"مللي جوروش".. منظمة تركية ترعى مسلمي أوروبا وتواجه اليمين المتطرف

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

حرب مركبة من قبل اليمين المتطرف في أوروبا، بالإضافة إلى الإمارات، ونظام عبد الفتاح السيسي في مصر، تواجهها منظمة "مللي جوروش" التركية، التي تعمل على خدمة المسلمين في الغرب عبر فروعها في أوروبا، ومقرها الرئيسي في "كولون" الألمانية.

المؤسسة التاريخية في تركيا، والنشطة في خدمة المسلمين المهاجرين والمقيمين في الغرب عموما، تعمل بثلاثة ثوابت أولها "أمرهم شورى"، و"ادع إلى سبيل ربك بالحكمة"، "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا".

تجابه "مللي جوروش" محاولات الإغلاق والتحجيم من قبل اليمين المتطرف الأوروبي، سواء الحكومات والأحزاب، والأشد غرابة هناك حكومات عربية وإسلامية، وتحديدا في أبوظبي والقاهرة، على رأس المناهضين للمنظمة المسلمة، بدعمهم لليمين المتطرف في معاركه ضدها، وبتدشين حملات إعلامية تشوه من عمل المؤسسة.

ورغم عدم تبعية "مللي جوروش" الفكرية والتنظيمية للنظام الحاكم في تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية (الحاكم)، والرئيس رجب طيب أردوغان، لكن دورها التوعوي والتنموي في خدمة المسلمين، جعلها لا تسلم من الهجمات الممنهجة.

كيف نشأت "مللي جوروش"؟ وما هو الدور الذي تقوم به في خدمة المسلمين؟ وأين تنشط في أوروبا والغرب؟ وما هي آليات اليمين المتطرف والإمارات والنظام المصري في الحرب ضد تلك المنظمة؟.

الأيديولوجية والنشأة 

في عام 1969 دشن الزعيم الإسلامي التركي الراحل نجم الدين أربكان، حركة "مللي جوروش"، في إشارة إلى التوجه الديني للمنظمة، والتي شددت على القوة المعنوية والروحية للعقيدة الإسلامية والإيمان بها، مؤكدة أن تراجع العالم الإسلامي كانت نتيجة لتقليد القيم الغربية مثل (العلمانية).

كلمة "Milli Görüş" بالتركية، تعني بالعربية "فكر الأمة" أو "رأي الأمة"، وكانت القوانين التركية (آنذاك) تمنع استخدام كلمة الإسلام بشكل مباشر في المؤسسات والحركات، لذلك أطلقت هكذا وتعني "ملة ابراهيم حنيفا" أي العقيدة الإسلامية.

لم تكن "مللي جوروش" جماعة أو تنظيما بالمفهوم الدارج، وإنما جعلت نفسها سقفا لكل الجماعات والقطاعات والطرق الصوفية الكثيرة المنتشرة في تركيا، وهذا كان له دور في تنوع الحركة، واتساع رقعتها، ووقوفها على مستوى واحد من كل القطاعات الإسلامية الموجودة. 

فمن حيث القاعدة كانت "مللي جوروش" تجمعا بشريا في شكل حركة سياسية، سعى إلى محاولة عودة القيم الإسلامية للأمة التركية. 

كما هدفت "مللي جوروش" منذ نشأتها إلى اتحاد الدول الإسلامية في العالم، لتأسيس قوة تعاون جديدة، ليصبحوا أكثر تأثيرا وغير خاضعين لإملاءات الدول الكبرى، والهيمنة الغربية.

أما أبرز تحد واجه الحركة في تاريخها، فكان انقلاب 1980 في تركيا، بقيادة الجنرال "كنعان إيفرين"، حيث نظمت "مللي جوروش" في 6 سبتمبر/ أيلول 1980، مؤتمر القدس في مدينة قونية وسط البلاد، وحضره ما يقارب مليون شخص، يومها اعتبره كثيرون، وفي مقدمتهم الصحافة، والنظام العلماني تحديا للجمهورية ومبادئها.

بعدها تحرك الجيش، ونفذ انقلابه الغاشم بقسوة ودموية مفرطة، فقد حكم بالإعدام بحق 517 شخصا نفذ منها 50 حكما، ومات تحت التعذيب 171 شخصا، واعتقل 650 ألف مواطن، وتم وضع مليون و683 ألف مواطن تحت المراقبة.

كما فصل 30 ألف موظف من عمله، وهرب مثلهم خارج البلاد، وسحبت الجنسية التركية من 14 ألف مواطن، ومات 73 في ظروف غامضة، وانتحر 43 مواطنا.

وصبيحة يوم الانقلاب، قام "مجلس الأمن الوطني" الذي شكله الانقلابيون بإعلان الأحكام العرفية في البلاد، وحل البرلمان، وتعليق العمل بالدستور، وإنهاء صلاحيات حكومة سليمان ديميريل، وإغلاق الأحزاب السياسية. وحظر جميع نشاطات منظمات المجتمع المدني، ومن ضمنها حركة "مللي جوروش" بزعامة نجم الدين أربكان.

رغم ما خلفه الانقلاب العسكري من تأثير سلبي على الحركة وإضعافها وتحجيم نشاطها داخل تركيا، لكنها انطلقت نحو العالمية بشكل أوسع، وبدأت تقدم خدماتها للجاليات الإسلامية التركية في عموم أوروبا. 

تجربة رائدة

في كتاب (تجربة وقف مللي جوروش في أوروبا)، للباحث التركي البروفيسور إسماعيل خالد أوغلو، والذي صدر بتاريخ 21 مايو/ أيار 2017، قدم رصدا دقيقا لنشاط المنظمة الإسلامية.

الباحث التركي قال في كتابه: "وقف مللي جوروش أصبح أكبر المنظمات غير الحكومية في أوروبا، ويقدم خدماته لجميع الناس كبيرهم وصغيرهم، ويضم تحت مظلته عددا من الجمعيات كالجمعية النسائية، والجمعية الشبابية، والجامعيين".

وأضاف: "بفضل هذه الجمعيات والمنظمات وصل عدد فروعه إلى 620 فرعا "مسجدا" في 12 بلدا أوروبيا، منها 320 فرعا في ألمانيا، بالإضافة إلى تقديم خدماته في كل من أستراليا وكندا والبلقان، ووصلت عدد تنظيماته إلى 2330 تنظيما، و21 ألف إداري، و 20 ألف عضو بالمركز، و15 ألف عضو بالفروع، ويبلغ عدد المصلين في الجمع والأعياد حوالي 400 ألف شخص، ويقدم خدماته المباشرة لملايين الأفراد".

وأوضح الباحث التركي في الجزئية المتعلقة بمؤسسات خدمات الشباب داخل "مللي جوروش" أن "الوقف يعمل على نشأة جيل من الشباب يحمل الهوية الإسلامية، ووعيا بالمسؤولية الاجتماعية، بغرض أن يكون كل فرد مفيدا للمجتمع، وفي هذا الإطار وجه الوقف فعاليات الإرشاد والتعليم نحو الشباب، وقد وصلت خدمات الوقف لحوالي 80 ألف شاب".

وعن مؤسسات الخدمات الجامعية داخل "مللي جوروش" جاء في الكتاب أنه "في 30 جامعة أوروبية، تم إنشاء جمعيات طلابية بهدف التقاء الطلاب المسلمين ببعضهم، وتوثيق روابط الأخوة والاستشارة بينهم، وكي يكونوا أصحاب غاية ورؤية مستقبلية في المجتمع، وقد بلغ عدد الطلاب المستفيدين من مللي جوروش في هذه النقطة نحو 7 آلاف طالب".

كان هذا جزءا محددا من تفصيلات كثيرة وأقسام متعددة اهتمت بها "مللي جوروش" وعززتها، داخل المجتمعات الإسلامية في أوروبا، وهو ما جعلها عرضة للهجوم والترصد من قبل اليمين المتطرف وأعداء الهوية الإسلامية. 

نهج العداء

"مللي جوروش" التي وصفت بأنها أكبر منظمة إسلامية تعمل في أوروبا والغرب، وقالت عنها صحيفة "خبر التركية": إنها "تعمل على خدمة قرابة 15 مليون مسلم في عموم أوروبا"، قد أُطلق عليها اسم "منظمات الشتات التركية الرائدة في أوروبا".

كان عليها مواجهة مخطط أحزاب اليمين المتطرف في القارة العجوز، التي تسعى إلى إغلاقها وطرد مسؤوليها وتوقيفهم، وعلى سبيل المثال وضعت حكومة حزب الشعب اليميني (الحاكم) في النمسا "مللي جوروش" على رأس المنظمات التي تستهدفها "وحدة رصد الإسلام السياسي" الحكومية المدشنة حديثا، في يوليو/ تموز 2020، وذلك لعزل الجالية المسلمة عن الجمعية التي تقوم باحتوائهم وخدمتهم وحمايتهم، من خلال التضييق عليها وصولا إلى إغلاقها حسب مخططاتهم.

ولا يقف الأمر عند النمسا، ففي 30 أغسطس/ آب 2019، شهدت بلجيكا واقعة مؤسفة، عندما رفضت وزيرة التعليم البلجيكية هيلدا جريفيتس، التابعة للحزب الديمقراطي المسيحي، الاعتراف بالمدرسة الإسلامية في مقاطعة (غنك)، مما يعني أن المدرسة لن تحصل على إعانات وأن شهاداتها لن يتم الاعتراف بها. 

وذكرت الوزيرة أن المفتشين حصلوا على نصيحة من وزارة الداخلية قبل إصدار التقرير النهائي، والذي أشار إلى احتمالية أن تكون منظمة "مللي جوروش" وراء تأسيس المدرسة الإسلامية. 

ظلت الأجهزة الأمنية الألمانية تراقب أنشطة "مللي جوروش" لسنوات، وفي 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2010، أعلنت النيابة العامة في مدينة ميونخ الألمانية رسميا إسقاط كافة التهم الجنائية بالتطرف، والسعي إلى تأسيس تركيا العظمى، التي وجهتها إلى المنظمة الإسلامية التركية، وأغلقت نهائيا ملف التحقيقات التي أجرتها مع الأمين العام للمنظمة و6 شخصيات إسلامية أخرى، لعدم وجود أي دليل يدين الأشخاص ولا الهيئة برمتها.

مؤامرات ذوي القربى

في يناير/ كانون الثاني 2020، شنت جريدة "اليوم السابع التابعة لنظام عبد الفتاح السيسي في مصر، حملة تشويه ممنهجة، ضد "مللي جوروش"، حيث كالت الصحيفة إليها اتهامات بأنها "واجهة لجماعة الإخوان المسلمين في ألمانيا" رغم الاختلاف الكامل في التوجهات والأنشطة بين الحركتين، ولكل منهما مساره المحدد غير المتقاطع مع الآخر.

وفي نفس الشهر، كتب الإعلامي عبد الرحيم علي تقريرا بموقع "بوابة الحركات الإسلامية" الذي يرأس تحريره، ويتلقى دعما من الإمارات تحت عنوان (أذرع أردوغان الخارجية للتجسس على الدول والمجتمعات)، هاجم فيه "مللي جوروش".

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، شنت جريدة "الأهالي" اليسارية في مصر، هجوما على "مللي جوروش" تحت عنوان "جواسيس على المنابر..أردوغان يستخدم الأئمة فى أوروبا للتجسس على المعارضين..تركيا تمول المساجد فى أوروبا".

أما موقع "العين الإخبارية" الإماراتي، فساهم في تشويه حركة "مللي جوروش"، عندما ذكرها في 26 ديسمبر/ كانون الأول 2019، بأنها "أداة أردوغان لنشر التطرف في أوروبا".

خدمات جليلة

الداعية الإسلامي أحمد زايد إمام أحد المساجد بمدينة "درسدن" الألمانية، قال لـ"الاستقلال": "جمعيات ومراكز مللي جوروش المنتشرة في عموم ألمانيا وجميع ولاياتها، تقدم خدمات جليلة للجاليات الإسلامية، وليس الأتراك فحسب، وأنشطتها بارزة وواضحة ومراقبة من الحكومة الألمانية، وتخضع للقانون الألماني، من حيث التمويلات والذمة المالية، وممارساتها الدينية والتعليمية والخيرية، مثلها مثل سائر الهيئات الإسلامية المنتشرة في البلاد، وتقوم على خدمة مئات الآلاف من المسلمين". 

وأضاف: "بالنظر لـ (مللي جوروش) على وجه الخصوص فإنها تتميز، بالسبق في العمل داخل المجتمعات الغربية، منذ قرابة نصف قرن من الزمن، لذلك هي متمرسة وممتدة بين الجاليات الإسلامية، وتحقق كثيرا من المتطلبات الرئيسية للمسلمين، بداية من الشعائر الدينية، والأنشطة الخاصة بالمناسبات، سواء أفراحا، أو جنازات، مرورا بالأعياد ورمضان، تكون المؤسسة التركية حاضرة بقوة وتفرد". 

وأردف: "أكثر ما يزعج أحزاب اليمين المتطرف، هو ازدياد نشاط الجمعيات الإسلامية، خاصة تلك التي تقوم على خدمة أعداد هائلة من المسلمين، وتمتلك إمكانيات كبيرة مثل (مللي جوروش)، ويستغلون الخلافات السياسية مع الدولة التركية ليضيقوا على الجمعيات، رغم الابتعاد الكامل عن السياسة، وعن أي جهة خارجية".

الداعية الإسلامي أوضح: "للأسف دولة الإمارات تدعم شخصيات من اليمين المتطرف، والباحثين المناهضين للمهاجرين المسلمين بشكل خاص مثل مهند خورشيد وغيره، وقد تضررت العديد من المراكز الإسلامية في ألمانيا بسبب تحركات هذا الشخص، ونبرته العدائية".

مضيفا: "تحرص الإمارات على دعم توجهات بعينها مثل الصوفية، وبعض المراكز التابعة لها تحت بنود الحداثة والتنوير، متجاهلين حاجة مئات الآلاف من المسلمين إلى الرعاية، والحفاظ على هويتهم وتماسكهم الاجتماعي والإيماني".