هكذا يسعى السيسي لتغيير عقيدة جيش مصر تجاه إسرائيل

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في الوقت الذي يسعى فيه رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي لاسترضاء إسرائيل، وجر جيشه للتطبيع معها، تعتبر تل أبيب ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو أن الجيش المصري عدو لها ويمثل تهديدا وخطرا عليها مستقبلا.

طوال التاريخ المصري استقرت العقيدة القتالية للشعب والجيش على أن العدو هو "إسرائيل"، حتى بعد اندلاع ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، إلى أن صعد السيسي إلى سدة الحكم في يونيو/ حزيران 2014، فسعى إلى تبديل وزعزعة هذه العقيدة في نفوس الجيش والشعب.

بينما إسرائيل وقادتها يقرون دائما أن مصر وجيشها عدو لهم، وهو ما أظهره نتنياهو في أكثر من مناسبة، كان آخرها قبل أيام مع حلول الذكرى 47 لحرب 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1973.

رسائل ودية

كانت "إسرائيل" دائما هي محور خروج السيسي عن النص، في خطاباته على مدار سنوات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث وجه لها قيادة وشعبا العديد من الرسائل الودية.

رسائل السيسي كانت ذات دلالة على منهجيته في تغيير جوهر الصراع العربي الإسرائيلي، الذي تقدمه جيش مصر على مدار عقود، وتنحيته نحو تطبيع أكثر عمقا، وتوجيهه نحو أعداء مختلفين سواء من أبناء شعبه، أو من دول أخرى مناهضة لانقلابه وسياسته الاستبدادية أو ضد الفلسطينيين أنفسهم.

في سبتمبر/ أيلول 2017، قال السيسي خلال كلمته بالأمم المتحدة، موجها حديثه للإسرائيليين: "لدينا في مصر تجربة رائعة وعظيمة في السلام معكم منذ 40 سنة، ويمكن أن نكرر تلك التجربة الرائعة، وأن يكون أمن المواطن الإسرائيلي جنبا إلى جنب مع الفلسطيني".

وأضاف: "يجب عليكم الوقوف خلف قياداتكم السياسية ولا تتردوا ونحن معكم جميعا من أجل إنجاح تجربة السلام.. ونحن حريصون على أمن المواطن الإسرائيلي جنبا إلى جنب مع الفلسطيني".

بعدها ضجت القاعة بالتصفيق من حديث السيسي، الذي أثار انتباه مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، وبدا راضيا عن رئيس النظام المصري.

منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، ذهب نظام الحكم في القاهرة نحو توطيد العلاقات بشكل أكبر مع تل أبيب، وعقد العديد من المباحثات، بل وصل التطبيع إلى التنسيق العسكري بين الجانبين في سيناء.

وفي 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، أعلن السيسي في لقائه مع قناة "فرانس 24"، أنه "لن يسمح أن تشكل سيناء منطقة خلفية لتهديد أمن إسرائيل" وبالتالي كان ذلك التنسيق ضمن سياق توجه النظام، الذي وطد علاقاته مع الدولة العبرية، على نحو غير مسبوق في التاريخ المصري.

هذه التحولات في عقلية الجنرال المصري نحو إسرائيل، وجاهتها تل أبيب بسياق مختلف ومرتكز على عدد من القواعد، أهمها أن مصر ستظل في صفوف "أعداء" إسرائيل الأبديين.

مصر "عدو" 

ورغم المواقف الحميمة التي يظهرها السيسي بشكل دائم لدولة الاحتلال، فإن قادة إسرائيل كانوا دائما متسقين مع أنفسهم في اعتبار مصر عدوة.

في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، غرد نتنياهو، عبر حساب "إسرائيل بالعربي" بموقع "تويتر"، قائلا: "رغم الموقف الضعيف في بداية الحرب، قلبنا الموازين رأسا على عقب وحققنا النصر. في غضون 3 أسابيع بعد الهجوم المفاجئ الذي شنه الأعداء (في إشارة لمصر) الذي كان من الأصعب في التاريخ العسكري، وقف مقاتلونا على أبواب القاهرة ودمشق".

تلك التصريحات لم تكن مستجدة من نتنياهو، ففي 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي في تغريدات نشرها باللغة العربية عبر صفحته الرسمية على تويتر، قائلا: "جيش الدفاع مستعد لمواجهة أي تهديد، سواء من خلال الدفاع أو الهجوم. إنه يملك قوة ساحقة وترسانة هائلة من الأسلحة".

وأضاف: "جيشنا يمتلك روحا قوية، تساوي تلك الروح القتالية العظيمة، التي نقلها لنا، جيل حرب يوم الغفران (حرب أكتوبر 1973). نبقي في أذهاننا ونطبق دائما المبدأ الأساسي، الذي نسترشد به، ومفاده أن إسرائيل ستدافع عن نفسها بقدراتها الذاتية ضد أي تهديد كان".

خط واضح ذكره نتنياهو، معبرا عن عقيدة شعبه وقادة الكيان المحتل، الذين يقرون بخطورة التهديد المصري، وبالعداء التاريخي معها، حتى وإن أظهر السيسي مودته وامتنانه لهم، وحاول أن يجرف الجيش إلى مناح أخرى بعيدة عن هدفه الأهم وهو حماية مصر من إسرائيل وخططها التوسعية.

الاحتلال المتحفز

ومن جيش الاحتلال المتحفز دائما ضد محيطه العربي والمصري، كان السيسي ينتهج بالجيش المصري نهجا آخر، في عداءات بعيدة تخص نظامه، ففي 20 يوليو/ تموز 2016، قامت مجموعة من الجيش بالتدريب على اقتحام مسجد على هيئة مجسم وإطلاق الرصاص عليه، حيث اقتحموه ودمروه بالكامل وذلك أثناء حفل تخرج دفعة جديدة من طلبة الكلية الجوية العسكرية، بحضور السيسي، ووزير الدفاع السابق صدقي صبحي.

جاء التصويب باتجاه المسجد، برأي نشطاء، بمعنى أن عقيدة طلاب الكليات العسكرية في مصر، "يتم محاولة تغييرها على قدم وساق، حيث إنه من المنطقي أن تكون الأهداف التي يصوب عليها الطلاب غير واضحة المعالم، أو حتى باتجاه إسرائيل، على اعتبار أنها عدو، أما أن يتم التصويب ناحية مسجد بدعوى مكافحة الإرهاب، وكأن المساجد أصبحت مقرات تؤوي إرهابيين".

أما سياسة استهداف المساجد، فلم تكن من خلال المجسم فقط، فحرق المساجد واقتحامها ومحاصرتها، لم تكن الأشكال الوحيدة لانتهاك المساجد في عصر السيسي.

حدث ذلك في مسجد رابعة العدوية الذي أحرق يوم الفض في 14 أغسطس/ آب 2013، بالإضافة إلى محاصرة مسجد الفتح في رمسيس، وإطلاق قنابل الغاز والدخان بداخله، وأيضا حصار واقتحام مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية.

وعلى جانب آخر كان هناك تنسيق تاريخي يجري على قدم وساق بين الجيشين المصري والإسرائيلي، يخص العمليات العسكرية في سيناء، حتى أن المحلل العسكري لصحيفة "معاريف" العبرية، يوسي ميلمان، نشر في 1 ديسمبر/كانون أول 2018، تقريرا تحت عنوان "الفشل المصري: خيبة أمل في الجيش والمخابرات الإسرائيلية من أداء الجيش المصري بسيناء".

ميلمان قال في التقرير: "هناك حالة من خيبة الأمل من عدم قدرة الجيش المصري على هزيمة تنظيم الدولة بشبه جزيرة سيناء".

وذكر أن "خيبة الأمل مردها في الأساس حقيقة مفاداها أنه رغم أن الجيش وأجهزة المخابرات المصرية تحظى في السنوات الأخيرة بمساعدات كبيرة من عناصر مخابرات غربية، وإسرائيلية أيضا، وفقا لتقارير أجنبية، فإنهم غير قادرين على تنفيذ المهمة".

وفي فبراير/ شباط 2018، أوردت مجلة "نيويورك تايمز" الأميركية، أن "العمليات الإسرائيلية بسيناء انطلقت بموافقة السيسي، وشملت استخدام مقاتلات ومروحيات وطائرات بدون طيار، مع الحرص على عدم كشف هويتها الإسرائيلية".

وأضافت: أن "العمليات الإسرائيلية بسيناء، تزايدت في أعقاب نجاح تنظيم الدولة، في قتل ما يزيد عن 100 جندي وضابط مصري، واحتلال مدينة الشيخ زويد في يوليو/تموز 2015". 

يذكر أنه خلال عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، وتحديدا في أغسطس/ آب 2012، ذكرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، أن "مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وجه رسالة شديدة اللهجة للقاهرة، عبر البيت الأبيض، كي تسحب مصر دباباتها بشكل فوري من سيناء، والتي كانت دخلت في الأسابيع الأخيرة، كجزء من عملية القضاء على خلايا الإرهاب في شبه الجزيرة".

وحسب الصحيفة "طالبت إسرائيل، مصر بأن تتوقف عن إدخال قوات الجيش المصري دون تنسيق مسبق، حيث إن الأمر يتعلق بخرق بنود اتفاقيات السلام بشكل لا يقبل الاحتمال".

الوضع تغير في عهد السيسي حيث سياسة التطبيع المطلق والكامل مع إسرائيل، وفتح أراضي مصر على مصراعيها أمام الجيش الإسرائيلي، متجاهلا الأمن القومي المصري. 

رفض شعبي

محاولات السيسي لم تؤت ثمارها شعبيا وهو ما بدا واضحا مع حلول الذكرى الـ 47 لحرب أكتوبر المجيدة، حيث قال المصريون كلمتهم، وأعلنوا أن إسرائيل ستظل عدوة مهما حدث.

غرد لاعب كرة القدم محمد أبو تريكة، صاحب الشعبية الطاغية في مصر والعالم العربي، قائلا: "تأتي ذكري نصر أكتوبر العظيم ليذكر الجميع بملحمة كبيرة بين الشعب وجيشه وبين مصر وجيرانها العرب ويلقن الكيان الصهيوني درسا قاسيا ويذكرنا جميعا فى ظل موجة التطبيع القبيحة فى الفترة الأخيرة أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة وأن الكيان الصهيوني عدو الأمة الأول ولا يريد بها خيرا".

ودون حساب باسم صلاح فوزي، "في ذكرى أكتوبر المجيد.. يتجدد الكره لإسرائيل ويقترب موعد النصر والقضاء عليكم، من الشعوب العربية والخزي والعار، لمن وضعوا أيديهم في أيدي القتلة من إسرائيل".

وقال الإعلامي المصري سالم المحروقي: "سلام على من حاربوا وحققوا  نصر أكتوبر في زمن كانت العقيدة القتالية واضحة وموجهة ضد عدو محدد، أتطلع إلى اليوم الذي يبتعد فيه الجيش عن السياسية ليكون جيشا يحمي ولا يحكم وقتها ستكون الخطوة الأهم في طريق أن نرى وطننا كما نتمنى ونتطلع .سلام على مصر".

وكتب الإعلامي المصري عمر فياض "تحية لكل عسكري وكل رتبة فوقه حتى القائد ممن دفعوا حياتهم ثمنا للحفاظ على حدود وحقوق مصر في النصر المحقق على العدو المحتل".