ثناء متبادل.. ما أسباب إقامة إسبانيا مشاريع تنموية في موريتانيا؟

12

طباعة

مشاركة

في نهاية سبتمبر/أيلول 2020، وقعت موريتانيا، على بروتوكول إداري لتنفيذ مشروع تعزيز حماية ضحايا العنف القائم على النوع، بتمويل إسباني أثار الكثير من الجدل والتساؤلات.

يقوم المشروع الممول من قبل وكالة التعاون الإسباني، على تحسين آليات حماية الضحايا عبر تطوير خبرات الأشخاص المعنيين، وإشراك العاملين في المصالح التي لها علاقة بالموضوع في برنامج تكويني.

ليست المرة الأولى التي تدعم فيها الوكالة مشاريع اجتماعية في نواكشوط، فقد دشنت في سبتمبر/ أيلول أيضا الجزء الثاني من مشروع "تدخل الشرطة الفعال للحد من العنف ضد المرأة في موريتانيا"، وشمل المشروع مناطق داخلية من البلاد "تتزايد فيها حالات عدم المساواة والعنف بين الجنسين".

شاركت الشرطة الوطنية الإسبانية والحرس المدني الإسباني في المشروع عبر تدريبات وتبادل الخبرات. وفي زمن جائحة كورونا أيضا شددت إسبانيا أكثر من مرة بشكل رسمي على استعدادها لدعم موريتانيا من أجل تجاوز الأزمة. 

تعتبر الحكومة الإسبانية تنمية موريتانيا، التزاما ومسؤولية على عاتقها وتصفها بـ"البلد ذي الأولوية للتعاون وتعزيز العلاقات الاقتصادية". فما سر هذا الاهتمام؟ وهل للحد من الهجرة غير النظامية علاقة بهذه المشاريع؟

اهتمام كبير

في يونيو/ حزيران 2019، وبعد فوزه في انتخابات الرئاسة، تلقى محمد ولد الشيخ الغزواني، تهنئة من الحكومة الإسبانية، كما هنأت في بيان لها، الشعب الموريتاني على "التزامه بالقيم الديمقراطية خلال هذه الانتخابات التي تمثل انتقالا دستوريا لأعلى منصب في البلاد".

أشادت الحكومة الإسبانية في بيانها بمستوى العلاقات بين موريتانيا وإسبانيا، مضيفة: أنها “علاقات ممتازة قائمة على روابط إنسانية وثقافية وتاريخية قوية، تشمل العديد من المجالات مثل الأمن والدفاع ومراقبة الحدود وتدفقات الهجرة ومصائد الأسماك".

كما جددت التزامها بتنمية موريتانيا، التي وصفتها بأنها "بلد ذو أولوية للتعاون الإسباني، وتعزيز العلاقات الاقتصادية”. وأكدت الحكومة الإسبانية رغبتها في مواصلة تعزيز العلاقات التي توحد البلدين لصالح "كل من سكاننا ومن مناطق المغرب العربي والساحل الإفريقي".

كشف البيان اهتماما شديدا من إسبانيا بموريتانيا وشؤونها الداخلية، لكنه أشار أيضا إلى أسباب هذا الاهتمام.

ففي زمن الجائحة تلقى وزير الشؤون الخارجية والتعاون والموريتانيين في الخارج، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، اتصالا هاتفيا من نظيرته الإسبانية أرناشا غونزاليس لايا، تم التطرق خلاله إلى علاقات التعاون الممتازة بين البلدين وإلى جملة من القضايا ذات الاهتمام المشترك.

وعبرت الوزيرة عن استعداد حكومة بلادها للوقوف إلى جانب بلادنا في مواجهة الأزمة الصحية الناجمة عن تفشي وباء فيروس كورونا.

وفي يونيو/ حزيران 2020، أجرى رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، مباحثات هاتفية مع الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، عبّر من خلالها عن استعداد بلاده لدعم موريتانيا في جهودها لمكافحة فيروس كورونا.

بوابة إفريقيا

بعد شهر من المباحثات الهاتفية، وتحديدا في يوليو/ تموز، زار رئيس الحكومة الإسبانية، نواكشوط، وهي الزيارة التي اعتبرها الطرفان فرصة للتذكير بأهمية العلاقات مع إسبانيا وخاصة الدور المحوري لجزر الكناري في التبادلات الاقتصادية والاجتماعية.

تاريخ هذه التبادلات يرجع، على أقل تقدير إلى القرن الثامن عشر، حيث كانت السفن الكنارية تعتاد الصيد قبالة الشواطئ الصحراوية الغنية بالأسماك. 

تمثل جزر الكناري أقرب نقطة أوروبية لموريتانيا حيث لا تفصلها إلا 800 كيلومتر عن مدينة نواذيبو. ومن الواضح أن هذا الوضع الجغرافي يمثل فرصة سانحة للمنطقتين بغية استغلال وتطوير مؤهلاتهما المتكاملة.

في مقال كتبه خبير العلاقات الموريتانية الكنارية، امحمد الحضرمي ديكرو، على الصحيفة الكنارية "تيمبو دي كنارياس"، قال: إن الوعي بهذه الوضعية، دفع الحكومة الجهوية الكنارية لأن تكون الوحيدة في إسبانيا التي أقامت إدارة مخصصة للعلاقات الاقتصادية مع إفريقيا.

أشار الحضرمي إلى أن موريتانيا تمثل أكبر الأسواق الأربعة الإستراتيجية التي تتعامل معها، كما تمثل المعاهدة الإسبانية الموريتانية لتحفيز وحماية الاستثمارات، الموقعة في مارس/آذار 2016، عاملا إيجابيا لتشجيع المشاركة الاقتصادية بين البلدين.

يضاف إلى ذلك، بحسب الخبير، أن النظام الجبائي الكناري ينص على إعفاءات ضريبية للاستثمارات في دول المنطقة ومن بينها موريتانيا. تندرج في نفس السياق التحفيزات التي أنشئت من أجلها منطقة انواذيبو الحرة، التي تفتح آفاقا واعدة، خاصة بالنسبة لجزر الكناري.

وذكر الحضرمي أن من بين القطاعات الأكثر مؤهلات: الطاقات المتجددة، الصناعات الخفيفة، البنى التحتية، معالجة وتحلية المياه، تحويل الخبرات.

أفاد المقال أن جمهورية الرأس الأخضر تستفيد من اتفاقيات في مجال التكوين المهني مع جزر الكناري للطلاب والمؤطرين.

ويتبين، وفق الكاتب، وجود مناخ موات لتوطيد وتنويع العلاقات الحالية، قائلا: "يجب استغلال هذه الإمكانات، لا سيما وأن جائحة كوفيد 19 أعادت تنظيم أنماط التعامل الدولي لتعزيز الحلقات الإقليمية بدلا من العولمة المطلقة".

لا ينظر الصحفي المتخصص في العلاقات بين البلدين، إبراهيم ولد حرمة الله، للأمر بنفس الإيجابية، ويعتقد أنه منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين موريتانيا وإسبانيا في ستينيات القرن المنصرم ظلت العلاقة على الصعيد الاقتصادي وتبادل الخبرات تتسم بالكثير من الفتور والارتجال واستفادة طرف واحد على حساب الاخر.

واعتبر حرمة الله في مقال له على موقع "صحراء ميديا" الموريتاني، أن إسبانيا التي كانت من أوائل الدول الأوروبية دخولا في سوق الصيد الموريتاني وأكثرها استثمارا في هذا المجال ظلت تبرم اتفاقات خاصة تحرص خلالها على أن تكون الاستفادة الموريتانية أقل قدرا.

أرجع المتخصص السبب في ذلك إلى ضعف قدرات الجانب الموريتاني وافتقاره إلى كوادر فنية ودبلوماسية تجيد المناورة في عقد الصفقات وتغليب المصلحة العليا على المصالح الفردية.

قلق الهجرة

في 18 سبتمبر/ أيلول 2020، اتفقت موريتانيا وإسبانيا على تعزيز التعاون بينهما في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية، وتسيير تدفق المهاجرين.

جاء ذلك في بيان مشترك لوزارتي داخلية البلدين بعد زيارة وزير الداخلية الإسباني فيرناندو غراندي مارلاسكا ومفوضة الشؤون الداخلية للاتحاد الأوروبي إيلفا جونانسون إلى نواكشوط.

وأكد الطرفان ضرورة تعزيز في مجال تسيير تدفق المهاجرين غير النظاميين، من خلال دعم قدرات الاستجابة والتدخل لدى قوات الأمن.

وناقش الوزيران تقييم التقدم المحرز في إطار تنفيذ اتفاقيات التعاون في مجالات متعددة. وركزا في نقاشاتهما على ملفات مكافحة الهجرة غير النظامية، وتدريب قوات الأمن وتجهيزها، وإدارة الحدود.

ومن جهته، قدم الوفد الأوروبي رؤيته للطريقة والإجراءات المراد اتخاذها بالتنسيق مع السلطات الموريتانية مع ما يتطلب ذلك من دعم فني ولوجيستي ومالي للجانب الموريتاني.

لوحظ مؤخرا بسبب تداعيات جائحة كورونا عودة نشطة لزوارق المهاجرين غير القانونيين المتسللين إلى أوروبا عبر السواحل السنغالية والموريتانية.

ولقي عدد من المهاجرين حتفهم بينما تمكنت قوات خفر السواحل في موريتانيا من توقيف عدة زوارق وعلى متنها المئات من المهاجرين من جنسيات إفريقية من بلدان القارة السوداء جنوب الصحراء.

ويسعى الأوروبيون إلى حث الدول الإفريقية التي لها حدود بحرية مع إسبانيا وخاصة مع أرخبيل جزر الكناري على تشديد إجراءات رقابة الحدود والسواحل من أجل منع انطلاق زوارق المهاجرين.

وترتبط موريتانيا باتفاقيات في مجال التصدي للهجرة غير النظامية، مع عدة دول أوروبية، خصوصا إسبانيا وبلجيكا.

تعتبر موريتانيا أيضا معبرا رئيسيا للمهاجرين الأفارقة، إذ تحولت مدينة نواذيبو، المطلة على ساحل المحيط الأطلسي، خلال السنوات الأخيرة، إلى وجهة مفضلة للمهاجرين الأفارقة غير النظاميين الراغبين في العبور إلى أوروبا.

لكن السلطات الموريتانية تقول: إن إستراتيجيتها الأمنية في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية قد نجحت، وأن سواحلها ومعابرها الحدودية مضبوطة ومحمية دون توفير إحصاءات بخصوص ذلك. 

تعاون أمني

في 2018 أجرى وزير الداخلية الإسباني فرلاندو أوكراند مرلانخا زيارة لنواكشوط، تباحث خلالها مع نظيره الموريتاني أحمد ولد عبد الله، ومن عقد جلسة عمل مطولة مع رئيس الوزراء الموريتاني يحيى ولد حدمين.

وأكد الوزير الإسباني أنه استعرض مع المسؤولين الموريتانيين الذين قابلهم واقع العلاقات الموريتانية الإسبانية التي وصفها بأنها "ممتازة ومتنوعة".

قال وزير الداخلية الإسباني: إن التعاون بين موريتانيا وإسبانيا في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة السرية ومحاربة تهريب المخدرات، الذي بدأ في 2008، حقق العديد من النتائج المثمرة.

شدد مرلانخا على أن إسبانيا تقدر مستوى الضغط الذي تعرضت له موريتانيا في مجال الهجرة السرية وغير الشرعية، وتثمن مجهودها لمواجهة الظاهرة وتعاونها في سبيل ذلك ليس فقط مع إسبانيا بل مع الاتحاد الأوروبي أيضا.

وأضاف: "سنسمع صوت موريتانيا في الاتحاد الأوروبي وسندعم معركتها ضد الهجرة غير الشرعية سبيلا لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بمساعدة موريتانيا في هذا المجال".

وتثني موريتانيا في أكثر من مناسبة على علاقات التعاون الثنائي الموريتاني الإسباني المشترك، التي شهدت تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة وبخاصة بعد التوقيع في مدريد على اتفاقية للتعاون الأمني بتاريخ 26 مايو/ أيار 2015 التي شكلت أساسا قويا لشراكة فعالة في هذا المجال الحساس.

الاتفاقية الموقعة بين قطاعي الداخلية في البلدين تطال بنودها مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية، وما يتطلبه ذلك من تبادل للمعلومات والدعم الفني وعصرنة عمل المصالح والتكوين ورصد الكوارث والوقاية منها، وجرى توقيعها تحت عنوان "مواجهة التحديات الأمنية".

بدأ التعاون الأمني بين البلدين منذ 14 سنة ومكن حتى الآن من تحقيق نتائج على مستوى شبكات الإرهاب وغيرها من أشكال الجريمة المنظمة التي تعمل جاهدة لتطوير أدواتها ووسائلها وخططها لبلوغ أهدافها الإجرامية في المنطقة، الأمر الذي يتطلب مواجهة جادة وقوية تأخذ في الحسبان كل متطلبات المرحلة.

يظهر من هنا أن ملفي الإرهاب والهجرة السرية هما المحركان الأساسيان للعلاقات الثنائية بين البلدين، وما يجعل إسبانيا تعتبر موريتانيا شريكا مهما وتسعى إلى الوجود داخل حدودها من بواية التنمية الاجتماعية والاقتصاد.

ورأى الصحفي المتخصص في الشؤون الإسبانية، الأمين خطاري، أن إسبانيا بدأت تولي أهمية خاصة في السنوات الأخيرة لموريتانيا، لدرجة أن التعاون الاقتصادي بين البلدين تجاوز التعاون مع فرنسا، المستعمر السابق، وهي علاقات عززتها اتفاقية أمنية في 2015، سمحت بتبادل الدوريات العسكرية مشتركة على الحدود.

وتنظر إسبانيا إلى موريتانيا كبوابة للاحتكاك البحري مع جزر الكناري، ليست فقط لها بل للاتحاد الأوروبي، إذ تميل إلى توطيد العلاقات مع نواكشوط بحكم التداخل الحدودي وأيضا باعتبارها حائط الصد، ضد الهجرة غير النظامية القادمة من غرب إفريقيا.

تحدث خطاري، في تصريح لصحيفة "الاستقلال"، عن رؤية إستراتيجية بعيدة المدى لدى الحكومة الإسبانية، تتعاطى مع الإشكال الإرهابي ووجود جماعات مسلحة بشمال مالي وضرورة تقوية "الدرع الموريتاني" لمجابهة أي مخاطر قد تصل إلى أوروبا بشكل عام.

وجد هذا المعطى، بحسب خطاري، ترحيبا من السلطات الموريتانية، وتم توسيع الميدان الأمني إلى الاجتماعي في إطار اتفاقيات حقوقية في مجالات مختلفة.

أوضح المتخصص أن إسبانيا  تتجه إلى علاقات قوية أساسها براغماتي مع وجود جانب أمني وإستراتيجي هو الذي يحكم طبيعة توسيع العلاقات بين البلدين، ولا أدل من ذلك على زيارة بيدرو سانشيز خلال قمة الساحل التي عرضت منذ أشهر في موريتانيا.

لم ينف خطاري أن إسبانيا تستفيد بشكل كبير من المقدرات الموريتانية، تحديدا في المجال البحري، إذ يباع السمك الموريتاني في السوق الإسبانية بأسعار منافسة للغاية، تستغلها الشركات الإسبانية في توزيعه وأيضا تصديره إلى بلدان أخرى بسعر مضاعف، وهذه إحدى جوانب استفادة الطرف الأوروبي من العلاقات.

أيضا، تستفيد إسبانيا عن طريق التجار الموريتانيين من استغلالها كبوابة للتجارة إلى إفريقيا، إذا كان هناك ربح على الجانب الموريتاني، يقول المتحدث، هذا إلى جانب تقديمها مساعدات على الجانب الأمني وأخرى لوجستية للجيش عن طريق مركبات وآليات لمراقبة الحدود.

واعتبر خطاري، أن موريتانيا لحد الساعة لم تعرف كيف تستغل علاقاتها مع إسبانيا بشكل إيجابي لصالحها. ويقول: "هناك محاولات لكنها تظل دون المستوى ويبقى الرابح الأكبر منها هو الجانب الإسباني".