ظاهرة "الحراقة" تتصاعد في تونس.. وأوروبا تبحث عن حلول

12

طباعة

مشاركة

قالت صحيفة واشنطن بوست: إن التداعيات الاقتصادية لتفشي فيروس كورونا دفعت آلاف التونسيين إلى القيام برحلة محفوفة بالمخاطر عبر البحر الأبيض المتوسط ​​بحثا عن ظروف معيشية أفضل، حيث وصلت أكبر موجة منذ ما يقرب من عقد من الزمان إلى شواطئ إيطاليا.

وكان الإغلاق الصارم الذي فرضته تونس في مارس/آذار ناجحا إلى حد كبير في احتواء تفشي الفيروس، لكن الإجراءات دمرت اقتصاد البلاد المتعثر بالفعل.

وخلال الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام، عبر ما يقرب من 8000 تونسي البحر الأبيض المتوسط ​​إلى إيطاليا، أي ستة أضعاف ما كان عليه في العام 2019، وفقا لمكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وأصبح التونسيون الآن أكبر جنسية تصل إلى روما. 

قصص حية

وأفاد صيادون محليون بأن زورقين للمهاجرين في المتوسط ​​يغادران مدينة جرجيس الساحلية كل مساء خلال الصيف متجهين إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية.

وقال شاب من مدينة جرجيس يبلغ من العمر 23 عاما ويعمل كرسام: إنه انطلق الشهر الماضي (أغسطس/آب) مع ثمانية رجال آخرين وخمسة أولاد، بمن فيهم شقيقه الأصغر، في رحلة استغرقت 25 ساعة عبر بحر "هائج". وعندما وصلوا إلى لامبيدوزا، "كانت الفرحة لا توصف"، كما أوضح في مقابلة أجريت عبر فيسبوك.

وأمضى الشاب، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لتجنب جذب المزيد من الاهتمام من السلطات الإيطالية، شهرا في الحجز قبل إطلاق سراحه. ومع ذلك، فمن المرجح أن يتم ترحيل العديد من زملائه المهاجرين، حيث استؤنفت رحلات الترحيل من إيطاليا إلى تونس في أغسطس/آب.

وبشكل عام، وصل عدد الوافدين عن طريق البحر إلى إيطاليا هذا العام من جميع الجنسيات - حوالي 20 ألف شخص حتى شهر أغسطس/آب - وهو رقم أقل بكثير من مئات الآلاف الذين تم تسجيلهم في عامي 2016 و2017، كما تقول الأمم المتحدة. 

مع ذلك، يقول الخبراء: إن الزيادة في أعداد المهاجرين التونسيين من المرجح أن تكون مؤشرا على موجة جديدة، حيث يتسبب فيروس كورونا في خسائر متزايدة أثرت بشكل كبير على سبل العيش في البلدان النامية.

وقالت أوليفيا سوندبيرج دييز، محللة السياسات في مركز السياسة الأوروبية، وهو مركز أبحاث في بروكسل: "على المدى المتوسط، أعتقد أنه من الآمن افتراض أنه سيكون هناك المزيد من الضغط على جبهة الهجرة إلى أوروبا".

وأوضح أيمن حسين، 25 عاما، والذي يعمل في مطعم بجرجيس، أن سوء الأحوال الجوية في الأيام الأخيرة كان السبب الوحيد الذي منعه من محاولة الهجرة. 

ولفت إلى أن المطعم أغلق أثناء الحجر الصحي، وعندما أعيد فتحه، لم يكن راتبه المتدني كافيا لمواجهة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وهو يكافح الآن لتغطية نفقاته.

وبين سيف خيلدي الذي يبلغ 25 عاما، وهو صياد من مدينة جرجيس، إن أقرانه يواجهون خيارا قاتما "إما أن أموت في بلدي أو أموت في البحر"، مشيرا إلى أن الكثيرين يفضلون هذه الأيام المخاطرة بالبحر.

ويشير التقرير إلى أن الحصول على تأشيرات دخول إلى أوروبا أمر مكلف وصعب بالنسبة لمعظم التونسيين، لذلك فهم يلجؤون منذ سنوات إلى معابر البحر المتوسط ​​الخطرة المعروفة عبر شمال إفريقيا، حيث يركب المهاجرون (الحراقة) قوارب الموت بحثا عن حياة أفضل في أوروبا.

ووسط عمليات إغلاق غير مسبوقة للحدود في فصل الربيع بسبب قيود الصحة العامة، توقفت الهجرة غير النظامية إلى أوروبا تقريبا، لكن بعد رفع القيود، هاجر أكثر من 4000 تونسي إلى إيطاليا في شهر يوليو/تموز وحده، بحسب الأمم المتحدة. 

وشكل التونسيون حوالي خمسي إجمالي الوافدين عن طريق البحر هذا العام، وهي نسبة يقول خبراء الهجرة: إنها كبيرة بشكل غير عادي.

وتسبب التدفق في حالة من القلق في جنوب إيطاليا وزاد من التوترات الدبلوماسية بين إيطاليا وتونس. 

وعبر بعض الإيطاليين من أقصى اليمين عن مخاوف من أن يتسبب المهاجرون في انتشار فيروس كورونا في البلاد، على الرغم من تأكيد المسؤولين الإيطاليين أن أولئك المهاجرين يمثلون نسبة صغيرة من الحالات الوافدة. 

تفاقم الأزمات

وعندما تم الإبلاغ عن حالات الاصابة لأول مرة في تونس في مارس/آذار، كان رد فعل السلطات سريعا، حيث أغلقت الحدود الخارجية ومعظم الشركات، وفرضت حظرا صارما للتجول ومنعت السفر بين المناطق. وقد أتت هذه التدابير أكلها، لكن وبحلول الوقت الذي أعادت فيه فتح حدودها في يونيو/حزيران، سجلت تونس 1064 إصابة فقط و50 حالة وفاة.

وقد أضرت القيود بالاقتصاد الذي يعاني بالفعل من ارتفاع معدلات البطالة، وتراجع القدرة الشرائية، خاصة وأن معظم التونسيين غير قادرين على العمل من المنزل. لذلك فقد تضرروا بشدة من فترة الحجر الصحي.

وقال ماكس جاليان، الباحث في الاقتصاد السياسي بجامعة ساسكس: "إن عمليات الإغلاق الكاملة هذه لها تأثيرات مختلفة جدا في البلدان النامية مقارنة بالدولة المتقدمة، حيث يكون العمل من المنزل أسهل ويعمل عدد أكبر من الأشخاص بشكل رسمي".

وتأثرت السياحة التي تعتبر قطاعا حيويا بالنسبة لاقتصاد البلاد، حيث انخفضت عائداتها بنسبة 61 ٪ بحلول أغسطس/آب، بحسب إحصائيات البنك المركزي التونسي. 

وفي مثل هذا الوقت من العام 2019، كان رواد الشواطئ الفرنسيون والروس يملؤون مدينة جرجيس، وفقا لصابرين كيلاني التي تشرف على "بار" مطعم Le Dauphin. وتتطلع كيلاني إلى غرفة بها مقاعد خالية في موعد الغداء، مشيرة إلى أن الموسم السياحي لهذا العام كان كارثيا. 

ونتيجة لتفشي فيروس كورونا، من المتوقع أن ينكمش اقتصاد البلاد بنسبة 4.3 ٪ في عام 2020، وفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي، وهو ما يمثل أكبر ركود منذ استقلال تونس عن فرنسا عام 1956.

في غضون ذلك، أدى عدم الاستقرار السياسي إلى تفاقم الأزمة، حيث استقال رئيس الوزراء إلياس الفخفاخ في يوليو/تموز بسبب اتهامات بالفساد وجهت له، تاركا تونس بدون حكومة في وقت حرج.

وتعد جرجيس التي تقع على الساحل الجنوبي الشرقي لتونس والبعيدة عن رادارات خفر السواحل، وجهة مفضلة للمهاجرين غير النظامين الذين يسعون للوصول إلى أوروبا. ويفخر الصيادون هنا بإنقاذهم مئات المهاجرين الذين أبحروا من ليبيا وغرقوا قبالة الساحل التونسي.

وأبلغت المفوضية عن مقتل وفقدان أكثر من 300 شخص في وسط البحر الأبيض المتوسط ​​هذا العام. وعادة ما يكون المهاجرون التونسيون المسلحون بأجهزة GPS عالية الجودة وبمعرفتهم بالبحار، أفضل حالا من أولئك الذين يغادرون من ليبيا المجاورة. 

مع ذلك، يقدر رمضان بن عمر مسؤول الاتصالات بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، اختفاء العشرات في البحر هذا العام.

وقال صلاح الدين مشارق رئيس جمعية الصيادين في جرجيس: إن كل قارب يغادر جرجيس متجها إلى إيطاليا هذه الأيام يحمل صيادا شابا أو اثنين، مؤكدا "الصيادون كانوا ينقذون الناس، أما الآن فهم يسهلون الحرقة".

في سياق متصل قال الرسام الشاب الذي أطلق سراحه مؤخرا من الاحتجاز في إيطاليا: إن خطط حياته لم تشمل في البداية الرحلة الخطرة وغير القانونية إلى أوروبا، مشيرا إلى أن إحدى الجامعات في باريس وعدت بقبول لاستكمال دراسته الجامعية في عام 2016، بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة، لكن طلبات التأشيرة الخاصة به رُفضت مرتين.

وانتهى به الأمر إلى طلاء المنازل في جرجيس، وتوفير ما يكفي لتأمين مكان على متن قارب "حرقة" في عام 2019. وأحبط خفر السواحل التونسي المحاولة الأولى.

وعندما تفشى الوباء وأصبح طلاء المنازل مستحيلا، قال الرسام: إنه شعر أنه ليس أمامه خيار سوى المحاولة مرة أخرى، في أسرع وقت ممكن بعد أن حصل على قرض وباعت والدته قطعة من الذهب لتمويل هجرته غير النظامية.

وبعد أن وصل هو ورفاقه المسافرون لأول مرة إلى لامبيدوزا، أمضوا 12 يوما في مركز استقبال مليء بالمهاجرين من جنسيات مختلفة، بما في ذلك النساء والأطفال الصغار، ومن ثم جرى وضعه في الحجر الصحي على متن قارب كبير قبالة ساحل صقلية.

ويأمل معظم التونسيين الذين يسافرون إلى إيطاليا، بمن فيهم الرسام، أن ينتهي بهم الأمر في فرنسا. ولكن بموجب نظام اللجوء في الاتحاد الأوروبي، فإن الدولة التي ينزل فيها المهاجر هي المسؤولة عن معالجة طلب اللجوء أو العودة.

واقترح الاتحاد الأوروبي نهاية سبتمبر/أيلول تجديد نظامه لتسريع عمليات الترحيل والسماح بالتوزيع المتساوي لطالبي اللجوء بين جميع الدول الأوروبية. 

وقال وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو مرارا: إن إيطاليا تعتبر تونس بلدا آمنا وستعيد جميع التونسيين الذين يدخلون إلى بلاده بشكل غير نظامي. 

وفي أواخر يوليو/تموز ، هدد دي مايو بوقف المساعدات التنموية لتونس إلى أن توافق السلطات على خطة لوقف تدفق المهاجرين. وسافر مسؤولون إيطاليون وأوروبيون إلى تونس العاصمة في أغسطس/آب لمناقشة الأمر مع الرئيس التونسي قيس سعيد.

ووعدت إيطاليا تونس بمبلغ 13 مليون دولار لدعم إجراءات مراقبة الحدود. وفي غضون ذلك، سيمدد الاتحاد الأوروبي برنامج إدارة الحدود الحالي مع تونس لمدة 20 شهرا وسيمنحها 11.8 مليون دولار، بحسب هشام الظاهري، المتحدث باسم وفد الاتحاد الأوروبي الذي زار تونس.

لكن قيس سعيد وصف النهج الأمني لمعالجة ظاهرة الهجرة غير النظامية بأنه غير كاف وأكد على أن تونس يجب أن تخلق فرص العمل والتنمية أسبابها. 

وفي الأسابيع الأخيرة، ارتفعت حالات الإصابة بفيروس كورونا في تونس، لكن هناك إجماع واسع النطاق على أن البلاد لا تستطيع تحمل إغلاق آخر.