عودة الاغتيالات والتفجيرات بالعراق.. ثغرات أمنية أم رسائل سياسية؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عدة مدن عراقية تشهد عودة لافتة لعمليات الاغتيال التي تطال قادة كبارا وضباطا في الجيش، إضافة إلى تكرار التفجيرات بعبوات ناسفة تستهدف مدنيين ومبان غير عسكرية، الأمر الذي دفع البرلمان إلى مطالبة الحكومة بإجراء تحقيق معمق لمعرفة الأسباب.

تلك الهجمات اتهم في معظمها تنظيم الدولة، إلا أن ملابسات وتوقيتات تنفيذها أثارت علامات استفهام عدة حول جهات أخرى لها مصلحة في ارتكاب مثل هذه العمليات، التي كانت قد توقفت بشكل ملحوظ منذ إعلان استعادة الموصل من سيطرة التنظيم عام 2017.

حوادث متسلسلة

آخر عمليات الاغتيال، طالت آمر لواء 29 بالجيش العميد الركن أحمد عبد الواحد اللامي ومعه ضابط آخر برتبة ملازم أول، إضافة إلى إصابة جنديين اثنين، بهجوم مسلح في محافظة الأنبار غرب العراق في 28 يوليو/ تموز 2020.

وفي 17 من الشهر ذاته، قتل آمر لواء 59 في الجيش العميد الركن علي غيدان بنيران قناص استهدفه في قضاء الطارمية شمالي بغداد، ورغم صدور بيان منسوب إلى تنظيم الدولة يعلن تبنيه العملية، إلا أن قوى سياسية شككت بذلك واتهمت مليشيات نافذة باغتياله.

وعلى وقع تكرار اغتيال القادة العسكريين، دعا النائب الأول لرئيس البرلمان حسن الكعبي، في 29 يوليو/تموز 2020 إلى التحقيق بالموضوع، وتكثيف الجهد الاستخباري في المناطق التي تكررت فيها حالات الاغتيال.

أما عن التفجيرات، فقد انفجرت عبوة ناسفة في 2 أغسطس/ آب 2020 مستهدفة مبنى نادي نفط ميسان الرياضي في منطقة دور النفط وسط محافظة ميسان جنوبي العراق، ما ألحق أضرارا مادية دون وقوع أية خسائر بشرية.

وقبل ذلك في 29 يوليو/ تموز 2020، انفجرت عبوة ناسفة في باص لنقل الركاب بالعاصمة بغداد، ما أودى بحياة شخصين، وإصابة 5 آخرين جميعهم كانوا داخل الباص ساعة الانفجار.

بعد مضي 4 أيام من الحادث، أعلن المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول "اعتقال منفذ العملية خلال مداهمة الوكر الذي كان يسكنه".

وفي الوقت الذي أكد فيه المسؤول الأمني، اتخاذ الإجراءات القانونية بحق منفذ العملية، بيد أنه لم يدل بأي تفاصيل تشير إلى المنطقة التي ألقي فيها القبض على الشخص المذكور، وكذلك الجهة التي ينتمي إليها.

من المُنفذ؟

تفسيرات المحللين السياسيين والخبراء في الشأن الأمني، أشارت إلى أن تصاعد حوادث الاغتيالات والتفجيرات في بغداد ومناطق أخرى من العراق، تحمل دلالات سياسية أكثر من كونها تتعلق بالإرهاب.

ويقول الخبير الأمني والإستراتيجي مؤيد الجحيشي لـ"الاستقلال": إن "50 بالمئة من التفجيرات والهجمات كانت سياسية من داخل العراق وليس لتنظيم الدولة  علاقة بها، وكان تفجير الكرادة ببغداد واحدة من أبرز تلك الهجمات التي تسببت بفاجعة كبيرة".

وأوقع تفجير منطقة الكرادة في 4 يوليو/ تموز 2016 نحو 300 قتيل وأكثر من 20 جريح، والذي تم بواسطة سيارة مفخخة استهدفت أحد الشوارع المكتظة، فيما أعلن وزير الداخلية في وقتها محمد الغبان استقالته من منصبه.

وأوضح الجحيشي أن "ما يجري اليوم من تفجيرات، كلها تقع في مناطق لا يوجد بها تنظيم الدولة، وخصوصا في بغداد، كونه وليس لديه المقدرة على تنفيذها، لكن في المقابل هناك أحزاب سياسية تمتلك مليشيات تقوم بنفس عمل تنظيم الدولة، والغرض منه تحقيق أهداف سياسية".

ولفت إلى أن "مقتل العميد الركن علي غيدان يحمل بصمات المليشيات وتحديدا كتائب حزب الله في العراق، لأن الضابط كشف عن منصة صواريخ الكاتيوشا التي كانت تقصف معسكر التاجي شمال بغداد، لأنه سرب معلومات عن كيفية دخول الصواريخ ومن أعطى الأوامر".

وبخصوص توقيت التصعيد في العمليات، قال الجحيشي: إن "المستفيد الأول هي إيران، لأن العراق إذا استقر أمنيا فإنه الاقتصاد توفر، والعكس الصحيح، وفي الحالتين ستتخلى بغداد عن طهران في استيراد الكهرباء وغيرها من المواد الغذائية".

ونوه إلى أن "الاستقرار الاقتصادي يسير بالتوازي مع الاستقرار الأمني، وإيران تمسك بالملفين إذا تفلت الأمن ينتهي الاقتصاد، وأصبح العراق الرئة التي تتنفس منها إيران"، مرجحا استمرار التفجيرات والاغتيالات، لأن "العراق حكومته ضعيفة، وأن طهران المستفيد الوحيد من ذلك".

1-12233375193

أجندات طائفية

من جهته، قال البرلماني السابق أحمد المساري خلال تصريحات صحفية في 19 يوليو/ تموز 2020: إن "اغتيال آمر اللواء في منطقة الطارمية شمالي بغداد العميد الركن علي غيدان، تقف وراءها دوافع سياسية لخلق أزمات أمام رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، لأن هناك من لا يريد أن ينجح في عمله".

وعلل المساري ذلك بـ"الدعوات الطائفية لإفراغ هذه المدينة من أهلها، وهي امتداد لمحاولات كثيرة بدأت منذ عام 2003، الهدف منها إفراغ حزام بغداد من عشائره وأهله"، مؤكدا أن "أهالي المنطقة وعشائرها ليسوا متهمين باغتيال غيدان، خاصة أن علاقة طيبة كان تربطهم به".

وأشار إلى أن "المنطقة كانت غير مستقرة وتشهد اضطرابات، لكن بمجيء الخزرجي استقرت وأصبح هناك تفاهم بين العشائر والقطاعات الأمنية، وأعتقد أن هذا الاستقرار والتفاهم كان سببا في اغتيال العميد الراحل".

وأكد المساري أن القوى السنية ستقف بقوة بوجه هذه الأصوات النشاز، لافتا إلى أن آمر اللواء استهدف بنيران قناص، ولا يعقل أن تُستهدف الطارمية بعشائرها لإثارة الزعزعة وإعادة عدم الاستقرار للمنطقة.

وعقب تصاعد الدعوات لإفراغ مدينة الطارمية بعدد استهداف آمر اللواء فيها، زار مستشار الأمن الوطني في الحكومة قاسم الأعرجي المنطقة والتقى بشيوخ العشائر في 20 يوليو/ تموز 2020، وكتب بعد ذلك على "تويتر" قائلا: "أيها الطائفيون خابت أحلامكم، فالطائفية في بلدي أصبحت من الماضي".

وفي اليوم ذاته أجرى الكاظمي زيارة إلى المنطقة ذاتها وأجرى جولة في شوارعها، وأكد في تصريحات له أن "الدولة لا تبنى بروح الانتقام، وإنما بالقانون والمواطنة".

وأشار الكاظمي إلى أن محاولة "النيل من قواتنا البطلة بالشائعات مرفوضة، ولا نقبل بها"، محذرا من وجود من يحاول أن "يحيي الطائفية مجددا"، مشددا على أنه سيتصدى لهذا الأمر، في إشارة إلى المطالبة بإفراغ المدينة من أهلها. 

                             

تفجيرات اقتصادية

لم تكن هذه التفجيرات، ذات الأبعاد السياسية والاقتصادية غريبة عن المشهد العراقي، إذ تعرضت محافظة نينوى ذات الغالبية السنية، في السابق إلى هجمات بسيارات مفخخة وعبوات ناسفة، أوقعت عددا من الضحايا العسكريين والمدنيين.

كان لافتا في وقتها تصريحات رئيس الحكومة عادل عبد المهدي في ديسمبر/كانون الأول 2018، والتي قال فيها: إن "التفجيرات التي شهدتها الموصل مؤخرا وأوقعت عددا من الضحايا، لم يكن خلفها تنظيم الدولة".

وأوضح أن "أكثر التفجيرات في نينوى هي اقتصادية وسياسية، أكثر من كونها عمليات لتنظيم الدولة"، موجها بإغلاق "المكاتب الاقتصادية كافة بالمدينة لوجود رغبة شديدة من الجميع بتجاوز هذه المسألة حفاظا على الأمن العام".

وما قصده رئيس الحكومة، كان تفجيرا أوقع 4 قتلى و12 مصابا غالبيتهم من المدنيين، لم يتبنه تنظيم الدولة، واستهدف مطعم أبو ليلى في الموصل، ووجهت الاتهامات لعدد من فصائل الحشد الشعبي في المدينة.

وقبل تصريحات عبد المهدي بشهر، دعا زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر في تغريدة على "تويتر"، إلى إنقاذ مدينة الموصل من خطر عودة "الإرهاب" و"نهش الفاسدين". وقال الصدر: إن "الموصل في خطر فخلايا الإرهاب تنشط وأيادي الفاسدين تنهش. أنقذوا الموصل".