ليست جوهانسون.. ما الذي دفع السيسي للإفراج عن معتقلي "المبادرة"؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم تكد تمر بضع سويعات على مطالبة نجمة هوليود سكارليت جوهانسون للسلطات المصرية بالإفراج عن أعضاء المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، حتى استجاب نظام عبد الفتاح السيسي لندائها وأطلق سراحهم فورا.

نداء النجمة الأميركية، سبقه مطالبات أخرى كثيرة من منظمات دولية، وضغوط من حكومات غربية، أبرزها فرنسا التي وجهت خارجيتها رسالة شديدة اللهجة إلى الحكومة المصرية، فيما دعت وسائل إعلام فرنسية ومنظمات مجتمع مدني إلى ضرورة اتخاذ موقف أكثر صرامة من السيسي.

البعض ربط بين الإفراج عن أعضاء المبادرة وزيارة السيسي المرتقبة إلى فرنسا للقاء الرئيس إيمانويل ماكرون، أقرب الزعماء الأوروبيين إليه، حيث تربطهما علاقة تعاون مشترك في مجموعة من الملفات على الصعيدين الإقليمي والدولي.

نظام مهزوز

مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2020، نشرت نجمة هوليوود سكارليت جوهانسون، مقطعا مصورا على "يوتيوب"، طالبت خلاله السلطات المصرية بالإفراج الفوري عن أعضاء "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية".

جوهانسون قالت: "اليوم أنضم إلى الناس في مصر وحول العالم للمطالبة بالإفراج الفوري عن جاسر وكريم ومحمد وباترك. كل عام وأنت طيب يا كريم، لست وحدك".

بعدها بساعات، وتحديدا في 3 ديسمبر/ كانون الأول 2020، أمرت النيابة العامة في مصر بالإفراج عن 3 مسؤولين في "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، وهم المدير التنفيذي للمبادرة جاسر عبد الرازق، والمدير الإداري محمد بشير، ورئيس وحدة العدالة الجنائية بالمجموعة كريم عمارة.

التزامن بين حديث سكارليت جوهانسون، والإفراج عن المعتقلين، جعل الكثيرين يربطون بين المقطع المنشور، واستجابة السلطات لجوهانسون، لدرجة سخرية البعض من "اهتزاز" النظام المصري أمام نجمة هوليوود.

عضد تلك الفرضية ما نشره مؤسس المبادرة حسام بهجت، عبر فيسبوك، عندما قال: "يمكنني أن أؤكد أن أصدقائي وزملائي في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية جاسر وبشير وكريم قد تم إطلاق سراحهم وهم في المنزل وهو ما أعتقد أنه يعني أننا (وأنت) تمكننا من إطلاق سراح موظفي المبادرة"، ثم أوضح بهجت، في تغريدة عبر تويتر، أنه قصد بـ"أنت" الإشارة إلى دور الممثلة الأميركية سكارليت جوهانسون.

فرنسا تنتظره 

آخرون فسروا سبب الإفراج بقرب زيارة السيسي إلى فرنسا، مدللين على ذلك بأن باريس كانت أول المنتقدين لنهج السلطة المصرية تجاه أعضاء "المبادرة"، بعدما أعربت وزارة الخارجية الفرنسية، في بيان، بتاريخ 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، عن "القلق العميق إثر اعتقال المدير الإداري للمبادرة محمد بشير".

باريس أكدت في بيانها أنها "تجري حوارا صريحا وحازما مع السلطات المصرية في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك بعض الحالات الفردية. وتعتزم مواصلة هذا الحوار، وكذلك التزامها بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان".

موقف فرنسا المتصاعد ضد نظام السيسي، كان لعدة أوجه منها أن التوقيف جاء عقب لقاء بمقر "المبادرة" في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، حضره مجموعة من سفراء الدول الأوروبية، ومن بينهم السفير الفرنسي بالقاهرة.

صحيفة "لوموند" الفرنسية أكدت في تقريرها يوم 3 ديسمبر/ كانون الأول 2020 أن فرنسا كانت عازمة على أن "لا تسكت في وجه التصعيد القمعي للحكومة المصرية".

وقالت الصحيفة: "الرئيس المصري يوشك على قدوم باريس في زيارة رسمية لفرنسا، وتحديدا في 7 ديسمبر/كانون الأول 2020، ومن الضروري لماكرون أن يوضح للسيسي أن حكومته يجب أن تفرج عن موظفي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وكذلك جميع المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين المحتجزين تعسفيا".

رسالة "لوموند" خرجت في صورة دعوة وجهت إلى ماكرون ووزير خارجيته جان إيف لودريان ومعهما أكثر من 500 شخصية بارزة للتحرك تجاه الإفراج عن أعضاء المبادرة ووقف التصعيد القمعي ضد المدافعين عن حقوق الإنسان قبل زيارة السيسي إلى فرنسا.

"لوموند" قالت بشكل مباشر: "لا يمكن لفرنسا أن تبقى صامتة في وجه هذا التصعيد القمعي لحكومة تقيم معها علاقات اقتصادية وإستراتيجية وثيقة. بادئ ذي بدء، لأن فرنسا تبيع أسلحة ومعدات مراقبة بوليسية لمصر".

وأضافت: "يتم تمويل هذه العقود التي تقدر بمليارات اليوروهات من خلال قروض من أموال دافعي الضرائب الفرنسيين، ما يجعل بلدنا ومواطنينا متواطئين في الفظائع التي يرتكبها النظام".

تراكمات سابقة 

في يناير/ كانون الثاني 2019، وخلال مؤتمر صحفي مشترك في القصر الرئاسي بالقاهرة، وقع سجال علني بين ماكرون والسيسي حول حقوق الإنسان في مصر.

ماكرون قال حينها: "صورة مصر يمكن أن تسوء بسبب الأوضاع الحقوقية"، وأضاف: "لن أكون صديقا مخلصا لمصر اليوم، لو لم أعبر عن حقيقة ما أعتقده".

ماكرون في ذلك الوقت لم يلفت انتباه السيسي لسوء الأوضاع فقط، وإنما كان يحاول تجاوز وضع حرج تعرض له خلال استقباله السيسي بباريس في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، ورفضه وقتها الحديث مع السيسي في ملف حقوق الإنسان، ما عرضه لانتقادات المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني في فرنسا بضراوة.

ماكرون حاول تدارك الأزمة في مؤتمر القاهرة بعد نحو عامين عندما قال: "الأمور لم تكن تسير في الاتجاه الصحيح منذ 2017. هناك مدونون وصحفيون ونشطاء سجنوا بعد هذا التاريخ".

منظمة هيومن رايتس ووتش، قالت في تقريرها بتاريخ 2 ديسمبر/ كانون الأول 2020: "17 منظمة أعلنوا أنه على الرئيس ماكرون الضغط بشدة على الرئيس السيسي للتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان قُبيل زيارة الأخير المرتقبة لباريس، لا سيما حثه على إطلاق سراح النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان المحتجزين تعسفا".

وأضافت: "لطالما تساهلت الدبلوماسية الفرنسية، على أعلى المستويات، مع قمع السيسي القاسي لأي شكل من أشكال المعارضة. أمام ماكرون فرصة لن تتكرر للدفاع عن التزامه المعلن بتعزيز حقوق الإنسان في مصر".

السجالات التي حدثت بين مصر وفرنسا، لم تكن على المستوى الرئاسي فقط، بل امتدت إلى وزراء الخارجية، مثلما حدث يوم 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، عندما اعترضت الخارجية المصرية على إدانة الخارجية الفرنسية لاعتقال أعضاء المبادرة.

الخارجية المصرية قالت في بيانها: "نرفض ما تضمنه البيان الفرنسي من تدخل في شأن داخلي مصري ومحاولة التأثير على التحقيقات التي تجريها النيابة العامة مع مواطن مصري. البيان الصادر عن الخارجية الفرنسية لم يحترم القوانين المصرية، ودافع عن كيان يعمل بشكل غير شرعي في مجال العمل الأهلي".

التوتر الأخير في العلاقة بين البلدين لم تكن أكثر من سحابة صيف عابرة سرعان ما انصرفت بمجرد إطلاق سراح أعضاء المبادرة لتؤكد العلاقة المتقاربة بين النظامين المصري والفرنسي في مجموعة من الملفات الإستراتيجية.

تحتل مصر المرتبة الثالثة على قائمة الدول التي تشتري السلاح الفرنسي، وأبرمت القاهرة عقودا قيمتها 6 مليارات يورو لشراء أسلحة فرنسية منذ العام 2015، بحسب موقع فرانس 24 (حكومي)، ومن أهم تلك العقود شراء طائرات رافال القتالية.

بالإضافة إلى التوافق في الملف الليبي ضد تركيا، وكلاهما قدم دعما للواء المتقاعد خليفة حفتر، وكذلك ملف شرق المتوسط، حيث تساند فرنسا اليونان وقبرص ومصر ضد تركيا.