"فورين أفيرز": الجامعات الأمريكية وجه آخر للنفوذ في الشرق الأوسط

ذكرت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية أنه في 10 يناير/ كانون الثاني الماضي، ألقى وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، خطابا مثيرا للجدل في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، سخر فيه من سياسة الرئيس السابق باراك أوباما في الشرق الأوسط، وشكر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على "شجاعته" في مواجهة التطرف، وكرر دعواته له لاتخاذ موقف صارم ضد إيران.
وقالت ليزا أندرسون، أستاذة العلوم السياسية المتخصصة في سياسة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والرئيسة السابقة للجامعة الأمريكية بالقاهرة، في مقال لها على المجلة، إن "هيئة التدريس بالجامعة غضبت، ليس فقط بسبب الخطاب، ولكن أيضًا بسبب فشل بومبيو في التواصل مع الطلاب".
الخوف على النموذج الفريد
وأفادت أندرسون أنه "في فبراير/ شباط المنقضي، صوّت أعضاء هيئة التدريس على إعلان عدم ثقتهم برئيس الجامعة فرانسيس ريتشاردوني، وهو سفير سابق للولايات المتحدة في مصر، الذي قام بدعوة بومبيو".
واعتبرت أستاذة العلوم السياسية، أن "هذا التمرد ضد رئيس الجامعة لم يكن مجرد رد على خطاب الوزير، بل كان تعبيرا عن عدم الارتياح المستمر منذ فترة حول اتجاه الجامعة".
وأوضح المقال أن "مخاوف أعضاء هيئه التدريس بشأن الحرية الأكاديمية تعكس أيضا، بشكل جزئي، القلق الواسع في الأوساط الأكاديمية في مصر بشأن تآكل حرية التعبير والنقاش في المجال العام".
ورأت الرئيسة السابقة للجامعة، أنه "بالرغم من أن بومبيو حث الحكومة المصرية على إطلاق العنان للطاقة الإبداعية للشعب المصري وتشجيع التبادل الحر والمنفتح للأفكار، فإن الحملات القمعية علي الجامعات ووسائل الإعلام قد قلّت بشكل كبير من ساحة النقاش العام".
وتابع المقال، "في عام 2016، طلبت حكومة السيسي من الأكاديميين الحصول على موافقة أمنية من أجل السفر إلى الخارج، وتحتل مصر الآن المركز 161 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة العالمي"، مشددا على أن "أعضاء هيئة التدريس بالجامعة الأمريكية، يخشون في هذا السياق على مستقبل النموذج الفريد للتعليم العالي الأمريكي في المنطقة الذي تمثله الجامعة".
مزيد من العلمانية
وبحسب المقال، قال بومبيو، إن "الجامعة الأمريكية في القاهرة أكثر من مجرد جامعة"، ووصفها هي والجامعات الأمريكية الأخرى في الشرق الأوسط بأنها "رموز الخير الفطري الأمريكي، والمستقبل الأفضل الذي نرغب فيه لجميع دول الشرق الأوسط".
وتعقيبا على تصريحه قالت أندرسون، "يعلم جيدا أغلب مديري التعليم العالي الأميركيين أن كونها مجرد جامعة فقط أمر صعب -في القرن الحادي والعشرين- من دون الإضطرار إلى أن تكون أيضا رمزا لطيبة أميركا الفطرية".
وتابعت، "لكن تصريحات بومبيو تشير إلى جانب من نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، الذي كثيرا ما يستخف به الأكاديميون وصناع السياسة: وهو الجاذبية القوية للعلامة التجارية الأميركية في التعليم العالي".
واستندت أستاذة العلوم السياسية، على تعبير الرئيس السابق للجامعة الأمريكية في بيروت (AUB)، جون ووتربيري، الذي قال "إن في الشرق الأوسط كلمة أمريكي للتعليم هي مثل كلمة سويسري للساعات". موضحة، "مثل الساعات السويسرية، يعكس التعليم الأمريكي نمطا متميزا، وفي حالة الجامعات الأمريكية فإن التميز جاء من الإحترام الدائم للحوار الحيوي والمفتوح والتحليل النقدي والإدارة المشتركة".
وفي سياق تاريخي، أكد المقال على أن "المبشرون في تصدير المعرفة الفنية والدراية الأميركية إلى الشرق الأوسط بدأوا نشاطهم في شكل مدارس وجامعات منذ فترة طويلة تعود إلى القرن التاسع عشر. وفي عام 1863، أسست المدرسة اللاهوتية في الولايات المتحدة كلية روبرتس في إسطنبول، التي أصبحت جامعة بوغازيتشي فيما بعد. وتأسست الكلية البروتستانتية السورية في عام 1866 كصورة للجامعة الأمريكية في بيروت. وفي الوقت الذي افتتحت فيه الجامعة الأمريكية في القاهرة في عام 1919، بدأ الغرض الديني الواضح لهذه الجامعات يفسح المجال لمزيد من العلمانية".
فقد اتجه التفكير إلى أن "التعليم الليبرالي يعزز الشخصية الأخلاقية والمواطنة المستنيرة"، بحسب المصدر ذاته.
الفنون الليبرالية الأمريكية
وتابعت أندرسون استعراض الأحداث التاريخية، فقالت "سرعان ما امتلكت دول الشرق الأوسط جامعات وطنية، أنشأ العديد منها من قبل الحكومات بعد الحرب العالمية الثانية لتدريب الكوادر الإدارية للدول المستقلة حديثا. فقد كان التعليم العالي العام المجاني واسع النطاق والتعليم العالي الخاص غير معروف فعليا إلا في لبنان. وكان التعليم الخاص، وخاصة الأمريكي، موضع شك".
وبحسب المتخصصة في سياسة الشرق الأوسط، "كادت حكومة الرئيس المصري جمال عبدالناصر أن تأمم الجامعة الأمريكية في أواخر الستينيات، واختُطف رئيس الجامعة الأميركية بالنيابة في بيروت ديفيد س. دودج في عام 1982، أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، وخلفه مالكولم كير بعد عامين. ولكن نجت كلتا الجامعتين وتخرج منهما العديد من قادة المنطقة في أواخر القرن العشرين، من الرؤساء والبرلمانيين والدبلوماسيين إلى المخرجين والرأسماليين والصناعيين".
وأوضح المقال، أنه "من خلال هذه الشخصيات، أصبح تعليم الفنون الليبرالية الأمريكية مرتبطا بالقوة والنجاح والتأثير".
بعد الحرب الباردة، تابعت الكاتبة، "افتتحت أنواع جديدة من الجامعات الأمريكية في أماكن أخرى من المنطقة، ويعكس انتشارها كلاً من مكانة التعليم الأمريكي وانخفاض النظم الجامعية الوطنية في المنطقة. وبحلول تسعينيات القرن العشرين، أصبح معروفاً على نطاق واسع أن الجامعات الوطنية في الشرق الأوسط تعاني من نقص التمويل وعدم الكفاءة وعدم القدرة على تلبية احتياجات الشباب".
وأضاف المقال، "بحلول ذلك الوقت، كانت بطالة الشباب في الدول العربية أعلى من أي مكان آخر في العالم؛ تقدر اليوم بأكثر من 30%، ولجأت الحكومات في المنطقة إلى القطاع الخاص لسد الفجوة بين توفير برامج عالية الجودة والطلب على خريجي الجامعات المهرة".
نقل ممارسات الحكم
واستنادا على الأرقام، أوضح المقال على أن "70% من الجامعات البالغ عددها في المنطقة اليوم تقريبا 600 جامعة تم تأسيسها بعد 1990. حوالي 40% منها من القطاع الخاص، ومقيد بها حوالي 30% من تسجيلات الجامعات في المنطقة. وقد قام العديد من هذه الجامعات الخاصة بإقامة روابط مع العلامات التجارية العالمية، والإعلان عن نفسها بأنها منتسبة إلى المؤسسات الدولية. وفي دولة الإمارات وحدها، هناك ما يقرب من 40 مؤسسة تحمل أسماء أمريكية أو أوروبية أو أسترالية، بعضها عبارة عن مدارس مهنية أو معاهد تدريب ذات مهارة تسويقية ذكية،ولكن عددا كبيرا يقدم تعليما جيدا إلى حد معقول".
ورأت الرئيسة السابقة للجامعة الأمريكية في القاهرة، أنه "على نحو مماثل، تزعم فروع الجامعات الأميركية، مثل مدرسة جورج تاون للخدمات الخارجية في قطر وجامعة نيويورك في أبوظبي، أنها تستجلب أعضاء هيئة التدريس الأميركية والمناهج الدراسية وأصول التدريس وممارسات الحكم إلى التعليم والبحوث في المنطقة. ويتسع نطاق هذا الاتجاه خارج الخليج، حيث بدأ، ولا سيما في مصر، التخطيط لإنشاء فروع لتلك الجامعات فى العاصمة الإدارية الجديدة".
وفى النهاية خلص المقال إلى أن "مدى تأثير هذه الجامعات الجديدة ذات الطراز الأمريكي يبقى سؤالاً مفتوحاً، فهذه الجامعات الخاصة لا تستطيع استيعاب الملايين من الطلاب الذين يبحثون عن أماكن في الجامعات في الشرق الأوسط، إذ يبلغ عدد الطلاب المسجلين حاليا في الجامعة الأمريكية بالقاهرة حوالي 6500 وفى المقابل جامعة القاهرة لديها أكثر من ربع مليون طالب". مشيرا إلى أن "تأثير الجامعات ذات الطراز الأمريكي كنموذج يحتذى للجامعات المحلية محدود للغاية، نظرا لوجود عوائق كبيرة تحول دون نقل السياسات والممارسات الأمريكية التعليمية لتلك الجامعات".