"الدفع مقابل السكن".. هذا سر حملة السيسي المسعورة لهدم بيوت الغلابة

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

حملة شعواء شنتها أجهزة نظام عبد الفتاح السيسي التنفيذية خلال سبتمبر/ أيلول 2020، هدمت فيها آلاف المنازل، وشردت آلاف الأسر، بدعوى مخالفات البناء.

الأمر طال سائر محافظات مصر، وأصبحت قائمة أسعار التصالح على مرأى ومسمع من الجميع، فمن أراد الأمن والبقاء داخل بيته عليه أن يدفع بكل طريقة ممكنة، وإلا فمصيره الطرد، ومشاهدة مأواه يهدم أمام عينيه.

ظل السؤال المطروح باحثا عن إجابة، هل يهدف السيسي من وراء حملته المسعورة لإصلاح البلاد حقا؟ أم أراد تحصيل الضرائب وجني الأموال لسد عجز الخزانة الخاوية؟.

سر غضبه

في 29 أغسطس/ آب 2020، وأثناء افتتاح السيسي، مجموعة من المشروعات بمحافظة الإسكندرية (شمالا)، قال محتدا بشأن مخالفات البناء: "إذا كنا إحنا مقتنعين بمنتهى الجدية، الموضوع ده لن أسمح بيه مع كل المحافظات والتعديات، وأجيب معدات هندسية وأجيب وأشيل كل الكلام ده فى كل القرى وأبيد بكل المعدات الهندسية، بتكلم بمنتهى الجدية والحزم مع كل التعديات".

وأضاف غاضبا: "لا يمكن أن نسمح أبدا، لو الناس مش عاجبها الكلام ده يبقا إحنا نسيب المكان ده ونمشي".

سبب غضب السيسي وثورته وتوعده للمخالفين، يعود تحديدا إلى يناير/ كانون الثاني 2020، عندما تم إغلاق باب التقدم بطلبات التصالح في بعض مخالفات البناء بعد أن امتد فتحه لمدة 6 أشهر كاملة منذ أن صدرت لائحته التنفيذية في شهر يوليو/ تموز 2019.

وقتها توقع السيسي بعقليته الرامية إلى تحصيل الأموال من المواطنين، أن خزانة الدولة سوف تستقبل مليارات الجنيهات، لكن خاب مسعاه عندما ظلت مكاتب الإدارات خالية من الطلبات.

أقل من 100 ألف طلب تصالح فقط تقدم بها المصريون حتى ديسمبر/ كانون الأول 2019، بما يعادل 3% فقط من إجمالي المخالفات المستهدفة، وظلت خزانة الدولة خاوية من غنيمة الغرامات.

تم تحصيل نحو 30 مليون جنيه فقط (الدولار يساوي نحو 16 جنيها)، بينما كان السيسي ونظامه يستهدفون قرابة 300 مليار جنيه، تغمر خزانة الدولة، بحسب جلسات مجلس النواب (البرلمان)، مقابل غرامات التصالح.

ومع فشل التحصيل، شن السيسي حملة مسعورة في سائر محافظات القطر المصري طالت آلاف المنازل التي سويت بالأرض، بعد أن قال السيسي متوعدا: "الدولة بمؤسساتها يا محمد يا زكي (وزير الدفاع) مسؤولة عن الحفاظ على الدولة المصرية، لن أسمح أبدا أن إحنا نهد بلدنا ونضيعها كده، وحد يتصور، لا والله، لو الأمر استدعى هخلي الجيش المصري ينزل كل قرى مصر".

أصبح المواطن المصري بين سندان الدفع قهرا أو مطرقة الأجهزة الأمنية التي أخرجت آلاف العائلات من منازلها، ما سبب حالة غضب عارمة، ترجمت إلى مظاهرات، بينما خضع البعض مكرها لأسعار التصالح التي فرضها النظام.

أسعار التصالح

بعد أن أثارت مقاطع هدم المنازل، غضب المصريين، الذين بدأ بعضهم في مواجهة القوات التي عملت على تنفيذ الإزالات، أعلن رئيس الوزراء أنه تم التشديد على جميع الإدارات المحلية والجهات التنفيذية بضرورة عدم التدخل والتعامل مع العقار (الهدم) الذي صدر في شأنه نموذج التصالح، وكذا إيقاف وتجميد الأحكام الخاصة به، لحين البت في التصالح وإجراءات عملية التقنين.

تباينت أسعار التصالح وفق ما قررته اللجان التي شكلتها المحافظات في مراجعة أسعار تصالح مخالفات البناء حسب طبيعة كل منطقة ومحافظة، وفق قرار رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، الذي ألزم المحافظين بأخذ قيمة التصالح من المواطنين، دون مراعاة الظروف الاجتماعية، موضحا أن الدولة ستواجه بكل حسم أي بناء مخالف.

في 30 أغسطس/ آب 2020، أصدر اللواء خالد عبد العال، محافظ القاهرة، القرار رقم 3967 لسنة 2020 بشأن تحديد قيمة رسوم التصالح في مخالفات البناء بجميع أحياء المحافظة.

شملت الأسعار 38 حيا بالقاهرة مقسمين على 4 مناطق (شمالية – جنوبية – شرقية – غربية) على النحو التالي:

أما محافظة الجيزة فقد وضعت القيم السعرية للمتر المسطح في بعض مخالفات البناء وتقنين أوضاعها وفقا للقانون رقم 17 لسنة 2019 ولائحته التنفيذية، حيث بدأ سعر المتر السكني والإداري بـ50 جنيها وأقل سعر للتجاري  100 جنيه.

الوجه البحري

وفي الإسكندرية أصدر اللواء محمد الشريف محافظ الإسكندرية القرار رقم 599 لسنة 2020 بتحديد قيمة سعر المتر في مخالفات البناء، بحسب كل منطقة، وجاءت أسعار التصالح في مخالفات البناء، بحسب القرار، كالآتي:

أبو قير مناطق على البحر أو الشاطئ أو الكورنيش 1000 جنيه للمتر، ومنطقة مصيف أبو قير 600 جنيه للمتر، ومنطقة طوسون 500 جنيه للمتر، ومنطقة المعمورة البلد البحري 500 جنيه للمتر، ومنطقة (بحري السكة الحديد)، والحد البحري، والحد الشرقي، وحدود حي المنتزه، والحد القبلي، خط سكة حديد أبي قير، والحد الغربي حد حي المنتزه أول، يصل السعر إلى 700 جنيه للمتر، وكانت هذه أغلى المناطق في محافظة الإسكندرية.

وفي محافظة المنوفية بدأت قيمة المتر بالمدن من 600 جنيه للمتر على الطرق الرئيسية، وفي القرى والعزب من 125 جنيه إلى 50 جنيها.

وأعلن محافظ المنوفية اللواء إبراهيم أحمد أبو ليمون، أن إجمالي عدد طلبات التصالح المقدمة بنطاق المحافظة يقرب من 489 مليون جنيه، منذ بدء الحملة الأمنية وحتى الآن بإجمالي عدد طلبات 128 ألفا و945 طلبا بنطاق المحافظة.

وفي محافظة الشرقية، بدأت قيمة المتر داخل العزب والقرى التابعة للقرى الأم من 50 جنيها للمتر والقرية الأم 75 جنيها، ووصل سعر المتر داخل مدينة الزقازيق إلى 1000 جنيه في الميادين الكبرى، والأماكن التي تطل على شوارع تزيد عن 18 مترا.  

وكذلك كشف محافظ الإسماعيلية اللواء شريف فهمي، أن أسعار التقنين بمحافظة الإسماعيلية أصدر بشأنها القرار رقم 722 لسنة 2019 وتم نشره في الجريدة الرسمية.

وأوضح أن أسعار التقدير لأسعار التقنين شملت القرى والنجوع والمراكز والمدن، وتم تقسيمها إلى فئات ومستويات مختلفة حسب طبيعة وموقع الأرض، وكذلك عرض الشوارع التي تقع عليها الأرض.

تنوعت أسعار التقنين في محافظة الإسماعيلية، حيث إن أسعار التقنين في النجوع والعزب بدأت من 50 حتى 80 جنيها، وفى القرى بدأت من 90 حتى 150 جنيها، وفي المدن بدأت من 135 حتى 1700 جنيه، حسب طبيعة ونشاط الأرض.

 

عقارات مخالفة

وفق دراسة لوزارة الإسكان المصرية تم نشرها في 1 سبتمبر/ أيلول 2020، فإن عدد العقارات المخالفة في مصر منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى الآن بلغ 7 ملايين و380 ألف عقار، تنتشر داخل 184 مركزا و92 حيا و1211 وحدة محلية قروية و214 مدينة، يتبعون الإدارة المحلية ومديريات الإسكان المنتشرة فى المحافظات البالغ عددها 27 محافظة. 

سبق أن صرح رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في أبريل/ نيسان 2020، على ضرورة ألا تقتصر الإزالة على هدم عمود أو اثنين بالمبنى، وإنما تسويته بالأرض.

ووصل عدد مخالفات البناء التى تم إزالتها وتتعلق بأملاك الدولة إلى 3356 حالة، بمساحة إجمالية تبلغ 40.547.54م2، فيما وصلت عدد الإزالات لمخالفات البناء للأملاك الخاصة إلى 3942 حالة، بمساحة 472.727م2.

الأرقام السابقة تعني تشريد آلاف الأسر خارج منازلهم، خاصة وأن الدولة لا تقوم بتعويض أو توفير مأوى للذين أخرجوا من ديارهم، وهو ما حدث في الحملة الأخيرة التي انطلقت في سبتمبر/ أيلول 2020، وتم تداول مقاطع مصورة لعائلات وأطفال في الشوارع والميادين، بعد أن عصفت الآلة التنفيذية بمنازلهم على عين الأجهزة الأمنية.

تلك الخطوات التي أعادت للأذهان عصر الجبايات في مصر وتحصيل الضرائب الباهظة، حفز المواطنين للخروج في مظاهرات في خضم غضب متصاعد بسبب هدم عدد كبير من المنازل والمساجد.

في 9 ديسمبر/ كانون الأول 2019، صرح وزير المالية الدكتور محمد معيط لصحيفة "المال"، أن "الضرائب تمثل 85% من موارد الدولة المصرية"، وأضاف: أن "حصيلة الضرائب خلال العام المالي 2018/2019، قد بلغت نحو 613.8 مليار جنيه خلال الـ11 شهرا الأولى.

وسجلت حصيلة الضريبة على القيمة المضافة 310 مليارات جنيه بنسبة زيادة 7 في المائة عن نفس الفترة من العام المالي 2017/2018، وقيمة الزيادة 50.9 مليار جنيه، وفي وزارة المالية.

ثورة جياع

الباحث الاقتصادي المصري أحمد يوسف، قال لـ"الاستقلال": "الدولة المصرية في ظل نظام السيسي أصبحت تعتمد على اقتصاد الجباية، وأصبح المواطن البسيط هو النقطة المستهدفة من قبل الحكومة لسد عجز الموازنة، ومواجهة الأزمات الاقتصادية، مع ضعف الصادرات، وأزمة قطاع السياحة والصناعة، وقلة العملة الأجنبية، كل ذلك دفع النظام لابتكار أساليب يستطيع من خلالها أن يجني أكبر قدر ممكن من الأموال، لتقليل حجم الديون المهولة، الداخلية والخارجية".

وأضاف: "من السمات المعروفة عن الاقتصاد المصري، أن له شقين، أولهم الاقتصاد الرسمي الذي يقع تحت يد الدولة وتشرف عليه، وتتحصل على الضرائب منه، واقتصاد آخر مواز، وهو ضخم ومتعدد وتتم فيه عملية التهرب الضريبي، الذي يصل إلى مئات الملايين وربما مليارات الجنيهات".

وأكد الباحث: "تلك العوامل المتشابكة، تدفع الدولة إلى رفع الدعم، وتحصيل ضرائب مرتفعة، على كثير من السلع الأساسية، والخدمات الحياتية، مثل الغاز والكهرباء والمواصلات، وأخيرا بدأت عملية فرض غرامات باهظة على الأبنية المخالفة التي تقدر بالملايين، وتسكنها شرائح واسعة من الطبقات المتوسطة والفقيرة".

وأردف: "تلك السياسة عموما تنذر بعواقب وخيمة على الطبقة المتوسطة التي تسحق تماما، وهو ما يهدد السلم المجتمعي في مصر، ويدفع إلى ثورة جياع حقيقية، فالوصول إلى الناس في مسكنهم والتهديد بالتشريد هو أقصى ما يمكن أن تفعله حكومة بمواطنيها".


المصادر