طموح السبسي في تعديل الدستور يصطدم بعقبات قانونية وسياسية

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في خطاب له بمناسبة عيد الاستقلال، خرج الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي  في 20 مارس /آذار 2019 بمقترح جديد على عادته مع هذه المواكب الاحتفالية، وقال إن لديه "تحويرا (تعديلا) جاهزا للدستور"،  من أجل منح رئيس الدولة مزيدا من الصلاحيات على حساب تلك الممنوحة لرئيس الحكومة وفق ما أقرّه دستور الجمهورية الثانية في 24 يناير/كانون الثاني 2014.

هذا المقترح يأتي في وقت تشهد فيه العلاقات بين السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد توترا حادّا بعد مطالبة الأول بإقالة الثاني الذي مضى في تشكيل حكومة جديدة والانشقاق عن حركة نداء تونس وتأسيس حزب جديد (تحيا تونس)، كما لم يبق أمام التونسيين سوى 6 أشهر على الانتخابات التشريعية والرئاسية المزمع تنظيمها 6 أكتوبر/تشرين الأول 2019.

نزاع الصلاحيات

منذ دخول الباجي قائد السبسي إلى قصر قرطاج أواخر العام 2014 بعد فوزه بأول انتخابات رئاسية حرة ونزيهة في تاريخ تونس، وفوز حزبه النداء بالانتخابات التشريعية في تونس، لم يستطع التونسيون التعرف على طبيعة النظام الذي يدير البلاد.

ففي الوقت الذي قلّص الدستور صلاحيات رئيس الجمهورية وفرض عليه الاستقالة من كل الأحزاب والحياد بينها، أعطى صلاحيات واسعة لرئيس الحكومة في إدارة السلطة التنفيذية.

إلاّ أن السبسي بفضل السلطة المعنوية التي اكتسبها باعتباره مؤسس الحزب الحاكم والماسك بخيوطه، وكذلك بعد عقده توافقا مع حركة النهضة أو بالأحرى مع رئيسها راشد الغنوشي وهو ما بات يعرف بتوافق "الشيخان"، تمكّن من تجميع السلطة التنفيذية بيديه وإدارة البلاد وفق إرادته خاصّة في الفترة التي ترأس فيها الحبيب الصيد الحكومة التونسية.

انقلاب الموازين

هذا الوضع الذي يعتبر بالغير طبيعي لم يستمر طويلا في تونس، فرغم إزاحة الصيد من منصبه والمجيء برئيس حكومة ندائي صرف، إلا أن بوادر الخلاف والتنازع نشأت بين السبسي الأب ومن خلفه ابنه حافظ المدير التنفيذي للنداء من جهة، وبين رئيس الحكومة يوسف الشاهد من جهة أخرى، حيث بدأ الأخير في استعمال صلاحياته بموجب الدستور دون العودة لمؤسسة الرئاسة.

هذا التنازع بلغ ذروته بإقالة وزير الداخلية لطفي براهم ومن ثم تعديل وزاري واسع لم يقم بتمريره على رئاسة الجمهورية وهو ما جدّد السبسي ذكره في كلمته الأخيرة قائلا إن المادة 71 من الدستور، تنص على أن "السلطة التنفيذية يمارسها رئيس الجمهورية وحكومة يرأسها رئيس حكومة".

وتابع أن تشكيل الحكومة الأخيرة "جرى دون استشارة الرئيس، بتوافق بين رئيس الحكومة وحركة النهضة"، وحينها صوت البرلمان بأغلبية مطلقة، على منح الثقة لتعديل وزاري اقترحه الشاهد، دون استشارة الرئيس، ودون موافقة حزب نداء تونس، تم بموجبه تعيين 13 وزيرا جديدا و5 كتاب دولة.

السبسي اعتبر ما تم مخالف للدستور إذ "لم يكن ضروريا الذهاب إلى المجلس (البرلمان لطلب الثقة على الحكومة) دون المرور برئيس الجمهورية"، معتبرا أن السلطة التنفيذية أصبحت برأس واحد عكس ما ينص عليه الدستور.

قراءات مختلفة

لا يعتبر الباجي أن التنازع في الصلاحيات هي المسألة الوحيدة المطلوب تعديلها في الدستور حسب رؤيته، وهو ما أظهرته المعارضة الواسعة التي قوبل بها مقترحه لتعديل مجلة (قانون) الأحوال الشخصية من أجل فرض المساواة في تقسيم الميراث بين الإناث والذكور على خلاف ما هو معتمد في القوانين التونسية المعتمدة على الشريعة الإسلامية.

السبسي تطرق في خطابه إلى "الخلاف بينه وبين بعض الحساسيات (التيارات) السياسية، حول قراءة النص الدستوري في خصوص المرجعية الدينية"، في إشارة إلى حركة "النهضة" الرافضة لمبادرة رئاسية لإقرار المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة.

وبحسب السبسي، فإن "الدستور واضح في فصله الثاني، وينص على أن تونس دولة مدنية" حيث ينص الفصل "تونس دولة مدنية، تقوم على المواطنة، وإرادة الشعب، وعلوية القانون.لا يجوز تعديل هذا الفصل".

فيما ترى حركة "النهضة"، أن المبادرة الرئاسية تتعارض مع الدستور في مادته الأولى التي تنص على أن "تونس دولة حرّة، مستقلّة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها .لا يجوز تعديل هذا الفصل".

الكتلة الأكبر

هذا التعديل الذي يأمل الرئيس التونسي أن يتحول إلى واقع، ليس الوحيد المطروح على الساحة، فالأمينة العامة للحزب الحر الدستوري عبير موسي (الأمينة العامة المساعدة للتجمع الدستوري المنحل حزب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي) تدعو إلى تغيير شامل للدستور.

لكن فكرة تعديل الدستور فقط في حد ذاتها تقابل برفض مطلق من حركة النهضة الحزب الأكبر في البرلمان التونسي، إذ أكّد عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة ووزير الخارجية السابق رفيق عبد السلام في حديث لـ"الاستقلال" أن "الحركة ليس لها توجه للتفكير في تعديل الدستور بأي شكل من الأشكال، وهذه الأطروحات التي تسعى لتعديله تنطلق من فلسفة مركزية السلطة ولا تقبل بفلسفة توسيع السلطة بين المؤسسات".

وأضاف أنّ "الانتخابات القادمة ستجري وفق الدستور الحالي ومن له أي طرح مخالف فليتجه نحو البرلمان من أجل الحصول على ثلثي أصواته لتنقيح الدستور".

وفي علاقة الأمر بتأويل فصول الدستور، فإن عبد السلام دعا إلى النظر إلى الدستور كوحدة متكاملة حيث لا تناقض بين فصوله وقال "لا تناقض بين اعتبار تونس دولة مدنية، وبين كونها دولة لغتها العربية، ودينها الإسلام". وأضاف أنّ "هذا الصراع التأويلي لنصوص الدستور تحاول بعض المجموعات أن ندفع به من أجل خلق صراعات على أسس إيديولوجية لا تخدم مصلحة التونسيين".

المهمة المستحيلة

رغبة الرئيس التونسي في تعديل الدستور تصطدم بجملة من الموانع القانونية والسياسية، حسب حديث أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك لـ"رويترز" بقوله "تقنيا تعديل الدستور غير ممكن حاليا، إذ لا يمكن تعديله إلا بموافقة المحكمة الدستورية التي لم تنشأ بعد".

وفشل البرلمان في اختيار أعضاء المحكمة بسبب عدم حصول أي من المرشحين على عدد الأصوات المطلوبة، حيث أكد الدستور في فصل 143 أنّ "لرئيس الجمهورية أو لثلث أعضاء مجلس نواب الشعب حقّ المبادرة باقتراح تعديل الدستور، ولمبادرة رئيس الجمهورية أولوية النظر".

إلا أن الفصل 144 اشترط "كلّ مبادرة لتعديل الدستور تُعرض من قبل رئيس مجلس نواب الشعب على المحكمة الدستورية لإبداء الرأي في كونها لا تتعلق بما لا يجوز تعديله حسبما هو مقرر بهذا الدستور".

في المقابل لم يبق في المدّة البرلمانية والرئاسية الحالية سوى 6 أشهر، وهي قصيرة جدّا لطرح مشروع تعديل دستور في ظل إمكانية الاستفتاء عليه. كما أن مناصري فكرة التعديل لا يمكن أن يصلوا إلى ثلثي أعضاء البرلمان كما حدّد ذلك الدستور "يتمّ تعديل الدستور بموافقة ثلثي أعضاء مجلس نواب الشعب. ويمكن لرئيس الجمهورية بعد موافقة ثُلثيْ أعضاء المجلس أن يعرض التعديل على الاستفتاء".

وفي الختام، فإن كان الدستور التونسي لا يمنع فكرة التعديل أو التنقيح وفق الشروط التي وضعها إلا أن الوضع السياسي والقانوني يبدو أنه غير ملائم لتحقيق رغبة السبسي الحالية.