سرت "منزوعة السلاح".. عاصمة جديدة أم بوابة لعودة رموز القذافي؟

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لسرت والجفرة أهمية إستراتيجية في جغرافيا الصراع الليبي بالإضافة إلى المكونات القبلية داخلهما، فالأولى هي مسقط رأس الرئيس الراحل معمر القذافي، والثانية هي مسقط  رأس اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

ووسط تعبئة عسكرية من قوات الوفاق لاستعادة سرت من مليشيات حفتر، تم إعلان وقف إطلاق النار من الجانبين، في أعقاب حراك سياسي مكثف بشأن الأزمة الليبية في الآونة الأخيرة.

في 22 أغسطس /آب 2020، أصدرت حكومة الوفاق (غربا) ورئاسة برلمان طبرق (شرقا)، كل على حدة، بيانا للإعلان عن وقف فوري لإطلاق النار وتنظيم انتخابات قريبة على كل الأراضي الليبية.

حكومة الوفاق قالت في بيانها: إن الوقف الفعلي لإطلاق النار سيفسح المجال أيضا للحلول السلمية، ويقضي بجعل سرت والجفرة منطقتين منزوعتي السلاح، والترتيبات الأمنية فيهما ستتكفل بها أجهزة الشرطة من الجانبين.

عقب إعلان الاتفاق رجح المحللون السياسيون خروج حفتر من المعادلة المعقدة، بعد انهزامه في معركة طرابلس.

منزوعة السلاح

قبلها بأيام، وتحديدا في 13 أغسطس/آب 2020، بحث السفير الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، مع مسؤولين أتراك في أنقرة، إمكانية تحقيق حل منزوع السلاح وسط ليبيا، في إشارة إلى مدينتي سرت والجفرة، وكذلك تمكين المؤسسة الوطنية للنفط من استئناف عملها.

السفارة الأميركية في ليبيا، أعلنت على صفحتها الرسمية بفيسبوك، أن السفير نورلاند "تشاور في أنقرة مع كبار المسؤولين الأتراك حول الحاجة الملحة لدعم الأصوات الليبية التي تسعى بصدق إلى إنهاء الصراع والعودة إلى الحوار السياسي الذي تسيره الأمم المتحدة، مع احترام كامل لسيادة ليبيا وسلامة أراضيها".

ناقشت الزيارة، التي أعقبت مكالمات هاتفية بين الرئيس دونالد ترامب ونظيره رجب طيب أردوغان، بحسب المصدر نفسه، "الخطوات اللازمة لتحقيق حل منزوع السلاح في وسط ليبيا، وتحقيق انسحاب كامل ومتبادل للقوات الأجنبية والمرتزقة، وتمكين المؤسسة الوطنية للنفط من استئناف عملها الحيوي، وتعزيز الشفافية والإصلاحات الاقتصادية". 

وفي نيويورك، أكد مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة، يوم 3 أيلول /سبتمبر 2020، السفير طاهر السني، أن تحقيق وقف فعلي لإطلاق النار ونجاحه يقتضي أن تصبح مدينتا سرت والجفرة "منزوعتي السلاح"، مؤكدا موقف حكومة الوفاق في دعم كل مساعي السلام وحقن الدماء والاستقرار في كامل أنحاء البلاد.

وأضاف السني: أن الغاية الأساسية من وقف إطلاق النار هو "استرجاع السيادة الكاملة على التراب الليبي، بما يتضمن إعادة فتح الموانئ والحقول النفطية فورا".

صراع العواصم

خرج "رئيس" مجلس نواب طبرق، عقيلة صالح، بمقترح جديد لتدارك ثغرة في مبادرته التي تضمنها إعلان القاهرة، تتعلق بنقل العاصمة الليبية مؤقتا من طرابلس في الغرب إلى مدينة سرت في الوسط، لتكون مقرا لسلطة موحدة.

وفي مقابلة صحفية يوم 14 أغسطس/آب 2020، عقب لقائه بالسفير الأميركي ريتشارد نورلاند، بالقاهرة، قال صالح: "اقترحنا أن تكون سرت مقرا للسلطة المؤقتة القادمة".

والمقصود بالسلطة المؤقتة القادمة، بحسب صالح، مجلس رئاسي جديد من ثلاثة أعضاء بدلا من 9، يُختار كل واحد منهم من أحد الأقاليم الثلاثة (طرابلس برقة وفزان)، على ألا يكون رئيس الحكومة من نفس إقليم رئيس المجلس الرئاسي، وكذلك مجلس النواب.

يرى عدد من المتابعين أن اقتراح "صالح"، بجعل سرت عاصمة مؤقتة لليبيا، مناورة سياسية ردا على المقترح الأميركي بجعل سرت والجفرة، منطقة منزوعة السلاح.

وحسب صالح، فإن نزع السلاح، يقتصر فقط على داخل مدينة سرت، وتتولى تأمين السلطة المؤقتة أجهزة أمنية من الأقاليم الثلاثة، بينما تبقى مليشيات حفتر، والمرتزقة الأجانب بأسلحتهم الثقيلة خارج المدينة.

ما يعني أن السلطة المؤقتة ستكون تحت رحمة مليشيات حفتر، ورهينة لديها، فلا يمكن لأي أجهزة أمنية بأسلحة خفيفة أن تقاوم مليشيات بأسلحة ثقيلة.

صالح رفض فكرة تأمين قوات أممية أو أوروبية لسرت، واشترط أن تكون كل القوات الأمنية المكلفة بحماية السلطة القادمة ليبية.

وبرر سبب اختيار سرت لتكون مقرا للسلطة القادمة لسببين رئيسيين، أولهما أنها تتوسط الأقاليم الثلاثة، وثانيهما لتوفرها على الهياكل الكافية لاستقبال المجلس الرئاسي والحكومة والبرلمان والموظفين الحكوميين.

كل هذه التفاصيل التي تحدث عنها صالح، عقب لقائه بنورلاند، لم يتطرق لها بيان السفارة الأميركية، الذي كان مغلفا بالكثير من العبارات الدبلوماسية، ما يعني أنه لم يتم الخروج بأي اتفاق نهائي حول منطقة منزوعة السلاح في سرت والجفرة.

لاعب جديد

في الوقت الذي كان الليبيون ينتظرون جعل مدينة سرت منزوعة السلاح، وخروح مليشيات حفتر وجميع مرتزقته منها، إذا بها تتحول إلى ساحة معركة بالأسلحة الخفيفة بعد صعود أنصار نظام معمر القذافي السابق كلاعب جديد ومستقل عن حفتر.

ما يجري في سرت حاليا يعكس بداية تخلي أنصار القذافي عن حفتر، بعد أن دعموه طيلة سنوات لإسقاط ثوار 17 فبراير، الذين أطاحوا بنظام "الجماهيرية"  في 2011.

أنصار القذافي، الذين حاولوا تنظيم مظاهرات في كامل البلاد، في 20 أغسطس/آب 2020، في الذكرى التاسعة لسقوط طرابلس في يد الثوار، واجهوا حملة اعتقالات عنيفة من مليشيات حفتر في مدن سرت وأجدابيا (750 كلم شرق طرابلس) وبنغازي (1000 كلم شرق طرابلس).

ذكرت وكالة بلومبيرغ في تقرير إخباري أن المئات من أنصار النظام السابق ظلوا منذ 20 أغسطس/آب 2020، يتظاهرون في شوارع سرت، المدينة التي شهدت مولد القذافي ثم مصرعه بعد 69 عاما إبان ثورة مدعومة من حلف شمال الأطلسي (الناتو) عام 2011.

ويعكس حجم المشاركة في التظاهرات كيف أن 9 سنوات من الفوضى تركت البلاد في حالة يرثى لها، حيث أُغلقت حقول النفط وعانت المدن من انقطاع الكهرباء، ما جعل بعض الليبيين يتوقون لاستعادة عهد اتسم بالاستقرار النسبي.

وتقول بلومبيرغ: إن سيف الإسلام، ثاني أكبر أبناء القذافي (موجود في مكان ما بليبيا)، يتحين الفرصة لاستعادة نظام والده، وتجدر الإشارة إلى أن سيف الإسلام نفسه مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة الضلوع في قمع الاحتجاجات إبان الانتفاضة التي انتهت بالإطاحة بنظام والده.

وأشارت الوكالة الأميركية في تقريرها إلى أن مدينة سرت - التي تعد البوابة لمعظم ثروات ليبيا النفطية - تخضع لسيطرة قوات حفتر، وتراقبها من بعيد قوات حكومة الوفاق الوطني.

وتعرضت مظاهرات سرت إلى حملة قمع من قبل قوات حفتر، التي استولت على المدينة في يناير/كانون الثاني 2020.

يذكر أن الزعيم الراحل معمر القذافي، حاول أن يتخذ من سرت مسقط رأسه عاصمة للبلاد وشيد بها مطارا دوليا ومجمع قاعات "وغادوغو"، وقصور الضيافة، التي عقدت فيها آخر قمة لمنظمة الوحدة الإفريقية في 1999، بالإضافة إلى قمة عربية في 2010.

خط فاصل

الخبير في الشأن الليبي بشير الجويني اعتبر أن سرت هي الخط الفاصل بين نفوذ المتصارعين وهي أيضا رمزية مشروعين مشروع ما قبل 2011 وما بعده، الأرجح أن التفاهمات بين القوى المتصارعة ستحول دون نزاع مسلح يقحم المدينة والمنطقة الإستراتيجية في حرب لا يعرف نهايتها أحد خاصة أن المنطقة فضلا عن الترسانة الكبيرة من الأسلحة تحتوي على موانئ النفط ومصافيه.

وأضاف الجويني في حديث لـ"الاستقلال": "تتجه الأمور لصفقة ما يتم بموجبها نقل النزاع من الصعيد الميداني إلى طاولات المفاوضات وهو ما تجلى في أنباء عن موافقة روسية على تسليم سرت مقابل تفاهمات تركية روسية لم تتضح معالمها بعد، بموازاة محادثات ترعاها المغرب ويأمل أطراف الصراع من خلالها الرجوع إلى المسار السياسي".