قبو حميدتي في المنشية.. تعرف على "المقر المخيف" لجنرال السودان

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عادة ما يكون الحكام المستبدون والجنرالات المثيرون للجدل مولعين بمقرات سرية، وأروقة حكم سردابية، وفي السودان قرر الجنرال محمد حمدان دقلو "حميدتي"، أن يؤسس مقره الخاص، وكيانه المحدد، الذي أصبح محط وجوده، ومعقل جنوده، بالإضافة إلى مقرات احتجازه السرية سيئة السمعة. 

حميدتي الذي يعتبر أقوى رجال الدولة، بقيادة قوات الدعم السريع المنبثقة من ميليشيات الجنجويد، اختار حي المنشية بالخرطوم كمعقل له، وسرعان ما أثيرت القلاقل حول تلك المنطقة الهادئة والراقية، مع انتشار أخبار المعتقلين والمحتجزين في مقرات احتجاز سرية.

وبذلك سار قائد قوات الدعم السريع، على نهج عبد الفتاح السيسي رئيس النظام في مصر، حيث أصبح مقر حكمه "الكيان" يمثل جدلية لم تثر لأحد قبله من الزعماء الذين حكموا البلاد على مدار قرون طويلة، فالجنرال فضل أن تكون مقار إقامته سرية. 

وكان المقاول المصري محمد علي، ذكر في سبتمبر/ أيلول 2019،  أن السيسي قرر الانتقال إلى مقر جديد يجمع جهات الحكم كلها، اسمه "الكيان"، يحتوي على 5 قصور في منطقة الجولف بمنطقة التجمع الخامس بالقاهرة، والتي يسكن في أحدها حاليا. 

أما أشهر المستبدين الذين امتلكوا مقرات سرية، فكان الألماني النازي أدولف هتلر، في مقر أطلق عليه "مأوى الذئاب"، وعرف تاريخيا أنه كان مقر الديكتاتور خلال الحرب العالمية الثانية، ويقع في منطقة غابات كثيفة نائية مجاورة لبحيرات ومستنقعات في بولندا حاليا.

المقر الكبير والسري كان مأمونا لدرجة أن هتلر قضى فيه 850 يوما بين عامي 1941 (العام الذي غزت فيه ألمانيا الاتحاد السوفيتي) و1944، قبل أن ينسحب إلى سرداب مقره في مبنى المستشارية في العاصمة برلين.

ومن المؤكد أن الخرسانة المسلحة التي بني بها المقر، وحقول الألغام المحيطة به ووسائل التمويه التي كان يتمتع بها أخفقت في منع سقوطه بعد ذلك.

فهل يعمل قائد قوات الدعم السريع في السودان، على تلك الإستراتيجية والمنهجية؟ من خلال اتخاذه المقر الخاص الذي يستطيع الاحتماء به، وفي نفس الوقت يسيطر من خلاله على العاصمة الخرطوم، وبالتالي يكون أيضا مقبرة لخصومه وأعدائه الكثر المنتشرين في عموم البلاد؟

ثقب أسود

مقر حميدتي أو قوات الدعم السريع، بحي المنشية في الخرطوم، أصبح بمثابة الثقب الأسود الذي يبتلع المعارضين.

ففي 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، نشرت وكالة "مونتي كاروو" السودانية، تقريرا عن تنفيذ الاستخبارات التابعة لقوات الدعم السريع في السودان حملات اعتقال وإخفاء قسري ضد ناشطين وتجار ومواطنين دون مسوغ قانوني. 

وقالت: إن "محمد عبد الرحمن لا يزال معتقلا داخل قبو بإحدى المقار التابعة لقوات الدعم السريع بحي المنشية بالخرطوم"، وأضافت: أن "المعتقل له صلة قرابة بياسر عرمان الأمين العام للحركة الشعبية، ودرس الطيران في أكاديمية هاي ليفل إحدى استثمارات (صافات) المملوكة للقوات المسلحة السودانية".

وذكرت أنه "بحسب مصادر داخل الدعم السريع فإن اعتقال محمد عبد الرحمن جاء على خلفية الاشتباه في علاقته بمدير المخابرات السابق صلاح قوش وأنه كان يخطط لضرب مقرات الدعم السريع".

وبحسب المعلومات الواردة عن أشهر المعتقلين داخل مقر "حميدتي" بالمنشية، فقد اعتقل لفترات زمنية متفاوتة كلا من أسامة محمد الحسن، المقرب من حميدتي، والقيادي السابق بالجبهة الشعبية المتحدة، وكذلك القيادي بالمؤتمر الشعبي عمار السجاد، وتاجر المواشي عيسى جودة بعبوش (من مواطني مدينة الجنينة)، وكذلك تاجر ذو أصول هندية يدعى كونيل، يعمل في مجال استيراد قطع الغيار والمعدات الزراعية من الهند.

وفي 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، نشرت "مونتي كاروو" عبر حسابها بموقع "فيسبوك" منشورا موجها للمواطنين، تضمن أنه "إذا كان لديك شخص مفقود ولم تعثر عليه في أقسام الشرطة أو لدى استعلامات جهاز الأمن فما عليك سوى الذهاب إلى قبو حميدتي بالمنشية جنوب مبنى شركة (إم تي إن) للاتصالات فربما يكون موجودا هناك". 

وكر الجنرال 

حي المنشية الذي أسس فيه حميدتي مقره، وبنى بداخله السجون السرية سيئة السمعة، يقع في مدينة الخرطوم التي تعتبر واحدة من المدن الرئيسية الأكثر حرارة في العالم، فقد تتجاوز درجات الحرارة فيها 48 درجة مئوية في منتصف الصيف.

ويعتبر أغلب سكان الحي من السياسيين والرأسماليين، والأرستقراطيين، بجانب أن الحي به العديد من مقار البعثات الدبلوماسية والسفارات والمنظمات الأجنبية وكثير من المواقع الخدمية والمطاعم الفاخرة.

وعرف حي المنشية التعليم منذ إنشائه، وانتشرت المدارس في المدينة على اختلاف مراحلها ومناهج التدريس فيها.

لذلك فاتخاذ حميدتي من المنشية مقرا خاصا له، مثير للتساؤلات، ولكن موقعها الإستراتيجي في العاصمة ربما يكون من المبررات، حيث يحد المنشية شرقا شارع النيل، وغربا شارع الستين، وشمالا شارع كبري المنشية وجنوبا شارع الطيب صالح.

ومن وسط ذلك الحي الراقي جاءت شهادات مفزعة عن مقر حميدتي، تناولتها وسائل الإعلام السودانية، التي ذكرت عن مكان الاعتقال أنه بودروم تحت الارض سيء التهوية، يقع بمقر قيادة قوات الدعم السريع بولاية الخرطوم الكائن بحي المنشية، وبه كاميرات مراقبة يحتجز فيه عشرات المواطنين الذين لا علاقة لهم بالدعم السريع والغالبية منهم في قضايا من صميم اختصاص الشرطة كما أنهم يتعرضون للضرب والإذلال".

دولة حميدتي 

الصحفي السوداني محمد نصر، يقول: إن "الجنجويد أو قوات الدعم السريع كما يطلق عليها، بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، على أرض الواقع لا تعتبر تابعة للجيش كما يتم وصفها كذبا وزورا أو هي مؤسسة ضمن مؤسسات الدولة تتبع للمنظومة الحاكمة، بل هي في حد ذاتها دولة، وقائدها يعتبر نفسه قائدا للدولة لا سلطان عليه إلا نفسه، أما جنوده فيدينون له بالولاء، ولا يخضعون إلا له بعيدا عن قادة الجيش أو الحكومة". 

وأضاف لـ"الاستقلال": "لذلك فإنه يتم تسليحها خارج نطاق القوات المسلحة، وتمتلك أجهزة موازية مثل جهاز للاستطلاع والمخابرات، مع أنباء يتم تداولها عن امتلاكها سلاح جو".

هذا بالإضافة إلى "سيطرتها على بعض المطارات العسكرية والموانئ، ومن الطبيعي أن يتكون لها قواعد ومقرات وسجون تحتجز فيها المعارضين أو الأعداء، وخاصة في دارفور المقر الرئيسي لقوات الدعم السريع ومحط انطلاقهم إلى عموم السودان وتحديدا الخرطوم، كما سمعنا بمقر حميدتي في المنشية". 

وشدد الصحفي السوداني: "لا يوجد في السودان رقابة داخلية أو خارجية من قبل الأجهزة الأمنية أو منظمات حقوق الإنسان لمراقبة السجون العامة، فما بالك بالسجون الخاصة غير المعروفة التي توجد في أماكن مجهولة أو سراديب".

وتابع: "نحن نعرف أن الدعم السريع لا تمتلك سجنا واحدا في حي المنشية بالخرطوم أو إقليم دارفور، حيث مقرات حميدتي سيئة السمعة، وهناك العديد من تلك المقرات لا يعلمها إلا الله". 

وأردف: "المقرات الضخمة والسجون السرية والوحدات الخاصة لها دلالات خطيرة، فالسودان الآن يعيش زمن الجنجويد".

ويرى أنه "من الممكن والمتوقع أن يأكل الجنجويد الدولة برمتها، ويحدثوا انقلابا عسكريا لا يبقي ولا يذر، خاصة وأن الجيش وأجهزة الاستخبارات في حالة عدم اتزان بسبب إعادة الهيكلة واستبعاد فصائل كبيرة ذات خبرة وريادة بداخلها، تحت دعوى أنهم إسلاميون، ومن رجال العهد السابق".

ويقول: إن "الجهاز الوحيد المتماسك هو الدعم السريع، وهو ما أعطى قوة لحميدتي، الذي أصبح أقوى رجل في السودان بلا منازع".