لتفادي تأثير "سد النهضة" على مصر.. ما إمكانية ربط نهر الكونغو بالنيل؟

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

هل تلجأ مصر إلى ربط نهر الكونغو بنهر النيل؟، سؤال تفرضه بعض الأحداث الأخيرة  في ملف مفاوضات مصر والسودان وإثيوبيا حول مياه النيل وبناء سد النهضة على النيل الأزرق الذي يهدد دول المصب بالعطش والبوار أو الغرق.

وتوقفت المفاوضات مؤخرا بين الدول الثلاث بعد فشلها على مدار سنوات في حل أزمة سد النهضة الإثيوبي رغم تدخلات دولية وإفريقية.

الأمر الثاني الذي يطرح التكهنات عن احتمالات وجود محاولات مصرية لربط نهر الكونغو بالنيل؛ هو زيارة وفد رفيع من الهيئة الهندسية للجيش المصري برئاسة اللواء محمود شاهين، في 29 سبتمبر/ أيلول 2020، لدولة الكونغو؛ لعمل دراسات جدوى لمشروع تسهيل الملاحة بنهر الكونغو، بعد استطلاع جوي لطوبوغرافية المنطقة.

وتشهد علاقات القاهرة وكينشاسا، السياسية والاقتصادية تزايدا ملحوظا خلال السنوات الماضية، فإلى جانب هذا المشروع؛ تشترك مصر مع الكونغو في مشروع استخراج الكهرباء من سد "إنجا" على نهر الكونغو. 

موقع "المونيتور" الأميركي تحدث عن ملف ربط النيل بنهر الكونغو، حيث نقل عن موقع "زوم إيكو" الكونغولي، في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، خبر زيارة وفد الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية لنهر الكونغو ومشروع تسهيل الملاحة به.

"المونيتور" المهتم بأخبار الشرق الأوسط، قال: إن "هذا المشروع أعاد للأذهان مشروع ربط نهر الكونغو بنهر النيل، الذي اقترحته شركة Sarco المتخصصة بالاستثمار والتعدين، على الحكومة المصرية عام 2013".

وأشارت إلى أن المشروع يستند لفكرة نقل 110 مليارات متر مكعب من المياه سنويا من حوض الكونغو إلى حوض النيل بربط النهرين، ما يضاعف حصة مصر من المياه.

وفي الوقت الذي تعاني فيه مصر من ندرة وشح المياه، أصبحت حصتها التاريخية من مياه النيل (55 مليار متر مكعب) مهددة بفعل إنشاء إثيوبيا سدا عملاقا على مجرى النيل الأزرق أحد أهم روافد نهر النيل، فيما لم تصل الدولتان إلى جانب السودان لحل نهائي لكيفية إدارة السد ومياه النيل الأرزق.

حل قديم

ربط نهر الكونغو بالنيل فكرة ظهرت لأول مرة في 1902، في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، ولكن عام 1980، كلف رئيس النظام المصري أنور السادات، أساتذة متخصصين بدراسة الطبيعة الجغرافية لنهر الكونغو، وبحث إمكانية شق قناة تصله بأحد روافد النيل بالخرطوم، وهي الفكرة التي تستفيد منها مصر والسودان وجنوب السودان والكونغو.


 

نهر الكونغو، ثاني أطول أنهار إفريقيا بعد النيل، وأولها من حيث مساحة الحوض وثاني أكبر نهر بالعالم من حيث الدفق المائي بعد نهر الأمازون، حيث يلقي نحو ألف مليار متر مكعب من المياه بالمحيط الأطلسي سنويا، ويمر بالكونغو والكاميرون وإفريقيا الوسطى والغابون وغينيا.

الخبير الاقتصادي ورجل الأعمال المصري الأميركي الدكتور محمود وهبة، طرح عبر صفحته بـ"فيسبوك"، التساؤل حول ما إذا كانت زيارة وفد الهيئة الهندسية لنهر الكونغو تمهيدا للربط مع نهر النيل.

وهبة، أشار لوجود "تكنولوجيا البورنج كمباني" للحفر في الصخور كحل لأحد أهم المعوقات الفنية لذلك الربط، داعيا لإحياء فكرة ربط نهر النيل بنهر الكونغو في ضوء التطورات التكنولوجية الحالية.

ولفت الأكاديمي إلى أن أحد المعوقات الفنية هو اختلاف الارتفاع فنهر الكونغو منخفض والنيل مرتفع ولربطهما هناك حاجة لرفع المياه من منسوب أدنى إلى منسوب أعلى، ولتحقيق ذلك يلزم  اختراق  جبل بينهما.

وأكد أن حل المشكلة لدى تكنولوجيا البورنج كمباني Boring Company بالحفر في الجبال؛ والتي أنشأها رجل الأعمال الكندي إيلون مسك قبل 3 سنوات للحفر تحت عمق الأرض.

وأشار وهبة، إلى أنه يمكن  الحفر تحت الأرض بمنطقة من نهر الكونغو، ويتم أخذ المياه شفطا وليس انسيابا، ثم تخرج بها من الجانب الآخر، ويبنى جدار قوي بعد المخرج  تصطدم به المياه الخارجة من النفق فترتفع من المخرج الوحيد نحو حوض النيل.

عوده الي ربط نهر الكونجو بنهر النيل ايحاءات عن اعاده الحياه لمشروع ربط نهر الكونجو بالنيل الهيئه الهندسيه للجيش ...

Posted by ‎محمود وهبه‎ on Wednesday, October 14, 2020
 

فوائد المشروع

الخبراء المؤيدون لفكرة ربط النهرين، وبينهم رئيس فريق عمل مشروع تنمية إفريقيا، هم المهندس إبراهيم الفيومي، ونائب رئيس هيئة المساحة الجيولوجية والثروة المعدنية الدكتور عبد العال حسن، وأستاذ النانو تكنولوجي بكلية علوم القاهرة الدكتور عبد السلام كردي المحمدي.

وجميع هؤلاء يعتمدون على وفرة مياه نهر الكونغو، وكون شعب الكونغو من أغنى شعوب العالم بالموارد المائية، حيث إن نصيب الفرد من المياه 35000 متر مكعب سنويا.

الدكتور عبد العال حسن، كان قد أعلن في يونيو/ حزيران 2011، عن نجاح خبراء هيئة المساحة في وضع 3 سيناريوهات علمية وجيولوجية تسمح بنقل فواقد المياه المهدرة من نهر الكونغو في المحيط الهادي إلى حوض نهر النيل، دون التعارض مع اتفاقيات الأنهار الدولية، لأن نهر الكونغو لا يخضع للاتفاقيات الدولية.

وكان من المتصور أن تقدم الكونغو المياه مقابل قيام مصر بتقديم الخبراء والخبرات لتطوير قطاع توليد الطاقة الكهربائية من المساقط المائية ما يجعل من الكونغو أكبر الدول المصدرة للطاقة بالعالم.

وإلى جانب فائدة مصر بتعويض الشح المائي لديها، وتوفير المياه لزراعة مساحات شاسعة من الأراضي وتخزين المياه بمنخفض القطارة بالصحراء الغربية في مصر؛ يمكن للسودان تخزين ما يحتاجه من الماء في خزانات عملاقة.

المشروع يوفر لمصر 95 مليار متر مكعب من المياه سنويا، توفر زراعة 80 مليون فدان تزداد بالتدرج بعد 10 سنوات إلى 112 مليار متر مكعب، ما يصل بمصر لزراعة نصف مساحة الصحراء الغربية، ويوفر لمصر والسودان والكونغو 320 مليون فدان صالحة للزراعة. 

وعن الطاقة الكهربائية يمد المشروع مصر والسودان والكونغو بكهرباء تكفي أكثر من ثلثي قارة إفريقيا بمقدار 18000 ميجاوات -عشرة أضعاف ما يولده السد العالي- وحوالي 21 مليار دولار صادرات كهرباء لدول إفريقيا.  

غياب المعلومات

وفي ظل غياب التصريحات الرسمية حول الأمر، توجهت "الاستقلال"، إلى وزير الري المصري الأسبق الدكتور محمد نصر الدين علام، بالتساؤل: "هل تلجأ مصر لحل أزمة المياه بربط نهر النيل بنهر الكونغو؟ وهل زيارة وفد من الهيئة الهندسية المصرية للكونغو والاتفاق على إقامة مشروعات للملاحة هناك قد تكون بداية لربط النهرين؟".

الوزير المصري، أعرب عن أسفه لعدم وجود "معلومات أكيدة لديه عن الموضوع"، قائلا: "ولكني أستبعده شخصيا"، مشيرا إلى أن أسباب استبعاده تتعدى حجم التكلفة أو استحالة الفكرة، ومؤكدا أن "هذا موضوع كبير وبه العديد من العقبات وليس الوقت مناسبا للحديث عنها".

ولأن وفد الهيئة الهندسية الذي قام باستطلاع جوي بالمنطقة لم يعلن أي شيء عن مشروع ربط نهر الكونغو بالنيل، فإنه من المهم طرح التساؤلات حول أهمية هذا المشروع في إنقاذ مصر من العطش وتعويض ما تفقده من حصتها من النيل الأزرق، ومدى سماح الكونغو بهذا الربط، والدراسات التي أجريت، والعقبات والمعوقات والتكلفة.

العالم المصري أستاذ هندسة السدود والسواحل بعدد من الجامعات الماليزية الدكتور محمد حافظ، قال: إنه "منذ الانقلاب العسكري عام 2013، والنظام مغتصب السلطة يملأ الإعلام المصري وعقول البسطاء بالأكاذيب أو الأحلام الوردية غير القابلة للتحقيق، بداية من علاج الإيدز بـ(الكفتة)، وحتى ربط نهر الكونغو بالنيل الأبيض ومضاعفة حصة مصر من المياه".

الأستاذ المساعد لدى جامعة "تيناجا ناسيونال"، بماليزيا، أكد في حديثه لـ"الاستقلال"، أن "علماء (المخابرات المصرية) يتحدثون لوسائل الإعلام المصرية عن جمال وروعة وإبداع فكرة ربط النهرين، والاستفادة بـ 110 مليارات متر مكعب مياه يمكن رفعها من حوض الكونغو المنخفض لبحيرة فيكتوريا منبع النيل الأبيض لزيادة تدفقات النيل الأبيض وبالتالي زيادة حصة مصر والسودان".

ويساهم النيل الأبيض، سنويا بـ 13 مليار متر مكعب من إجمالي الــ 84 مليار متر مكعب مياه تصل سنويا بحيرة ناصر عبر مصادر النيل الأربعة (الأبيض والأزرق وعطبرة والسوباط)، توزع بين مصر والسودان وفواقد التبخر.

العوائق الفنية

الأكاديمي المصري قال: إنه "من الناحية الفنية؛ لا يمكن تطبيق الفكرة لأنها تعدت حدود معنى (الوهم) وذلك لوجود 250 متر فرق في المناسيب بين حوض النيل الأبيض وحوض نهر الكونغو، خلال مسافة أفقية تعادل قرابة 650 كيلومتر بين أقرب نقطتين على الحوضين".

وأكد أن "نقل  110 مليارات متر مكعب من نهر الكونغو للنيل الأبيض يعني فنيا، "رفع 3488 مترا مكعبا بالثانية لارتفاع يقدر بـ 250 مترا، ومع حساب الفاقد سيصل لـ300 متر، ويتطلب إنشاء خط أنابيب يحتوي على 300 أنبوب بطول 600 كم وبقطر 3 أمتار، يصعب مده عبر موانع جبلية من الصخور النارية".

الخبير في المياه وأستاذ هندسة السدود، تحدث أيضا عن ضرورة "إنشاء 6 محطات طلمبات قوة كل محطة تعادل 12 ضعف محطة طلمبات توشكى، مع وجوب إنشاء 6 محطات لتوليد الكهرباء طاقة كل منها تعادل 4800 ميجاوات لتشغيل محطات الطلمبات".

حافظ، تابع رصده للعوائق الفنية لافتا إلى أن "رفع 3300 متر مكعب بالثانية لبحيرة فيكتوريا تعني ارتفاع منسوب البحيرة ومنسوب الروافد النابعة منها؛ وهذا يعني إغراق مئات القرى بتنزانيا وأوغندا طوال العام".

وأكد أن "وصول 110 مليارات متر مكعب مياه للنيل بعد مروره عبر تنزانيا وأوغندا لجنوب السودان سيزيد مأساة هذه الدولة التي تعيش في مستنقعات النيل الأبيض، وحال زيادة تدفقات النيل الأبيض سيؤدي لفقدان نحو 50% من تلك الكمية بمستنقعات جنوب السودان وغرق أهلها على مدار العام".

الخبير المصري، لفت كذلك إلى "اقتسام شمال السودان ما تبقى من المياه مع مصر -نحو 60 مليار متر مكعب- لتحصل الخرطوم على قرابة 20 مليار متر مكعب مقابل المرور بأراضيها ثم تسلم لبحيرة ناصر الـ40 مليار متر مكعب المتبقية".

وتحدث عن عائق آخر وهو "وجود 5 دول تتحكم في قطرة المياه بداية من نهر الكونغو مرورا بتنزانيا وأوغندا وجنوب السودان وشمال السودان؛ ما يجعل مصر تحت رحمة (السياسة) بتلك الدول"، مضيفا: "وما جرى بــ(قناة جونجلي) ليس ببعيد".

تكلفة وبدائل

حافظ، يرى أيضا أنه "من الصعب جدا تقييم التكاليف الفعلية لمشروع مثل هذا ولكنه استثمار لا يقدر عليه غير دول عظمى وليس دولة بإمكانيات مصر".

وقال: إن "سماح الكونغو بهذا الربط من عدمه أمر (سياسي) بحت؛ فهناك بعض القوانين الدولية التي تمنع نقل مياه حوض نهر لأخر، بالإضافة إلى أنه ليس هناك دراسة (بيئية) توضح إيجابيات وسلبيات الأمر، ومستقبلا قد تتدخل الأمم المتحدة لتقنين هذا الشأن".

وحول الدراسات التي تمت لهذا الربط أكد الأكاديمي المصري، أن "كل الموجود على الساحة الإعلامية اليوم هو (فكرة المشروع) ولا توجد أي دراسات (طبوغرافية وجيولوجية وهيدروليجية وبيئية واقتصادية)"، موضحا أن "دراسة الجدوى لمشروع كهذا لن تقل عن 50 مليون دولار".

وفي رؤيته لوجود حلول بديلة لمشروع الربط بين نهر الكونغو والنيل، رأى أنه يمكن"استبدال فكرة الربط السطحي بفكرة الربط بأنفاق تحت الأرض، وعمل عدة أنفاق عند أحد النقاط الشمالية بمسار نهر الكونغو عند منسوب 650 فوق سطح البحر وسحب المياه من خلالها عن طريق الجاذبية لبحيرة تشاد بالشمال عند منسوب 350 فوق سطح البحر، وذلك على مسار أفقي أقل من 1000 كيلومتر".

وأضاف: "ثم من بحيرة تشاد المرتفعة يتم حفر عدة أنفاق بأطول بين 500 لـ600 كيلو متر لنقل المياه للحدود الجنوبية الغربية لمصر عند جبل العوينات، وأيضا للسودان وليبيا، وبهذه الحالة لن نحتاج لرفع المياه باستخدام 6 محطات طلمبات ومحطات توليد كهرباء بسبب هبوط المياه تحت عجلة الجاذبية الأرضية".