كورونا دفع حكومة المشيشي لموازنة تكميلية.. لماذا يرفضها برلمان تونس؟

طارق الشال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

دفعت أزمة كورونا الحكومة التونسية إلى ضرورة تقديم موازنة تكميلية (معدلة) لقانون المالية لعام 2020، لتفاقم عجز الموازنة عما كان مقررا لها بالأساس، نتيجة ارتفاع الديون وتدهور الخدمات العامة، إلى جانب اضطراب سياسي استمر عاما.

وفي 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، اصطدم مشروع قانون المالية المعدل لعام 2020 بمعارضة البرلمان التونسي للمرة الثانية، بعد رفض لجنة المالية المصادقة عليه، ومطالبة الحكومة بتقديم توضيحات إضافية حول النفقات والإيرادات المقدرة.

وتحتاج تونس إلى تمويلات إضافية تُقدر بنحو 8.1 مليارات دينار (2.95 مليار دولار)، بعد أن كانت في حدود 12 مليارا سابقا.

وتوقع محافظ البنك المركزي التونسي، مروان العباسي، في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، تسجيل انكماش في الناتج المحلي الإجمالي بين 7-8 بالمئة خلال العام الجاري، بعد تسجيلها انكماشا بـ 2 بالمئة في الربع الأول و20 بالمئة خلال الربع الثاني 2020.

وأكد العباسي أن الوضع الاقتصادي كان سيئا قبل "كورونا"، وازداد سوءا بفعل تداعيات الجائحة.

وردا على موقف البرلمان قال الرئيس قيس سعيد، في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020: "العمل في المرافق العمومية (مؤسسات الدولة) يجب أن يستمر رغم الخلافات"، مشددا على "ضرورة المصادقة على مشروع قانون المالية التكميلي المتعثر".

وشدد على أن الخلافات داخل البرلمان أو خارجه لا يمكن أن تمثل عقبة أمام المصادقة على قانون المالية.

تقليص النفقات

يهدف البرلمان إلى تقليص النفقات من أجل خفض المديونية وتقليص عجز الميزانية والعمل على إيجاد حلول اقتصادية حقيقية، بعيدا عن الاقتراض من البنك المركزي.

كانت الحكومة تعول على شراء البنك المركزي سندات خزانة لتمويل العجز، لكن البنك رفض الخطوة، قائلا: إنها سترفع التضخم وتخفض الاحتياطيات وتضغط على العملة المحلية ضمن مخاطر أخرى.

وحسب الخبير الاقتصادي والمتحدث باسم حزب قلب تونس صادق جبنون: "البرلمان يسعى إلى إيجاد صيغة تضمن الشفافية في الأرقام المقدمة في ميزانية الدولة، خاصة وأن الحكومات السابقة مثل حكومة يوسف الشاهد وإلياس الفخفاخ عملت بطريقة ما يسمى الحيل القانونية والمحاسبية لإخفاء جزء من عجز الميزانية في موازنات المؤسسات العمومية، مما أدى إلى التداين المفرط لدى البنوك دون خطة صناعية للخروج من الأزمة وتطوير أدائها".

وأضاف جبنون، لـ"الاستقلال": "هذا كله أدى إلى تفاقم الميزانية والعجز الحقيقى لها من 3 بالمئة إلى أكثر من 14 بالمئة، بالإضافة إلى عدم وجود خطة اقتصادية واضحة لدى حكومة الشاهد آنذاك، والتي كانت تتوقع نسب نمو بنحو 3 بالمئة وكانت نسب متفائلة للغاية وغير حقيقية، انتهت بنمو سلبي 2 بالمئة، ما انعكس على ميزانية 2020 مع حكومة هشام المشيشي الحالية".

جبنون أشار إلى أن البرلمان قام بدوره الرقابي وطالب الحكومة بنشر كل الأرقام دون أي توريه أو العمل بالطريقة القديمة من خلال الإفصاح الجزئي عن الأرقام، وطلب منها صدقية الأرقام وشفافيتها واستجابت لها الحكومة.

كان الاقتصاد التونسي قد سجل نسبة نمو قدرت بـ1 بالمئة خلال سنة 2019، وفق إحصاءات صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء.

وحول تقليص النفقات أوضح المتحدث باسم "قلب تونس"، أن التقليص هنا "يستهدف النفقات التي تؤدي إلى إهدار المال العام والكماليات وثقل الإدارة العمومية وتكاليفها على الدولة من أجل ترشيد النفقات وليس بهدف التقشف".

وتابع: "الميزانية التكميلية سيقع اعتمادها، لكن إثر مخاض عسير ومعقد نظرا لتناقض الرؤى بين الأطراف، ولوجود خلاف بين الحكومة والبنك المركزي من جهة وبين بعض الأحزاب والحكومة من جهة أخرى، مع العلم أن هذه الحكومة ليست حكومة حزبية، لكنها حكومة تقنية تتمتع بدعم جزئي في البرلمان ولا تتضمن تحالفا حزبيا أو سياسيا، وبالتالي هذا يصعب المسأله".

وفي 7 يونيو/ حزيران 2020، قال رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب، في تصريحات صحفية: إن خسائر بلاده سنويا من الفساد تبلغ نحو 3 مليارات دولار، مشيرا إلى أن تراكم الخسائر في العديد من المؤسسات يضعها على مشارف الإفلاس.

الطيب أشار إلى أن قطاع الطاقة من بين أكبر القطاعات التي تحوم حوله شبهات الفساد وسوء الحوكمة. ومنذ عام 2017، يتراوح ترتيب تونس في التصنيف العالمي لمكافحة الفساد بين المرتبة 73 و74 دوليا.

من جانبه، يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة قرطاج رضا الشكندالي، أن الميزانية التكميلية لسنة 2020 قدمت أرقاما تكاد تكون مفزعة بعجز قدر في حدود 13.8بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وأكد الشكندالي، لـ"الاستقلال"، بأن "ما دفع البرلمان لرفض هذه الموازنة هو شكوكه حول قدرة الحكومة على تعبئة هذه الموارد، خاصة أنه وفقا لخطوات الحكومة في العمل على ميزانيتها حتى أغسطس/آب 2020، لم تتمكن من تعبئة إلا القليل من الموارد الذاتية".

دوافع "المركزي"

يعد أبرز أسباب رفض البنك المركزي تمويل الحكومة في سد عجز ميزانيتها هو القانون رقم 35 لسنة 2016، والذي ينص في فصله 25 بالمادة الرابعة على أنه "لا يمكن للبنك المركزي أن يمنح لفائدة الخزينة العامة للدولة تسهيلات في شكل كشوفات أو قروض أو أن يقتني بصفة مباشرة سندات تصدرها الدولة". 

ما سبق يعني أن الدولة غير قادرة على الاقتراض من البنك المركزي، وفق نسب فائدة متدنية، ما يفضي في نهاية المطاف إلى إجبار الدولة على التوجه حصرا للبنوك التجارية وهيئات النقد الدولية للاقتراض أو بيع السندات.

ووفق جبنون، فإنه يمكن أن يتم تمويل الحكومة بصفة استثنائية من البنك المركزي في حدود معينة من خلال المصادقة على فصل استثنائي يضاف إلى قانون المالية. 

جبنون أكد وجود سبل أخرى للتمويل كالاقتراض من الهيئات الدولية، خاصة في ظل سياسة الشفافية التي تنتهجها حكومة المشيشي، والتي تمكن من إيجاد اتفاق مع صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى إعلان مجموعة العشرين استعدادها لتمويل الدول النامية والتي عانت من أزمة كوفيد 19.

مطلع سبتمبر/ أيلول 2020، قال رئيس الحكومة هشام المشيشي: "الدين العمومي يتفاقم، وأصبحت تونس تقترض 15 مليار دينار (5.4 مليارات دولار) سنويا، بالإضافة إلى أنها مطالبة بسداد 7.5 مليارات (2.7 مليار دولار) خلال 2020".

وفي 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أكدت وكالة موديز للتصنيف الائتماني، تصنيف تونس عند مستوى B2 مع نظرة مستقبلية سلبية.

وحسب خبراء، فإنه وفقا لهذه المؤشرات، تونس غير قادرة على الدخول للسوق المالية الدولية وإمكانية الاقتراض الوحيدة لها ستكون إما من الداخل أو من الخارج، لكن على مستوى ثنائي مع بعض الدول أو على مستوى المؤسسات الدولية.

إصلاحات واجبة

ووفقا لتلك المعطيات، فإنه على صانعي السياسات الاقتصادية في تونس التوجه نحو خطة إصلاح اقتصادي جذري تقوم على الشفافية وتشجيع قطاع الأعمال ومواجه قنوات الفساد التي تهدر الكثير من أموال الدولة.

وأكد جبنون، أن الموازنة التكميلية لن تحتوي على إجراءات جديدة وأن ما يتم الآن هو فقط مسألة تدقيق في الأرقام، مشيرا إلى أن الإصلاحات ستأتي في ميزانية 2021، في حزمة الإنقاذ الاقتصادي الذي تم إعداده في لجنة المالية بالبرلمان.

وتابع:"وهي الآن اكتملت ومستعدة للمرور إلى الجلسة العامة للمصادقة عليها، والتي من المفترض أن يتم اعتمادها في أقرب وقت نظرا لدقة الموقف أمام ارتدادات أزمة الكوفيد-19 على الاقتصاد والتشغيل وعلى الوضع في تونس عموما".

جبنون توقع أن تكون سنة 2021 صعبة، وأن العجز في ميزانيتها لن يقل عن 7 بالمئة، مطالبا بضرورة تحرير الاقتصاد من العقبات البيروقراطية ودفع عجلة الاستثمار، "لأن نسبة النمو هي وحدها كفيلة لإصلاح الوضع، أما غير ذلك فما هي إلا حلول وقتية (مسكنات) في انتظار حل جذري للأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد".

وقررت الحكومة عدم فرض أي ضرائب جديدة في قانون الموازنة لعام 2021 الذي بدأ البرلمان مناقشته خلال أكتوبر/تشرين الأول 2020، مع المحافظة على نفس قيمة الضرائب المعتمدة حاليا.

ويقدر حجم موازنة تونس للعام القادم بـ52.6 مليار دينار (19 مليار دولار) بزيادة 4 بالمئة مقارنة بنتائج موازنة العام الحالي والمقدرة بـ47.2 مليار دينار (17 مليار دولار).

السياسة الجبائية

بينما يأمل الشكندالي، أن "تنتهج الحكومة سياسة اقتصادية تحفز القطاع الخاص الذي يعاني من سياسات اقتصادية فاشلة، مثل السياسة النقدية الحالية التي أدت إلى ارتفاع  مستوى الفائدة مما يرهق كاهل المؤسسة الاقتصادية كونها تمثل كلفة الاستثمارات".

مضيفا: "السياسة الجبائية أدت إلى ارتفاع كبير على مستوى الضغط الجبائي، وكذلك سياسة الصرف المرنة التي ينتهجها البنك المركزي، والتي أدت إلى تراجع قيمة العملة المحلية وزادت من صعوبات المؤسسة الاقتصادية نتيجة ارتباطها بالخارج على مستوى توريد التجهيزات والمواد الأولية".

أيضا، وفق خبراء، فإن تقليص نسب الجباية يساعد على دمج الاقتصاد الموازي والذي يمثل نحو 54 بالمئة من حجم الاقتصاد الكلي إلى الاقتصاد المنظم، وتساعد أيضا في تقليص نسب التهرب الضريبي والذي يمثل نسبا عالية في تونس.

نتائج المسح حول السكان والتشغيل، التي أجراها معهد الإحصاء الحكومي، للربع الثاني من 2020، أوضحت أن 111 ألفا فقدوا وظائفهم في الفترة من مارس/ آذار ويونيو/ حزيران 2020، وأن عدد العاطلين عن العمل بلغ 746.4 ألفا من مجموع السكان النشطين مقابل 634.8 ألف عاطل عن العمل تم تسجيله خلال الربع الأول من 2020.

وعلى هذا الأساس، ارتفعت نسبة البطالة إلى 18 بالمئة، ومن المفترض أن يساهم تصحيح تلك السياسات في توظيف الآلاف من العاطلين في القطاع الخاص، في مقابل القطاع العام الذي وصل حد الذروة على مستوى التوظيف، ولا يمكنه أن يوظف أكثر مما هو عليه الآن.