تحالف جديد بين "الكرامة" وقلب تونس.. لماذا تراجع الائتلاف عن موقفه؟

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فيما يعد انقلابا على مواقفه السابقة، أعلن رئيس كتلة ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف، يوم 5 أيلول/سبتمبر 2020، في تدوينة على فيسبوك، عن تحالف جديد لائتلاف الكرامة مع حزب قلب تونس، قائلا: "بعد الخذلان الذي تلقيناه من التيار الديمقراطي وحركة الشعب.. مد لنا حزب قلب تونس في المقابل يديه''.

الموقف الجديد للحزب الناشئ فتح الباب أمام موجة من الانتقادات من مؤيديه قبل منافسيه في الساحة السياسية، فيما اعتبروه تراجعا عن الوعود والالتزامات التي أدلى بها الائتلاف خلال الانتخابات الرئاسية التي حصد فيها مخلوف أكثر من 5% من أصوات الناخبين وكذلك الانتخابات التشريعية التي أدت إلى فوز ائتلافه بـ20 مقعدا وحصوله على المرتبة الرابعة.

يتكون الائتلاف أساسا من عدد من الناشطين السياسيين المنتمين سابقا للرابطة الوطنية لحماية الثورة والتي تشكلت مباشرة بعد سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وهو ماجعله يتمسك بشكل راديكالي يرفض التعامل مع أي من رموز النظام السابق أو المتعاونين معه، محملا الأحزاب السياسية المحسوبة على الثورة مسؤولية عودة رموز النظام القديم إلى المشهد السياسي.

التقارب مع قلب تونس برئاسة المرشح الرئاسي السابق نبيل القروي، الذي لازال ملاحقا في قضايا فساد وتبييض أموال، وفق قريبين من الائتلاف، هو تنسيق ضروري أقرب منه إلى تحالف سياسي خاصة في ظل عدم الاستقرار الحكومي الحاصل، وتعطيل عمل البرلمان من قبل كتلة الحزب الدستوري الحر بقيادة عبير موسي.

تصريحات صادمة

في تدوينته على فيسبوك أبدى مخلوف استعداد حزبه للتحالف مع حزب قلب تونس قائلا: "أيادينا ممدودة لكل من يرغب بصدق في بناء تونس الحرة.. وسنبقى سدا منيعا في وجه كل من يحن لعودة ثقافة الحقد والاستبداد والتخلف".

وتابع: "لسنا مطالبين في أي تحالف سياسي أن نكون مثل حليفنا.. ولا أن يكون حليفنا ائتلاف كرامة مثلنا.. بل فقط سنطالبه بمشاركتنا في الذود عن دولة القانون والحق والحرية.. الدولة التي لا يصنع فيها أحد الملفات القضائية للانتقام من خصمه السياسي.. أن يشاركنا البناء وسنحمي حقه في الاختلاف عنا كما يشاء".

النائب عن كتلة ائتلاف الكرامة بالبرلمان عبد اللطيف العلوي، صرح في 7 سبتمبر/أيلول 2020، أن التقارب بين قلب تونس وائتلاف الكرامة ليس تحالفا تقليديا، بل هو تنسيق برلماني.

وأوضح العلوي، في مداخلة على إذاعة "إكسبراس أف أم"، أن "التحالف يكون على مستوى برنامج الحكم وطريقة إدارة البلد، بينما ما يربط الكرامة وقلب تونس هو تكوين جبهة برلمانية".

وأضاف العلوي: أن "هذا القرار جاء بناء على ما شهدته السنة البرلمانية المنقضية من عبث"، مؤكدا أن "تكوين جبهة برلمانية الغاية منه ضمان الحد الأدنى من الاستقرار البرلماني وتسهيل تنفيذ الاستحقاقات الضرورية للاستقرار السياسي في مقدمتها إرساء محكمة دستورية".

في المقابل، أشار العلوي إلى أن موقف ائتلاف الكرامة من نبيل القروي لم يتغير، مستدركا: "نواب قلب تونس منتخبون من الشعب ولا يوجد ما يمنع من التقارب معهم في إطار البحث عن تحقيق مصلحة البلاد".

إلا أن هذه التصريحات لم تمر في صمت في وسط مشهد سياسي مليء بالتجاذبات منذ فترة، حيث عمدت الكثير من وسائل الإعلام المحلية إلى إعادة نشر تصريحات سابقة لقيادات من ائتلاف الكرامة وفي مقدمتهم سيف الدين مخلوف خاصة تلك التي أدلى بها خلال الحملة الانتخابية واتهم فيها نبيل القروي بالفساد وحزب قلب تونس بأنه جزء من النظام الفاسد.

شعور بالخذلان

يذكر أن ائتلاف الكرامة كان من أول الداعين مباشرة بعد الانتخابات التشريعية، إلى تشكيل حكومة تضم أحزاب النهضة وحركة الشعب والتيار الديمقراطي وائتلاف الكرامة، وتقصي منها جميع الأحزاب المحسوبة على النظام القديم أو المتفرعة عن حزب نداء تونس، وهي "الحزب الدستوري الحر"، و"قلب تونس" و"حركة تحيا تونس"، التي يرأسها رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد.

إلا أن مواقف عدد من الأحزاب دفعت حينها إلى استبعاد الكرامة من حكومة إلياس الفخفاخ وبقائه في المعارضة، حيث صرحت القيادية في التيار الديمقراطي سامية عبّو في 5 نوفمبر/تشرين الأول 2019 عن موقف حزبها من ائتلاف الكرامة، قائلة: "نحن نختلف معهم وهم لا يشبهون لنا، لا في توجهاتنا ولا رؤيتنا المجتمعية ولا تصورنا الاقتصادي ولا في الخطاب العنيف ولا العلاقة مع الاتحاد العام التونسي للشغل".

لعل هذا الوضع غير المريح الذي وجد ائتلاف الكرامة نفسه فيه هو ما عبّر عنه مخلوف في تغريدته بقوله: ''مدحنا التيار والشعب شهورا طويلة من أجل استرجاع بريق الثورة، فقابلونا بالاحتقار والتعالي والازدراء، وتفننوا في وصمنا بأبشع النعوت.. بل وشاركوا في كل المؤامرات والكمائن التي نصبها مرضى المنظومة البائدة.. ورضوا أن يكونوا وقودا وحطبا لحروبهم".

لكن في المقابل يستبعد المحلل السياسي التونسي بولبابة سالم تأثير هذا التحالف على حجم ائتلاف الكرامة في الساحة السياسية قائلا: "جمهور الائتلاف وناخبوه مكون بالأساس من النهضويين الغاضبين على سياسة حزبهم ومواقفه في السنوات الماضية وكذلك من المحافظين من الشباب المحسوب على التيار الإسلامي في عمومه، كما أن قادته يميزون بين الفكر السياسي والبرنامج السياسي الذي تفرضه الوقائع اليومية".

وأضاف سالم في حديث لـ"الاستقلال": "هذا التحالف أثبت صموده بعد لائحة سحب الثقة ضد الفخفاخ، وهدفه استكمال هيكل المحكمة الدستورية وتنقيح القانون الانتخابي، وهذا التحالف جمعته الظروف التي تعيشها البلاد، خاصة تلك التي رافقت تشكيل حكومة المشيشي، لأنه صار يخشى من تأويل الرئيس وحده للدستور، في ظل برودة العلاقة بين البرلمان وقصر قرطاج". 

تحالف واسع

في تصريحاته الأخيرة أكد سيف الدين مخلوف ما سبق وذكره رئيس كتلة حركة النهضة في البرلمان نور الدين البحيري في أكثر من مناسبة وكذلك رئيس كتلة قلب تونس أسامة الخليفي، عن وجود تحالف برلماني يضم 120 نائبا مكونا من الكتل الثلاث بالإضافة إلى كتلة المستقبل وعدد من النواب المستقلين.

بدأت تظهر ملامح هذا التحالف البرلماني منذ جلسة التصويت على سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي، حيث لم تصوت هذه الكتل لصالح اللائحة، وقبلها بأيام قليلة وقعت على لائحة لسحب الثقة من رئيس الحكومة السابق إلياس الفخفاخ المتهم بشبهات تضارب مصالح.

وفي جلسة التصويت على حكومة هشام المشيشي، أعلنت النهضة وقلب تونس مساندتها للحكومة ومنحها الثقة، بينما أعلن ائتلاف الكرامة حجب الثقة، لكن في جلسة التصويت قرر 7 من نواب الائتلاف منح الثقة للحكومة.

تمرير الحكومة الجديدة كان على رأس أولويات الأجندة السياسية لهذا التحالف الجديد، وهو ما أعلن عنه زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي في اجتماع مع هياكل حزبه بمدينة صفاقس (جنوب شرق)، نهاية أغسطس/آب 2020.

يلي ذلك في أولويات التحالف الجديد، تعديل قانون انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية لتمر بأغلبية 109 وليس بثلثي عدد النواب (145 نائبا)، ما تسبب في تعطيل انتخابها منذ عام 2014، بما يجبر الرئيس على تعيين بقية الأعضاء وإلا يوضع في وضع المتهرب من استحقاق دستوري يحتفظ بسلطة تأويل الدستور.

كما يهدف التحالف الجديد إلى تعديل القانون الانتخابي بفرض عتبة انتخابية، تحرم الكثيرين من دخول البرلمان خاصة الأحزاب الصغيرة والقوائم المستقلة التي قد تتسبب في تشتيت المشهد البرلماني.

كما تصر كتلتا ائتلاف الكرامة وقلب تونس على دعوة البرلمان لجلسة استثنائية من أجل تمرير قانون جديد ينظم قطاع الإعلام، فيما يراه البعض يخدم رئيس قلب تونس نبيل القروي المالك الحقيقي لقناة "نسمة"، والتي كان لها الدور الكبير في وصوله للدور الثاني في الانتخابات الرئاسية وحصول حزبه على الموقع الثاني في الانتخابات التشريعية الأخيرة.