الأسد يرغب في التطبيع.. لماذا اختفى الخطاب العنتري لإيران وحزب الله؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد ربط رئيس النظام السوري بشار الأسد قبول تطبيع العلاقة مع إسرائيل بانسحاب الأخيرة من هضبة الجولان وإنهاء احتلالها، كان غريبا التزام إيران وحزب الله اللبناني الصمت عن هذه التصريحات التي تنسف ثوابت ومسلمات ما يُعرف بـ"محور المقاومة والممانعة".

خلال حوار مع وكالة "سبوتنيك" الروسية في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، قال الأسد: "يمكن أن نقيم علاقات طبيعية مع إسرائيل فقط عندما نستعيد أرضنا. المسألة بسيطة جدا".

وتابع: "لذلك، يكون الأمر ممكنا عندما تكون إسرائيل مستعدة، لكنها ليست كذلك وهي لم تكن مستعدة أبدا. لم نر أي مسؤول في النظام الإسرائيلي مستعد للتقدم خطوة واحدة نحو السلام. وبالتالي، نظريا نعم، لكن عمليا، حتى الآن فإن الجواب هو لا".

ثمن الاستمرار

تصريحات الأسد لم تتطرق إلى فلسطين المحتلة التي طالما كان النظام السوري وإيران وحزب الله اللبناني يعتبرونها القضية المركزية، وأصل عدائهم الدائم للاحتلال الإسرائيلي، ما أثار التساؤل حول أسباب رهن التطبيع مع تل أبيب بالشأن السوري فقط، وصمت حليفيه الأبرز.

الباحث السياسي السوري سعد الشارع قال لـ"الاستقلال": "أعتقد أن إيران تدرك تماما حجم المخاطر الحالية في المنطقة، خاصة بعد التلويح الأميركي باحتمالية الانسحاب من العراق وغلق سفارتها في بغداد، هذا يفتح بابا لشكل آخر من الصراع بين الولايات المتحدة من جهة وإيران وأذرعها من جهة أخرى".

وتابع: "لذلك هذه الحساسية التي يشهدها الواقع الحالي للمنطقة هي ربما من دفعت بإيران وحزب الله اللبناني إلى التزام الصمت مع تلميحات النظام السوري بإمكانية التطبيع مع إسرائيل إذا ما حققت بعض الشروط ومنها ما أسماها استعادة الجولان".

لكن الحقوقي الفلسطيني أيمن أبو هاشم، رأى أن "عدم ذكر الأسد قضية فلسطين في مقابلته هو أيضا رسالة واضحة للأميركيين والإسرائيليين بأن لديه الاستعداد التام للكف عن استخدام الموضوع الفلسطيني في مناوراته اللفظية وشعاراته المعروفة، وبأنه مستعد للاستجابة لقواعد اللعبة الجديدة، لا سيما بعد افتتاح مسارات التطبيع الساخنة".

وأضاف أبو هاشم خلال تصريحات صحفية في 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2020: أن "هذا يستدعي منه وقف المتاجرة بالورقة الفلسطينية من نظامه، بعد أن استنفدت أغراضها منذ اتفاق فض الاشتباك عام 1974 في عهد أبيه، ولغاية تنفيذ بشار خلال الثورة السورية دوره في تفكيك الوجود الفلسطيني في سوريا". 

ورأى الحقوقي الفلسطيني أن "هذا التجاهل الواضح في حديثه لم يكن سهوا أو غير مقصود، لأن صمت النظام عن تطبيع الإمارات والبحرين يكشف عن محاولته كسب ثمن تخليه عن كل ما يُغضب إسرائيل، مقابل إعادة اعتماد نظامه على الساحة الدولية، وقبول إعادة ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة".

سقوط الأقنعة

وبخصوص ابتعاد الأسد عن ثوابت ما يعرف بـ"محور المقاومة"، قال الشارع: "قضية المقاومة ومحور الممانعة، هذه مصطلحات أعتقد أنها لا تعدو عن كونها إعلامية ودعائية يراد منها تجيير الحالة الشعبية في المنطقة، لأننا لم نشاهد من هذا المحور ابتداء من إيران وأذرعها في العراق وسوريا ولبنان أي مقاومة تذكر للكيان الإسرائيلي، والأخيرة تدرك حقيقة ماذا يعني محور المقاومة وما هي إمكانياته العسكرية".

وأعرب عن اعتقاده بأن "الترقب هو سيد الموقف لإيران وأذرعها في المنطقة وتحديدا حزب الله اللبناني، لأن هناك تغيرات كبيرة في المنطقة بعد إعلان بعض الدول العربية التطبيع مع إسرائيل، وكذلك في انتظار ما سوف ينتج عن الانتخابات الأميركية التي ستحدد إستراتيجية الولايات المتحدة ضد إيران بالشرق الأوسط".

وتابع: "إيران مع أذرعها في حالة ترقب، ولا تقوى على أي تصريحات، ولا تريد الابتعاد كثيرا عما بنته خلال الفترة الماضية، إضافة إلى أنها تعاني من وضع اقتصادي صعب جدا وتريد الخروج من هذا الضغط ولا تريد إشكاليات كبيرة تتعلق مع إسرائيل تحديدا".

من جهته، رأى أبو هاشم أن "حديث الأسد عن المطالبة بالأرض السورية يندرج فعليا في الدعاية نفسها، لكن هذه المرة ثمة تلميح من بشار لأن تبادر إسرائيل بخطوة تؤكد تمسكها به، وكل هذا بمثابة انكشاف فاضح لحقيقة النظام ونفاقه بأنه المدافع عن حقوق الفلسطينيين والسوريين".

وأكد الحقوقي الفلسطيني أن "الثورة السورية أسقطت وعرت ما يسمى بمعسكر الممانعة والمقاومة بجناحيه الأسدي والإيراني، وقادم الأيام سيزيل الغشاوة حتى عن عيون المخدوعين بهذا المعسكر المعادي لحق شعوبنا في الحرية والخلاص".

مفاوضات كاذبة

وفي السياق ذاته أكد الكاتب اللبناني جمال مرعشلي أن صمت بشار الأسد -أحد أقطاب محور الممانعة- أمام تطبيع بعض دول الخليج مع إسرائيل يشبه بصمت (حزب الله) على شبه التطبيع الذي قاده توأمه في الثنائي الشيعي، وحليفه رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري.

تطبيع بري مع تل أبيب تمثل بترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين التي لم يتورع بري عن وصفها في مؤتمره الصحفي بإسرائيل، والآن ـ وفق مرعشلي ـ جاء دور الأسد ليؤكد إمكانية إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل.

وأضاف الكاتب اللبناني خلال مقال نشره بموقع "جنوبية" في 9 أكتوبر/ تشرين الثاني 2020: "الأسد صمت دهرا ونطق هجرا. هضبة صغيرة هي ثمن التطبيع وإعطاء الشرعية لمن قام باغتصاب فلسطين وأولى القبلتين وتقتيل أهلها وتشريدهم في أصقاع المعمورة. إنها بكل بساطة مفاوضات عقارية أيها السادة، بالأمس مع بري واليوم مع الأسد وغدا من؟".

مرعشلي وصف ذلك بأنها "مفاوضات كاذبة لا تمس وجود إسرائيل، عوراء عن شعب طالما تاجروا بادعاء النضال لأجله، وها هم اليوم يتجاهلون ذكر قضيته أو حلها من قريب أو بعيد".

مضيفا: "لقد أُريد لعقارات جنوب لبنان أن تتشابك بعقارات جنوب سوريا لتشكلا معا قوقعة تتموضع إيران داخلها، وتعمل من بيتها المظلم الجديد على استبدال عنوان استرجاعها بعناوين الشرف السامية التي طالما رفعتها زورا وبهتانا ثم أسقطتها نهائيا، كعناوين: تحرير فلسطين، وتحرير القدس، وغيرهما".

خيارات إسرائيل

وعن مدى إمكانية استجابة إسرائيل للشرط الذي وضعه الأسد مقابل التطبيع معها، أعرب سعد الشارع في حديث لـ"الاستقلال" عن اعتقاده بأن إسرائيل إذا ما خُيرت بين بقاء بشار الأسد في السلطة وبين الجولان، حتما ستختار الأخيرة، لأن هذه منطقة الجولان خارجة حاليا عن أي تفاهمات بين الأطراف بشكل عام.

ولفت إلى أن "ما تريده إسرائيل من نظام الأسد ربما الإذعان لبعض مغريات الدول التي سبقته بالتطبيع- وأتحدث هنا عن دولة الإمارات- خصوصا أن مصادر غير مؤكدة، ذكرت أن وفدا إماراتيا زار دمشق وعرض موضوع التطبيع مع إسرائيل، لكن المقابل كان ليس موضوع الجولان ولا بقاء الأسد في السلطة، وإنما دعم الفيلق الخامس المدعوم روسيا، بأموال كبيرة تقدم إلى النظام السوري".

من جهته، قال الدبلوماسي السوري السابق المعارض للنظام بسام بربندي: "الأسد شخصيته مريضة، ويعتقد أنه هو من يعطي أدوارا دولية للدول، ويعطيها كذلك وزنا دوليا إذا وافق على أن يتعامل معها، وبالتالي هو يشعر بأنه (مفضل) عليهم ومهما ساعدوه فهو رد جميل له لأنه ساعدهم أولا، ونظرته للسلام مع إسرائيل تنطلق من هذه الفكرة".

وشدد الدبلوماسي المنشق عن نظام الأسد خلال تصريحات صحفية في 9 أكتوبر/ تشرين الثاني 2020 على أن "الأسد لا يستطيع أن يحصل على شيء مقابل السلام، فهو لا يتحكم حتى بالمنطقة الجنوبية من سوريا، وبالتالي هذا تصريح يعكس طريقة تفكيره المريض".

رسائل متضاربة

وعلى ضوء ذلك، قال أمير بار شالوم الخبير العسكري الإسرائيلي: "الحديث الأخير الذي أدلى به بشار الأسد حول السلام مع إسرائيل مدعاة للتوقف، لأنه يتزامن مع وجود مكثف للروس والإيرانيين وحزب الله على أرضه، بعد إنقاذه عندما تفكك جيشه".

وأضاف شالوم خلال مقال نشره موقع "زمن إسرائيل" في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2020: "تم إرسال رسائل متضاربة في الأسابيع الأخيرة من القصر الرئاسي في دمشق، فالأسد يحاول إعادة تجميع ما تبقى من سوريا بعد 9 سنوات من القتال، ولا شك أنه في مفترق قرارات مهمة، وعليه أن يقرر من سينضم ومن يتخلى عنه في طريقه إلى استقرار الدولة النازفة".

ورأى أن "حديثه عن المفاوضات مع إسرائيل يكشف عن نسيج معقد للغاية من اعتباراته الداخلية والخارجية، لأنه قد يدفع ثمنها باهظا، فالإيرانيون وحزب الله أنقذوه من مصير القذافي، حيث تفكك جيشه تدريجيا، وبعد أن قامت روسيا بتسوية مدن بأكملها بالأرض بسلاحها الجوي، فإن الأسد مدين لها بالكثير، وبوتين لن يتخلى عن وجوده الإستراتيجي في طرطوس، لأنها النقطة الوحيدة له في البحر المتوسط بمواجهة الناتو وتركيا".

وأكد شالوم أن "إعادة الأسد لإبداء استعداداته للتفاوض مع إسرائيل يصطدم بالوجود الإيراني ببلاده، فإيران تستخدم الأراضي السورية لنقل الأسلحة لحزب الله، وترسيخ وجودها في الجولان، وقد تثير ردود فعل عدوانية من إسرائيل، وهي صيغة لعدم الاستقرار، ما يطرح السؤال: هل سيتخلص الأسد من إيران، ويحاول الاعتماد على روسيا فقط، في تفاوضه مع إسرائيل، في هذه المرحلة يبدو أنه يحاول الإمساك بالعصا من الطرفين".

وأشار الكاتب إلى أن "إعلان الأسد الأخير عن عدم معارضته لأي علاقات مع إسرائيل، إذا انسحبت من كل بلاده، يترافق مع علامات عدة خرجت من دمشق في الأسابيع الأخيرة، أهمها ضعف الرد السوري على اتفاق التطبيع الإسرائيلي مع الإمارات والبحرين، مع أنه كان متوقعا أن يمطر العلويون هذا الاتفاق نارا وتصعيدا بما لا يقل عن رعاتهم الإيرانيين، لكن ذلك لم يحدث".