ترامب يعاقب إثيوبيا دعما للسيسي.. فلماذا باعته الرياض وأبوظبي؟

محمد السهيلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

نحو 7 سنوات مضت على مفاوضات سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا، دون تحقيق نتائج تذكر باستثناء أن السد أصبح واقعا ملموسا على الأرض وبدأت أديس أبابا مؤخرا في ملئه.

لم يكن من المتوقع أبدا أن يتخلى شركاء قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي الإقليميين في الإمارات والسعودية عنه ويتركونه وحيدا في مواجهة إثيوبيا، في الوقت الذي تقوم فيه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخطوات إيجابية دعما له في أزمة المياه.

في 27 أغسطس/ آب 2020، نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية خبرا حصريا، أكدت فيه أن واشنطن قامت بتعليق بعض تمويل المساعدات الخارجية لإثيوبيا بسبب نزاع المياه مع مصر والسودان.

ووافق وزير الخارجية مايك بومبيو، على خطة لوقف المساعدات الأميركية لإثيوبيا، بعد أشهر من محاولة إدارة ترامب التوسط لحل أزمة سد النهضة.

وقالت فورين بوليسي: "القرار يقتطع 130 مليون دولار من المساعدات الأميركية لإثيوبيا، مشيرة لتقديم واشنطن 824.3 مليون دولار مساعدات لإثيوبيا بالعام 2019".

غضب إثيوبي

ورغم غياب شركاء السيسي الإقليميين بالأزمة، برز الدور الأميركي باستضافة واشنطن في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، جلسات المفاوضين من المسؤولين المصريين والإثيوبيين والسودانيين بحضور رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس، ووزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين.

وجاء الحل الأميركي للأزمة سريعا بإعلان اتفاق الأطراف على مسودة وقعتها مصر بالأحرف الأولى، إلا أن إثيوبيا لم تشارك بالجولة الأخيرة للتوقيع يومي 27 و28 فبراير/ شباط 2020، ونفت التوصل لأي اتفاق.

وتطور الأمر بين واشنطن وأديس أبابا بعد مطالبة أميركية لها بتوقيع الاتفاق، وفي مارس/ آذار 2020، وجه وزير الخارجية الإثيوبي جيدو أندرجا تشاو انتقادات لأميركا، واتهمها بالتحيز لمصر.

وتواصلت التصريحات الإثيوبية التي تتهم إدارة ترامب بالوقوف في صف مصر، على لسان بعض المسؤولين الإثيوبيين، الذين أشاروا لإطراء ترامب بالسيسي، ووصفه أثناء قمة مجموعة الدول السبع الكبرى عام 2019 بأنه "ديكتاتوره المفضل". 

ورغم قرارها بتقليص المساعدات لإثيوبيا إلا أن الإدارة الأميركية يبدو أنها عازمة على مواصلة جهودها بالأزمة، حيث قال أحد المسؤولين الأميركيين لـ"فورين بوليسي": "لا يزال هناك تقدم، وما زلنا نرى طريقا قابلا للتطبيق للمضي قدما هنا".

أصدقاؤه باعوه

وفي تعليقه على القرار الأميركي قال رجل الأعمال المصري المعارض لنظام السيسي محمود وهبة: "أميركا تعرف خطر السد الإثيوبي والسيسي لا يعترف به، وأميركا فعلت أكثر من مصر لمواجهة سد إثيوبيا".

وكتب عبر صفحته بـ"فيسبوك": "أميركا بهذا الإجراء تقول للعالم إن هذا السد يمثل عدم استقرار وتهديدا للحياة والأمن الغذائي بمصر".

وتساءل وهبة: "ماذا فعل الحكام العرب أصدقاء السيسي؟"، مجيبا بقوله: "يشجعون إثيوبيا في الخفاء"، مؤكدا أن "أميركا أحن على مصر من السيسي والطغاة العرب".

وختم بالقول: "ستنتظر أميركا لترى ما تفعله مصر وإن استمر السيسي على السلبية والتواطؤ، بالطبع لن تستمر أميركا تحارب بمعركة ليست معركتها".

وحول النقطة الأخيرة من حديث وهبه، قال الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية الدكتور السيد أبوالخير: "بداية أشك في هذا الخبر، فيمكن تعليق المعونات لفترة، لكن الصحيح أن أميركا حينما طلب منها السيسي الوساطة أوكلت الأمر لوزير الخزانة الأميركي وهو غير مختص بالطبع، ولم تفعل أي شيء بالملف".

وفي حديثه لـ"الاستقلال"، أوضح أبو الخير، أن "واشنطن لم تحاول الضغط على أي طرف كما يجب، لأن السد مطلب أميركي إسرائيلي، ولذلك عاد السيسي إلى الاتحاد الإفريقي بعد فشله توجه إلى الولايات المتحدة والأمم المتحدة، وذلك مماطلة منه حتى يتم الانتهاء من السد ويصبح حقيقة واقعة يجب التعامل معها بحرص شديد".

الود المفقود

ولكن إذا كان هذا هو موقف ترامب الداعم لديكتاتوره المفضل، فماذا عن شركاء السيسي الإقليميين؟.

حالة الود والدفء في العلاقات بين السيسي وكل من ولي عهد الإمارات محمد بن زايد، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان لم تظهر مطلقا في أزمة سد النهضة.

لم يكن للرياض وأبوظبي أي دور يذكر في حل الأزمة ولم يتخذ أي منهما خطوات دعم مشابهة للدور الأميركي إن لم يكن لحل الأزمة فعلى الأقل لإنقاذ صورة السيسي أمام شعبه في الملف الأخطر والذي يمس وجود 100 مليون مصري.

ورغم ما توليه كل من الإمارات والسعودية من دعم لمصر في الملف الليبي إلا أنهما لم تقدما نفس الدعم للقاهرة في أزمة المياه، بينما لم يتعد دعم نظامي البلدين أروقة الجامعة العربية ومجلس الأمن الدولي.

دعم معنوي

وعربيا وفي بيان بدعم إماراتي وسعودي، أعلنت الجامعة العربية في 5 مارس/ آذار 2020، رفضها المساس بالحقوق التاريخية لمصر بمياه النيل، ورفض أي إجراءات إثيوبية أحادية بينها بدء ملء خزان سد النهضة دون اتفاق.

وعالميا، جاء الدعم المعنوي السعودي لمصر بالأزمة أيضا عبر مجلس الأمن، على لسان مندوب المملكة خالد بن محمد منزلاوي، في 2 يوليو/ تموز 2020، فيما لم يصدر عن أي من الدول الداعمة للسيسي مقترح لحل الأزمة أو قرار بالتدخل في الملف الشائك.

الغريب أن الدبلوماسية السعودية لعبت دورا رائدا وممتدا لحل الأزمة بين الجارتين في الشرق الإفريقي إثيوبيا وإريتريا، ووقف حرب مشتعلة منذ 20 عاما، وهو الدور الذي يثمنه الإثيوبيون، إلى جانب النشاط الاقتصادي الواسع والمتنامي لكل من السعودية والإمارات في إثيوبيا بالزراعة والطاقة وبناء السد.

حسب تقرير نشرته صحيفة "الأهرام" المصرية بداية 2017، تأتي الاستثمارات السعودية بإثيوبيا في المرتبة الثالثة، بنحو 294 مشروعا، باستثمار نحو 5.2 مليارات دولار معظمها بالزراعة والإنتاج الحيواني.

ويعتبر رجل الأعمال السعودي محمد العمودي، الإثيوبي الأصل والذي احتل المرتبة الثالثة بين الأثرياء العرب بثروة 13.5 مليار دولار في 2015، ذراع المملكة الطولى في إثيوبيا.

وحسب تقرير سابق لمجلة "فوربس" يمتلك العمودي مجموعة شركات في الإنشاءات والزراعة والطاقة بإثيوبيا، وزرعت شركته "النجمة السعودية للتنمية الزراعية" آلاف الأفدنة هناك.

ولمصانع إسمنت العمودي بإثيوبيا، دور في بناء سد النهضة حيث أمد مصنع "ميدروك"، شركة ساليني الإيطالية التي تبني السد، بكميات الإسمنت المطلوبة، فيما تبرع العمودي بنحو 80 مليون دولار للسد عام 2015.

ولم يتوقف الأمر على الاستثمارات بل تعداه للدعم المالي، ففي 19 ديسمبر/ كانون الأول 2019، حصلت أديس أبابا على قرضين من صندوق التنمية الحكومي السعودي بنحو 140 مليون دولار، لتمويل مشروعات الطرق والمياه والطاقة، فيما قام الصندوق بالعام 2016 بإمداد 305 مستثمرين سعوديين و69 شركة سعودية بالتمويل اللازم للاستثمار بإثيوبيا.

وحسب القنصل العام الإثيوبي بجدة مروان بدري، فإن الاستثمارات السعودية بإثيوبيا ستصل لـ 13 مليار دولار.

وحول الإمارات أكد تقرير "الأهرام" أن أبوظبي تحتل مرتبة متقدمة في الاستثمار بإثيوبيا، بنحو 92 مشروعا، فيما قدرت إحصاءات هيئة الاستثمار الإثيوبية ووزارة الاقتصاد الإماراتية، حجم استثمارات الإماراتيين بإثيوبيا بـ3 مليارات دولار، في الوقت الذي تعددت فيه اللقاءت بين مسؤولي البلدين.

 

وأوضح التقرير أنه في الوقت الذي أوقفت وزارة الصحة الإثيوبية وارداتها من 11 مصنعا للأدوية المصرية في يوليو/ تموز 2017، افتتحت الإمارات شركة الخليج للصناعات الدوائية "جلفار" بإثيوبيا.

ويمتلك رجال أعمال إماراتيون مصنع رأس الخيمة للسيراميك منذ 2015، وفندق "حياة" بأديس أبابا منذ 2017، فيما وقع البلدان في ديسمبر/ كانون الأول 2016، اتفاقية لحماية الاستثمار المتبادل.

وفي فبراير/ شباط 2020، اعتمد مجلس الأعمال الاستشاري الإماراتي الإثيوبي خطة لتسهيل الاستثمارات الإماراتية وضخ مليارات الدولارات بمشروعات أديس أبابا، كما أن رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار تبرع للسد بـ88.5 مليون دولار لأن والدته إثيوبية.

قبلها أعلنت إثيوبيا، في يونيو/ حزيران 2018 عن استثمار إماراتي بنحو 2 مليار دولار ومليار دولار أخرى كوديعة بالبنك المركزي الإثيوبي، كما تستزرع شركات إماراتية نحو 40 مليون فدان في إثيوبيا.

ثمن الكرسي!

والسؤال: لماذا لم يتخذ شركاء السيسي الإقليميون في السعودية والإمارات خطوات عملية لدعمه في ملف المياه أو تهديد إثيوبيا بسحب استثمارتهما؟.

وفي إجابته طرح الخبير القانوني أبوالخير، تساؤلا آخر: "لماذا لم تعرض مصر أزمة السد على أي مؤتمر قمة لرؤساء العرب منذ البداية أو تطلب مناقشة الموضوع رغم أهميته بأي قمة عربية مضت أو قادمة".

أبو الخير قال لـ"الاستقلال": "السيسي يماطل حتى يتم بناء السد، ووقع اتفاق المبادئ عام 2015، مقابل سحب قرار الاتحاد الإفريقي بتعليق عضوية مصر بالاتحاد الذي اعتبر ما حدث في 3 يوليو/ تموز 2013، انقلابا عسكريت، ورفض التغيير بقوة السلاح والانقلاب على التجربة الديمقراطية في مصر".

ويعتقد أبو الخير، أن "مياه النيل إحدى حلقات سلسلة تنازلات قدمها السيسي، لضمان الاعتراف به، بداية من (تيران وصنافير)، وحتى (غاز المتوسط)، لافتا إلى دور أولاد سعود وأبناء زايد في تمويل السد الإثيوبي".

وختم الخبير في القانون الدولي بالقول: "السيسي متنازل عن النيل مقابل الكرسي، ومن دعم انقلاب مصر هو من يدعم ماليا وسياسيا إنشاء سد النهضة، لذلك تجد السيسي لا يريد أن يتخذ أي إجراء من شأنه عرقلة أو وقف العمل بالسد فهو من تنازل مقابل الكرسي".