ماكرون يستغيث بالأزهر.. هل تنجح فرنسا في امتصاص غضبة المسلمين؟

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في ظل الأزمة القائمة بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والعالم الإسلامي، على إثر الرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ لم يكن أمام باريس خيار سوى اللجوء إلى الأزهر الشريف، لبحث التهدئة مع الشعوب العربية والإسلامية التي بدأت مؤخرا حملة عنيفة لمقاطعة المنتجات الفرنسية.

"الإسلام دين يعيش أزمة اليوم في جميع أنحاء العالم"، أغضبت تلك الكلمات التي أطلقها ماكرون، في الثاني من أكتوبر/تشرين الثاني 2020، ملايين المسلمين، خاصة وأنه أتبعها بتبني رسوم كاريكاتورية للنبي محمد، رسمها مدرس فرنسي تعرض للقتل لاحقا من قبل شاب شيشاني، يوم 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2020.

وقال ماكرون وقتها: "هذا الهجوم ضمن إرهاب الإسلاميين"، وأضاف: "سندافع عن الحرية وسنحمل راية العلمانية عاليا، ولن نتخلى عن الرسومات والكاريكاتيرات"، وأيضا: "الظلامية لن تنتصر".

ورغم حالة الغضب الإسلامي؛ واصل ماكرون، تصعيده بإعلانه عن مشروع قانون ضد ما أسماه بـ"الانفصال الشعوري"، بدعوى "مواجهة التطرف الديني وحماية قيم الجمهورية الفرنسية"، والذي حمل فرض رقابة أكثر صرامة على الجمعيات الإسلامية والمساجد، ومنع "شهادات العذرية" للفتيات المسلمات قبل الزواج.

وسبق ماكرون، في موجة تصريحاته وقراراته، وزير الداخلية الفرنسية جيرالد دارمانان، بقوله: إن بلاده "في حرب ضد الإرهاب الإسلامي"، وذلك في ذكرى الهجوم على صحيفة "شارلي إيبدو" بالعام 2015، والتي دأبت على نشر الرسوم المسيئة لنبي الإسلام.

بين طنطاوي والطيب

المسلمون في العالم، قابلوا تلك التصريحات بحملات مقاطعة واسعة للمنتجات الفرنسية، وبدا ماكرون في مأزق، وتوجه بخطابه للمسلمين عبر فضائية "الجزيرة"، 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وبادر بإرسال وزير خارجيته لمصر، على غرار ما فعل الرئيس الفرنسي جاك شيراك، في العام 2003، عندما أصدر قانونا بحظر "الرموز الدينية"، والذي تم على أثره منع ارتداء المسلمات للحجاب بالمدارس والمنشآت الحكومية.

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2003، أرسل شيراك -الصديق الحميم لحسني مبارك- وزير داخليته نيكولا ساركوزي للقاء شيخ الأزهر حينها محمد سيد طنطاوي، الذي سبق اللقاء بفتوى تقر بحق المسؤولين الفرنسيين إصدار قانون يحظر ارتداء الحجاب بمدارسهم ومؤسساتهم الحكومية، ما مثل حينها صدمة لمسلمي أوروبا.

والتقى وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، ووزير خارجيته سامح شكري، بلقاءات وصفت بياناتها بالدبلوماسية التي لا تعبر عن غضب المصريين من الإساءة الفرنسية لمقام النبوة.

وفي مؤتمر صحفي مع نظيره المصري، قال لودريان: "نكن احتراما عميقا للإسلام، وهذه رسالة أحملها خلال لقاء شيخ الأزهر"، مضيفا: أن "المسلمين بفرنسا جزء من تاريخ وهوية البلاد، ونحن نكافح الإرهاب وتحوير الدين والتطرف".

 

إلا أن رد فعل شيخ الأزهر أحمد الطيب، خلال لقاء امتد ساعات بمقر المشيخة مع لودريان، جاء أكثر حسما، حيث أطلق فيه نحو 12 تصريحا وجهها للرئيس الفرنسي وللعالم الغربي، مدافعا عن الإسلام ونبيه.

شيخ الأزهر قال: إن "الإساءة لنبينا مرفوضة تماما، وسنتتبع من يُسيء لنبينا الأكرم بالمحاكم الدولية، حتى لو قضينا عمرنا كله نفعل ذلك الأمر فقط". 

وأضاف: أن "أوروبا مدينة لنبينا محمد ولديننا، لما أدخله هذا الدين من نور للبشرية جمعاء"، مخاطبا كل المسيئين للرسول الكريم بقوله: "إذا كنتم تعتبرون أن الإساءة لنبينا حرية تعبير، فنحن نرفضها شكلا ومضمونا". 

وواصل تصريحاته القوية معلنا رفض الأزهر وصف الإرهاب بـ"الإسلامي"، وقال: "ليس لدينا وقت ولا رفاهية الدخول بمصطلحات لا شأن لنا بها"، مؤكدا أنه "على الجميع وقف هذا المصطلح فورا؛ لأنه يجرح مشاعر المسلمين، وينافي الحقيقة التي يعلمها الجميع".

شيخ الأزهر، شدد في حديثه لوزير الخارجية الفرنسي من قلب مشيخة الأزهر، على أن "المسلمين حول العالم حكاما ومحكومين يرفضون الإرهاب الذي يتصرف باسم الدين"، مؤكدا على "براءة الإسلام ونبيه من أي إرهاب"، وموضحا أن "الإرهابيين لا يمثلوننا، ولسنا مسؤولين عن أفعالهم". 

ولفت الطيب في خطابه إلى أن ما يقوله ليس اعتذارا، مؤكدا أن "الإسلام لا يحتاج إلى اعتذارات"، مضيفا: "حديثي بعيد عن الدبلوماسية حينما يأتي الحديث عن الإسلام ونبيه".

وأكد الشيخ في رسالته لفرنسا والغرب أن "المسؤولين بأوروبا على وعي بأن ما يحدث لا يمثل الإسلام والمسلمين؛ خاصة أن من يدفع ثمن هذا الإرهاب هم المسلمون أكثر من غيرهم". 

هذه التصريحات ليست الأولى التي أطلقها الأزهر الشريف حول الأزمة، حيث أعرب الطيب، عبر صفحته الموثقة بـ"فيسبوك"، في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2020، "عن غضبه الشديد من إصرار بعض المسؤولين بدول غربية على استخدام مصطلح الإرهاب الإسلامي".

وفي 5 أكتوبر‏/ تشرين الأول قال: "تصريحات غير مسؤولة، تتخذ من الهجوم على الإسلام غطاء لتحقيق مكاسب سياسية واهية، هذا السلوك اللاحضاري ضد الأديان يؤسس لثقافة الكراهية والعنصرية ويولد الإرهاب".

شيخ الأزهر، قال أيضا، في 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2020: إن "وصف الإسلام بالإرهاب يَنُمُّ عن جهل بهذا الدين الحنيف، ومجازفة لا تأخذ في اعتبارها احترام عقيدة الآخرين، ودعوة صريحة للكراهية والعنف، ورجوع إلى وحشية القرون الوسطى، واستفزاز كريه لمشاعر ما يقرب من ملياري مسلم". 

وفي 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أعلن شيخ الأزهر رفضه لهجوم ماكرون على الإسلام والمسلمين، واعتبره "حملة ممنهجة للزج بالإسلام في المعارك السياسية، وصناعة فوضى بدأت بهجمة مغرضة على نبي الرحمة"، قائلا: "لا نقبل بأن تكون رموزنا ومقدساتنا ضحية مضاربة رخيصة في سوق السياسات والصراعات الانتخابية".

وخلال كلمته بذكرى المولد النبوي الشريف بحضور السيسي، في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أكد أنه "من المؤلم أن نرى الإساءة للإسلام والمسلمين أصبحت أداة لحشد الأصوات والمضاربة بها في أسواق الانتخابات، وهذه الرسوم المسيئة لنبينا العظيم والتي تتبناها بعض الصحف والمجلات".

المقاطعة أخضعتهم

صوت أحمد الطيب المرتفع في الأزمة، نال إطراء متابعي مواقع التواصل الاجتماعي، من بينها إشادة من عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ محمد الصغير، قال فيها: "‏وقف شيخ الأزهر منذ بداية الأزمة مع ‎فرنسا وقفة تليق بالأزهر الشريف، وتوج ذلك برده الحاسم على وزير الخارجية الفرنسي".

رئيس تحرير صحيفة "الأهرام" الأسبق عبد الناصر سلامة، اعتبر زيارة وزير الخارجية الفرنسي للأزهر، "رسالة لكل الأغبياء"، مؤكدا أن "الأزهر هو الأزهر، وسيظل أبد الدهر".

وحول أسباب لجوء فرنسا إلى الأزهر بعد أزمة الرسوم المسيئة وما تلاها من مقاطعة، قال أستاذ الفقه المقارن بالجامعة الإسلامية بماليزيا رجب أبو مليح: "أحسب أن ما تفعله فرنسا ليس حبا بالإسلام، ولا احتراما للمسلمين".

ولكن السبب الرئيس، بحسب ما قال هو ما قام به معظم المسلمين بالعالم من مقاطعة اقتصادية، "وهؤلاء -الأوربيون عامة والفرنسيون خاصة- دينهم وعقيدتهم المال".

الأكاديمي المصري، أضاف في حديثه لـ"الاستقلال": "كما لجأ ماكرون لفضائية الجزيرة، لجأ وزير خارجيته لمصر قلب العالم الإسلامي، وإلى الأزهر لما له من قداسة واحترام عند المسلمين".

وبشأن عدم قدرة الأزهر على أن يصل صوته للعالم بهذه القضية وتأخره عن قضايا أخرى للمسلمين، أرجع أبو مليح، ذلك لسببين، الأول: عدم تحرر الأزهر من الهيمنة السياسية.

وأشار إلى أن السبب الثاني هو بقاء الأزهر في دوره المحلي والإقليمي وعدم انتقاله إلى الدور العالمي في الاهتمام بقضايا المسلمين.

ولكن؛ لماذا سمح نظام السيسي لشيخ الأزهر بقيادة حملة الدفاع عن الإسلام والمسلمين في أوروبا؟

يظن مشرف وحدة الفتوى بموقع "إسلام أونلاين" سابقا، أن "شيخ الأزهر ببعض القضايا يغرد خارج السرب، ويسعى الرجل -بحدود المتاح والمباح- أن ينهض بدور الأزهر، ويحافظ على ثوابته، ويحفظ مكانته، لكن هيمنة الحكومات على الأزهر تجعل يده ويد غيره غير مطلقة".

ولا يحسب أبو مليح، أن نظام السيسي بدفاع الأزهر عن النبي الكريم رسم صورة جديدة لنظامه يبدو فيها مدافعا عن الإسلام بعدما ظل يهاجمه ويتهم أتباعه بالإرهاب في رسائله للغرب، قائلا: "وإن كنت أتمنى ذلك بصرف النظر على النوايا".

ويرى أن "زيارة وزير خارجية فرنسا لشيخ الأزهر لمصلحة فرنسا وحدها وليست لمصلحة المسلمين"، مضيفا: "وكنت آمل من شيخ الأزهر رفض الزيارة حتى تعتذر فرنسا وتكف عن غلوها واستهتارها بالمسلمين ومقدساتهم، وهذا الرفض كان سيمثل لطمة لها تجبرها في الآن أو المستقبل القريب أن تحترم المسلمين ومقدساتهم". 

أستاذ الفقه المقارن، ختم حديثه بالقول: "فكما فعل مذيع الجزيرة بأسئلته غير المحرجة لماكرون، ستستغل فرنسا هذه الزيارة للتسويق لما ذكره ماكرون، أنه ليس ضد المسلمين المعتدلين وإنما ضد المتطرفين منهم".

الأزهر والسلطة

رئيس تحرير موقع رسالة بوست الكاتب الصحفي، أحمد الهواس، قال: إن "الأزهر تاريخيا، لعب دورا مهما بنهضة الأمة بعد أن حوله المماليك لمنارة للسنة، وقد كان بعيدا عن سلطة الحاكم، ومن هنا جاءت قوته، وكل من مر على مصر من سلاطين وحكام وغزاة منذ حملة نابليون؛ حاولوا استقطاب الأزهر أو السيطرة عليه".

الهواس، أشار في حديثه لـ"الاستقلال"، إلى أن "محمد علي باشا، حاول السيطرة على الأزهر ووضعه تحت سلطته، وكذلك فعل المحتل الإنجليزي، حتى بدأ تقزيم دوره منذ انقلاب 1952 لكنه ظل يحظى بمكانة كبيرة بقلوب المسلمين وبخاصة المصريين".

وأكد أنه "لذلك كانت محاولة فرنسا كسر المقاطعة الاقتصادية من خلال الأزهر، ولا سيما أن الشيخ الطيب، له موقف متقدم بذلك، وفرنسا تراه منفتحا وتربى علميا بجامعاتها".

الصحفي السوري، يعتقد أن "الخطوة لن تفلح حتى لو دعا الأزهر للمصالحة مع فرنسا مقابل تراجعها عن موقف رئيسها".

والسبب في رأيه أن "الأزهر لم يعد مرجعية السنة، بل مؤسسة دينية تتبع الحاكم، وهو أي الأزهر قد وقف مع الانقلاب ضد الحاكم المدني المنتخب، وليس له موقف من الإعدامات المتكررة ولا من الظلم، ولا حتى من إزالة ملصقات -هل صليت على النبي". 

ويرى الهواس، أن "تضخيم موقف شيخ الأزهر يبدو سياسيا تختبئ خلفه الحكومة المصرية المتماهية مع ماكرون، والتي تستعد لإجراء مناورات عسكرية مع فرنسا؛ والأولى بشيخ الأزهر أن يحرمها ويجرمها ويطالب بالمقاطعة الكاملة مع فرنسا".

وعلى الجانب الآخر يرى المتحدث باسم حزب "الأصالة" حاتم أبو زيد، أن "فرنسا لجأت للأزهر لتستخدمه"، مشيرا للجوء "نابليون بونابرت إلى كبار الأعيان والمشايخ بما يسمى بـ(الديوان) ليستخدمهم كوسطاء بين الحكام الفرنسيين والشعب".

وأكد في حديثه لـ"الاستقلال"، أنه "كما كان بونابرت يستخدم مشايخ الديوان للضغط على الأهالي أو تهدئة ثوراتهم، أو تمرير وتبرير سياسته؛ فكذلك فرنسا تتبع نفس الأسلوب وتستخدم الأزهر لتهدئة المسلمين وتبريد غضبهم".

السياسي المصري، أضاف: "الطيب أطلق تصريحات ضعيفة وإن بدت حنجورية. ونظرا لحالة الضعف العامة التي نمر بها، فنحاول أن نرى أي شيء على أنه قوي وجريء". 

وفي تحليله لحديث شيخ الأزهر، أكد أن "الرجل أعلن رفض الإساءة للنبي"، مشيرا إلى أن "الذي سيفعله هذا الرافض الذي يفرض نفسه كممثل للمسلمين، هو فقط الذهاب للمحاكم الدولية، وأن هذا أقصى ما عنده".