فالح الفياض.. أنقذه صدام من المؤبد واختارته طهران ليرأس الحشد الشعبي

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

طالما عرف فالح الفياض، بلعب دور الوساطة وإيصال رسائل رؤساء الحكومات العراقية إلى الدول المجاورة لبلاد الرافدين، بصفته الرسمية كونه شغل مناصب عديدة في الدولة، آخرها رئيسا لهيئة الحشد الشعبي، التي تشكلت بفتوى من المرجعية الشيعية بالنجف.

في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أعلن مكتب الفياض وصوله إلى العاصمة السورية دمشق ولقاءه برئيس النظام بشار الأسد، حاملا رسالة من رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، وذلك بعد 3 أشهر فقط من زيارة مماثلة أجراها للغرض نفسه.

محكوم بالمؤبد

فالح الفياض المولود في بغداد عام 1956، يعد أحد الوجوه القبلية في مناطق شمال شرقي العاصمة بغداد، كونه ينتمي إلى عائلة معروفة تتولى مشيخة عشيرة "البوعامر البوخميس" منذ زمن طويل.

حصل فالح على بكالوريوس في هندسة الكهرباء من جامعة الموصل عام 1977، وانضم إلى حزب "الدعوة الإسلامية" (الشيعي) في وقت مبكر من حياته، وتعرض للاعتقال عام 1980، وحكم عليه بالسجن المؤبد، قضى منها 5 سنوات في السجن الفعلي.

وبخصوص اعتقاله، يقول الفياض خلال مقابلة تلفزيونية في مايو/ آيار 2019: إن "الرئيس العراقي الراحل صدام حسين زار منطقة سكناه وشرب القهوة في مضيف عشيرته، وبعدما عرف أن أحد أفراد العائلة معتقل أمر بإطلاق سراحه فورا".

وأضاف الفياض: "صدام لم يكن لديه تفاصيل بخصوص القضية التي اعتقلت من أجلها (الانتماء لحزب الدعوة) ولا حتى بإعدام أخي رائد، فعندما جاء أمر الإفراج عني شمل أيضا أخي رائد، لكنه كان قد أعدم فور اعتقاله".

ولفت إلى أن "صدام حسين في تلك الفترة، كان يملك الرقاب وأصدر عفوا عني بهذه الطريقة، دون أن يسأل ما هي القضية التي سجنت بسببها، مع أخي وابن عمي مقدم نصر الذي كان ضابطا في الجيش".

بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، أصبح الفياض عضوا في أول "جمعية وطنية"، ومن ثم عضوا في أول برلمان عام 2005 عن قائمة "الائتلاف الوطني العراقي".

ورغم أنه أصبح قياديا في "حزب الدعوة" بزعامة نوري المالكي، لكنه ما لبث أن انشق عن الحزب، ودخل في تجمع "الإصلاح" الذي يتزعمه إبراهيم الجعفري، القيادي السابق أيضا في "الدعوة".

لاعب صامت

الفياض الذي لا يمتلك كاريزما بين السياسيين العراقيين وقليل الظهور الإعلامي، يفضل اللعب صامتا خلف الكواليس، رغم أنه من المؤثرين في بلاده، خصوصا في كل ما يتعلق بالملف الأمني.

تولى الفياض في حكومة المالكي الأولى عام 2006، منصب وزير الدولة لشؤون الأمن، وفي عهد حكومة المالكي الثانية عام 2010، أصبح مستشارا لـ"الأمن الوطني" بصلاحيات واسعة مكنته من لعب أدوار مهمة داخليا وإقليميا.

كلفته الحكومة في وقتها بالعديد من الموضوعات منها تلك المتعلقة بالمصالحة الوطنية، وكذلك العلاقات العراقية – العربية ودول الجوار الأخرى، وإدارة ملفات العلاقات بين القوى السياسية المختلفة.

شغل الفياض أيضا منصب رئيس اللجنة الفنية العليا لأمن الاتصالات والمعلومات، ونائب رئيس الهيئة الوطنية للتنسيق الاستخباري، مسؤول لجنة إصدار البطاقة الوطنية.

وعينه المالكي، رئيسا للجنة المشتركة المتعلقة بمعسكر العراق الجديد (أشرف سابقا)، والذي كانت تقطنه المعارضة الإيرانية المعروفة بـ"منظمة مجاهدي خلق".

أدين الفياض من القضاء الإسباني، لدوره في قمع المعارضين الإيرانيين في "معسكر أشرف"، وأطلق الكثير من التصريحات ذات الطابع التهديدي ضدهم. واستدعاه القضاء الإسباني للتحقيق معه في جرائم بحق المجتمع الدولي على خلفية هجومي عام 2011 و2013 على معسكر "أشرف".

وتقول المنظمة الإيرانية: "الفياض مسؤول عن مقتل 52 عضوا من مجاهدي خلق في عملية إبادة جماعية على أيدي المجرمين المرسلين من قبل المالكي والفياض بتوجيه من قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني".

ضابط ارتباط

شغل الفياض 3 مناصب حساسة في وقت واحد، فقد عينه المالكي رئيسا لهيئة الحشد الشعبي (2018-2014)، ومستشارا للأمن الوطني، ووزيرا لوزارة الأمن الوطني.

وفي نهاية عهد حكومة العبادي في أغسطس/ آب 2018، أقاله الأخير من جميع المناصب التي كان يتولاها، كونه شكل تكتلا سياسيا أطلق عليه اسم "العطاء"، والقانون العراقي يرفض ترؤس أي مسؤول أمني لحزب أو حركة سياسية.

وأكدت حركة "عطاء" بزعامة فالح الفياض، أنه "مع وضوح الدوافع ذات الطابع السياسي لإصدار قرار إعفاء الفياض من جهاز الأمن الوطني، وهيئة الحشد الشعبي، ومستشار الأمن الوطني، سيكون محلا لاتباع الإجراءات القانونية للطعن به وفق السياقات القانونية والدستورية".

وإثر ذلك، أعادت المحكمة الاتحادية الفياض إلى جميع مناصبه في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، في عهد رئيس الحكومة المقال عادل عبدالمهدي، بحجة أن "المسوغ الذي وضعه العبادي لإقالة الفياض غير مقنع ولا قانوني ولا يستند إلى فقرات الدستور".

إعادة الفياض إلى مناصبه أشعلت حربا شيعية – شيعية، بسبب تمسك أطراف عراقية موالية لإيران بتنصيبه وزيرا للداخلية، بعدما رفض تحالف "سائرون" المدعوم من زعيم التيار الصدري، إعطاءه أي منصب حكومي في حكومة عبد المهدي.

ويحظى الفياض بدعم تحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري، الذي يعتبر أقرب تشكيل سياسي عراقي إلى إيران، إضافة إلى علاقته القوية بالمرشد الإيراني علي خامنئي وقادة طهران.

وطوال فترة وجود "تنظيم الدولة" في العراق، كان الفياض بمكانة ضابط ارتباط بين العراق وسوريا، ومكنته تحركاته بين البلدين من أن يكون أحد الأعضاء الأمناء في مجلس الأمن القومي للدول الأعضاء في الائتلاف ضد الإرهاب.

قتل المتظاهرين

عقب اقتحام أنصار الحشد الشعبي لمبنى السفارة الأميركية ببغداد، في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2019، كان الفياض برفقة عدد من زعماء المليشيات العراقية يدعمون هذه الخطوة ويقفون على مقربة من السفارة.

لكن هذه الخطوة استفزت الولايات المتحدة، ودفعت وزير الخارجية مايك بومبيو إلى إطلاق تغريدة مطلع يناير/ كانون الثاني 2020، قال فيها: "هجوم اليوم جرى تنسيقه من قبل إرهابيين - أبو مهدي المهندس وقيس الخزعلي - وبدعم من حليفين لإيران، هادي العامري وفالح الفياض". وأضاف: "جرى تصويرهم جميعا أمام سفارتنا".

تغريدة الوزير كانت بمثابة تهديد صريح لهؤلاء الأربعة، ولم يمض سوى يومين حتى شنت القوات الأميركية هجوما بطائرة مسيرة قرب مطار بغداد الدولي قتلت فيه قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس.

وفي يوليو/ تموز 2020، قرر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، إقالة الفياض من منصبي مستشار الأمن الوطني، ووزير الأمن الوطني، والإبقاء على منصبه رئيسا للحشد الشعبي.

قرار إقالة الفياض من المناصب التي كان يسيطر عليها لسنوات عدة، قوبل بترحيب كثير من العراقيين، خاصة في صفوف المحتجين الذين يتهمونه بالوقوف وراء عمليات استهداف طالت ناشطين ومتظاهرين منذ مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2019.

وفي تقرير صدر في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 بعد أيام من اندلاع الاحتجاجات، أورد "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" اسم فالح الفياض ضمن خلية شاركت في قتل المتظاهرين وضمت أسماء قادة مليشيات موالية لطهران.

وتتكون الخلية من قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، ونائبه أبو مهدي المهندس، إضافة إلى أبي جهاد (محمد الهاشمي) مدير مكتب رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، وزعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، والمسؤول الأمني للحشد الشعبي أبو زينب اللامي (حسين فالح اللامي).

وتطال هذه "الخلية" اتهامات بمقتل نحو 700 متظاهر خلال احتجاجات أكتوبر/تشرين 2019، إضافة إلى إصابة أكثر من 20 ألفا آخرين، بينهم 3 آلاف أصيبوا بإعاقات جسدية.