بعد انتهاء الحظر الأممي.. دول مستعدة لبيع السلاح لإيران وأخرى تمتنع

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عبّرت إيران عن ابتهاجها بانتهاء حظر السلاح الدولي المفروض عليها منذ عام 2007، مشيرة إلى أن تطبيع التعاون الدفاعي الإيراني مع العالم اعتبارا من 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، يعد انتصارا بعد 4 أعوام من النضال ضد الولايات المتحدة.

عودة إيران إلى إمكانية بيع وشراء الأسلحة، أثار الكثير من التكهنات بخصوص تداعيات ذلك على المنطقة، وهل تُقدِم الدول بالفعل على تزويدها بالسلاح مجددا رغم تهديدات واشنطن بفرض عقوبات على أي فرد أو كيان يساهم في إمداد وبيع ونقل الأسلحة لطهران؟

وينص الاتفاق النووي الإيراني مع القوى العالمية الست في عام 2015 وقرار رقم 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، على رفع الحظر عن إيران في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2020، فيما يخص الأسلحة التقليدية، الذي فرضه مجلس الأمن عليها في مارس/آذار 2007.

استفادة محدودة

ورغم فرح القادة الإيرانيين برفع الحظر الدولي على السلاح، وحديثهم عن أن طهران بات باستطاعتها شراء وبيع الأسلحة لمن تريد، لكن خبراء أكدوا أنها لن تستطيع الاستفادة من رفع الحظر إلا بشكل محدود.

وأرجع الخبراء ذلك إلى مشاكل طهران المالية وأزماتها الاقتصادية التي لا تسمح بصرف مبالغ ضخمة للأسلحة، إضافة إلى العقوبات الأميركية على شركات بيع الأسلحة لإيران، فضلا عن اكتفائها الذاتي في هذا المجال.

وخلال تصريحات صحفية في 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، قال القائد السابق في الحرس الثوري، حسين كنعاني مقدم: "إيران تتطلع بشكل أساسي للحصول على التكنولوجيا والتقنيات الجديدة لتطوير صناعة أسلحتها المحلية، خاصة في مجال الدفاع الجوي والبحري، وليس مجرد شراء الأسلحة".

ولفت إلى أن إيران قادرة على صناعة الصواريخ والدبابات والمروحيات والطائرات الحربية أيضا، لذلك لا تحتاج لشراء كميات كبيرة من السلاح، لكن إذا أرادت ذلك فمن غير المتوقع أن تتسبب واشنطن بأزمة، خاصة مع روسيا، لأن إيران فعليا اشترت نظام "إس-300" وبإمكانها أيضا شراء "إس-400" إذا رغبت في ذلك.

من جهته، قال محمد حسن البحراني، المحلل السياسي المختص بالشأن الإيراني: "مع انتهاء مدة حظر التسليح الأممي يمكن القول إن مرحلة جديدة قد بدأت، وإيران من الآن فصاعدا يمكنها بحسب القانون الدولي شراء وبيع السلاح من أي دولة".

وأضاف البحراني خلال تصريحات صحفية في 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2020: "هذا التطور يعد انتصارا للسياسة والدبلوماسية الإيرانية، والمجتمع الدولي الذي أجهض المساعي الأميركية الحثيثة الهادفة لتمديد الحظر".

ومع وصف وزير الخارجية محمد جواد ظريف، رفع الحظر عن السلاح بأنه "انتصار"، لكنه أكد أن بلاده تعارض التسلح العشوائي، وأنها تؤمن بأن الأمان يتحقق بإرادة شعبنا و"اكتفائه الذاتي".

وقال جواد ظريف في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2020: "إيران لا تنوي الدخول في سباق تسلح في المنطقة ولا البدء بموجة شراء للسلاح رغم انتهاء الحظر الدولي".

خطأ إستراتيجي

وعقب رفع حظر السلاح عن إيران، نشر وزراء ونواب وكتاب فرنسيون مقالا مشتركا بصحيفة "لوموند" في 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، حمل عنوانا: "رفع الحظر عن الأسلحة عن إيران سيكون خطأ إستراتيجيا كبيرا".

مقال الصحيفة الفرنسية حذر من أن رفع الحظر عن الأسلحة لإيران سيترتب عليه عواقب وخيمة على الأمن والاستقرار الدوليين، مؤكدة أن رفع حظر الأسلحة عن إيران سيكون خطأ إستراتيجيا كبيرا.

وأكدت الصحيفة أن مشاركين في منتدى نظمته "لوموند"، ضم نوابا برلمانيين ووزراء ومسؤولين حكوميين سابقين، بينهم برنارد كازينوف ودانييل كوهن بنديت، أجمعوا على ضرورة تجديد الحظر على إيران باعتباره أداة أساسية للحفاظ على السلام العالمي.

وأضافت: أن :المجتمعين رأوا رفع حظر السلاح عن طهران "ستكون له تداعيات دبلوماسية وأمنية واقتصادية خطيرة على منطقة الشرق الأوسط وشبه القارة الهندية".

وحسب الشخصيات الفرنسية، فإن رفع الحظر سيسهم في زيادة العداء والصراع في الشرق الأوسط، وسيشكل عاملا جديدا لزعزعة الاستقرار في منطقة تمر أصلا بأزمات خطيرة، لا سيما في العراق وسوريا واليمن ولبنان.

ورأت "لوموند" الفرنسية في مقالها أن "هذا الصراع تغذيه عوامل جيو إستراتيجية وأيديولوجية دينية واقتصادية".

من جهتها، قالت مجلة "الإيكونومست" البريطانية في تقرير نشرته 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2020: إن "الترسانة الإيرانية تشمل دبابات بريطانية ومروحيات أميركية قديمة، أدخلها الغرب إلى متاحف السلاح".

وأضافت أن إيران خسرت أكثر من ثلث معداتها العسكرية خلال الحرب الطاحنة مع العراق التي استمرت 8 سنوات، خلال ثمانينيات القرن الماضي، ومع رفع حظر السلاح، سيكون في وسع إيران إمكانية  الحصول على أسلحة حديثة.

تسليح محتمل

معظم التقارير الصحفية الغربية تشير إلى أن ترسانة إيران العسكرية متهالكة وبحاجة إلى تحديث، لأن أغلبها يعود إلى ما قبل 1979، ووفق بيانات معاهد دولية مختصة في التسلح، فإن إيران خصصت 2.7 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي كميزانية للدفاع، حسب آخر أرقام متوفرة لعام 2018.

ووفق بيانات تقرير المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية للميزانية العسكرية لعام 2019، ومعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري)، تضم قوة إيران العسكرية أكثر من 560 ألف فرد، 350 منهم في الجيش، و125 ألفا بالحرس الثوري، و30 ألفا في سلاح الجو، و18 ألفا في البحرية، و40 ألفا قوات غير نظامية شبه عسكرية.

ووفق تقرير موقع "أويل برايس" في 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، تعول إيران في التسليح على دول مثل الصين وروسيا وكوريا الشمالية، إذ تأتي المباحثات الإيرانية الصينية حول السلاح ضمن اتفاق الـ25 عاما بين البلدين، حيث سيتم نشر أسلحة وتكنولوجيا صينية مستخدمة بكوريا الشمالية في إيران.

ويفترض أن تحصل إيران على صواريخ باليستية مثل صاروخ "هواسونغ -12" والذي يبلغ مداه 4500 كلم، إضافة إلى إمكانية تطوير محركات صاروخية عابرة للقارات، وحتى تطوير محركات تعمل بالوقود السائل مناسبة لمركبات إطلاق الأقمار.

وستعتمد إيران في صفقات التسلح على تقديم النفط مقابل السلاح، فيما سترعى الصين تعزيز علاقة ثلاثية تضم بكين وطهران وبيونغ يانغ، إذ ستكون كوريا الشمالية أشبه بوكيل للصين، حتى تتجنب العقوبات الأميركية، أو حتى أية عقوبات دولية يمكن أن تفرض.

في الوقت الذي تعتزم فيه دول التوجه لإبرام صفقات بيع وشراء للأسلحة مع إيران، إلا أن دولا أخرى خاصة تلك التي تملك صناعات حربية متقدمة ستحجم عن التعامل معها خوفا من العقوبات الأميركية التي أعادت واشنطن فرضها بشكل أحادي، وتشمل أي جهة تتورط ببيع الأسلحة لطهران.

لكن موسكو وبكين أكدتا صراحة أن الحظر التسليحي على طهران لن يبقى قائما اعتبارا من اليوم (18 أكتوبر/ تشرين الأول 2020)، معلنتين استعدادهما لبيع الأسلحة لها، وهو ما كشف عنه ظريف في مقابلته مع التلفزيون الإيراني بقوله: "بإمكاننا تأمين حاجاتنا من الأسلحة من دول مثل روسيا والصين، اللتين تربطهما علاقات إستراتيجية بنا".

صفقات شراء

وفي هذه النقطة تحديدا، أعرب المحلل محمد البحراني عن اعتقاده بأن "الجانب الإيراني سيعمل على الاستفادة من الظرف الجديد من خلال إبرام الكثير من صفقات شراء السلاح من البلدان المستعدة لإمداد طهران ببعض أنواع الأسلحة الحديثة، خاصة في مجال سلاح الجو، وربما بعض منظومات الدفاع الصاروخي".

وأكد البحراني أن "روسيا والصين في مقدمة البلدان التي يفكر الجانب الإيراني إبرام الصفقات معها، حيث تربط إيران بعلاقات وثيقة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية".

ولفت إلى أنه "في كل الأحوال المتوقع أن التفاهمات النهائية حول إبرام هذه العقود سيتم خلال الأشهر القليلة الماضية، ونحن بانتظار اتضاح مشهد الانتخابات الأميركية وما ستفرزه من نتائج وتداعيات تهم غالبية الأطراف الدولية والإقليمية".

وكانت وكالة المخابرات الدفاعية الأميركية توقعت عام 2019 أنه في حال انتهاء الحظر، فمن المحتمل أن تحاول إيران شراء طائرات مقاتلة روسية من طراز "سو-30"، وطائرة تدريب من طراز "ياك-130"، ودبابات "تي-190".

وذكرت أن طهران قد تحاول أيضا شراء منظومة صواريخ روسية مضادة للطائرات من طراز "إس -400"، ونظام "باستيان" الصاروخي للدفاع الساحلي. كما يمكن للصين بيع أسلحة لإيران.

وحتى 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، لم تدل الترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) بأي تصريح، تفيد من خلاله أنها ستعمل بمقتضى انتهاء الحظر التسليحي، رغم تأكيدها على الالتزام بالاتفاق النووي ومعارضتها تفعيل الإدارة الأميركية آلية "فض النزاع"، وإعادة إحياء القرارات الأممية السابقة.

وفي السياق، لا يخفى أن الدول الأوروبية، خصوصا الثلاث الشريكة في الاتفاق النووي، تملك التحفظات الأميركية نفسها على البرنامج العسكري الإيراني، تحديدا البرنامج الصاروخي. وسبق أن أدلى مسؤولون أوروبيون بتصريحات خلال الأشهر الماضية، تؤكد رغبتها باستمرار هذا الحظر.