نجحوا بعد ضد المارشال شيانغ كاي شيك (رئيس صيني قاد حملة لتوحيد الصين ضد أمراء الحرب)".

سياسة الاستغلال

وتابع الكاتب: كان عيسى يوسف يصف خيبة أملهم قائلا: "كنا قد أعلنا استقلالنا وتبنينا علما أزرق عليه رمز الهلال والنجمة وقمنا بإرسال أولى رسائلنا من خلال تركيا إلى العالم قائلين - سلام من العلم السماوي (تركستان الشرقية) إلى العلم القاني (تركيا) لكننا لم نتمكن من الحصول على أية إجابة-".

ويعلق الكاتب: "هناك دائما مساحة وحتى يمكن أن نقول فجوة بين ما هو مثالي وبين الواقع. ومن الواضح أنه، لا سيما في ذلك الوقت، لم يكن لدى أي من البلدان الذي كان شعبها مسلما القدرة على مساعدة مسلمي تركستان، كما هو الحال اليوم أيضا".

واستدرك: "لكن وباستغلال هذا الضعف، فإن بعض الناس حتى في مجتمعنا، ينكرون الفظائع المرتكبة في تركستان الشرقية ويحاولون الدفاع عن النظام الصيني وحتى شرح مدى براءة النظام الشيوعي. ويأتي على رأسهم الرئيس المعروف (لم يذكره) لحزب حصل على نحو ألف من الأصوات في كل الانتخابات التي شارك فيها لسنوات في تركيا".

ومع ذلك يرى الكاتب التركي أنه من الضروري أن نتذكر حقيقة دولية أخرى ومكائد القوى الإمبريالية، حيث إن النظام الشيوعي الصيني، على قدم المساواة مع أميركا في قابليته على أن يصبح أكبر قوة رأسمالية في العالم. 

لذلك، لا تعمل أميركا على إظهار منافسيها المحتملين كضعفاء فحسب، بل تبحث أيضا عما إذا كانت هناك بؤر في البنى الداخلية تسعى إلى التمرد والانفصال. 

وفي حال لم تجد تسعى لخلق واحدة بنفسها، حيث إن الطريقة الأكثر فعالية لهدم البنى الاجتماعية هي عمليات الفوضى والاضطراب الداخلي والانفصال، وفقا للكاتب.

وأردف: "من هنا فإن أميركا تحاول أن تضرب نقاط ضعف الدول الآخذة في النمو مثل الصين التي برزت كقوة عظمى جديدة، في وقت يبرز حديث بأن الصين ستكون أكبر منافس للولايات المتحدة في مجال الفضاء في المستقبل القريب".

ويلفت الكاتب إلى أن المصادر التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها تقوم بنقل الاضطرابات الموجودة في الصين بشكل أكبر مؤخرا إلى جدول الأعمال العالمي. 

وأضاف أن هذه الاضطرابات ليست أكاذيب ولم يتم اختراعها بشكل عام؛ لكن أميركا تقوم برفع وخفض فتيل الاضطرابات الموجودة مسبقا وفقا لمصالحها الخاصة.

وفي هذا الصدد، يعتبر الكاتب أن تركستان الشرقية تبدو كأكثر الاضطرابات الداخلية التي يمكن أن تستفيد منها أميركا في الصين. وقد تحدث البابا فرانسيس، "القائد العالمي للمسيحيين الكاثوليك"، مؤخرا عن "الإيغور المضطهدين الذين تعرضوا للقمع بسبب الاضطهاد الصيني".

وأردف قائلا: لكن أولا وقبل كل شيء كانت الفاتيكان صامتة بشأن الفظائع المروعة والإبادة الجماعية ضد المجتمعات المسلمة الأخرى خاصة في حرب البوسنة (والتي قتل فيها 8 آلاف شاب ورجل مسلم خلال خمسة أيام) وتبنت ذات الموقف بشأن أرمينيا التي احتلت خمس أذربيجان لسنوات طويلة.

ويستدرك الكاتب التركي قائلا: "لكن ترغب بعض الدول ـ أكثر من ثلاثين دولة ـ بقيادة الولايات المتحدة بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في أوضاع حقوق الإنسان في تركستان الشرقية".

من ناحية أخرى هناك من يرى في بعض الأوساط الداخلية، أن غياب توقيع تركيا يدل على موقفها الضعيف وغير الحازم. لكن أنقرة وإن كانت مهتمة بالقضية طبعا، فإنها تركز جهودها لحلها وتحسين الأوضاع دبلوماسيا حتى لا تتسبب في وضع المسلمين هناك في موقف ووضع أكثر صعوبة، يقول الكاتب.

شهود عيان

وتطرق الكاتب إلى شهادة شهود عيان في مقاطعة قانسو الصينية، مستندا إلى مقال نُشر في 20 نوفمبر/تشرين الثاني في صحيفة "لوس أنجلوس تايمز".

"تبدأ العبادة الصباحية بعشرات الرجال الذين يرتدون قبعاتهم البيضاء ويدخلون المساجد بهدوء ويحيون بعضهم البعض، لكن بدون أذان. وقد كشف شروق الشمس عن تدمير قباب ومآذن المساجد الثلاثة الكبرى في المدينة".

يقول حسان الذي يبلغ من العمر 36 عاما، ويدير فندقا (عن هدم قباب المسجد ومآذنه): "لقد حدث ذلك فجأة وتقبلنا الأمر – كيف كان بإمكاننا ألا نفعل؟"

تحاول الصين قطع علاقة شعب مقاطعة قانسو مع دينهم ليدخلوا في ولاء الحزب الشيوعي وتقدم خطة هندسة اجتماعية توفر لهم سبل حياة أفضل.

وهناك حملتان تستمران معا على الصعيد الوطني: "إظهار إرادة الحزب الشيوعي وتقديم الدين كخطيئة" من أجل تدمير النفوذ الأجنبي ووضع الدين تحت سيطرة الدولة.

ويقول رجل الأعمال ما تشونغ شيان من "الهوي" (الاسم الذي يطلق على المسلمين من أصل صيني) البالغ من العمر 55 عاما: "إنهم يتحكمون بنا. ومع ذلك، سيتأثر الجيل القادم في الغالب. من المحتمل أن يفقدوا إيمانهم، أو يقل بشكل كبير".

هناك حرية نسبية للبالغين في العبادة، لكن الحزب الشيوعي يحظر صلاة الجمعة خارج المساجد ويحظر دخول الأطفال إليها. وجرى منع "مدارس القرآن الصيفية"، التي يرتادها العديد من أطفال الهوي.

 كما قال رجل الأعمال: إنه وعلى الرغم من أن المسلمين يشكلون 60٪ من سكان لينشيا فقد تم حظر الأذان باعتباره "مشكلة الناس الرئيسية".

ومع ذلك، فإن مسلمي قانسو أكثر راحة من الإيغور الذين "يتم إرسالهم إلى مصانع منخفضة الأجور" لارتكابهم "جرائم" مثل "إطلاق اللحية"، أو "تثبيت واتساب على هواتفهم"، أو "وجود أفراد من العائلة في الخارج".

وتقول مافوتوماي مسلمة من الهوي، تبلغ من العمر 30 عاما وتعمل في مصنع وتكسب حوالي 380 دولارا في الشهر: إنها فخورة بصيام رمضان وأنها ترتدي الحجاب في المصنع، وإذا ما طلب منها خلعه فستقاوم، وهي تتحدث بالمنغولية التي تتخللها كلمات فارسية وعربية وتركية وماندارين (صينية).

ويختم الكاتب مقاله متسائلا: ما رأيكم؟ هل أسمعكم تقولون "هذه الممارسات ليست غريبة على مجتمعنا منذ 100 عام!".